إسلامحول العالمشخصيات

معركة طلاس بين جيش الإسلام وجيش الصين

معركة طلاس : على الرغم من أن الحروب ينتج عنها أحداث مأساوية، وقتلى بأعداد هائلة وخراب ودمار شامل، إلا أن العديد من الحروب قدمت منتجات وخدمات عظيمة، لازلنا نستخدمها في حياتنا اليوم.

منها مثلاً الشريط اللاصق والأطعمة المعلبة، والإنترنت وأفران الميكرويف، والتصوير الرقمي والأقمار الصناعية، ومحركات الطائرات النفاثة والصواريخ، والرادارات وغيرها.

والمعركة التي سنتحدث عنها اليوم هي معركة طلاس، التي تعتبر الوحيدة المسجلة تاريخياً، بين الجيوش الإسلامية العباسية، وجيوش الإمبراطورية الصينية.

ومعركة طلاس من أهم المعارك في العصور الوسطى، لأنها قدمت واحد من أعظم إختراعات البشرية، الورق الذي مهد لاحقاً للنهضة الكبيرة في أوروبا وباقي العالم.

أحداث ما قبل معركة طلاس

أحداث ما قبل معركة طلاس

لفترة زمنية طويلة كانت الإمبراطورية الصينية تحت قيادة أسرة تانغ، وتتمتع بنفوذ قوي جداً في منطقة آسيا الوسطى، وتمتلك العديد من المستعمرات فيها.

لجأت الصين إلى سياسية القوى الناعمة لبسط سيطرتها وسياستها على تلك المناطق، مثل عقد اتفاقيات تجارية طويلة الأمد، مع حكامها التابعين لها، ونشر المعتقدات والثقافة والتقاليد الصينية، ولم تلجأ للقوة العسكرية.

ويعود اهتمام الصين لمنطقة آسيا الوسطى، إلى عام 97 قبل الميلاد، عندما قامت أسرة هانغ التي كانت تحكم إمبراطورية الصين حينها.

بإرسال جيش ضخم مكون من 70 ألف مقاتل، بقيادة القائد هاند شاو إلى مدينة مروة، التي تقع حالياً في دولة تركمانستان، للقضاء على القبائل التي كانت تهاجم القوافل الصينية التجارية.

وبالإضافة لهذا فكان للصين علاقات تجارية قوية مع الإمبراطورية الفارسية، وبينهم أيضاً تحالف عسكري بهدف القضاء على قوة القبائل التركية المتنامية في المنطقة.

وفي ذلك الوقت كانت الخلافة الأموية تتوسع بسرعة هائلة، ونجحت في ضم مساحات شاسعة من الأراضي تحت سيطرتها.

من إسبانيا والبرتغال في الغرب، مروراً بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحتى مدن مروة وسمرقند، وطشقند في الشرق.

وكنتيجة طبيعية للنفوذ الصيني القوي في آسيا الوسطى، والتوسع الأموي الإسلامي السريع، كان لا بد من الصدام في يوم من الأيام.

ما هو السبب المباشر لقيام معركة طلاس؟

بعد الهزيمة الساحقة للإمبراطورية الساسانية في عام 651 ميلادي، أصبح الطريق ممهداً أمام الأمويين للتقدم ناحية مدن بخارى وفرغانة وقشغر، التي تقع مباشرة على حدود الإمبراطورية الصينية.

ووقعت بالفعل العديد من المناوشات العسكرية المحدودة جداً، بين الإمبراطورية الصينية وحلفائها، والخلافة الأموية وحلفائها، ولكن دون نتائج تذكر.

وفي عام 750 للميلاد سقطت الخلافة الأموية، وقامت مكانها الخلافة العباسية، التي كانت مصممة على السيطرة على مناطق آسيا الوسطى، والصدام المباشر مع الإمبراطورية الصينية.

ويعتقد أن السبب الرئيسي لمعركة طلاس، هو أنه وفي عام 750 للميلاد، كانت هناك مشاكل على الحدود بين ملك فرغانة التابع للإمبراطورية الصينية، وملك طشقند التابع للخلافة العباسية.

حيث قام ملك فرغانة بالاستغاثة بالصينيين، الذين أرسلوا جيشاً ضخماً بقيادة القائد كاوتشينشي، والذي نجح في حصار تشقند، وعاهد الحاكم بأنه سيسمح له بالخروج بأمان، ولكنه أعدمه.

وفي حدث مشابه ولكن بشكل معكوس للذي حدث، عندما نجح الأمويين في هزيمة الإمبراطورية الساسانية، وعندما هرب ابن الملك إلى الصين.

استطاع ابن حاكم طشقند الهروب من الصينيين، ولجأ إلى أبو مسلم الخرساني، الذي كان والي خرسان التابعة للخلافة العباسية، واستنجد به.

ونتيجة لذلك فقد حشد أبو مسلم الخرساني جيشاً ضخماً في مدينة مروة، وضمه إلى جيش آخر يقوده القائد زياد بن الصالح، وانطلق الجيشان شرقاً لمواجهة الجيش الصيني.

معركة طلاس

في شهر يوليو من عام 751 للميلاد، التقى الجيشان واندلعت معركة طلاس العظيمة، في منطقة طلاس التي تقع حالياً بالقرب من حدود ولايتي قرغيزستان وكازخستان.

وتشير العديد من السجلات التاريخية، إلى أن عدد قوات الجيش الصيني وحلفاءه، تراوح بين 65 ألف إلى مائة ألف مقاتل.

بينما بلغ عدد جيش قوات الخلافة العباسية وحلفائها، أكثر من هذا الرقم بقليل، واستمر القتال العنيف لمدة خمسة أيام متواصلة.

انتهت معركة طلاس بهزيمة ساحقة للجيش الصيني، وهرب قائد كاونتشنشي من الميدان، وعلى الرغم من هذا النصر العظيم الذي حققته الخلافة العباسية، على الإمبراطوية الصينية في معركة طلاس.

وعلى الرغم من أن الطريق أصبح مفتوحاً أمام جيوش الخلافة، للتقدم لناحية الصين نفسها، إلا أنه تم اتخاذ قرار بعدم التقدم والتوقف، والاكتفاء بالسيطرة على كل أقاليم آسيا الوسطى، وتم تعيين حكام تابعين للخلافة العباسية.

نتائج معركة طلاس وانتشار الدين الإسلامي

أسفرت معركة طلاس عن نتائج مهمة، منها القضاء تماماً على النفوذ الصيني في منطقة آسيا الوسطى، وإحكام الخلافة العباسية سيطرتها على المنطقة تلك بدون منافس.

وانحسرت العقائد البوذية والهندوسية والوثنية، التي كانت سائدة في منطقة آسيا الوسطى، وانتشر الإسلام بدلاً عنها.

أضعفت معركة طلاس الإمبراطورية الصينية بشكل كبير جداً، مما أغرى خصومها بشن هجمات عليها، وانتزاع أراض من تحت سيطرتها، وكذلك اندلعت العديد من الإضطرابات والحروب الأهلية في داخل تلك المناطق.

سر صناعة الورق

أما على الصعيد العلمي، فمن أهم نتائج معركة طلاس هو أنه كان من بين آلاف الأسرى الذين أسرهم المسلمين، مجموعة من أمهر صناع الورق الصيني.

وفي ذلك الوقت كانت صناعة الورق سراً غامضاً، لا يعلم عنه العالم شيئاً، واحتكرت الصين وقتها سر التصنيع للورق، بينما اعتمد باق العالم على استخدام الجلود وورق البردي من أجل الكتابة.

تم نقل صناع الورق الصينين إلى بغداد، عاصمة الخلافة العباسية، وبقوا هناك لمدة عشرة سنوات، حيث تم تكليفهم بتعليم الصناع العرب والمسلمين، أسرار صناعة الورق وتقنياته المختلفة.

وهذا أدى إلى إنتشار صناعة الورق في جميع المناطق، التي كانت خاضعة للخلافة العباسية، ومنها إلى اسبانيا والبرتغال، اللتين كانتا تحت سيطرة الأمويين في ذلك الوقت، ومن ثم إلى باقي أنحاء أوروبا.

ومع مرور الوقت انتشرت العديد من المصانع في صناعة الورق، في الكثير من المدن مثل سمرقند ودمشق وبغداد والقاهرة.

وأدى تكرار الورق وإنتشاره، إلى سهولة كبيرة في حفظ وتداول النصوص الدينية والأدبية وغيرها، وازدهرت حركة التأليف في جميع المجالات.

وأدى أيضاً إلى ظهور الكتب وإنتشار الورق، وإلى تطوير تقنيات الطباعة والصناعة باستعمال الأحبار، مما مهد لابتكار طرق الطباعة الحديثة، التي أدت إلى عصر النهضة في أوروبا، والتي انعكست على باقي العالم فيما بعد.

 المصدر يوتيوب قناة الآن تعلم

المراجع

 https://en.wikipedia.org/wiki/Battle_of_Talas

https://www.thoughtco.com/the-battle-of-talas-195186

https://thediplomat.com/2016/01/the-battle-that-kept-the-chinese-out-of-central-asia/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى