السحر والشعوذة وسر حضارة بابل العظيمة وحدائق بابل المعلقة
في الألفية الثانية قبل الميلاد ولدت حضارة بابل العظيمة، كواحدة من أكثر حضارات العالم غموضاً وتشعباً، وشاع في بابل السحر والشعوذة، وكانت عاصمة بلاد ما بين النهرين في أراضي العراق.
تقع بابل قرب نهر الفرات على بعد 88 كيلو متر جنوباً من العاصمة العراقية بغداد، والتي ظهرت في العهد الثالث لمملكة أور حضارة أرض الجبابرة.
شكلت فيما بعد نواة لعاصمة ضمت الأراضي الواقعة جنوبي بلاد ما بين النهرين، وجزء من مملكة آشور في شمال البلاد.
وذلك بعد أن قام الملك حمورابي بدخولها وتسميتها عاصمة لهذه الأراضي، في الفترة الممتدة بين 1792 و1750 قبل الميلاد.
بفضل موقعها الفريد أصبحت مركزاً تجارياً وسياسياً مميزاً، وهكذا ولدت حضارة بابل العظيمة والذي يعني اسمها باللغة الآكادية بوابة الله.
كيف قامت حضارة بابل العظيمة؟
لم يعرف عدد سكان بابل بدقة، ولكنه يقدر بين العشرة آلاف إلى خمسين ألف من المواطنين، وقد امتلك البابليون القدرة على الحساب.
فقد قاموا بشق القنوات المائية وبناء السدود العظيمة، وتنظيم أعمال مختلفة منها صباغة الجلود والصناعات الفخارية، وامتلكوا نظاماً قانونياً، ومحاكم تحاكم وفقاً إلى قوانين حمورابي.
المجتمع البابلي كان يضم ثلاث طبقات من السكان، مرتبين حسب أهميتهم، حيث يأتي الحر الحاصل على كامل حقوقه في الطبقة الأولى، ويليه من هو أقل حرية وحقوقاً، ثم يأتي العبيد في النهاية.
وكانت هذه الطبقات جميعها تخضع إلى قوانين حمورابي، أما الحياة العائلية وطقوس الزواج فكانت بسيطة وتقليدية، وقريبة لما نعرفه اليوم.
سر حدائق بابل المعلقة
لم يكن بنيان بابل عادياً، فقد حمل أسرار ومعالم لم يستطع أحد فهمها أو تفسيرها إلى الآن، ووفقاً لما كانوا يمتلكونه آنذاك، فقد استطاعوا تشييد أبراج ومدن نعجز حالياً على تنفيذها، وذلك بأدواتهم البسيطة.
مما يؤكد أنهم كانوا متقدمين علينا علمياً وحضارياً، ففي القرن السابع قبل الميلاد شيدت حدائق بابل المعلقة من عجائب الدنيا السبع، فكانت أشبه بجنة وسط الصحراء القاحلة.
ومخالفة لكل قوانين الطبيعة فقد قام ببناءها الملك نبوخذ نصر، وأهداها إلى زوجته سيمراميس كعلامة حب واحترام وإجلال لها، حين شعرت بالشوق لوطنها وغاباتها.
وسميت حدائق بابل المعلقة بهذا الإسم، لأنها تكونت على شرفات القصر الملكي، وأحاطت به من جميع الجهات، فكانت منظراً آخاذاً للناظرين مثل قطعة من الجنة على الأرض.
واحتوت حدائق بابل المعلقة على أشكال الزهور والنباتات والأشجار، والماء فيها كان يرفع ويخزن في الطبقات العليا بصهاريج لسقاية الأشجار.
ومن الجدير بالذكر أن شخصاً واحداً هو من قام بالتخطيط لبناء حدائق بابل المعلقة، وبنيت على عقود من الحجر النفيس، المقدم كهدايا للملك، مما دفع البعض للقول أنه من الصعب فهم سر حضارتهم.
برج بابل
جاء في الأسفار القديمة والكتب التاريخية، أن البشر كانوا يتحدثون لغة واحدة، وقام سكان الأرض ببناء مدينة تحتوي على برج تصل قمته أعلى الجبال.
وأبدعوا في البناء، حتى أنهم شيدوا معبداً على قمته وكسوه بالذهب الخالص، فكانت تحفة فنية يتباهون بروعتها وجميل بناءها.
وتشير بعض الوثائق إلى أن هذا البرج هو برج بابل العظيم، والذي جاء ذكره في التوراة في سفر التكوين الفصل الحادي عشر من الواحد إلى التسعة.
حيث جاء فيه، أن بناء برج بابل تعزى سلالتهم إلى النبي نوح عليه السلام، وذلك بعد أن نجاهم الله من الطوفان العظيم.
ويقال أن مدينة بابل ذات أسوار يبلغ ارتفاعها 350 قدماً وعرضها 87 قدماً، واحتوت الأسوار على مائة باب مصنوع من الذهب، ولكل باب قوائم وسقوف صنعت من الذهب أيضاً.
وقد شكلت هذه الأبواب حماية للمدينة من الهجمات، كما أنها منحتها الهيبة والقوة ضد الأعداء، وتختلف الروايات عن حقيقة هذه الأسوار.
حيث أنه لم يوجد الكثير من الآثار الواضحة لتلك الأسوار بسبب الهجمات التي مرت بها المدينة، وتعتبر بوابة عشتار هي الأشهر في البوابات المتواجدة على أسوار المدينة المرتفعة، التي تقع على مدخل مدينة بابل.
المعالم الأثرية في بابل لا تقتصر على ماتم ذكره الآن، فهناك الكثير من الكنوز الحضارية، مثل المسلة وتمثال الأسد، والمعابد العظيمة التي شيدت في المدينة.
السحر والشعوذة في بابل
بابل هي من عجائب الدنيا السبع بدون منازع، وعلى الرغم من هذا الوجه المشرق، فهي تملك وجه آخر شديد الظلام، فقد كانت بابل أرض السحر والشعوذة.
وضع البابليون قوانين لعلم السحر، التي كانت له مكانة لدى أهل بابل والشرق في العصور الأولى في الأرض، وكان رجال الكهنوت أعلى مكانة من رجال الدين ويقيمون طقوس خاصة.
وكانت العرافات تلعب دوراً بارزاً في السحر، حتى أن الساحر كان يقارع الجبابرة في السحر والشعوذة، قال الله تعالى في كتابه الكريم بعد بسم الله الرحمن الرحيم:
(واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر والشعوذة وما أنزل على الملكين بابل هاروت وماروت)
إن السحر والشعوذة عند البابليين يشبه السحر عند الفراعنة، وهو يشبه السحر الأسود، ولكن السحر في بابل كان يعد من أخطر أنواع السحر، الذي انتشر منذ أيام السومريين.
فكما يعرف تاريخياً أن السحر بدأ في بلاد فارس في الألفية الخامسة قبل الميلاد، على يد كاهن يسمى زورستور، ويعتبر هذا الساحر هو من وضع طرق السحر وأسسه.
وتلك الطرق هي التي سار عليها الكنعانيون والمصريون والهنود وغيرهم من الحضارات، ولكنه وصل في عهد بابل إلى ذروته.
سحر بابل ونبوة سليمان عليه السلام
في عهد النبي سليمان عليه السلام، كان السحر متفشياً في بني إسرائيل، ولما مات سليمان عليه السلام، وذهب العلماء الذين يعرفون الأمر.
جاء الشيطان في صورة إنسان وقال لليهود: هل أدلكم على كنز لا نظير له؟ قالوا: نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسي، فحفروا ووجدوا كتب، فقال لهم الشيطان اللعين: إن سليمان كان يضبط الإنس والجن بهذه الكتب.
فسار بينهم أن سليمان كان ساحراً، ولذلك لما نزل القرآن بذكر سليمان في الأنبياء، أنكرت اليهود ذلك وقالوا: إنما كان ساحراً.
فنزل قول الله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت)
سحر الكابالا في حضارة بابل
وضع اليهود كتب شحنوها في السحر والشعوذة، مثل التلمود وشروحاته المختلفة، وكذلك كتاب الزهوار الخاص في سحر الكابالا، وهو نوع من أنواع السحر والشعوذة التي أخذوها من البابليين ومن تاريخهم الوثني.
ومن ثم وضعوها في التلمود في كتب الطائفة القبلية الكابالا في كتابها الأسود المعروف الزهوار، وهي كلمة آرامية معناها النور أوالضياء.
الكابالا هي فرقة أو مذهب يهودي، يقوم على تفسيرات باطنية للأفكار التلمودية المأخوذة من التعاليم الغيبية والروحانية، التي تشتمل على السحر والممارسات الصوفية.
لا يرفض اليهود هذه التعاليم، بل يعتبرونها الحلقة الداخلية التي لا يكشف عنها للأغيار، والتي تعبر عن التقوى والولاء في ديانتهم.
وتسكن طوائف الكابالا الكبرى في إسبانيا، وينتسب لها العديد من المشاهير والرياضيين، وقد سميت في أول الأمر بالحكمة المستورة ومن ثم بات اسمها الكابالا.
والكلمة في الأصل آرامية ومعناها القبول أو التلقي، ومن أهم الشخصيات التي كونت الخطوط العريضة للكابالا، سمعان بن يوشاي من القرن الثاني الميلادي الذي كان يقوم بأعمال السحر والشعوذة.
وسمعان هذا اختفى عن الأنظار مدة في مغارة مهجورة، من ثم خرج عليهم ليقول، أن أسراراً قد كشفت له، وأنه حصل على شكل من الكشف أو الإلهام، وكان أصل السحر من فارس، من ثم انتقل إلى بابل، ودفنت أسراره في بني إسرائيل إلى هذا اليوم.
المصدر يوتيوب وثائقية أحداث وحقائق روايات