نافورة السباع اليوم سنتحدث عن قصة بنائها بالتحديد، وهي أصلاً في التراث العالمي لليونسكو، وقبلها مسجلة في الذاكرة الشعبية الإسلامية.
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحباً بكم أخواني وأخواتي.
تبدأ القصة عن ملك من ملوك بني الأحمر وهو محمد الخامس الملقب الغني بالله ، وقد انقلب على هذا الملك أخ غير شقيق له ونفاه من المغرب.
وأثناء تواجده في المغرب، راح يتجول في العمران المغربي، وتعجب منه تعجباً كبيراً. وخاصة مسجد المرابطين في القرويين.
وآثار أخرى تركها المرابطون ومن كان قبلهم، وهذا العمران يختلف نوعاً ما عن العمران الذي كان في غرناطة.
وربما يتشابه مع عمران آخر في قرطبة أو إشبيلية لكن لا يوجد مثله في غرناطة.
وبعد فترة حدثت انقلابات في غرناطة، فقتل الأخ غير الشقيق له وتولى ابن عمه وقتل هو الآخر.
وعاد محمد الخامس الغني بالله إلى حكم غرناطة مرة أخرى، وقرر مباشرة بناء نافورة السباع أو بهو السباع ككل.
معلومات عن بهو و نافورة السباع
فناء بهو السباع طوله 35 متر وعرضه 20 متر وكان أعجوبة زمانه ولا يزال، وكثير من السياح يزورون هذا المكان.
وفي الحقيقة زيارته ليس كمشاهدة الصور، وذلك بسبب التفاصيل الدقيقة التي نقشت على جدران البهو والقصر، وأيضاً على النافورة.
والكتابات العربية والآيات القرآنية والأبيات الشعرية. كل هذا يجعل من هذا البهو أعجوبة من أعاجيب الدنيا.
وما نحن مهتمون به هو نافورة السباع فيقال أنها كانت ساعة مائية، وآخرون يقولون أن ذلك مجرد أسطورة وليس حقيقة.
هل نافورة السباع ساعة مائية حقاً؟
النافورة شكلها دائري ويحيطها إثنا عشر مجسماً للأسود، وكل أربعة أسود شكلهم يختلف عن البقية.
ربما كان لديه ثلاثة نحاتين، بحيث أن كل نحات قام بنحت أربعة أسود، أو ربما وضعت بهذا الشكل لغرض مختلف.
هذه الأسود تخرج المياه من أفواهها. لكن التاريخ الحديث لا يذكر ولا يعرف هل كانت كما وصفت بأنها ساعة مائية.
وهل تخرج الماء من فم كل سبع كل ساعة؟ وفي الساعة الثانية عشرة تخرج المياه من كل السباع؟ أم أنها كانت معطلة منذ وقت طويل؟
في عام 2007 حدثت أعمال ترميم لنافورة السباع، وحاولوا أن يصلحوها وخسروا أكثر من مليوني دولار، ولم يفلحوا في إصلاحها.
بل بالعكس أصابها ضرر، وأصبحت تخرج المياه من جميع السباع. فهل لأنها ساعة مائية؟ هذا موضوع خاض فيه الكثيرون.
وهناك أدلة تقول أنها حقاً كانت تخرج المياه بشكل دوري من كل سبع. ليس هناك من يمكنه التحديد إذا كانت تخرج المياه كل ساعة من سبع معين.
لكن بالتأكيد كانت تخرج المياه بشكل دوري من أفواه السباع. وليس كما نراها حالياً حيث تخرج المياه من كل السباع.
الأبيات المنقوشة على نافورة السباع
ومن بين من قالوا أنها كانت ساعة مائية لجنة الترميم التي رممتها في عام 2007. حيث يقولون بذلك.
والدليل وجود أبيات شعرية منحوتة على نافورة السباع للشاعر الوزير ابن زمرك. وكان ابن زمرك من عامة الناس.
لكنه تعلم على يد ابن الخطيب، ثم ترقى في الرتب حتى صار وزيراً. فكتب قصيدة نقشت بضع أبيات منها على هذه النافورة.
ويقولون هذه الأبيات إما أنها دليل على أنها ساعة مائية، أو تحوي سر طريقة تشغيلها، وهذا ما حاول الكثيرون فعله.
يقول بيدرو سلميرون وهو مهندس معماري إسباني يعمل في لجنة الترميم:
اعتمدنا على الأبيات الشعرية المحيطة بالحوض لترميمها، والأبيات تتحدث عن توازن بين المياه التي تصل إلى نافورة السباع، وتلك التي تخرج من أفواه السباع. هذا كان جوهر عملنا.
سأعرض لكم أبيات ابن زمرك ولكم أن تحكموا أنتم بأنفسكم:
ومنحوتة من لؤلؤ شف نورها
تحلى بمرفض الجمان النواعيا
يذوب لجين سال بين جواهر
غدا مثلها في الحسن أبيض صافيا
تشابه جار بالعيون لجامد
فلم ندر أيا منهما كان جاريا
ألم تر أن الماء يجري بصفحها
ولكنها سدت عليه المجاريا
وهل هي في التحقيق غير غمامة
تفيض في الآساد منها السواقيا
منذ متى نافورة السباع معطلة
وقد بحثت في الصور القديمة، ووجدت صورتين من عام 1860 و 1864. وفي كلتاهما لا تخرج المياه من أي أسد.
لذلك سأفترض أن الأسد الذي سيخرج الماء لم يظهر في الصورة، لأن نافورة السباع كانت تعمل حتى مطلع القرن الماضي.
ووجدت صورة من خمسينيات القرن الماضي للملك محمد إدريس السنوسي، حيث زار الفناء. وكانت السباع تخرج المياه منها كلها.
في الصورة تظهر أربعة سباع تخرج منها المياه، لنفترض أنها كانت تخرج المياه من كل السباع. وهنا فرضيتان:
إما أنها كانت معطلة منذ ذلك الوقت.
وإما أن الساعة كانت الثانية عشر.
فإخراج المياه من السباع الأربعة، لا يوافق أي وصف من الأوصاف التي وصفت هذه النافورة، أو عمل هذه النافورة.
لذلك سأفترض أنها تخرج من الإثنا عشر سبعاً. ولا يمكننا أن نقف على حقيقة الأمر، أكانت معطلة أم كانت تعمل.
في عام 2007، قام على ترميم نافورة السباع خبراء من أوروبا وأمريكا في الهندسة والفيزياء والميكانيكا وتخصصات كثيرة.
وبذلوا جهداً كبيراً حتى يصلحوا هذه النافورة، لكن للأسف الشديد لم ينجحوا في إصلاحها، وإنما فقط رمموا تآكل السباع وغير ذلك من الأمور العادية.
أما الأمر الأهم لم يقوموا به. وهو اكتشاف إن كانت ساعة مائية.
بل المعضلة أنهم خسروا نظام توزيع المياه، مع أن الترميم أخذ منهم قرابة الأربع سنوات إلا أنهم أفسدوها ولم يصلحوها.
أخوان من فاس يصنعان نافورة مماثلة
قبل فترة قصيرة، حدث أمر رائع جداً وعجيب في المغرب في مدينة فاس، والتي زارها محمد الخامس الغني بالله عندما نفي إلى المغرب، زار مدينة فاس وانبهر بمعمارها.
في نفس المدينة يأتي أخوان من الجيل الجديد، ويبنيان نافورة تشبه نافورة السباع . لا تشبهها بالشكل وإنما تشبهها بطريقة العمل.
فبنوا نافورتهم الجديدة بطريقة تقليدية جداً، وأخذت من وقتهم أكثر من ثمانية عشر شهراً، وموارد مادية كبيرة.
وأعجب ما فيها، أنها تعمل كساعة مائية بضغط الماء فقط، بدون تدخل كهرباء أو محركات معينة، تعمل فقط بقوة الماء.
فتخرج المياه كل ساعة من سبع معين، مثل قصة نافورة السباع تماماً. وهو في الحقيقة عمل جبار أن تبني النافورة.
فكل الشكر للأخوين عبد الغفور وعبد الصمد ريحان.
قبل فترة قمت بالتواصل مع أحدهما، وأجريت معه مقابلة مسجلة. أي أني أرسلت له أسئلة مكتوبة، وهو أجابني بتسجيل مرئي.
أعرضه عليكم ثم نعود:
مقابلة مع عبد الغفور ريحان
تحية للمشاهدات والمشاهدين الكرام، تحية للأستاذ خالد. اسمي عبد الغفور ريحان، محامي في هيئة فاس، حاصل على إجازة الحقوق بكلية سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس.
صاحب مشروع إصلاح نافورة السباع بقصر الحمراء في غرناطة، بالشراكة مع أخي عبد الصمد ريحان، المتخصص في الفسيفساء.
صانع تقليدي حاصل على جائزة أمهر صانع تقليدي دورة 2015 لصناعة الديكور في المغرب.
كيف أتتكما الفكرة؟
الفكرة أتت منذ زمان منذ الصغر حيث حدثنا أبانا عن نافورة السباع في الأندلس وذكر أنها كانت ساعة مائية.
ومنذ ذلك الوقت والفكرة تشغلني وأفكر في إصلاح الساعة
كم أخذت وقتاً للتجهيز والتنفيذ وهل كان هناك تقطع أثناء التنفيذ؟
مرحلة الدراسة والأبحاث أخذت منا حوالي ثلاث سنوات، ومرحلة التنفيذ أخذت ما يقارب من سنتين ونصف.
ما هي الميزانية الإجمالية للمشروع وكيف قمتما بتوفير المبلغ؟
الميزانية كانت ضخمة ومهمة واعتمدنا على مصادر تمويل ذاتية.
ما هي العوائق التي واجهتكما؟ وهل كانت لديكما تجارب فاشلة أثناء التنفيذ؟
طبعاً تنفيذ المشروع لم يكن سهلاً، واصطدمنا بمجموعة من العوائق، والطريق لم تكن مفروشة بالورود. كانت هناك نجاحات وإخفاقات.
ثم نجاحات، إلا أن تم تنفيذ المشروع وإخراجه إلى النور.
كيف كانت ردود أفعال معارفكما؟ هل كان لديكم مشجعون؟
بطبيعة الحال ردود الأفعال ستكون متباينة، بين مشجع ومنتقد ومن لا يهتم بالموضوع. المهم أننا حققنا الفكرة ووصلنا إلى الهدف المنشود.
هل لديكما أصول أندلسية؟ أم فقط عشق للحضارة الأندلسية؟
أصولي مغربية، عاشق للحضارة العربية الإسلامية وأندلسي الهوى.
لماذا حرصت على تزيين النافورة بالرخام المغربي الأندلسي، بينما تقليد عمل النافورة لا يتطلب كل هذه الزخارف؟
يمكن استنساخ النافورة على الطريقة الأصلية، لكن فضلنا أن تكون مزينة بالفسيفساء والزليج المغربي التقليدي، وذلك لإعطائها بصمة مغربية أصيلة.
لماذا لم تكشفا عن طريقة عمل النافورة لحد الآن؟ وهل هناك موعد لكشف عملها أو على الأقل رغبة في ذلك؟
لقد قمنا فعلاً بالإعلان عن الاكتشاف من خلال بعض القنوات المحلية. والنافورة تعمل ومرحباً بكل من أراد الإطلاع عليها عن قرب، ومعاينة طريقة تشغيلها.
هل تحتاجان لمساعدة من نوع ما؟ سواء لمشروع النافورة أو لمشروع آخر؟
نحن لا نحتاج إلى أية مساعدة مادية، ولكن في أمس الحاجة للمساعدة والدعم المعنويين من طرف الجهات المختصة للتعريف بالمشروع.
لأنه ليس خاصاً بي وبأخي فقط، بل يهم كل من المغاربة والمهتمين بالتراث العربي الأندلسي الإسلامي.
هل انتهى مشروع النافورة كلياً أم لا زال هناك عمل عليه؟
لقد فرغنا من المشروع، والنافورة جاهزة وعملية الإصلاح تمت بنجاح والحمد لله.
هل هناك أعمال أخرى تفكران في إنتاجها يوماً ما؟
الإهتمام منصب حالياً على إصلاح أو محاولة إصلاح نافورة السباع الأصلية، لإعادة الحياة والروح إلى قصر الحمراء.
لكن في الوقت الحالي نعمل على مشروع جديد، يتعلق بمحاولة إصلاح الساعة المائية البونانية الكائنة بمدينة فاس قبالة المدرسة البونانية.
رسالة أخيرة للمشاهدين؟
رسالتي للمشاهدين سأحاول توجيهها إلى الشباب خاصة، وأحثهم على دراسة التاريخ والاستفادة منه، ليس من باب الوقوف والبكاء على الأطلال.
ولكن من أجل الإستفادة من أخطاء الماضي، وبناء حضارة ومجد في مستوى الحضارة التي أسسها أجدادنا، وشكراً على المشاهدة والإستضافة.
كما رأيتم أخواني وأخواتي، هذا العمل الجبار الذي قام به الأخوان ريحان عمل رائع جداً يشكران عليه.
وأتمنى من الأخوة من يستطيع أن يساعد هذين الأخوين المجتهدين على أن يقوما بذلك، وسائل التواصل معهما موجودة.
تواصلوا معهما وتحدثوا إليهما ولو بقول كلمة تشجيع وشكر لما قاما به من كشف لغز نافورة السباع في قصر الحمراء.
أستغفر الله لي ولكم واستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه وإلى حلقة أندلسية أخرى إن شاء الله والسلام عليكم.
كان معكم أخوكم خالد الحضري والسلام.
المصدر: يوتيوب