إسلامحول العالمشخصيات

نابليون بونابرت الصدمة الحضارية


نابليون : أثناء الحروب الصليبية احتكت أوروبا المتخلفة بالحضارة الإسلامية التي كانت تحكم العالم، فحدثت صدمة حضارية لدى أوروبا صدمة ساهمت بالنهضة الأوروبية الحديثة.

ودار الزمان دورته، وتغيرت الموازين، وقادت أوروبا الحضارة الإنسانية في غفلة من المسلمين الذين أغلقوا عقولهم وصرفوا همتهم لشرح المختصرات واختصار المطولات، في ظل أزمات سياسية وحضارية متوالية.

حتى صحى المسلمون على أصوات مدافع نابليون، وهي تدك أبواب مصر. وهنا حدثت الصدمة الحضارية المعاكسة، ووجد المسلمون أنفسهم أمام فجوة حضارية عميقة بينهم وبين أوروبا.

وكانت النتيجة سقوط العالم العربي والإسلامي تحت وطأة الاستعمار الحديث.

الحملة الفرنسية التي قادها نابليون على مصر والصدمة الحضارية التي حدثت للمسلمين هي موضوع حلقتنا اليوم من برنامج قصة وفكرة.

نابليون بونابرت قائد عسكري فرنسي شهير، مثّل للغرب أشهر عبقرية عسكرية، بل ربما كان أشهر من تقلّد رتبة لواء في التاريخ كله. كوّن إمبراطورية عظيمة جداً ضمت معظم غرب أوروبا ووسطها.

بداية نابليون العسكرية

في عام 1779 ميلادي دخل وعمره 9 سنوات فقط مدرسة فرنسية عسكرية، وتقلد رتبة ملازم ثاني في سلاح المدفعية في الجيش الفرنسي وعمره 16 سنة فقط.

ثم تمت ترقيته إلى ملازم أول بعمر 22 سنة ثم نقيب في العام التالي، ترقي سريع يدل على عبقرية عسكرية غير عادية.

في عام 1796 تغيرت بعض الأحوال في أوروبا، وأصبحت النمسا هي العدو الرئيسي لفرنسا.

بعدما اندلعت الحرب بين فرنسا والنمسا، كسب نابليون الحرب حيث كان هو القائد، وفي أقل من عام واحد هزم أربعة جيوش من أوروبا.

كان كل واحد من هذه الجيوش أكبر من جيشه، وكان عمره عندما قاد هذا الجيش المنتصر 27 سنة فقط.

في أكتوبر من نفس العام وقعت فرنسا والنمسا معاهدة صلح، بناءً عليها توسعت الأراضي الفرنسية على حساب الآخرين، وعاد نابليون إلى فرنسا فاستقبله الفرنسيون استقبال الأبطال.

الذي يهمنا ليس هو تاريخ نابليون وإنما تاريخ نابليون في حملته على مصر.

الحملات الصليبية على مصر

عبر التاريخ تعرضت مصر لحملتين صليبيتين بقيادة فرنسا، كلاهما في عهد الدولة الأيوبية.

الحملة الأولى كانت هي الحملة الصليبية الخامسة، والثانية هي الحملة الصليبية السابعة كلاهما بقيادة لويس التاسع.

ومنيت الحملتان بهزيمة مدوية، وانتشرت أخبار هزيمة فرنسا في مصر في عام 1221 و 1250، لكن الرغبة باحتلال مصر ظلت في أذهان الفرنسيين.

وبقيت أملاً لسياسة فرنسا التوسعية الاستعمارية الخارجية، أن تسيطر فرنسا على مصر، وينتظرون الفرصة السانحة لتحقيق هذا الحلم لهم.

مصر في عهد الدولة العثمانية

كانت مصر تتبع على الأقل رسمياً للدولة العثمانية، وأخذ الضعف يتسرب إلى الدولة العثمانية بالضعف شيئاً فشيئاً. وفرنسا زاد تطلعها مع ضعف الدولة العثمانية.

زاد تطلعها إلى مصر، وجاءت التقارير المتتالية من رجالات الفرنسيين تحث قادتهم بأن اللحظة صارت مناسبة لغزو مصر.

كشفت تقارير سفير فرنسا، وكثير من السفارات مهمتها استخباراتية، كشفت تقاريرها من خلال السفير الفرنسي الذي كان في الأستانة، مصدر الحكم في الدولة العثمانية.

وأيضاً القنصل الفرنسي في الاسكندرية، تشير كلها لضعف الدولة العثمانية، وكل التقارير إلى الساسة الفرنسيين تدعو إلى الإسراع باحتلال مصر. لكن الحكومة الفرنسية هي التي ترددت.

الحلم باحتلال مصر

في التاسع من فبراير 1798 قدم شارل مجالون القنصل الفرنسي في مصر قدم تقريراً إلى حكومته يحرضها على ضرورة احتلال مصر وأكد تقرير آخر من وزير الخارجية هذا الأمر

هذا التقرير المفصل يحتل مكانة تاريخية كبيرة في الحملة الفرنسية على مصر. لأنه عرض أولاً استعراض العلاقات التي قامت قديماً بين فرنسا ومصر، ثم بسط الآراء التي تنادي بمزايا الاستيلاء على مصر.

لم يكتفي التقرير بهذا بل تناول وسائل تنفيذ الغزو، ما هو عدد الرجال الذين يحتاجونهم، وما هي السفن التي يحتاجونها لحمل الرجال والذخائر، وخطة الغزو العسكرية، وأين نقاط الضعف في مصر.

وتطرق التقرير حتى إلى الجوانب الفكرية والدينية، فطلب من أي حملة تأتي مراعاة تقاليد أهل مصر وعاداتهم وشعائرهم الدينية، وأنه من الضروري استمالة المصريين من خلال تبجيل علمائهم  ومشايخهم.

فالمصري تكسب مودته بتبجيل علمائه ومشايخه، وهؤلاء العلماء أصحاب مكانة كبيرة عند المصريين فإن انحرفوا انحرف الناس وراءهم كما هو في كل زمان.

تجهيز حملة نابليون لاحتلال مصر

أصدرت فرنسا قرار الغزو، ووضعت جيش الشرق تحت قيادة نابليون بونابرت، وتحركت الجيوش في الثاني عشر من أبريل 1798.

جرت الاستعدادات لتجهيز الحملة، كان نابليون يختار بنفسه القادة والضباط ويختار العلماء، عني بتشكيل لجنة من العلماء سماها لجنة العلوم والفنون.

وأمر بجمع كل حروف الطباعة العربية الموجودة في كل مطابع باريس، وزود الحملة بمطبعة خاصة لطبع المنشورات باللغة العربية، ليوزعها في مصر.

وتمت التغطية تماماً على الجهة التي يقصدها الأسطول الفرنسي، حتى الجنود أنفسهم لم يكونوا يعلمون وجهة الأسطول.

أبحرت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون من ميناء تولون وكانت مكونة من 36 ألف جندي تحملهم 300 سفينة، ويحرسها أسطول حربي بالمدافع مؤلف من 55 سفينة حربية.

ورغم كل السرية التامة التي أحاطت بتحركات الحملة الفرنسية، إلا أن أخبارها تسربت إلى بريطانيا.

معرفة بريطانيا بالحملة السرية

وبريطانيا في ذلك الوقت كانت العدو اللدود لفرنسا، وتوقعت بريطانيا أن تكون وجهة الحملة الفرنسية هي مصر.

وكانوا دائماً على تنافس على اقتسام مناطق النفوذ في العالم العربي، بين فرنسا وبريطانيا باستمرار، والتسابق بينهما على الاستعمار كان معروفاً.

ولم يكن هناك دولة بالنسبة للجهتين أفضل من مصر لتحقيق هذا الغرض الاستعماري.

واستطاع نيلسون قائد الأسطول البريطاني بذكائه وجواسيسه أن يتحرك بسرعة، ووصل إلى ميناء الاسكندرية قبل وصول نابليون بونابرت والحملة الفرنسية بثلاثة أيام.

وأرسل بعثة صغيرة للتفاهم مع السيد محمد كريم حاكم المدينة العثماني، وأخبره عن نية فرنسا مهاجمة الاسكندرية.

الدولة العثمانية في سبات لا يدرون ما يحدث، لكن السيد محمد كريم ظن أنها خدعة إنجليزية من أجل أن يحتل الإنجليز المدينة.

فرفض العرض بمساندة الإنجليز له لحمايته من الحملة الفرنسية، وهنا أسقط في يد نيلسون، فلم يقدر أن يواجه الفرنسيين وحده والعثمانيون لم يتعاونوا معه.

فواصلت الحملة الفرنسية إلى الإسكندرية، ولم يكن هناك مخابرات عربية ولا عثمانية ولا مصرية فقط الإنجليز والفرنسيين يلعبون بالدنيا.

دخول الفرنسيين مصر عبر البحر

وصلت الحملة الفرنسية الإسكندرية ونجحت في احتلالها في الثاني من تموز 1798 بعد مقاومة عدة ساعات فقط.

ليس بسبب قلة شجاعة المصريين لكن فارق التجهيزات العسكرية، بين جيش كامل من فرنسا مدجج والمصريون لم يكن لديهم حتى جواسيس.

وأدرك نابليون أنه دخل مصر، لكنه عرف قيمة الروابط التاريخية الدينية بالذات التي تجمع بين المصريين والعثمانيين، خاصة في ذلك الوقت والخلافة الإسلامية كانت عظيمة بالنسبة للمسلمين.

فحرص على أن لا يبدو بصورة المعتدي على حقوق السلطان العثماني، وحاول أن يكسر التعاون بين العثمانيين والمصريين.

ولكن هذه السياسة المخادعة لم تقنع أحداً، وتحرك المصريون وقاوموا الاحتلال.

في الثالث من تموز 1798 زحفت الحملة على القاهرة وسلكت طريقين، أحدهما بري والآخر نهري، تسلكه مراكب خفيفة في فرع رشيد في نهر النيل لتقابل الحملة البرية قرب القاهرة.

هزيمة المصريين أمام الأسطول الفرنسي

لم يكن طريق الحملة سهلاً لأن المصريون بدأوا يقاومون بشدة، ووقعت في 13 تموز أول موقعة بحرية بين مراكب المماليك والفرنسيين وكان جموع الأهالي من الفلاحين يهاجمون الأسطول الفرنسي من الشاطئين.

لكن الأسلحة الحديثة التي كان يمتلكها الأسطول الفرنسي حسمت المعركة لصالح الفرنسيين، واضطر مراد بك قائد المماليك إلى التقهقر نحو القاهرة.

ثم أعاد تنظيم صفوفه، والتقى مراد بك مرة ثانية بالفرنسيين عند إمبابة في 21 تموز 1792 معركة سماها الفرنسيون معركة الأهرام لقربها من الأهرامات.

قتل في هذه المعركة الصغيرة 70 فرنسياً لكن 1500 من المصريين والمماليك معظمهم مات أو استشهد غرقاً مع الهروب الطائش الذي كان بسبب فارق القوة الشديد بين الجانبين.

في 22 تموز استسلمت السلطات التركية في القاهرة، وأرسلت مفاتيح المدينة إلى نابليون، فدخلها في 23 تموز تحوطه قواته من كل جانب. وفي عزمه أن يؤكد احتلاله لمصر.

وحرص على أن يأمر جنوده بعدم القتل والاغتصاب، وأظهر الود للمصريين وأظهر الود حتى للدولة العثمانية، واحترم عقائد أهل البلاد وتقاليدهم وعاداتهم.

وكل ذلك من أجل أن يحول مصر إلى قاعدة عسكرية ومستعمرة فرنسية، يمكنه من خلالها توجيه ضربات قوية إلى الإنجليز وإلى العثمانيين ومن أجل أن يأخذ الفرنسيون فلسطين.

ماذا فعل نابليون في مصر

هل استقر له الأمر؟ هل انخدع الشعب المصري بادعائه للإسلام؟

بعد دخول نابليون إلى القاهرة، كان أول تدخل مباشر في الشؤون الداخلية للدول العربية في العصر الحديث.

في اليوم التالي لدخوله 25 تموز 1792 أنشأ نابليون ديوان القاهرة من 9 من كبار العلماء المصريين لحكم مدينة القاهرة.

وهذ الديوان كان سلطة استشارية ليس إلا ومنع نابليون جنود من السلب والنهب لكن استمر في تحصيل نفس الضرائب التي كان يفرضها المماليك الذين حكموا البلاد قبله

واعترف فوراً باحترامه للشعائر الإسلامية وفاجأ نابليون كل الناس بأنه في خطاب عام أعلن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. نابليون أسلم.

مما جاء في رسالة نابليون بونابرت مخادعة للمصريين:

بسم الله الرحمن الرحيم

لا إله إلا الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه.

أيها المشايخ والأئمة قولوا لأمتكم أن الفرنساوية هم أيضاً مسلمون مخلصون.

صار الفرنسية محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني أدام الله ملكه، وأدام الله إجلال العسكر الفرنساوي.

لعن الله المماليك وأصلح حال الأمة المصرية.

أصبح نابليون بونابرت حاكماً مسلماً والناس صدقت ذلك. لأنه لم يكن هناك إعلام إلا إعلامه. فالمستبد بيده إعلام لا أحد يتكلم غيره والناس العاديون صدقوا.

فأطلق أهل مصر على نابليون اسم علي نابليون بونابرت. وبدأ نابليون يتجول في شوارع القاهرة وهو مرتدي الملابس الشرقية من عمامة وجلباب، ويذهب إلى صلاة الجمعة ويصلي مع الناس.

تطوير مصر

وعقد نابليون اجتماعات مع العلماء في الشريعة وكذلك عقد مع العلماء الذين معه، فساهم بتطوير مصر.

كان هناك انتشار وباء الطاعون، فأوقفوه. وأدخل صناعات جديدة وطوّر التعليم وأنشأ خدمات بريدية ونظام مواصلات أصلح الترع، وضبط الري ربط النيل بالبحر الأحمر. صنع اشياء كبيرة.

ولكن للأسف مضطرين أن نقول، وبشيء من التواضع، أن المستعمرين للأسف في لحظة من اللحظات يقومون بإصلاحات لم يقم بها أهل البلد أنفسهم لأن الحكام مستبدين.

لكن الفرنسيون كان همهم أن يحسنوا الناس في البداية وهمهم الأبعد هو طمس الهوية، وخاصة الفرنسيين.

فالفرنسيون عندما يسيطرون على بلد يغيرون حتى لغتهم، بينما الإنجليز يتمصون الدم ويمشون لكن لا يغيروا الهوية.

لا زلنا نرى آثار هذا التغيير الحضاري على لغة الناس في المغرب العربي، والعادات الفرنسية التي يمارسونها في لبنان وغيرها.

وطبعاً الناس غير المتدينين من علمانين وأمثالهم، تغيرت هويتهم وأصبحوا فرانكوفونية.

كتاب وصف مصر

هل تعلمون أنه رافقت الحملة الفرنسية مجموعة من العلماء في شتى مجالات العلم؟ أكثر من 150عالماً وأكثر من ألفي متخصص رسامين، كيميائيين وأطباء وفلكيين.

ما كانت حملة عسكرية فقط، ونتيجة هذه الجهود صدر كتاب منهم اسمه وصف مصر.

وهو كتاب غطى جميع أراضي مصر من شمالها إلى جنوبها، قاموا برصد كل ما يتعلق بالحضارة المصرية القديمة.

كتاب فيه صور وخرائط أصدروه في أكثر من 20 جزءاً، ما زال موجوداً إلى اليوم ويعتبر من أهم الوثائق التاريخية في مصر.

في عام 1799 العالم بوشارد من علماء الحملة الفرنسية، وجد في مدينة تبعد عن الإسكندرية وجد حجر رشيد وكان عليه بلغتين وثلاثة خطوط.

هذا الحجر هو الذي مكنت كتاباته من وضع أسس منهج ترجمة النصوص الفرعونية، وفتحوا بذلك حضارة مصر القديمة، وهذه نتيجة هامة من نتائج هذه الحملة.

انتفاضة المصريين ضد نابليون بونابرت

وفي هذه الأثناء كان الإنجليز مسيطرين على البحر، وكان نابليون قد ترك سفنه في البحر، وأمرهم أن يعودوا إلى فرنسا إلى أن يأمرهم.

لكن جاءت رياح شديدة منعتهم، وجاءهم الأسطول الإنجليزي بقيادة نيلسون، وكانت معركة أبو قير وحطموا الأسطول الفرنسي. وتضاعفت الأزمات على نابليون بعد فقده أسطوله.

وفي 16 أكتوبر وعت الناس أمره بأنه يدعي الإسلام، وبدأ العلماء الواعين ينشروا الوعي،  فقامت ثورة بكل عنف داخل مصر.

وتخلى نابليون عن دور الفاتح المتسامح المسلم، وأمر بقطع أعناق كل ثائر مسلح طبعاً مع إدعاء الفرنسيين الصبغة العلمية لحملتهم.

فالجيش لما ثارت الثورة عليه وبدأت من الأزهر، أمر بقصف الأزهر بالمدافع، وقتل عدد من العلماء المجاهدين، وقام بإتلاف وتدمير خزائن الكتب والمخطوطات بجامع الأزهر.

بل حاول هدم الجامع في النهاية ليقضي على الثورة، وهو سلوك يتناقض تماماً مع ادعائه باعتناق الإسلام.

هزائم نابليون

استطاع السيطرة ثانية على القاهرة، وهنا جاءته الأخبار أن الأتراك سيحركون جيشاً لمساندة مصر، فقرر أن يحرك جيشه نحو فلسطين وقام بذلك فحاصر يافا.

وبعد حصار وقتال فتحها ثم حاصر عكا، لكن كانت عكا مدججة بالسلاح، والإنجليز زودوهم بالسلاح أيضاً، وما استطاع بعد شهرين من الحصار المتواصل أن يفتح عكا.

في 14 حزيران عاد جيشه الذي فشل في فتح فلسطين جيش منهك أصابته الأزمات والبلاء، رجع القاهرة منهكاً بعد رحلة شاقة قطعوا فيها 300 ميل في 26 يوماً.

في 11 تموز أنزلت مائة سفينة على ساحل خليج أبي قير جيش تركي لطرد الفرنسيين من مصر

فخرج نابليون من القاهرة متجهاً نحو الشمال معه أفضل جنوده، وانقض فوراً على الجيش التركي قبل أن يجمع صفوفه فألحق بهم هزيمة منكرة.

لكن نابليون لم يهنأ بهذا النصر، فقد جاءت الأخبار من أوروبا هذه المرة أن تحالف أوروبي قد طرد الفرنسيين من ألمانيا، وأعاد الاستيلاء على إيطاليا.

هذه الإنتصارات التي حققها هو وفتح ألمانيا وإيطاليا، كل صروح انتصاراته انهارت عبر سلسلة من الكوارث من خلال هزائم مخزية في أوروبا نفسها.

وجد أن جيشه هلك معظمه وحوصر في ممر يحيط به الأعداء، ويستطيعون محق الفرنسيين بوقت قليل.

العودة إلى فرنسا

في منتصف تموز تلقى من حكومة فرنسا أمراً بأن يعود إلى باريس فوراً، لإنقاذ فرنسا نفسها فصمم على العودة إلى فرنسا.

ويحاول أن يشق طريقه خلال الحصار البريطاني، وعين كليبر ليكون على رأس ما تبقى من حلم فرنسا لضم مصر.

استطاع فعلاً أن يخترق الحصار ويصل فرنسا، لكن قتل نائب نابليون كليبر على يد سليمان الحلبي رحمه الله تعالى.

بعد هزيمة الفرنسيين وتحطيم أسطولهم، وقع الفرنسيون معاهدة لتسليم مصر، والعودة إلى فرنسا على السفن البريطانية، وانتهت بذلك فترة من أهم فترات التي شهدتها مصر.

هذه الحملة كانت بداية النهاية لنفوذ المماليك في مصر، وبزوغ نجم محمد علي باشا الخديوي، وإقامته دولة مستقلة في مصر وإن كانت اسمياً تابعة للدولة العثمانية.

كما كان من نتائج هذه الحملة إحياء روح الجهاد في روح المصريين والشاميين، وبقية الدول العربية التي سقطت تباعاً، صار لديهم أمل أن يهزموا المحتلين.

وثيقة نابليون التي تركها وصية لكليبر

يقول فيها:

إذا أردت أن تحكم مصر طويلاً، فعليك باحترام مشاعر الناس الدينية، وعليك احترام حرمات منازلهم.

ووثيقة أخرى كانت شديدة الإثارة عن حلم نابليون بحفر قناة السويس، وعدم إضاعة أي قطرة من ماء النيل، لو كان قيد له أن يحكم طويلاً.

لكن هدفه الحقيقي كان أن يجعل من مصر قاعدة لامبراطورية هائلة شرقاً حتى إيران وأفغانستان، ويقول في ختام هذه الوثيقة أن هدفه ليس تطوير مصر. بل يقول:

لست أنا أقل من الإسكندر الأكبر، رغم حزني الشديد لأن الإسكندر غزا مصر وكان عمره 26 سنة بينما أنا غزوت مصر وعمري 28 سنة.

نتائج حملة نابليون على مصر

شكلت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون صدمة حضارية لمصر، رأوا لأول مرة في حياتهم مطبعة تطبع بالحروف العربية.

بدأ اهتمامهم بالآثار الفرعونية، ولأول مرة يرى المصريون سفور المرأة، رأوا امرأة سافرة فرنسية فلم يكن هناك سفور أبداً.

هذه الصدمة الحضارية حفزت حاكم مصر محمد علي باشا الخديوي أن يندفع في عملية تحديث مصر، وأرسل في سبيل ذلك بعثات إلى أوروبا، وكان يسمونها إرساليات تعليمية، من أجل بناء مصر الحديثة.

وللأسف أصاب تلك الإرساليات انبهاراً بالغرب، ما استطاع حتى شيخ الحملة المرافق لها، رفاعة الطهطاوي أن يفرق بين التقدم المادي في الغرب وافتقارهم للقيم التي موجود جزء منها على الأقل في الشرق.

ولذلك انتشرت بعد هذه الصدمة دعوات تربط تقدم الأمة بتقليد الغرب، حتى في أسوأ الأمور.

لا شك أن هذه الحملة أثارت شيئاً من الوعي لدى شريحة من المثقفين في الدول العربية، بالذات في مصر والشام.

ولفتت انتباههم إلى أن المحتلين أهدافهم واحدة على اختلاف مشاربهم، تتلخص في طمس هوية الإسلام في بلادنا وامتصاص خيراتها.

خاتمة

تذكروا هذا وقل أن استودعكم الله انشروا عنا مقولة نابليون:

لو أن القادة العسكريين يتمسكون بمبادئهم كما يتمسك رجال مصر بدينهم لأصبح العالم ملكي، لو كنت قائدهم إذ يبدو أن القرآن الذي يحملونه به قوة عليا لا تقهر ولا تهزم.

د. طارق السويدان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى