إسلامالآداب

هكذا كان حال العرب


الشيخ سعيد الكملي- تعرف كيف كان حال العرب في فخرهم وهجائهم

هكذا كان حال العرب

دخل أعرابي يوماً، على عبد الملك بن مروان في مجلسه، وكان الخلفاء يحبون، أن يدخل عليهم الأعراب، لما يكون لهم من النوادر والفصاحة.

لأن البادية هي قلعة عربية في ذلك الزمن، أما الأمصار، فقد اختلط العرب مع العجم، وفسدت عربيتهم.

وكان في المجلس، الفرزدق وجرير والأخطل، والأعرابي لم يرهما قبل قط، ولكن الثلاثة، هم معروفون، فلما دخل عليه،  قال عبد الملك بن مروان للأعرابي:

ما أهجا بيت قيل في الإسلام؟ فقال الأعرابي: قول جرير يا أمير المؤمنين:

فغض الطرف إنك من نمير             فلا كعب بلغت ولا كلابا

وكان البيت الواحد من الشعر، ربما يضع القبيلة كلها، وربما سنى بها إلى الأعالي.

الفخر باسم القبيلة أو الخجل منها

كانت هناك قبيلة، تلقب بني أنف الناقة، وذلك لأن الأب الذي تفرعوا منه، كان له أخوة، فاقتسموا ناقة بعد ذبحها، ولم يبقى له إلا أنفها.

فذهبت به، وقيل أنف الناقة، وتكنى أولاده، ببنو أنف الناقة، وسميت القبيلة هكذا حتى قال الشاعر:

قوم هم الأنف والأذناب غيرهم             ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا

ونمير، الذي هجاه جرير، كانت من قبيلة فيها فخر شديد، حتى إذا سئل النمير عن قبيلته، كان يفخم الأحرف باللفظ، ويجيب أنا من نمير، رغم أن الحروف مرققة في اللفظ.

الفخر بالانتماء إلى القبائل

وهذا الانتماء القبلي عند العرب، كان شيئاً عظيما جداً، فالناس الآن، تنتمي إلى المدن، وأهملت انتماءها إلى القبائل.

ولكن قديماً كانوا يفتخرون بانتمائهم للقبيلة، وإذا ولد أحدهم في إحدى القبائل، السافلة عند  العرب، كانوا لا يتباهون بقبيلتهم.

مثل قتيبة بن مسلم الباهلي، كان من الأمراء والشجعان، ولكنه من باهلة، وهي من أسوأ قبائل العرب، حتى قال فيهم أحدهم:

إذا قيل لي كلبي باهلي          عوا الكلب من شؤم هذا النسب

ودخل أعرابي على قتيبة من مسلم، وقال له قتيبة: أتحب أن تكون من باهلة، وأعطيك نصف الإمارة؟ فقال الأعرابي: لا.

فقال: أفتحب أن تكون من باهلة، وتكون لك الإمارة كلها؟ قال: لا، فقال الأمير: أتحب أن تكون من باهلة، وتدخل الجنة؟ فسكت الأعرابي، ثم قال: بشرط أيها الأمير، قال: وما هو؟ قال: أن لا يعرف أهل الجنة أني من باهلة.

مدح الأعرابي لجرير عند أمير المؤمنين

ونعود لقصة بني النمير، حيث وضع من شأنهم جرير، في شعره، فقال عبد الملك بن مروان للأعرابي: أحسنت، فما أرق بيت في الإسلام، فقال: قول جرير يا أمير المؤمنين:

إن العيون التي في طرفها حور     قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به   وهن أضعف خلق الله أركانا

فقال له عبد الملك: أحسنت، فما أمدح بيت في الإسلام؟ قال: بيت جرير فيك، يا أمير المؤمنين:

ألستم خير من ركب المطايا         وأندى العالمين بطون راحِ

فقال له عبد الملك: أحسنت، فهل تعرف جريراً؟ قال: لا يا أمر المؤمنين، ووالله إني لرؤيته لمشتاق، فقال الملك: هذا جرير، وهذا الفرزدق، وهذا الأخطل.

فأنشأ الأعرابي يقول:

فحي الإله أبا حزرة وأرغم أنفك يا أخطل

وجد الفرزدق أتعس به ودق خياشيمه الجندل

وأبو حزرة، هي كنبة جرير والفرزدق، وكان كثير الفخر بآبائه.

التهجم على الأعرابي والدفاع عنه

غضب الفرزدق، وأنشأ يقول:

بل أرغم الله أنفاً أنت حامله يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل

ما أنت بالحكم لترضى حكومته   ولا الأصيل ولا ذو الرأي والجدل

والأخطل قال:

يا شر من حملت ساق على قدم ما مثل قولك في الأقوام يحتملُ

إن الحكومة ليست في أبيك ولا في معشر أنت منهم إنهم سَفَلُ

فغضب جرير، وقام فقال:

شتمتما قائلاً بالحق مهتدياً عند الخليفة والأقوال تنتضل

أتشتمان سفاهاً خيركم نسباً ففيكما وإلهي الزور والخطل

شتمتماه على رفعي ووضعكما لا زلتما في سفل أيها السفل

ثم قبل رأس الأعرابي، وقال لعبد الملك: يا أمير المؤمنين، جائزتي له، فقال له عبد الملك: وله مني مثلها، فأخذ الأعرابي كل ذلك وخرج.

 حال العرب الشيخ سعيد الكملي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى