نظرية الأرض المسطحة (الحقيقة والخرافة)

نظرية الأرض المسطحة : إنه لأمر غريب ونحن في هذا العصر أن نجد أشخاصاً مازالوا مؤمنين بأن كوكب الأرض وباقي الأجرام السماوية مجرد أجسام دائرية مسطحة.

السبب الرئيسي في انتشار مثل هذه الأفكار هو تطور نظريات المؤامرة، وتشعبها في مختلف المجالات، ونحن هنا لا نناقش صحة هذه النظريات من عدمها.

بل فقط نشير إلى دورها في انتشار مثل هذه الأفكار، بحيث يصبح الشخص مهووساً لدرجة كبيرة بكل ما تروج له تلك النظريات.

مما يجعله يؤمن بأن العالم أجمع يتآمر ويخفي حقائق كبرى عن الكون والحياة، من بينها موضوعنا اليوم الأرض المسطحة.

ترويج نظرية الأرض المسطحة

السبب هو شبكة الإنترنت بحيث أصبحت أبوابها مفتوحة على مصراعيها لكل الأفكار، سواء الإيجابية أم السلبية، فيصبح الشخص قليل الاطلاع والمعرفة بالأمور العلمية والدينية.

وفي موقف المتلقي السلبي أي يصدق بأي شيء بسهولة دون تفعيل آلية التفكير العلمي والمنطقي والنقدي، لأنه لا يمتلكها.

خاصة حينما يلجأ المروجون لمثل هذه الأفكار إلى أدلة يصورونها على أنها علمية أو دينية.

المتآمرون على نظرية الأرض المسطحة

نظرية الأرض المسطحة والمتآمرون الذين لا يقولون أن الأرض المسطحة حقيقة هم:

وكالة ناسا
العلماء والمؤرخون
شركات الطائرات والرحلات الجوية
الحكومات وغيرها

فبحسب هؤلاء أيضاً فإن صور ناسا للفضاء مفبركة، فالجاذبية غير موجودة ودوران الأرض بهتان.

الفيزياء والرياضيات وضعا قوانينها علماءٌ ماسونيون، وعلم الفلك مجرد تلفيق، المدة الزمنية للرحلات الجوية مزورة.

المسارات الجوية للطائرات مزيفة، الأقمار الاصطناعية غير موجودة، التاريخ مجرد أكاذيب إلى آخره، يعني كل شيء مزيف وملفق.

هل لديهم أدلة على نظرية الأرض مسطحة

يدعي المروجون لنظرية الأرض المسطحة أن لديهم أدلة علمية وأدلة دينية على أننا نعيش على كوكب له شكل القرص.

وفوقه مباشرة الشمس والقمر، اللذان لهما نفس القطر، منهم من يعتبرهما مسطحين أيضاً ومنهم من يعتبرهما جسمين كرويين.

قطر كل منهما حوالي اثنان وخمسون كيلو متر ويبعدان عن سطح الأرض مسافة تبلغ حوالي خمسة آلاف كيلومترفقط، أما السماء أو الغلاف الجوي فيتم تصويره على شكل قبة شفافة.

وسوف لن تحتاج إلى معادلات رياضية أو حسابات هندسية أو فلكية معقدة، حتى نبين أن هذه الأفكار غير صحيحة.

بل جل ما نحتاج إليه هو المعرفة العامة التي تعتمد على الملاحظة والمقارنة البسيطة.

وهذا ما سنتطرق له هنا إلى جانب توضيح سوء فهم النصوص الدينية سواء الإسلامية أو غير الإسلامية.

الأرض المسطحة هل هي نظرية أم فرضية

بداية يجب أن ننوه أن الأرض المسطحة ليست بنظرية، بل مجرد فرضية أو بالأحرى هي فرضية لا تستقيم علمياً.

لكن ما هو الفرق بين النظرية والفرضية؟

في المنهج العلمي الفرضية هي طريق الوصول إلى النظرية، ننظر بعجالة إلى التسلسل التالي الذي يوضح المنهج العلمي في وضع النظريات

الملاحظة: وهي المشكلة أو المعضلة المراد فهمها علمياً حول نظرية الأرض المسطحة

وضع الفرضية التي تفسر هذه الملاحظة.

إخضاع هذه الفرضية لآلية التقييم والتجريب، فإن فشلت نعود مجدداً لوضع فرضية أخرى.

أما إن نجح الاختبار نمر لمرحلة وضع النظرية العلمية المجربة، ونخرج منها بقانون علمي.

دعونا الآن نلقي نظرة على بعض أدلة المؤمنين بهذه الفرضية ونبين خطأها:

الشمس والقمر والنجوم

حسب المؤمنين بالفرضية فإن الشمس والقمر وغيرها من الكواكب والنجوم، مجرد أقراص مسطحة مثل الأرض المسطحة.

الشمس

لكن هناك منهم من يقول إن الشمس والقمر جسمان كرويان كما ذكرنا سابقاً، والنموذج التالي الذي اخترعوه يشرح كيف يحدث الليل والنهار، وكيف تتحرك الشمس والثمر فوق الأرض.

طبعاً هذا مجرد خيال لأنه في هذه الحالة سوف يمكننا رؤية الشمس من أي مكان على الأرض، سواء بالليل أو النهار.

حيث يجب أن تظهر لنا ليلاً بأنها أصغر حجماً، لكنها بعيدة جداً في جهة الأفق حيث غربت، وهذا مخالف للواقع.

ولهذا لجأ هؤلاء الناس إلى اختراع قانون جديد أِطلقوا عليه اسم انعدام الرؤِية بعد خط الأفق، وهو يشكل النقطة التي لا يمكن الرؤية إلى ما دونها.

وإذا قلت لهم حسناً سوف أستخدم التليسكوب لأنه سيمكنني من رؤية ما بعد الأفق بشكل يسير جداً.

بحيث سوف يكون بإمكاني رؤية الشمس وحتى أمريكا إذا كنتُ على الساحل الغربي لأفريقيا، أو اليابان إذا كنتُ في كاليفورنيا.

ولكن جوابهم سيكون إن جزيئات الغلاف الجوي سوف تمنعك من الرؤية لذلك لن ترى الشمس ولن ترى أي مكان آخر.

إنهم يكذّبون ببساطة أي شيء تعتبره أنت كدليل أن الأرض ليست مسطحة هو مناقض لإيمانهم.

القمر

ننتقل الآن إلى القمر بالنسبة للذين يقولون عنه قرصاً مسطحاً فإن قولهم يعارض منازل القمر التي نعتمدها في تقويمنا القمري.

إذا قارنا كرة صغيرة مع قرص دائري أمام مصدر ضوئي يحاكي الشمس نستنتج بشكل مؤكد أن القمر الذي نراه في السماء في حياتنا اليومية كروي الشكل وليس قرصاً مسطحاً.

( يمكن لأي شخص النظر إلى القمر بواسطة التلسكوب نجد أن المعالم والظلال تبين أن شكله كروي.

وتظهر الفوهات البركانية دائرية في الجهة الموازية للأرض، وليست لها ظلال الفوهات في حافة القمر، وتبدو بيضاوية لأنها منحرفة عن زاوية الرؤيا ولها ظلال عميقة)

الأمر المهم الآخر هو أن سكان النصف الجنوبي للكرة الأرضية، يرون القمر معكوساً.

لكن حسب الفرضية التي هي موضوع النقاش فإنه لا وجود للقطب الجنوبي، وبالتالي فهم لا يستطيعون تفسير ظهور القمر منعكساً.

النجوم والأجرام السماوية

فإن كانت الأرض مسطحة، يعني ان السماء هي نفسها في جميع بقاع العالم، ولكن هذا غير صحيح.

لأن ما يظهر في السماء ليلاً من نجوم شمال الأرض، ليس نفسه ما يظهر في جنوبها.

هذا بالإضافة إلى أن دوران الأرض حول نفسها يجعل زاوية النظر معكوسة إلى السماء تماماً كما في حالة القمر.

أي أن النجوم تبدو حركتها في السماء شمالاً عكس عقارب الساعة، أما جنوباً تكون مع عقارب الساعة.

يلجأ المؤمنون بتسطيح الأرض إلى شراء كاميرات لها خاصية زوم جيدة، فيقومون بتوجيهها للسماء وعمل الزوم على الكواكب والنجوم البعيدة.

ثم يقولون تفضلوا الدليل على أنها مسطحة أيضاً وهذا منطق باطل طبعاً لأن النظر للنجوم والكواكب يتطلب استخدام التلسكوب وليس الكاميرا.

لأن خاصية الزوم وتكبير الصورة به تفوق خصائص أفضل كاميرات في السوق، فالكاميرات لم تصنع من أجل النجوم.

إن استخدام التلسكوب يعرض شكل الكواكب والنجوم بشكل واضح ويبين أنها كروية. وكلما زادت كلفة التلسكوب، كلما زادت تقنياته المستخدمة ودرجة وضوح الرؤية.

لكن هؤلاء الناس لا يحبون التلسكوبات، لأنهم يقولون إنها مبرمجة. أي أنك سوف ترى ما يريدونك أن تراه فقط.

خط الأفق

تختفي السفن في الأفق بينما تبحر في عرض المحيط، يظهر للناظر أنها تختفي تدريجياً من الأسفل إلى الأعلى.

لكن المؤمنين بسطحية الأرض يقولون إن ذلك بسبب تخطيها خط الأفق، لأن عين الإنسان لا تستطيع إدراك ما بعده.

حسناً إذاً ماذا لو استخدمنا كاميرا وعملنا زوم على إحدى السفن، أليس من المفترض أن نشاهد هيكل السفينة كاملاً.

لأن النظر للأفق بالعين أضعف بكثير منه بالكاميرا، لكننا رغم ذلك نرى جزء من السفينة فقط، وهي مازالت تختفي تدريجياً إلى أن تحتفي تماماً يعني نفس القضية هنا أيضاً.

شكل الأرض

كثيراً ما يلجأ المؤمنون بالفرضية ذاتها إلى استخدام مركبات الدرونز المزودة بكاميرات أو صواريخ صغيرة.

ويرسلونها في الجو إلى ارتفاع معين، ويقومون بتصوير الأفق ثم ينشرون الصور ويقولون أنظروا إلى الأرض إنها مسطحة وليست دائرية.

طبعاً هؤلاء لا يدركون حجمنا بالمقارنة مع حجم الكوكب، ويعتقدون أن مركبات الدرونز هذه أو الصواريخ تعطيهم دلائل علمية.

وهذا خاطئ تماماً لأن الارتفاع الذي تصل له هذه المركبات بسيط جداً لملاحظة انحناء أو تقوس الأرض في الأفق.

وبشكل بسيط يمكن توضيح هذه الفكرة بالمثال التالي:

نأخذ كرة قدم ونعتبرها كوكب الأرض، ننظر إلى مليمتر واحد من سطح هذه الكرة، وفيه توجد مستعمرة بكتيريا.

وهذه المستعمرة تضم مئات الآلاف أو الملايين من البكتيريا، فإذا قفزت بكتيريا واحدة فوق سطح الكرة، هل ستدرك أنها تعيش على شكل كروي؟

هذا بالضبط ما ينطبق علينا، فعِظَم حجم الكوكب بالنسبة لنا لا يسمح لنا برؤية استدارته في الأفق.

لأننا لا نوجد سوى على نقطة بسيطة جداً على سطحه، والانحراف الذي يحدث في الأفق ليس سوى بأجزاء بسيطة جداً من المليمتر.

ومن المستحيل أن نلاحظه من ارتفاعات بسيطة.

الرحلات الجوية فوق القطب الجنوبي

حسب نظرية الأرض المسطحة ليس هناك رحلات جوية فوق القطب الجنوبي، لأنه ببساطة لا وجود للقطب الجنوبي.

وهي مناطق محظورة أمام الطائرات، بحيث سيتم اكتشاف حد أو حافة كوكب لو تم التحليق هناك.

وهذا ما لا يمكن حصوله حتى تبقى حقيقة الأرض المسطحة سرية. هذا أمر غير صحيح طبعاً.

لأن هناك رحلات جوية فوق القطب الجنوبي بين مختلف الدول والمدن الموجودة، لكن طبعاً هم يقولون إن هذه الرحلات مزيفة وغير موجودة أصلاً.

في عناوين من صحف غربية:

أكثر من 45 شخص قاموا بزيارة القطب الجنوبي في فترة الصيف المنصرم
السماح للمركبات الدرونز التجارية بالرحلات القطبية
منشآت في القطب الجنوبي تحتضن علماء من مختلف التخصصات من مختلف دول العالم

شعار الأمم المتحدة

من الأمور الأخرى التي يستشهد بها المؤمنون بـ نظرية الأرض المسطحة ، هو شعار الأمم المتحدة.

فحسب ظنهم هو يمثل الشكل الحقيقي للأرض، والمفارقة هنا هي أنهم يضعون هذه المنظمة العالمية ضمن لائحة المتآمرين على العالم.

فكيف تكون ضمن حزب المتآمرين، وفي نفس الوقت تضع رمزاً للأرض المسطحة في شعارها الرسمي؟

وهذا مجرد كلام فارغ طبعاً، لأن فكرة شعار الأمم المتحدة من اختيارها شكل الكوكب هي إبراز مهمتها في خدمة العالم في جميع الدول.

ولا تتوفر خريطة تخدم هذه الفكرة سوى التي تم استخدامها، نقرأ في الميثاق الرسمي لتأسيس هذه المنظمة في ما يخص الشعار في الرابط هنا

وكذلك رسم خرائط الكوكب تتم وفق تقنيات معينة تسمى الإسقاط، وهي ذات أنواع واستخدامات مختلفة.

حديث مع أحد رسامي الخرائط

(حسناً إليك المشكلة نحن معشر رسامي الخرائط المتخصصون ندعوها بمشكلة قشرة البرتقالة.

أنت تريد رسم ما على سطحها الخارجي في ورقة مسطحة، إذا نزعت سطح الأرض الخارجي ووضعته أمامك تجد أنه ليس مسطحاً.

أعني مهما حاولت تسطيحه فلن تنجح، وهذه هي المشكلة التي لا بد لرسامي الخرائط أن يواجهونها دائما إنها مسألة هندسية أساسية).

فهناك مثلاً الإسقاط الأسطواني الإسقاط المخروطي والسمتي والرأسي وغيرها.

فمثلاً نسقط شكل الأرض على أسطوانة. فنحصل على خريطة أسطوانية إذا قمنا بلفها.

أو المخروطي، فنحصل على خريطة مخروطية إذا قمنا بلفها على شكل مخروط وهكذا.

وشعار الأمم المتحدة هو باستخدام إسقاط السمتي.

النصوص الدينية وتناقضات نظرية الأرض المسطحة

من بين الفئات المنجرفة وراء تيار نظرية الأرض المسطحة ، نجد للأسف بعض المتدينين من المسلمين والمسيحيين وغيرهم.

فيقومون باقتباس الآيات من الكتب المقدسة كدليل على أن الأرض المسطحة حقيقة. مشكلة هؤلاء الناس تكمن في سطحيتهم في التعامل مع النصوص الدينية.

فيأخذون بالمعاني الحرفية للآيات دون معرفة مسبقة، ودون تحليل للسياق العام التي وردت فيه الآيات، ودون اعتبارات علمية ثابتة

ومما يزيد الطين بلة، هو اعتبار هؤلاء الناس أن التقدم العلمي مجرد كذبة، لأن العلماء كفرة وملاحدة ولا يؤمنون بالله تعالى وهدفهم هو خدمة الشيطان فقط.

طبعاً هذه الفئة من الناس هي قليلة، وكل كلامهم هذا كلام ساذج وينم عن جهل كبير بالدين أولاً قبل أن يكون جهلاً بالعلم.

وهناك أيضا فئة الملحدين الذين بسبب سذاجة فهمهم للدين يعلنون إلحادهم وكفرهم، ويهاجمون الكتب المقدسة والأديان.

مدعين أنها تناقض العلم خاصة بمسألة الأرض المسطحة هذه.

نحن في هذا المقام لسنا بصدد مناقشة أفكار هؤلاء الناس لاعتقادهم بأن الأرض المسطحة حقيقة.

أو اثبات تخلفهم الديني والعلمي والحكم عليهم، بل غرضنا هو توضيح المعنى الحقيقي للنصوص.

إثباتات دينية من القرآن الكريم

نبدأ بنصوص القرآن الكريم، فليس كل ذكر لكلمة أرض أو سماء في كتاب الله تعني كوكب الأرض والغلاف الجوي.

فقد وردت كلمة الأرض في مواضع كثيرة تعني كوكب الأرض، وفي مواضع أخرى كثيرة أيضا تعني مكة أو بيت المقدس أو مصر أو غيرها.

مثال من سورة يوسف

الآية 80 (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي).

هنا في هذه الآيات، خطاب أحد أخوة يوسف لباقي أخوته في قصة صواع الملك ، فهل يقصد هنا أنه لن يغادر كوكب الأرض حتى يأذن له أبوه أو يأتيه حكم الله؟

طبعا لا، ليس هذا هو المعنى، لأن الأرض هنا في سياق القصة تعني مصر، وبالتحديد في المكان حيث جاءوا ليأخذوا بضاعتهم.

دعنا ننظر الآن لبعض أهم هذه الآيات التي يقتبسونها ويقولون إنها دليل على سطحية الأرض.

مثال من سورة الغاشية

( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت* وإلى السماء كيف رفعت* وإلى الجبال كيف نصبت* وإلى الأرض كيف سُطحت).

الادعاء هنا هو أن سُطحت تعني أن الأرض مسطحة، وهذا ادعاء باطل أساساً، لأن المقصود هنا ليس الكوكب بل ما يظهر للناظر من مكان تواجده.

والدليل، الفعل المستخدم وهو أفلا ينظرون، يعني يا محمد أفلا يرى هؤلاء كيف رفعنا السماء فوقهم؟

أفلا يرون كيف نصبنا الجبال أمامهم، أفلا يرون إلى الأرض كيف تبدو منبسطة أمامهم؟

والدليل الآخر، هو أن المفسرين أنفسهم في تلك الحقبة الغابرة قالوا بنفس الشيء.

وهذا مثال من كتب التفسير:

تفسير ابن كثير

(الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه والسماء التي فوق رأسه والجبل الذي اتجاهه والأرض التي تحته).

مثال من سورة النازعات

( ءأنتم أشد خلقا أم السماء بناها* رفع سمكها فسواها* وأغطش ليلها وأخرج ضحاها* والأرض بعد ذلك دحّاها* أخرج منها ماءها ومرعاها).

هنا الحديث عن الأرض ككوكب، لكن يقولون إنّ دحّاها تعني سطحها فهل هذا صحيح؟ هذا يسمى تلاعباً بالألفاظ، كيف ذلك:

فعل دحا يدحو له معان كثيرة، وليس معنى واحداً فقط، يعني السياق هو الذي سيحدد لنا المعنى المقصود أو المعنى الصحيح.

وليس حذف السياق واختيار المعنى اعتباطياً بما يوافق تصور كل واحد.

نجد في المعاجم العربية معان مختلفة لهذا الفعل مثلاً المد والبسط والإلقاء والدحرجة والجرف والجر والإخراج من جوف الشيء إلى آخره.

فعلى أي أساس يختارون معنى البسط الذي رديفه التسطيح، ويلصقونه بالآية ثم يقولون تفضلوا الدليل من كتابكم على أن الأرض المسطحة واقع؟

أولاً – من يقول هذا الكلام أشخاص لا يتتبعون ولا يفقهون أي شيء عن السياق القرآني، لأن سياق السورة بالذات يعطينا معنى دحاها الصحيح.

بدون أي نقاش أو بحث في مصادر أخرى، لأن الخطاب واضح من أشد خلقاً هل خلقكم أنتم أيها البشر أم خلق السماء.

فهو بناها عن طريق رفع سمكها وتسويتها وإغطاش ليلها وإخراج ضحاها ثم الأرض بعد ذلك دحاها عن طريق إخراج الماء والمرعى من جوفها.

ثانيا – المفسرون أنفسهم في ذلك الزمان الغابر، قالوا بنفس الكلام مثال من:

تفسير ابن كثير

(ولكن إنما دحيت بعد خلق السماء بمعنى أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل.

عن ابن عباس دحاها ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى، وشقق فيها الأنهار وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام).

تفسير الجلالين

(دحاها مخرجاً منها ماءها ومرعاها بتفجير عيونها، ومرعاها ما ترعاه النعم من الشجر والعشب وما يأكله الناس من الأقوات والثمار، وإطلاق المرعى عليه استعارة).

قد تكون هناك إختلافات في بعض التفاسير وهذا منطقي، لأن المفسرين بشر يفسرون وفق المعارف التي تعلموها.

والتي كانت سائدة ومتوفرة في تلك الفترة. خاصة المعارف المتعلقة بالجيولوجيا أو الكيمياء أو غيرها.

فإن كان المفسرون أجمعوا كلهم على أن الأرض المسطحة موجودة في القرآن الكريم، لكان ذلك بمثابة دليل ضد الإسلام لكنه غير موجود.

فأغلب المفسرين في ذلك الزمان على رأي تكوير الكوكب، وعلى ذلك كان رأي الجغرافيين العرب أيضاً.

والكثير من الفقهاء والأئمة والأدلة طافحة في كتب التراث الإسلامي، ولمن يبحث عنها سوف يجدها.

إثباتات دينية من الإنجيل

نتوجه الآن إلى الإنجيل، هناك بعض الآيات يتم الاستشهاد بها أيضاً على سطحية الأرض.

ولسنا بحاجة لذكرها جميعها بل آية واحدة تكفينا في هذا المقام، ننظر إلى سفر الرؤيا الأصحاح العشرون الآية الثامنة:

( ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض).

أولاً – نفس الأمر الذي ينطبق على لفظة الأرض في القرآن الكريم ينطبق على هنا على نفس اللفظة بالإنجيل فلها أكثر من معنى يفهم من السياق العام.

ثانياً – في هذه الآيات من سفر الرؤيا، نقرأ عبارة أربع زوايا الأرض.

حسناً هؤلاء المؤمنون بأن الأرض مسطحة يناقضون أنفسهم باستشهادهم بهذه الآية لأن المجسم الذي وضعوه للكوكب دائري الشكل.

فهل هناك أربع زوايا في دائرة حتى يتخذون الآيات دليلاً؟

ثالثاً – هؤلاء الناس يتغاضون عن كون نسخ الإنجيل، متوفرة بترجمات وليست اللغة الأصلية للإنجيل.

تغيير المعنى في الترجمة

بل هي ترجمات عن اللغة اليونانية القديمة، التي تعتبر أقدم نسخ المتوفرة نتحدث هنا عن العهد الجديد وليس القديم لأن العهد القديم كتب بالعبرية.

الكلمة التي تهمنا الآن المترجمة بالعربية إلى زوايا، فهي مترجمة أيضا بالإنكليزية إلى corners أو borders أو quarters بمعنى أطراف أو زوايا أو أربع.

والكلمة اليونانية الأصلية المترجم منها هي yovia وهي من مرادفاتها أيضاً، إلى جانب كلمة زوايا أو حدود كلمة أقسام.

ومن السياق العام نفهم أن أربع أقسام الأرض تعني الشرق والغرب والشمال والجنوب.

خاتمة حول نظرية الأرض المسطحة

الأدلة الدينية على كون الأرض كروية متوفرة بكثرة من بينها قوله تعالى:

( خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كلهم يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار).

الله تعالى يبين أن الليل والنهار يتتابعان تدريجياً، ويلتفان على بعضهما على جهة الاستدارة ولا يستقيم أن يكور بهذا الشكل، إلا يكون الأرض كروية في ذاتها.

هناك أدلة كثيرة لنفي الأرض المسطحة، ليس هناك مجال لذكرها جميعها سواء الدينية أو العلمية التي تفيد بكروية كوكبنا.

وأي شخص مهتم يمكنه البحث والمقارنة بسهولة بين المعلومات المتوفرة ويتأكد بنفسه أي الفريقين على حق.

تجدر الإشارة إلى رؤية كيف يرد المؤمنون على حقيقة الأرض المسطحة، هذه الأدلة ويتفنون في تحريفها لأنهم ببساطة لا يؤمنون إلا بما يوافق تصورهم فقط.

وأي شيء آخر يخالفه ما هو إلا كذب أو تزييف أو مؤامرات لطمس الحقيقة.