سؤال يبدو أنه سهل وبسيط، لكن في الواقع هذا السؤال كان من أصعب ثلاثة أسئلة واجهت الجنس البشري على الإطلاق، هذه الأسئلة كانت السبب في نشأة علم الفيزياء والثورة العلمية وفي الحضارة البشرية عموماً.
فما جوابه وما هما السؤالان الآخران؟
النسبية العامة و الجاذبية نظرية العناصر الأربعة لأرسطو
على عكس المتعارف عليه، فإن أول تفسيرات علمية للجاذبية لم يقم بها العالم اسحاق نيوتن، بل قبل أن يولد بألفي سنة في العصور اليونانية القديمة. فكان الفيلسوف اليوناني أرسطو يتوقع أن الكون عبارة عن بعض الدوائر فوق بعضها البعض. الدائرة الأولى هي الأرض ويحيط بها الماء ومن ثم الهواء ومن ثم النار. وهذا الترتيب تم بناءً على الكتل، الثقيل من الأسفل والخفيف من فوق. فالأرض أثقل من الماء والماء أثقل من الهواء والهواء أثقل من النار وهكذا.
وهذا ما جعله يتوقع أن المواد بذاتها تتكون من خليط من العناصر الأربعة هذه. وبناءً على أفكاره ومعتقداته تلك، بدأ يفسر الجاذبية من هذا المنطلق.
النسبية العامة و الجاذبية تفسير أرسطو للجاذبية
حيث قال أن ليس جميع المواد تنجذب إلى الأرض بل تترتب حسب ترتيب الكون نفسه، فالذي يتكون من الأرض سيكون في الأرض والذي يتكون من الماء سيكون في الماء والذي يتكون من الهواء سيكون في الهواء والذي يتكون من النار سيكون في النار.
واعتقد أن هذا هو السبب الذي يجعل مياه البحار والمحيطات تطفو على وجه الأرض والذي يجعل الهواء موجوداً فوق الماء، والذي يجعل الشمس أو النار فوق الجميع. وبحسب أرسطو هذا بالنسبة للمواد التي هي عبارة عن أرض وماء وهواء بشكل صريح، لكن بالنسبة للمواد التي تتكون من خليط من العناصر الأربعة تلك، كالحديد والخشب والنحاس، كيف لهذه المواد أن تتحرك أو تنجذب للأرض؟
فكان تفسيره لذلك بحسب نسب العناصر التي تتكون منها تلك المواد، فالذي يحوي أرض أكثر سيكون أثقل وسيسقط نحو الأرض بشكل أسرع، والذي يحوي أرض أقل سيكون أخف وسيسقط نحو الأرض بشكل أبطأ.
النسبية العامة و الجاذبية الحركة الطبيعية لسقوط الأجسام
بعد أن فسر أرسطو لماذا تسقط الأجسام على الأرض، سمى حركة سقوط الأجسام بالحركة الطبيعية. أي لا تحتاج لأن يتدخل أحد فيها. ولا تحتاج أحداً ليدفعها أو يحركها ولا تحتاج أي قوة أساساً. وبالتالي وجود حركة طبيعية يستدعي وجود حركة غير طبيعية.
وفي الحركة غير الطبيعية يقول أرسطو أن لا شيء يتحرك بدون وجود محرك، والمحرك يجب أن يكون على اتصال دائم بالمتحرك.
لكن كيف يفسر ذلك الحجرة التي نرميها أو السهم أو المقذوفات عموماً؟ فكل تلك الأشياء تبقى متحركة بعد أن يتركها المحرك والذي هو اليد مثلاً. وفسر ذلك بأن عدم رؤيتنا للمحرك لا يعني أنه غير موجود، فالسهم الذي يتحرك في الهواء يبدأ بخلخلة الهواء من أمامه ويرجعه إلى خلفه، فيدفعه الهواء ويحركه بشكل مستمر. بمعنى أن الوسط الذي يتحرك فيه الجسم المقذوف هو الذي يكمل الحركة للجسم المقذوف نفسه.
وكان الناس مقتنعون بأفكار أرسطو عن الحركة والجاذبية، وبقيت هذه الأفكار منتشرة لما يقرب الألفي سنة، عن الكون والحركة والجاذبية، حتى مجيء العالم جاليليو في القرن السادس عشر وبدأ يدمر كل أفكار أرسطو عن الحركة.
تجربة جاليليو والجاذبية
وكان جاليليو مدرساً في جامعة بيزا في إيطاليا، فاستغل وجوده هناك وصعد برج بيزا حاملاً كرة من حديد وكرة من خشب، ورماهما من قمة البرج، ولاحظ أن الكرتان وصلتا إلى الأرض في نفس الوقت. معناه أن الأثقل لم يصل الأرض أسرع كما قال أرسطو. ولكن هذه التجربة لا تنجح إذا أحضرت كرة من المعدن وورقة أو ريشة، لأن المفروض نظرياً أن كلاهما يسقطا في نفس الوقت إلى الأرض. لكن الهواء هو الذي يقاوم حركة الريشة الخفيفة.
في القرن السادس عشر لم يكن ممكناً القيام بهذه التجربة في وسط خال من الهواء، لكن في القرن العشرين تم القيام بهذه التجربة فعلاً في رحلة أبولو 15 عندما قام رائد الفضاء دايفد سكوت بمسك ريشة ومطرقة حديدة ورماهما على سطح القمر ووجد أن الاثنان سقطا في نفس الوقت ونفس السرعة. وذلك لأن القمر ليس له غلاف غازي. وبالتالي لا يوجد هواء ليقاوم حركة الريشة.
بالإضافة إلى مختبرات حالياً تقوم بذات التجربة ويجدون أن الكرة والريشة يسقطان بنفس السرعة ويصلان الأرض في نفس الوقت، كما قال جاليليو. وهكذا نقدر أن نقول أن جاليليو في زمانه قدر أن يشكك في أقوال أرسطو عندما أثبت أن ليس الكتلة الثقيلة هي السبب في الوصول إلى الأرض أسرع، وأن جميع الكتل تسقط على الأرض بنفس السرعة والوقت. وبالتالي ما بني على باطل فهو باطل. وتفسير أرسطو للجاذبية غير صحيح.
جاليليو قام بنسف تفسير أرسطو للجاذبية، وبقي أن ينقض تفسيره للحركة أيضاً، وخلال تجربة برج بيزا لاحظ أمراً مهماً جداً، فالكرات الساقطة لم تكن تسقط بسرعة ثابتة بل تسقط بتسارع، أي تتغير سرعتها وتحديداً تزيد قيمة السرعة 9.8 متر كل ثانية. والكرة يصبح لديها تسارع ثابت مقداره 9.8 م/ث² ، وهذا ما استند عليه لينقض نظرية أرسطو عن الحركة.
النسبية العامة و الجاذبية تجربة جاليليو والتسارع
لنتخيل أننا لدينا منحدران لهما نفس الميل، وليس لهما أية قوى احتكاك، موجودان في غرفة خالية من الهواء وبالتالي لن يقوم الهواء بالتأثير على سرعة الأجسام عند سقوطها. وقمنا بإسقاط كرة من ارتفاع معين على المنحدر الأول، المفروض أن الكرة وهي تسقط تتزايد سرعتها حتى تصل لأقصى سرعة لها عند قاع المنحدر الأول، ومن ثم ستتحرك وتصعد على المنحدر الثاني والمفروض أن تقل سرعتها وهي تسير بنفس السرعة التي خرجت بها وهي تسقط على المنحدر الأول، حتى تصل لذات الارتفاع للمنحدر الأول لكن على المنحدر الثاني، حينها فإن سرعتها ستساوي الصفر. وهذ طبيعي جداً لأن السرعة التي اكتسبتها وهي تسير باتجاه الجاذبية ستفقدها وهي تسير بعكس اتجاه الجاذبية، وستصل إلى نفس الارتفاع في المنحدرين.
لنقم بزيادة زاية ميل المنحدر الثاني، عندها سنلاحظ أن الكرة ستبدأ بقطع مسافة أكبر كي تصل لذات الارتفاع في المنحدر الأول، وإذا جعلنا المنحدر الثاني مائلاً بشكل أفقي تماماً على الأرض، حينها لن يكون هناك ارتفاع لتفقد فيه الكرة سرعتها، ولا يوجد هواء يعوق حركتها، ولا قوى احتكاك توقفها. فالمفروض أن الكرة تظل في حركة إلى ما لا نهاية، وهكذا يكون أرسطو مخطئاً في تفسيره للحركة.
فالسهم المتحرك لا يحتاج محرك ملتصق به بشكل دائم، بل ما دام قد تحرك يبقى يتحرك إلى ما لا نهاية إذا لم يجد ما يوقفه. كالهواء وقوى الاحتكاك، المفروض يبقى يتحرك إلى ما لا نهاية. وهكذا فإن فكرة المحرك والمتحرك غير صحيحة.
وكان السؤال المطروح على جاليليو حينها أن هل لديك تفسير للجاذبية بعد أن نقضت تفسيرات أرسطو؟ هل تقدر أن تفسر لماذا تسقط الأجسام على الأرض؟
لم يكن لديه تفسير لها، لن كل ما استنتجه أن الأجسام الساقطة تزيد سرعتها مع الوقت، وأن الهواء لا يبطئها في طريقها والأرض ذاتها تملك ما يشدها ويزيد سرعتها في الوقت.
النسبية العامة و الجاذبية الأرض مركز الكون أم لا
في تلك الفترة كان هناك صراع آخر أشد وأعنف على مركزية الأرض. فهناك فريق منذ عام 300 قبل الميلاد يقول أن الأرض هي مركز الكون وأن كل شيء يدور حولها في دوائر منتظمة وعلى رأسهم أرسطو، وهؤلاء عندما وضعوا نموذجاً لحركة الكواكب في السماء اضطروا إلى اختراع مدارات فرعية داخل المدارات الرئيسية بجانب أنهم كل فترة يزيدون من سرعة الكواكب ويبطئوا منها بشكل عشوائي كي يتوافق مع ما يرونه في الواقع. وهؤلاء فشلوا بنموذجهم فشلاً ذريعاً، ولكن الغالبية العظمى كانت مؤمنة به.
والفريق الآخر الأكثر حداثة، كان يقول أن الشمس هي مركز الكون وأن كل شيء في الكون يدور حولها بما فيها الأرض في دوائر منتظمة، وهؤلاء كان رأسهم كان عالم الرياضيات والفلك نيكولاس كوبرنيكوس. وبرغم أنهم نجحوا في صنع نموذج أكثر محاكاة للواقع الذي يرونه، إلا أنهم اضطروا أن يستخدموا المدارات الفرعية، ليفسروا حركة بعض الكواكب. لكنهم قدروا على تثبيت سرعة الكواكب دون أن يتلاعبوا بها.
هؤلاء لم يكونوا فقط فاشلين إلى حد كبير، لكن أيضاً كان جمهورهم قليل. ومنهم جاليليو الذي كان يمحص عمل أرسطو وينقضه في كل أعماله. وحينها كان قد اخترع تلسكوبه وبدأ ينظر إلى السماء. ولاحظ أن القمر ليس مسطحاً بل كروياً وفيه مرتفعات ومنخفضات، ولاحظ أن درب التبانة ليس سحابة ضوئية بل تجمع لعدد هائل من النجوم، ولاحظ كوكب المشتري ورأى أقماره الأربعة وهم يدورون حوله.
وعندها خرج باستنتاج أن الأرض ليست مركز الكون وأن ليس كل شيء يدور حولها. وبدأ يدعم وجهة نظر كوبرنيكوس بكل قوته. لكن جاليليو كان يدافع باستماتة أكثر من صاحب القضية نفسها وكان صوته أعلى، وكانت هذه الأفكار ضد معتقدات الكنيسة حينها، فتسبب ذلك باتهامه بالهرطقة وأجبر على البقاء في بيته وانتهت مسيرته العلمية.
الشمس مركز الكون أم لا
لكن الأفكار لها أجنحة، فالذي وئد في إيطاليا كتب له أن يولد ثانية في ألمانيا، حيث جاء عالم الرياضيات والفلك يوهانس كيبلر ليكمل المسيرة ويقول أن نموذج كوبرنيكوس صحيح وأن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية أو مركز الكون حسب مفهوم الكون حينها، وأن الكواكب تدور حولها، لكن لديه تعديلات بسيطة.
وضع كيبلر ثلاثة قوانين يرصد فيها حركة الكواكب في مداراتها، وقال بأن المدارات ليست دوائر منتظمة بل بيضاوية أو اهليجية. وأن حركة الكواكب أسرع عند قربها من الشمس وأبطأ عند بعدها عن الشمس.
نجح نموذج كيبلر نجاحاً منقطع النظير، لأنه كان أكثر نموذج يحاكي الواقع كما يراه الناس، لكن كان يعيبه شيئان، أولهما أن قوانين كيبلر لم يكن لها اثباتات رياضية، ثانياً لم يكن معروفاً ما الذي يجعل الكواكب تتحرك بهذا الشكل. لكن في النهاية بدأ المجتمع يقتنع بمركزية الشمس.
كان إسحاق نيوتن في هذه الفترة طالباً في الكلية، وكان يدرس كلام أرسطو وجاليليو وكوبرنيكوس وكيبلر، ولكن ضرب الطاعون انكلترا واضطروا لإغلاق الجامعة، فبقي في المنزل يتابع دراسته ليكوّن وجهة نظر خاصة به عن الموضوع ويحسمه.
يقول نيوتن أن أدق كلام يقال عن الحركة هو كلام جاليليو ولكنه يحتاج لأن يصاغ في قوانين، ووضع ثلاث قوانين مشهورة لوصف الحركة.
النسبية العامة و الجاذبية قوانين نيوتن للحركة
قانون العطالة أو القصور الذاتي
الجسم يواصل فعل ما يفعله، فإن كان يتحرك سيبقى يتحرك، وإن كان ثابتاً سيبقى ثابتاً ما لم تؤثر عليه قوة ما. وسمى هذا القانون بالعطالة أو القصور الذاتي، أي أن الجسم عاطل أوقاصر على إحداث تغيير من تلقاء نفسه. وفي حالة أثرنا على هذا الجسم بقوة ما حينها سنلجأ للقانون الثاني.
التسارع
لو قمنا بالتأثير على الجسم العاطل بقوة فسيتغير وضع الجسم ، فلو كان ثابتاً سيبدأ بالتحرك، ولو متحرك ستزيد سرعته، أو تقل حسب اتجاه القوة المطبقة. ويدعى ذلك بالتسارع، بمعنى لو أن قوة أثرت على جسم ستجعل للجسم تسارعاً، إما بالزيادة أو النقصان. ولكن الجسم دائماً يقاوم التسارع بكتلته فكلما كانت كتلته كبيرة كلما صار صعباً تطبيق التسارع عليه. فلو أن هذا الجسم ثقيل وثابت، سيصعب تحريكه، ولو أنه ثقيل ويتحرك فسيصعب إيقافه. وبناءً عليه استنتج نيوتن القانون الثاني للحركة وقال أن القوة تساوي الكتلة في التسارع أو بصيغة ثانية التسارع يساوي القوة على الكتلة. فلو زادت القوة سيزيد التسارع ولو زادت الكتلة سيقل التسارع.
قانون الفعل ورد الفعل
أما القانون الثالث يقول أن لكل فعل، رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد في الاتجاه.
فلو ضربت الجدار بيدي، فالجدار يضرب يدي بنفس القوة، أو مثلاً سيارة اصطدمت بجدار فالسيارة تتدمر لأنها كما أثرت بالجدار بقوة فإن الجدار أثر فيها بنفس القوة.
طبق نيوتن قوانينه على الأشياء التي تتحرك على الأرض، ونجح نجاحاً باهراً، لكن لم يفسر الجاذبية حتى جاءت اللحظة الحاسمة، عندما قرر نيوتن أن يجلس تحت شجرة تفاح وتسقط عليه تفاحة. لم يتساءل لم سقطت التفاحة على الأرض، فهذا السؤال مطروح من ألفي سنة، لكن تساؤلاته كانت مختلفة.
هل الجاذبية تؤثر على القمر كما تؤثر على التفاحة التي سقطت على الأرض؟ ولو الجاذبية تؤثر في القمر، فلم لا يسقط على الأرض مثل التفاحة؟
تأثير الجاذبية على القمر
ولكي يفسر هذه الأسئلة احتاج أن يطبق ويستخدم قوانينه. فقانون العطالة يقول أن الجسم عاطل غير قادر على إحداث تغيير من تلقاء نفسه، فهل ينطبق ذلك على القمر؟ والقمر يتحرك وبالتالي من المفروض أنه يبقى يتحرك إلى ما لانهاية، ولكن القمر لا يتحرك في خط مستقيم، بل في حركة دائرية، ومعناه أن القمر يغير من اتجاه حركته كل لحظة، فهو ليس عاطلاً، ولا ينطبق عليه هذا القانون. بل هناك قوة تؤثر عليه وتغير من اتجاهه كل لحظة، ويمكن أن تكون هذه قوة الجاذبية، وحينها فالقمر سيسقط على الأرض.
لنتخيل أن القمر قاصر وعاطل وليس هناك قوة تؤثر عليه، حينها خلال ثانية سيتحرك القمر بخط مستقيم، لكن ذلك ليس واقعياً، وليس هذا ما يحصل والقمر يتحرك في مسار دائري. هذا يعني أنه خلال هذه الثانية القمر يسقط بشكل رأسي ومعناه أن القمر يسقط على الأرض في كل لحظة، والشيء الوحيد الذي يمنعه من السقوط بشكل مباشر هو أنه يتحرك في الأساس. فتكون محصلة حركته بخط مستقيم وقوة جذب الأرض له تحافظ على القمر في مداره.
وهكذا يكون القمر يسقط على الأرض مثل التفاحة، لكن هل الجاذبية تؤثر على القمر كما تؤثر على التفاحة؟ وفي النهاية وجد نيوتن أنه حتى يجيب على هذا السؤال يجب أن يقارن ما بين سقوط كلاهما. لكن هل يحتاج إلى قياس الكتلة أو الحجم أو الشكل؟
هل القمر والتفاحة يسقطان بنفس التسارع
قال جاليليو أن كل الأجسام تسقط على الأرض بنفس التسارع، بغض النظر عن كتلتها وحجمها، وبالتالي يجب أن يقارن بالتسارع، فإن اختلف تسارع القمر عن تسارع التفاحة معناه أن قوى الجاذبية مختلفة ما بين الإثنين. إن قياس تسارع أي جسم على سطح الأرض سهل وبسيط وقد قام بحسابه جاليليو سابقاً، وهو 9.8 م/ث²، بينما تسارع القمر هو مقدار التغير في السرعة أثناء السقوط. والسرعة هي مقدار التغير في المسافة، فيكون التسارع مقدار التغير في التغير في المسافة. إن كل ما أراده نيوتن أن يحسب المسافة ويحسب مقدار تغيرها مع الوقت.
وفي مصادر الفيديو وضعت ملفاً تركته للقراء يوضح كيف قدر نيوتن أن يحسب تسارع القمر، وكل ما فيه من معلومات سهلة وبسيطة، ما عدا الزمن الذي يحتاجه القمر ليدور حول الأرض دورة كاملة.
ستجدون في الحسابات أن زمن الدورة محسوب 27.3 يوماً على الرغم من أن الشهر القمري أو العربي يتم في 29.25 يوماً. لأن أثناء دوران القمر حول الأرض، الأرض تتحرك بنفسها وهكذا القمر يأخذ وقتاً أطول ليتم الشهر، وهكذا يكون الشهر العربي أطول من زمن الدورة الواحدة للقمر.
عندما حسب نيوتن تسارع القمر وجد أن تسارعه يبلغ 0.0027 م/ث² في حين أن تسارع التفاحة يبلغ 9.8 م/ث². وذلك يعني أن تسارع التفاحة أكبر 3600 مرة من تسارع القمر، نتيجة ذلك أنه كلما زادت المسافة تقل قوة الجاذبية بقدر كبير. ووجد نيوتن أن المسافة من مركز الأرض إلى القمر أكبر ب 60 مرة من المسافة من مركز الأرض للتفاحة. ومربع ال60 يساوي 3600. فالنسبة بين تسارع التفاحة والقمر يساوي النسبة بين مربع المسافة ما بين الاثنين. واستنتج أن التسارع يتناسب بشكل عكسي مع مربع المسافة.
كلما زادت المسافة للضعف كلما قلت الجاذبية للربع، لذلك كان تسارع القمر أقل من تسارع التفاحة. وبناءً عليه فإن قوى الجذب التي تؤثر على القمر أقل من التي تؤثر على التفاحة، فهل المسافة هي العامل الوحيد الذي يؤثر على التسارع؟
النسبية العامة و الجاذبية قانون الفعل ورد الفعل
قطعاً لا، فالقانون الثالث يقول أن لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه. وبالتالي كما أن الأرض تؤثر على التفاحة بقوة جذب وتجعل لها تسارعاً، التفاحة بدورها تؤثر بنفس مقدار القوة على الأرض وتجعل لها تسارعاً. أي مثلما الأرض تشد التفاحة نحوها فالتفاحة أيضاً تشد الأرض نحوها.
فكيف ونحن نعيش على الأرض لا نشعر بتسارع الأرض نحو التفاحة، مثلما نشاهد التفاحة وهي تتسارع نحو الأرض؟
والجواب في القانون الثاني للحركة، حيث الكتلة تقاوم التسارع، أي أن القوة التي تؤثر بها الأرض على التفاحة الصغيرة الحجم والوزن، تجعل التفاحة تتسارع بشكل كبير، لكن نفس القوة التي تؤثر بها التفاحة على الأرض الثقيلة تجعل تسارعها قليل جداً.
ولو جئت لتحسب المسافة التي قطعتها الأرض نحو التفاحة ستجدها أصغر بمليار مرة من قطر بروتون واحد، أي أنه كلما زادت كتلة الجسم الذي يشد، يجعل الأجسام تتسارع نحوه بشكل أكبر، ويكون التسارع يتناسب بشكل طردي مع كتلة الجسم الذي يشد.
وكنا قلنا أنه يتناسب عكسياً مع مربع المسافة، فيكون التسارع يساوي ثابت في كتلة الجسم الجاذب على مربع المسافة ما بين الجسمين. وأسماه نيوتن لاحقاً ثابت الجذب العام.
قانون الجذب العام
هذا كان بالنسبة للتسارع. لو أني أريد أن أحسب قوة الجاذبية بذاتها التي تؤثر وليس التسارع، فألجأ للقانون الثاني للحركة، القوة التي تؤثر على جسم وتجعله يتسارع تساوي كتلة الجسم المتسارع مضروبة في تسارعه، والذي هو يساوي كتلة الجسم الجاذب مقسوم على مربع المسافة بين الجسمين مضروباً في ثابت الجذب العام.
وتصبح قوة الجاذبية حاصل ضرب كتلة الجسمين مضروب في ثابت الجذب العام مقسوم على مربع المسافة بينهما. وهذا هو قانون الجذب العام.
نيوتن حتى وفاته لم يكن قادراً على حساب قيمة ثابت الجذب العام بشكل عملي، عن طريق مثلاً أن يحضر كتلتين ويقيس قربهما من بعضهما لكن بعد وفاته بسبعين سنة استطاع العالم هنري كافنديش أن يقوم بهذه التجربة وأن يحسب قيمته، ويكفي القول أن ثابت الجذب العام خاصة نيوتن من أهم ثلاث ثوابت في الفيزياء مع ثابت سرعة الضوء وثابت بلينغ.
إن عظمة نيوتن ليس فقط في تفسيره للجاذبية ويقول أنها تؤثر على الأجسام البعيدة كما تؤثر على الأجسام القريبة، ومنتشرة في الكون كله، بل قدر أن يرى على ماذا تعتمد ، كالكتل والمسافات واستطاع أن يقيسها بشكل رقمي. وبذلك فالخطوة التالية أن يأتي نيوتن ويحّكم م ابين الفريقين الذين يتجادلان على مركزية الأرض.
تطبيقات قوانين نيوتن على المجموعة الشمسية
استطاع نيوتن بقوانينه أن يثبت قوانين كيبلر ويتوقع شكل المدارات وأن يحسب كتل الكواكب والمسافة ما بينهم. واستطاع بشكل قاطع أن يجزم بأن الشمس هي مركز الكون، أو مركز المجموعة الشمسية وتدور حولها الخمس كواكب المعروفة حينها عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل.
مات نيوتن بعدما حقق نجاحات عظيمة ولكن بعد وفاته بدأت تظهر المشاكل.
معضلة كوكب أورانوس
في سنة 1781 تم اكتشاف كوكب أورانوس بواسطة العالم ويليام هيرشل وبمجرد ما اكتشفه وجد أن مداره مختلف تماماً عن شكل المدار الذي يتوقعه نيوتن. ومعنى ذلك أن القانون بذاته يمكن أن يعاني مشكلة، وبالتالي فإن مفهوم نيوتن عن الجاذبية غير سليم. لكن بعد ذلك في سنة 1846 العالم الفرنسي أوربان لوفريه افترض أن القانون سليم وليس به مشكلة وأن هناك كوكب آخر موجود هو الذي يؤثر على شكل مدار أورانوس، وباستخدام قانون نيوتن، استطاع أوربان لوفريه يتوقع مكان الكوكب الإفتراضي الذي لم يره أحد قبلاً ولا أحد يعرف بوجوده. وبمجرد أن توقعه رياضياً جاء بعده العالمين يوهان جالي وهنريك دريست ورصدا الكوكب في المكان الذي تنبأ به أوربان لوفريه والمفاجأة أنهما وجداه بفارق درجة واحدة عن حسابات لوفريه.
وفيما بعد أطلقوا على هذا الكوكب نبتون، وهذا يحل مشكلة أورانوس، بعدما كان مدار الكوكب نقطة ضعف في قانون نيوتن، أصبح نقطة قوة وإضافة له.
كوكب عطارد يخالف قانون نيوتن للجاذبية
وفي سنة 1859 جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، عندما قام العالمان أوربان لوفريه وسيمون نيكوم باكتشاف أن الانحراف في مدار كوكب عطارد ليس بنفس القيمة التي حسبها نيوتن، المدار البيضاوي أو الإهليجي يكون فيهما نقطتان مشهورتان هما Perihelion وهي أقرب نقطة للكوكب من الشمس والأخرى Aphelion وهي أبعد نقطة للكوكب عن الشمس. ولأن الكواكب تتحرك ولا تثبت في مكانها، يبدأ يختلف تأثير جاذبيتها على بعض، وتبدأ النقطتان بالترحيل عن مكانهما الأصلي.
وكان نيوتن يعرف هذا جيداً وكان قد حسب مقدار ترحيلهما لكل كوكب، لكن للأسف الإنحراف في مدار كوكب عطارد كان مختلفاً عن القيمة التي حسبها نيوتن.
فقيمة الانحراف التي حسبها نيوتن تساوي 5600 ثانية في القرن، أو تقريباً 1.55 درجة، لكن أوربان لوفريه عندما رصد الكوكب بشكل فعلي وجد أن الانحراف الفعلي 5557 ثانية في القرن أو 1.54 درجة. أي الفرق بين الحسابين 0.01 درجة في القرن أي 43 ثانية. وكان أسهل حل لذلك أن يكرروا قولهم بأن القانون سليم وسيبدؤوا بالحل من هذه النقطة. وفي حال كان القانون سليماً فيجب أن يكون هناك شيء آخر يؤثر على مدار كوكب عطارد.
لكن هذه المرة لم يجدوا كوكباً أو مذنباً أو نيزكاً، ولا أي شيء يؤثر على مدار الكوكب، وعلى الرغم من أن هذه أول مشكلة فعلية تواجه قانون نيوتن، إلا أنهم يجب أن يجدوا لها حلاً. وإلا فإن قانون نيوتن يعاني مشكلة وفي فهم نيوتن للجاذبية. سيبقى ناقصاً وغير مكتملاً.
لكن نيوتن قبل أن يموت كان مدركاً أن هناك مشكلة في فهمه للجاذبية وكان يحاول أن يتجاهلها بشتى الطرق، رغم أنه حسم كل شيء عليه جدل وحسب قوة الجاذبية بشكل عددي، إلا أنه فشل بشكل مريع في معرفة ماهية قوى الجاذبية أصلاً.
ما هي الجاذبية؟
على سبيل المثال، القوة الكهربائية عبارة عن حركة للالكترونات، والقوى الحرارية عبارة عن حركة لجزيئات المادة نفسها. لكن قوة الجاذبية ماهي؟ ما الذي يجعل الأجسام تؤثر على بعضها على امتداد كل هذه المسافات؟ لم يملك نيوتن إجابة لهذا السؤال. رأى تأثير القوة لكنه لم يعرف ما هي هذه القوة تحديداً.
مدار كوكب عطارد وماهية الجاذبية، كانا أول ركيزتين يتهدما في صرح الجاذبية النيوتونية، وفي صرح الفيزياء الكلاسيكية عموماً، واللتين سيأخذهما ألبرت أينشتاين على عاتقه ليقول أنه لا يوجد شيء اسمه الجاذبية وأنها ليست قوة أصلاً، ويبني صرحاً جديداً اسمه الفيزياء الحديثة.
والسؤالان اللذان ابتدأنا بهما حلقتنا كانا: مم يتكون الكون وكيف يتكون؟
محمد شرف
المصادر:
http://www.mediafire.com/file/ry5ms2br5j8tvyc/Newton.pdf/file