لا يمكن أن نفهم ما يحدث الآن دون أن نعود إلى التاريخ ونعرف ما حكاية هونج كونج من البداية وهي حكاية مثيرة جداً.
ربما تكون أفضل بداية لها السنوات القليلة التي سبقت حرب الأفيون.
ما هي حرب الأفيون
حتى نعرف ما هي يجب أن نعرف أنه منذ حوالي 250 سنة، كان هناك صراع اقتصادي ما بين الصين والدول الصناعية الغربية الصاعدة وعلى رأسها بريطانيا.
جوهر الصراع أن الصين، الإمبراطورية العظيمة وقتها، كانت أكبر اقتصاد في العالم، وكانت ترغب في غلق حدودها على نفسها، ولم تكن تشعر أن العالم الخارجي لديه ما يغريها باستيراده.
الأمر الذي أدى إلى وجود فجوة كبيرة جداً في الميزان التجاري، أي أنها تصدر للعالم الخارجي ولا ترغب في استيراد أي شيء منه.
بريطانيا كانت ترغب في تغيير هذا الوضع، بفتح أسواق الصين وأن تصدر لها أكبر كم ممكن من البضائع أو الخدمات، سواء بشكل مشروع أو بشكل غير مشروع.
وبالتالي بدأت في زيادة وتيرة إدخال بضائعها، ومن بين هذه البضائع كان الأفيون.
كانت تزرعه في الهند المستعمرة البريطانية القريبة من الصين، وبدأت بإدخاله إلى الأسواق الصينية، وبدأت هذه البضاعة تلقى رواجاً لأنها تسبب الإدمان.
طبعاً بين الصينيين على مدار خمسن إلى سبعين سنة. وزادت المسألة قبيل اندلاع حرب الأفيون الأولى، التي بدأت عام 1839 إلى عام 1842.
أنه كانت كما تقول كتب التاريخ، يدخل التجار البريطانيون، وشركة الهند الشرقية التابعة لبريطانيا، تدخل حوالي 4000 شحنة وكل منها تضم حوالي 77 كيلو من الأفيون.
النتيجة أن هذا أغضب الإمبراطور الصيني لأمرين:
لأنه يتعارض مع سياسته غير الراغبة على الانفتاح على العالم الخارجي.
والآثار الاجتماعية السيئة جداً التي أدت إلى إدمان عدد كبير من المواطنين الصينيين، وبالتالي مشاكل اجتماعية وقلة إنتاج ومشاكل سيئة.
حرب الأفيون الأولى
عندما قررت الصين منع دخول هذه البضائع، أي الأفيون، وألقت القبض على مجموعة من البحارة البريطانيين واشتبكت معهم اعتبرت بريطانيا هذه الحادثة سبباً للتدخل العسكري ضد الصين.
وأطلق عليها حرب الأفيون الأولى، ومن أطلق عليها هذا الإسم هم مجموعة من الشرفاء الإنجليز الذين اعتبروها حرباً غير أخلاقية.
لأن الهدف منها تحقيق الربح لبريطانيا العظمى، بأي وسيلة حتى لو كانت وسيلة غير أخلاقية.
كانت نتيجة هزيمة الصين المفاجئة والسريعة أمام بريطانيا، مجموعة من الشروط المذلة التي فرضت على الصين.
وخلاصة هذه الشروط فتح من المدن أو جزء منها، أمام البضائع البريطانية، وانتزاع جزء من هونج كونج الحالية، حيث أخذوها على مراحل.
حرب الأفيون الثانية
ثم تجددت حرب الأفيون مرة أخرى، فيما عرف بحرب الأفيون الثانية، التي انضمت إليها فرنسا وكانت لأسباب مشابهة.
لأن بريطانيا وفرنسا ترغبان في فتح المزيد من المدن الصينية والموانئ الصينية أمام التجارة مع العالم الخارجي.
وكانت النتيجة، أن الصين هزمت مرة أخرى في الحرب، التي بدأت في عام 1856 وحتى 1860 وخسرت فيها أيضاً لصالح بريطانيا جزءً آخر من هونج كونج ويدعى كاولون.
ثم بعد الاستيلاء على هونج كونج وكولون، قررت بريطانيا أن تستأجر لمدة 99 سنة جزءً آخر مجاور لهونج كونج سميت بالأراضي الجديدة.
والأراضي الجديدة وكولون وهونج كونج يشكلون هونج كونج التي نعرفها الآن.
هذا ما في التاريخ وخلاصته أن الصين خسرت هونج كونج الحالية، نتيجة هزيمتها في حرب الأفيون الأولى والثانية.
صعود قوة الصين
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبدأت الصين تظهر كقوة صاعدة، وبدأت تسعى لاستعادة كل المناطق الخارجة عن سيطرتها.
وكانت ثلاثة مناطق على وجه التحديد، منطقة ماكاو التي كانت منطقة صينية واحتلها البرتغاليون في القرن السادس عشر، وهونج كونج بالطبع وجزيرة تايوان.
بدأت مفاوضات مع بريطانيا انتهت في عام 1984 ووفقاً لهذا الاتفاق الذي أجري في هذا العام سوف تستردها الصين كاملة في 1 يوليو عام 1997 وهو ما كان.
لماذا 1 يوليو عام 1997 هذا هو التاريخ الذي ينتهي به عقد إيجار بريطانيا لمنطقة الأراضي الجديدة
وفي هذه المناسبة سوف تسترد الصين أيضاً الأراضي التي تم احتلالها، أي كامل هونج كونج بأجزائها الثلاثة.
لكن هذا الاتفاق تضمن شرطاً مؤقتا ً أن تحظى هونج كونج بفترة انتقالية لمدة 50 عاماً، تنتهي عام 2047، وخلال هذه الخمسين عاماً تستطيع فيها هونج كونج أن تنعم بنوع من الحكم الذاتي.
بحيث تحتفظ بنظامها الذي كانت تعيش وفقاً له تحت الإحتلال البريطاني. وافقت الصين وفقاً لمبدأ دولة واحدة ونظامين.
أي أن هونج كونج جزءاً من الصين، لكن تبقى بنفس النظام التي عاشت به تحت النظام البريطاني وقبلت الصين بذلك لأكثر من اعتبار:
تجربة هونج كونج الاقتصادية
وأولها أنها كانت مستفيدة من تجربة هونج كونج الاقتصادية الناجحة جداً، باعتبارها معبراً للعلاقة ما بين الصين والغرب.
وهي كانت أحد أهم أسباب النهضة الاقتصادية، التي حصلت في الصين بداية من السبعينيات إلى الآن. لذلك لم تكن تمانع في هذا الأمر مؤقتاً.
دولة واحدة ونظامان
أن الصين كانت ترغب في أن تنجح علاقتها مع هونج كونج، وفق مبدأ دولة واحدة ونظامين.
حتى تغري الجزء الباقي وحيث أنها استردت ماكاو من البرتغاليين عام 1999 وأيضاً بقيت ذات حكم ذاتي. ماكاو تدعى أيضاً لاس فيغاس آسيا وهي منطقة غربية في أطراف الصين.
لكن المتبقي هو منطقة تايوان التي انفصلت عن الصين عام 1949 وهي تحاول اقناع تايوان بالعودة صاغرة.
كما تفعل مع هونج كونج دولة واحدة ونظامين، أن تقنعها بأن تكون دولة جزء من الصين ولكن لها نظامها وديمقراطيتها التي تريدها وحرية التجارة وكل ما ترغب به كي تبدد مخاوف أهالي تايوان.
صحيح أنهم لم ينجحوا حتى الآن، لكن الصين عندما أقامت هذا النظام مع هونج كونج، كانت تسعى أيضاً إلى إقناع التايوانيين بالعودة إليها صاغرين.
بدل استخدام القوة العسكرية التي لن تتردد الصين في استخدامها في الوقت المناسب لاستعادة تايوان مرة أخرى.
ما علاقة ما ذكرنا بالأحداث الأخيرة
بعد أن فهمنا كل تلك الخلفية التاريخية، نعرف أن هونج كونج، باعتبارها مستعمرة بريطانية، لم يكن لها أي قوانين تجبرها على تسليم أي مجرمين إلى الصين.
لكن مؤخراً الصين ضغطت على السلطة الموجودة في هونج كونج، والتي هي سلطة تابعة لها على سن قانون تسلم بموجبه هونج كونج أي مجرم جنائي إلى الصين.
المفروض نظرياً لا تغضب أحداً باعتبار هناك اتفاقات مختلفة فيما بينهما، ولكن هذه المسألة أثارت الذعر لدى عشرات الآلاف من المواطنين في هذه المقاطعة.
لأنهم لا يثقون بالقانون الصيني أو الديمقراطية الصينية، وبالتالي لديهم هاجس أنها دول أمنية قمعية لا يحبون التعامل معها.
مع أنها المفترض أنها بلدهم في النهاية. والناس خائفون من أن تبدأ المسألة من اتفاقية تسليم المجرمين ثم تنتهي بتفسيرها.
ومن ثم تسليم كل المعارضين السياسيين والمنتقدين للصين، وبالتالي تذبل تجربة هونج كونج كاملة وتصبح هونج كونج مثل أي مدينة داخل الصين، وهو ما لا يحبه أهالي هونج كونج.
الاحتجاجات
وبدأت احتجاجات عنيفة جداً وهذه الاحتجاجات أجبرت هونج كونج والصين على تجميد هذا القانون مؤقتاً.
ونلاحظ عدة أمور:
الصين تتبع سياسة النفس الطويل
هي في النهاية لديها شعار بلد واحد ونظامان لكنها تركز تدريجياً على الجزء الأول فقط وهو البلد الواحد.
أما كلمة نظامين فهي قليلة الاستخدام وببطء تغير نظام هونج كونج ليتوافق مع قوانينها لأنها لن تقبل بهونج كونج بؤرة غربية داخل حدودها.
مظاهرات حاشدة
وهي ليست الأولى بل حصلت عام 2014 واعتراضاً على الحريات وتنديداً بالقمع الصيني.
مظاهرات تشبه الربيع العربي في عام 2011-2012 وحشود ومظاهرات تشبه الانتفاضات والمظاهرات التي خرجت في أوروبا الشرقية في التسعينيات.
موقف الغرب من احتجاجات هونج كونج
ونلاحظ أن موقف الغرب مختلف، فهي لم تحظ باهتمام كبير من الغرب، ولا يوجد اهتمام إعلامي كبير.
أو لم يعرف كيف يستغلها لقلب النظام الموجود في هونج كونج والتضييق على الصين، هو مرتبط بسياسة الغرب تجاه الصين.
الغرب يعتبر الصين خصماً، لكنه في نفس الوقت لديه مصالح كبيرة جداً معها، ولأن لديه مصالح ضخمة جداً، يقوم بالموازنة.
أنا أناصر الديمقراطية، التي أناصرها في أوروبا الشرقية، وأناصرها في الدول العربية لكي أحقق مصالحي.
أو لو أني لو ناصرتها ستتضرر مصالحي، بل ستتضرر مصالحي لأن هذا سيعمل إزعاجاً كبيراً جداً عند الصينيين.
وهم بحالة الانكشاف والاندماج مع الاقتصاد الصيني ضخمة جداً فليس هذا الوقت الذي يمكن أن يعبّر فيه الغرب عن تأييده لهذه المظاهرات
هل هذا الوضع يمكن أن يستمر؟ هذه القصة طويلة تخضع لتطور العلاقة بين الصين والغرب وموقف الصين من تايوان وموقف الصين من كثير من القضايا المعلقة مع الغرب.
سيد الجبيل