أبو الدرداء هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال له عويمر وعامر بن عبد الله، وابن قيس وابن ثعلبة، وابن مالك بن قيس بن أمية بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.
الأنصاري الخزرجي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومقرئ دمشق ومفتيها وقاضيها وأحد حكماء هذه الأمة.
قصة إسلام أبو الدرداء
كان رضي الله عنه أبو الدرداء من آخر الأنصار اسلاماً، وكان عنده صنم يعبده، كما كان قومه يعبد الأصنام، فدخل مرة على صنمه ذاك محمد بن مسلمة وعبد الله بن رواحة، فكسرا صنمه وخرجا.
فلما دخل وجد صنمه قطعاً، فجعل يجمعه ويقول له: ألا دافعت عن نفسك؟ فقالت له زوجته: لو كان ينفع أحداً أو يدفع عنه لنفع نفسه ومنعها، فكأنما أيقظته.
فقال لها: أعدي لي غسلاً، فاغتسل وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما رآه عبد الله بن رواحة آتياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله، هذا أبو الدرداء ما أراه إلا أتا في طلبنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل جاء ليسلم، إن ربي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم.
وقال طائفة من العلماء أنه أسلم يوم بدر ولم يشهدها بل شهد أحد، وأبلا فيها بلاءً حسناً، فقالوا: مازال يرمي يوم الشعب بنبله حتى نفذ نبله ثم جعله يدحرج عليهم الحجارة.
فحالت من رسول الله صلى الله عليه وسلم التفاته فقال: من هذا؟ قالوا أبو الدرداء، فقال صلى الله عليه وسلم: نعم الفارس عويمر.
مناقب أبو الدرداء
ولأبي الدرداء مناقب رضي الله عنه منه ما روى الطبراني قال: قلت يا رسول الله بلغني أنك قلت أن قوماً من أمتي سيطفرون بعد إيمانهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل يا أبا الدرداء ولست منهم.
ومن مناقبه رضي الله عنه، ما رواه أبا شيه عنه أنه قال: كنت تاجراً قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، أردت أن أجمع بين التجارة والعبادة فلم يستقم لي، فتركت التجارة وأقبلت على العبادة.
وما رواه البخاري في الصحيح عن أبي جحيفة قال: آخا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبو الدرداء يوماً.
فرأى أم الدرداء متبذلة، أي تلبس ثياباً مبتذلة، قال لها: ما شأنك؟ فقالت: أخوك أبو الدرداء لا أرى له رغبة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له أكلاً فقال سلمان لأبي الدراء: كل.
فقال أبو الدرداء: إني صائم، فقال له سلمان: لست بآكل حتى تأكل، فأكل أبو الدرداء، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم الليل، فقال له سلمان: نم، فنام.
ثم بعد ذلك ذهب ليقوم فقال له سلمان: نم، فنام، حتى إذا كان آخر الليل قال له سلمان: قم الآن، فقاما وصليا، فقال سلمان لأبي الدرداء:
إن لربك عليك حقاً وإن لنفسك عليك حقاً وإن لزوجك عليك حقاً فأعط لكل حق حقه، فلما أصحبت ذكر أبو الدرداء ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان.
طلب العلم وحفظ القرآن
كان رضي الله عنه طالباً للعلم ومجتهداً لهذا، فهو من الذين جمعوا القرآن بحفظه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظه وقرأه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لذلك كان مقرئ دمشق، فهو يقرئ أهلها من القرآن الكريم من جده، في هذا ما يرويه ابن عساكر قال: لو أنسيت آية ولم أجد أحداً يذكرنيها، إلا رجلاً ببرك الغيماد، لرحلت إليه، وبرك الغيماد هو موضع يضرب به المثل في البعد.
ولذلك كان يقول: سلوني، فوالله لإن فقدتموني لتفقدن رجلاً عظيماً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي دعوة سلمها له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يذكرونها له.
روى الإمام أحمد والترمذي، أنه لما حضر معاذ بن جبل الوفاة، قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا، فقال: أجلسوني، فلما أجلسوه قال:
إن العلم والإيمان مكانهما، فمن ابتغاهما وجدهما، وكررها ثلاثاً، ثم قال: وخذوا العلم من أحد هؤلاء، عويمر بن أبي الدرداء، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام.
وروى بن أبي حاتم باسناده إلى أبي ذر، أنه قال: ما حملت غبراء ولا أقلت خضراء، أعلم منك يا أبا الدرداء، وروى ابن سعد في طبقاته عن محمد بن كعب القرضي قال:
جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسة من الأنصار، معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت، وأبي ابن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء.
أبو الدرداء متفي دمشق
فلما كان زمن عمر بن الخطاب، كتب يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وكان إذ ذاك والياً على الشام من قبل عمر بن الخطاب.
يقول: يا أمير المؤمنين، إن أهل الشام كثروا وربلوا وملئوا المدائن، وإنهم احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم.
فبعث عمر بن الخطاب إلى أولئك النفر الخمسة، وقال لهم: إن أخوانكم من أهل الشام استعانوا بي على رجال يعلمونهم القرآن ويفقهونهم في الدين، فأعينوني رحمكم الله، فإن أحببتم فاستهموا.
وإن انتدب منكم ثلاثة فليخرجوا، فقالوا: ما كنا لنستهب، أما هذا فشيخ كبير، أي عن أبو أيوب الأنصاري، وأما هذا فسقيم، عن أبي ابن أبي كعب.
فخرج عبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل وأبو الدردراء، فقال لهم عمر رضي الله عنه: فابدأوا بحمص، فإنكم ستجدون أناساً على وجوه مختلفة، منهم من يلقن ومنهم من ليس كذلك.
فإذا رأيتم ذلك، فخذوا طائفة من الذين يلقنون، حتى إذا رضيتم عنهم، فليبق واحد منكم بحمص، وليذهب واحد إلى فلسطين، والآخر إلى دمشق، فصنعوا ذلك.
وكانوا بحمص حتى إذا رضوا من أهلها فئة، مكث عبادة بن الصامت بحمص، وذهب معاذ بن جبل إلى فلسطين، وذهب أبو الدرداء إلى دمشق.
فأما معاذ بن جبل فمات في طاعون، وعبادة بن الصامت انتقل إلى فلسطين حتى مات بها، وأما أبو الدرداء فمكث في دمشق في الشام، يقرئ أهلها ويعملهم ويقضي بينهم حتى مات.
حلقات تحفيظ القرآن والذكر
كانت حلقاته في الإقراء غريبة عجيبة، حيث يروي ابن عساكر في تاريخه عن مسلم بن مشكام قال: قال لي أبو الدرداء: عد الآخذين علينا.
قال: فعددت ألفاً وستمائة ونيف، فكان أبو الدرداء يجعلهم حلقاً، كل حلقة فيها عشرة، ويضع عليهم قارئ يقرئهم، وأبو الدرداء يمشي بين تلك الحلقات والقراء، من يحتاج للسؤال يسأل أبو الدرداء.
فمن لقن وفهم من أهل الحلقات، فيأتي إلى أبو الدرداء فيقرأ عنه وهكذا، وكان هو يبدأ حلقته إذا انصرف من صلاة الصبح، فيقرأ جزء من القرآن ويكون عنده أولئك القراء.
فيأخذون عنه ذلك الجزء ويجلسون في حلقاتهم، ويضاف إلى كل واحد منهم عشرة، ومكث هكذا في الشام في حلقات، حتى ولي القضاء وأتوا إليه يهنئونه.
أبو الدرداء قاض دمشق
قال لهم أبو الدرداء: أتهنئوني بالقضاء وقد جعلت على رأس ما هو مذلتها أبعد من عدن أبين، لو علم الناس ما في القضاء لما أخذوه إلا بالدول، كراهة له وزهداً فيه، وبالدول أي يتناوب القضاة عليه لما فيه من خطر.
وبقي أبو الدرداء قاضياً مفتياً إلى أن مات سنة 32 للهجرة.
أقول أبو الدرداء المأثورة عنه
وقال عبد البر: ولأبي الدرداء أقوال مأثورة منها قوله رضي الله عنه:
وجدت الناس أخبر تقلي، أي امتحن تبغض، وهكذا مازال من خبر الناس يبغضهم، وقال في وصف الدنيا: الدنيا دار كدر ولن ينجو منها إلا أهل الحذر، ولله فيها علامات يسمعها الجاهلون ويعتبر منها العالمون.
ومن علاماته فيها أنه حفها بالشبهات، فارتقى ما فيها أهل الشهوات، وأعقبها بالآفات فانتفع بها أهل العظات، ومزج حلالها بالمؤنات، وحرامها بالتبعات، فالمكثر فيها تعب والمقل فيها نصب.
وقال مرة: يا أهل حمص، ما لي أرى علمائكم يذهبون وجهالكم لا يعلمون، وأراكم مقبلين على ما ضمن لكم، وأضعتم ما وكل إليكم، تعلموا العلم قبل أن يرفع، فإن ذهاب العلم ذهاب العلماء.
قال له مرة إنسان: أوصني، فقال أبو الدرداء: أذكر الله في السراء يذكرك في الضراء، وإذا ذكرت الموت فعد نفسك كأحدهم، وإذا تشوفت نفسك إلى أمر من الدنيا فأنظر إلى ما يصير.
وقال مرة: أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث، أضحكني مؤمل دنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه، وضاحك بملئ فيه لا يدري أأرضى الله أم أسخطه.
وأبكاني فراق الأحبة محمد وحزبه، وهول الغمرات وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي الله تعالى يوم تبدو السريرة علانية، ثم لا أدري أإلى جنة أم إلى نار.
أبو الدرداء والكلام المؤثور
ومن كلامه المأثور أيضاً، قوله رضي الله عنه: يا أهل دمشق اسمعوا قول أخ لكم ناصح، ما لي أراكم تجمعون فلا تأكلون، وتبنون فلا تسكنون، وتأملون فلا تدركون.
إن من كان قبلكم أمل بعيدا وجمع كثيرا وبنى شديدا، فأصبح ما أمله غرورا وما جمعوا ثبورا، وأضحت منازلهم قبورا.
قال مرة: ما أنصفنا أخواننا من أهل الغنى، يحبوننا في الله ويفارقوننا في الدنيا، إذا لقيت أحدهم قال أحبك في الله يا أبا الدرداء، فإذا أردت منه شيئاً امتنع مني.
وقال مرة يواسي هؤلاء: أخواننا من أهل الغنى يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضول أموال ينظرون إليها وننظر معهم، وحسابها عليهم ونحن منها برئاء.
لما فتحت قبرص مر بسبي قبرص فبكى، فقيل له: يا أبا الدرداء، أتبكي في هذا اليوم وقد أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: بينما هذه الأمة ظاهرة قاهرة، إذ عصوا الله فأصابهم ما ترى، ما أهون العباد على الله إذا عصوا.
ومن جميل كلام أبي الدرداء: أطلبوا العلم، فإن لم تستطيعوا فأحبوا أهله، فإن لم تستطيعوا فلا بتغضوهم، وله كلام كثير في هذا رضي الله عنه وأرضاه.
المصدر: يوتيوب