فلسطين : كيف سيطرت إسرائيل على 87% من فلسطين؟ لنعد بالزمن قليلاً وتحديداً قبل مائة وعشرين عاماً عندما عقد المؤتمر الصهيوني الأول.
كان أحد مقرراته إنشاء صندوق قومي يهودي لجمع الأموال وشراء أراضٍ في فلسطين.
عدد اليهود في فلسطين آنذاك لم يتجاوز بضعة آلاف، وكانت فلسطين تخضع للحكم العثماني الذي منع تملك الأجانب.
فلجأ الصهاينة لشراء الأراضي باسم الرعايا العثمانيين اليهود الذين يطلق عليهم إسم يهود السفارديم.
لم يكن العرب على كامل وعي بنية الصهاينة التحضير لإقامة وطن لهم في فلسطين.
نجحت بعض المحاولات واشترى الصندوق اليهودي عام 1907 أكثر من 200 ألف دونم من عائلة سرسق اللبنانية في شمال فلسطين.
كانت هذه أكبر صفقة استحوذ عليها الصندوق آنذاك. وبين عام 1882 و 1917 باع بعض التجار العرب أراضي لليهود.
ووثقت الهيئة العربية العليا مذكرة بأسماء العائلات التي باعت أراضي أثناء الحكم العثماني وبداية الانتداب البريطاني منها عائلات تعود إلى لبنان وسوريا.
تظهر البيانات أنه من أصل 681 ألف دونم اشتراها الصهاينة خلال الفترة ما بين 1878 و 1936 كانت 52.6%.
باعها كبار ملاكي الأراضي من غير الفلسطينيين، وما نسبته 24.6% باعها كبار ملاكي الأراضي من الفلسطينيين أو المقيمين في فلسطين.
على الرغم من ذلك لم يتجاوز مجموع مساحة الأراضي التي بيعت خلال مرحلة الحكم العثماني نصف مليون دونم.
وهو ما يعادل حوالي 2.5% من الأرض.
الانتداب البريطاني على فلسطين
انهارت الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وقسّمت أملاكها، وبدأ الانتداب البريطاني في فلسطين.
وفي نص المادة الثانية من صك الانتداب البريطاني:
تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي.
أصدرت حكومة الانتداب أكثر من مائة قانون تسهّل هجرة اليهود وحصولهم على الأراضي في فلسطين .
ومنحت كذلك مساحات شاسعة كامتيازات لصالح الوكالة اليهودية وشركات أجنبية وصهيونية منها:
175 ألف دونم من الأراضي المؤجرة.
57 ألف دونم لشركة تطوير أراضي فلسطين الصهيونية.
خلال فترة الانتداب البريطاني وحتى عام 1945 تضاعفت مساحة الأراضي التي ملكها الصهاينة ووصلت إلى حوالي مليون دونم.
ليصبح مجموع الأراضي التي تم الاستحواذ عليها قرابة مليون ونصف المليون دونم.
قرار الأمم المتحدة بتوطين اليهود
فصل جديد بدأ في نوفمبر تشرين الثاني عام 1947، حين قررت بريطانيا رفع ملف فلسطين إلى الأمم المتحدة.
وفي جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر تشرين الثاني عام 1947 تم تبني قرار اللجنة الخاصة بفلسطين.
بأغلبية 33 صوتاً مقابل 13 ضد و 10 ممتنع صدر القرار، ومنح الصهاينة نصف مساحة فلسطين، احتفل رعاة التقسيم ورفض الفلسطينيون القرار.
أعلنت بريطانيا أنها ستنهي انتدايها في 15 أيار 1948، فاشترى الصهاينة أسلحة ومعدات من الجيش البريطاني وبدأوا يتحضرون لليوم المنتظر.
مشروع ملف القرى
برغم كل محاولات الشراء التي استمرت نصف قرن، لم يسيطروا إلا على 5.4% من الأرض، فقرروا الاستيلاء عليها بطريقة أخرى.
تبنى الصهاينة مشروعاً ضخماً بداية الأربعينيات سموه ملف القرى وفكرته إنشاء قاعدة معلومات مفصلة حول القرى الفلسطينية ليستخدموه فيما بعد.
يقول المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه:
مجموعة صغيرة من قادة الصهاينة كانوا يلتقون بانتظام أسبوعياً.
من فبراير شباط 1947 إلى فبراير شباط 1948 لمدة سنة يخططون لتطهير فلسطين عرقياً.
لم يخططوا هذا الأمر في يوم واحد.
كل أسبوع كانت قناعاتهم تزداد بأن هذا هو الطريق الصحيح أمامهم.
قمعت قوات الانتداب البريطاني بشدة أي مقاومة فلسطينية في فترة الثلاثينات، ما ترك الفلسطينيين بدون عتاد في مواجهة العصابات الصهيونية.
يقول أمنون نيومان جندي في عصابة البلماخ الصهيونية 1948-1949:
كانوا بلا سلاح، ومن يمنحهم السلاح؟ ربما كان لديهم بعض السلاح من الحقبة العثمانية
لم يخرجوا طواعية من قراهم بل نحن طردناهم، كل هذا بسبب العقلية الصهيونية وهذا أمر جليّ.
قيام دولة الكيان الصهيوني
بدأت العصابات في مهاجمة القرى واحدة تلو الأخرى، وقتلت مئات من الفلسطينيين وهجّرت بقيتهم وأحرقت قراهم.
نفّذ الصهاينة ما يزيد عن 24 مذبحة عدّها المؤرخ الإسرائيلي بني موريس ضرورة لقيام دولة إسرائيل.
استغرق تنفيذ المهمة ستة أشهر ومع اكتمالها كان أكثر من نصف سكان فلسطين قد اقتلعوا من أماكن عيشهم.
احتل الصهاينة خلال العملية 20 مليون دونم تقريباً، ودمروا أكثر من 531 قرية فلسطينية، أعلنت على أنقاضها قيام دولة إسرائيل.
وفي محاولة لإضفاء صبغة قانونية على احتلالها لأراضي الفلسطينيين المهجّرين، بدأت إسرائيل بتطبيق قانون أملاك الغائبين الصادر في آذار 1950.
وهو أهم قانون استيطاني وضع للاستيلاء على أراضي فلسطين، جرت صياغة تعريف الغائبين ليشمل جميع الفلسطينيين النازحين من هول المذابح.
منذ ذلك الوقت تسعى إسرائيل بكل الطرق للتوسع استيطانياً في وسط وشمال فلسطين.
تقول الباحثة البريطانية روزماري الصايغ في كتاب الفلاحون الفلسطينيون من الاقتلاع إلى الثورة:
لقد آذى التشهير الفلسطينيين أكثر ما آذاهم الفقر، وأكثر الاتهامات إيلاماً الاتهام بأنهم باعوا أرضهم، أو أنهم هربوا بجبن.
ولقد أدى الافتقار إلى تأريخ عربي صحيح لعملية الاقتلاع إلى جهل الجمهور العربي بما حدث فعلاً.
بلغ عدد المستوطنات في الضفة والقدس نحو 198 مستوطنة قطّعت أوصال الضفة الغربية.
المصادر
محاضرات المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه
مركز عبد الله الحوراني للدراسات
شهادات ناجين من المجازر في 1948
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com