مفهوم الحرية : بعد مرور مائة عام على استقلال الولايات المتحدة الأمريكية قامت الجمهورية الفرنسية بإهدائها هدية هي من أعظم هدايا التاريخ ، كانت هذه الهدية تمثال الحرية .
تم تصنيع هذا التمثال في فرنسا ثم شحنه بحراً في باخرة فرنسية حتى يوضع على القاعدة التي خصصت له في جزيرة الحرية كما سميت فيما بعد .
مفهوم الحرية الأمريكي
يعتبر هذا التمثال تجسيداً للآلهة الرومانية آلهة الحرية ليبرتاس ، و صار هذا التمثال رمزاً للحرية على مستوى العالم .
فتجاوزت قوته الناعمة أمريكا و أوروبا حتى بلغت كل شعوب الأرض ، ولذلك تم استنساخه في كثير من دول العالم كاليابان و الهند و فيتنام و إيطاليا وغيرها .
وعندما أرادت الجماهير الغاضبة في الصين التعبير عن مطلبها في تحقيق الحرية لم تجد تعبيراً أبلغ من نصب تمثال الحرية في ساحة المظاهرات .
ومن هنا نتساءل هل الرؤية الأمريكية للحرية التي يرمز لها هذا التمثال هي النسخة الوحيدة للحرية ؟
مفهوم الحرية في الإسلام
قبل الإجابة عن هذا السؤال من الضروري الإشارة إلى فكرة الخصوصية الحضارية .
فالإنسان المنتمي إلى أي حضارة من الحضارات و يريد النهوض بهذه الحضارة ، لا بد له أن يحدد القدر الذي يتحقق فيه التمايز بين حضارته و الحضارات الأخرى .
فعلى سبيل المثال العدل قيمة مطلقة تؤمن بها جميع الحضارات وتدعو إليها ، لكن على مستوى التطبيق يوجد اختلاف عظيم .
فالمسلمون يرون أن قطع يد السارق من إقامة العدل ، أما الغربيون فإن يرون ذلك نوع من التخلف و الهمجية .
وكذلك بالنسبة للحرية فهي قيمة عظيمة ندعو إليها و نؤمن بها ، لكن وفق المنظور الإسلامي لا وفق المنظور الغربي .
الفرق بين المفهوم الإسلامي والغربي لمعنى الحرية
من الفروقات الجوهرية بين المفهوم الإسلامي للحرية و المفهوم الغربي اختلاف القاعدة المرجعية التي هي المبادئ و الأسس التي نرجع إليها في إقامة مفهوم الحرية و حدودها و ضوابطها .
فالمسلم يعتقد بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق و المدبر و المصرف لهذا الكون العظيم ، و يعتقد بأن الله سبحانه وتعالى متصف بالعلم المطلق .
ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى هو المشرع الأعلى ، و الوحي الإلهي هو الذي نرجع إليه في تأسيس الحقوق والواجبات .
وكذلك يعتقد بأنه مفتقر و محتاج إلى الله سبحانه وتعالى في جميع شؤونه ، فكما أنه محتاج إلى الله جل وعلى في معايشه كالرزق و الصحة والعافية وغير ذلك .
فكذلك هو محتاج إلى الله سبحانه وتعالى في المسائل المعرفية و التشريعات التي تضبط الفرد و المجتمع ، بخلاف النموذج الغربي الذي يتصور بأن الإنسان هو مرجعية ذاته .
أي أن الإنسان بعلمه القاصر و خبرته الضئيلة هو الذي يحدد الحقوق و الواجبات و يحدد حقيقة الحرية و يضع حدودها و ضوابطها .
كذلك من الفروقات الجوهرية بين الحرية بالمفهوم الغربي و المفهوم الإسلامي أن الحرية بالمفهوم الإسلامي تتسم بالشمول و الاتساع .
فالشريعة جاءت لتحرير الإنسان من كل استعباد ، جاءت لتحريره مما يستعبد جسده كما أنها جاءت لتحريره مما يستعبد روجه .
و أوجبت على الإنسان أن يتحرر من جميع أنواع الاستعباد ، سواء كان ظاهراً حسياً أو خفياً معنوياً .
ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة .
يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان قد يكون مأسوراً ومسترّقاً ومستعبداً استعباداً معنوياً وليس بالضرورة أن يكون حسياً .
مفهوم الحرية عند الغرب
أما الحرية في المفهوم الغربي فهي تقف عند حدود العبودية الحسية كالاستعباد الذي يمارسه المستبدون ، و هذه هي الصورة الصارخة للاستعباد و انتهاك الحرية ، لكنها ليست كل شيء .
ولذلك فإن المسلم مأمور بأن يحرر جسده وعقله وروحه من كل ما يقطع طريق وصوله إلى الكمال أو يعرقل حركته ومسيره إلى الله سبحانه وتعالى .
المصادر
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com