سور برلين أو حائط برلين أو جدار برلين أو Berlin Wall ، نسمع كثيراً في التلفزيون والأفلام الوثائقية عن جدار برلين.
وأنه بتدمير هذا الجدار، تدمر معه آخر معاقل الشيوعية في أوروبا، وانتهى آخر أشكال الخوف في جميع أوروبا.
وعلى الرغم من أن ألمانيا كانت منقسمة حتى عام 1990، إلا أن ألمانيا ما زالت هي التي نعرفها حالياً بأكبر اقتصاد في أوروبا، وواحدة من أفضل الدول الصناعية، إن لم تكن أفضلها أصلاً.
السلام عليكم في حلقة جديدة من اقتصاد الكوكب، معكم مصطفى الصعيدي، واليوم إن شاء الله سنتكلم عن جدار برلين Berlin Wall .
وسنحاول أن نأخذ لمحة تاريخية ما قبل بناء السور أو لمحة عما أدى إلى بناء السور، وكيف تم تقسيم ألمانيا على أربعة دول بعد الحرب العالمية الثانية. سنرى كيف هذه الدول استفادت واستنفذت ألمانيا حتى النخاع.
قصة نشأة جدار برلين Berlin Wall
سنبدأ الحكاية من منتصف الحرب العالمية الثانية عام 1940، عندما كان هتلر مسيطراً على أوروبا وفي نفس الوقت لديه اتفاقية مع الاتحاد السوفييتي بعدم التعرض.
وبالفعل هتلر بدأ الحرب على بولندا واستولى على النرويج والدانمارك وهولندا، وفي النهاية دخل فرنسا في عام 1940 وكان كل ذلك خلال عام واحد أو أقل.
هتلر كان باقياً عليه احتلال بريطانيا، ويمتلك كامل قارة أوروبا ما عدا الاتحاد السوفييتي.
حتى أتت لحظة خالف فيها الاتفاقية التي أقامها مع الروس، والتي بمقتضاها أن لا تقوم حرب بينهما لمدة 10 سنوات، فهجم عليهم من الجهة الشرقية.
عند ذلك دخل الاتحاد السوفييتي في اللعبة، وبهذا أصبحت ألمانيا تواجه الاتحاد السوفييتي وجبهات كثيرة في الدول التي احتلتها.
الشتاء الروسي
لماذا قام هتلر بنقض المعاهدة والهجوم على الاتحاد السوفييتي؟ هل هو بهذا الغباء ليفتح على نفسه جبهات كثيرة عدة؟
السبب أن هتلر لم يكن مؤتمناً ستالين، ولم يكونا أصلاً متوافقين، فالفكر مختلف، فالنازية والشيوعية مختلفتان تماماً، وكل منهما يخاف من انتشار الآخر على حسابه.
لذلك هتلر أوقف بعض القوات على الحدود الشرقية، لعدم ثقته بستالين وكان يحاول أن يقوم بسرعة بالانتهاء من احتلال فرنسا ليشعر بالأمان.
وكي يكمل هذه الحرب، يحتاج أن يؤمن العتاد من غذاء ونفط، وكانت هذه الأمور يحضرها من الاتحاد السوفييتي. فقرر أن يخرج إلى الاتحاد السوفيتي ويقوم بتأمين الموارد، وقام بتحقيق تقدم كبير جداً.
لكن الحرب أصبحت طويلة أكثر مما يتوقع، ولم يكن هذا في حساباته. غرست أرجل هتلر بالمعنى الحقيقي.
دخل فصل الشتاء، وكان قارصاً جداً لم يمر مثله خلال المائة سنة الماضية، وبدون التعمق أكثر بهذه الجزئية، لكن الاتحاد السوفيتي دخل الحرب العالمية رسمياً.
وبعدها دخلت أمريكا في الحرب العالمية الثانية، وكانت تتحين الفرصة كي تدخل وتفرض سيطرتها على العالم كله من خلال هذه الحرب .
ألمانيا خسرت الحرب
قسّمت أرضها إلى مناطق تابعة لدول الحلفاء، كالاتحاد السوفيتي وأمريكا وبريطانيا وفرنسا، وكل دولة منهم أخذت القسم الخاص به وهذا كان في عام 1945.
كل هذا التقسيم كان على شكل عقاب على ألمانيا، وفي هذه المرة يجب التأكد بأن ألمانيا لن تعود مرة أخرى لقوتها.
لأن ذات السيناريو حصل في الحرب العالمية الأولى، وتم فرض عقوبات على ألمانيا، وتم تدمير ألمانيا فعلياً، ورغم ذلك خرج لهم هتلر، سيطر عليهم كلهم خلال سنة واحدة.
قررت هذه الدول أن ألمانيا يجب تقسيمها على أربع أجزاء، وكل دولة تأخذ قطعة منها، وتقوم بإدارتها بالشكل الذي تريده.
جدار برلين الفاصل بين الألمان Berlin Wall construction
لو كانت التركة محصورة على أمريكا وبريطانيا وفرنسا فقط فإنه لن يكون هناك جدار برلين Berlin Wall ، ولكن الموضوع أصعب من ذلك بسبب وجود الاتحاد السوفيتي.
وكل ذلك بسبب أن سياسة هذه الدول متشابهة، أما الاتحاد السوفيتي لديه فكر مختلف، بحيث أن الحزب الحاكم هو الحزب الشيوعي وهذا الحزب لا يسمح بالاقتصاد الحر.
ستجد الجزء الأول يسمى ألمانيا الغربية، والذي هو الجزء الخاص بأمريكا وفرنسا وبريطانيا أما الجزء الثاني كان اسمه ألمانيا الشرقية بحكم سيطرة الاتحاد السوفيتي عليه.
وكان الفرق واضحاً بين جهتي جدار برلين من ألمانيا، وهذا الفرق توضح بشكل بفقر وقمع شديد من جهة ألمانيا الشرقية التي يسيطر عليها الاتحاد السوفيتي.
أما الجزء الغربي من الجدار فكان يعيش حياة جيدة ورواتب جيدة وهناك حريات. هذه العوامل أدت إلى نزوح من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية.
وكان من ضمن هؤلاء المهاجرين النخبة العالية المتعلمة، وأصحاب المهن، فأصبح الوضع سيئاً جداً في ألمانيا الشرقية بحيث لم يتبقى قوى عاملة فيها.
إجراءات حكومة ألمانيا الشرقية
قامت الحكومة الشرقية بمنع السفر والتنقل إلى الغربية، أو حتى إلى مكان في العالم. أي أن الوضع كان كسجن عام للمواطنين. ولكن كان هناك أمل لدى سكان ألمانيا الشرقية بسبب تقسيم أرض برلين على أربع دول.
برغم من أن برلين كانت تقع ضمن سيطرة الاتحاد السوفيتي، أي في ألمانيا الشرقية، وبالتالي أصبحت برلين صورة مصغرة عن ألمانيا كلها.
وكان الجزء الغربي يمتلك الحياة المرفهة والجيدة، وبمجرد دخولك إلى برلين الغربية ستكون في وضع جيد جداً بحيث تستطيع السفر إلى كل مكان في العالم.
لم يعجب هذا الوضع الاتحاد السوفيتي، فقام ببناء سور سلكي ما بين برلين الغربية والشرقية، ثم طوره وبنى خرسانة جدارية بارتفاع 3 أمتار.
ووضع ألغاماَ أرضية وأبراج مراقبة ومخابئ سرية. وأي أحد يقترب من الجدار بمسافة مائة متر يقومون بقتله.
ثم قاموا بلف هذا الجدار بمحيط برلين كلها، وقام بقفلها كاملة، واستمر هذا الجدار لمدة 28 سنة وخلال هذه الفترة كانت ألمانيا على قسمين وحتى عام 1989.
هروب السكان إلى الناحية الأخرى من جدار برلين
خلال هذه الفترة استطاع الهرب من الحدود 5000 شخص فقط، ومنهم 600 شخص من حرس الحدود.
لم تكن الوظائف المتقدم لها في ألمانيا الشرقية سوى وظيفة الجيش وحرس الحدود فقط، لكي يستطيعون الهرب.
استخدم الألمان الشرقيين المناطيد والأنفاق كي يهربون وخلال هذه الفترة قتل 178 شخص خلال هذه المحاولات.
ولم يكن هذا السور فقط لمنع الناس من الخروج من قبضة الاتحاد السوفيتي، بل كان أيضاً لمنع دخول بعض الأفراد الخطرين على النظام الشيوعي، الذي من الممكن أن يحركوا عقلية الناس ضد النظام.
أيضاً برلين الغربية كانت بالنسبة للاتحاد السوفيتي كالشوكة في حلقهم، بحيث كانت مدينة رأسمالية في أحضان الشيوعية. وبغض النظر عن الشعارات الكبيرة، كان الموضوع يضايقهم كثيراً.
و في عام 1948 بعد التقسيم بثلاث سنوات، فرض الاتحاد السوفيتي حصاراً شديداً جداً على برلين الغربية لكي يجوعهم ويسبب الملل للدول المسيطرة عليها، فيتركوها وتكون برلين كلها تابعة للاتحاد السوفيتي.
ولكن هيهات أن هذه الدول تترك شيء هكذا، فكانوا من خلال الطيران يرمون أكثر من 2.5 مليون طن أغذية ومساعدات ووقود وسلع أساسية لمدة سنة كاملة. ثم الاتحاد السوفيتي قام بإلغاء الحصار في عام 1949.
سقوط جدار برلين THe FAll of Berlin Wall
وفي عام 1989 أعلن المتحدث باسم الحزب الشيوعي في برلين الشرقية، تغيرياً في العلاقات ما بين برلين الشرقية والغربية.
وقال أنه ابتداءاً من منتصف هذه الليلة، أصبح لمواطني جمهورية ألمانيا الديموقراطية أي الشرقية حرية عبور البلاد.
لم يكن قد انتهى من خطابه حتى قام الناس بالنزول للشوارع بالملايين، وبدأوا يخرجون لحدود السور في منتصف الليل، والتجمع أمام السور.
لم يستطيع الحراس فعل أي شيء أمام هذه الأعداد الكبيرة، فقاموا بترك أماكنهم وتم فتح السور وقام الألمان من الجهتين بالانضمام لبعضهم وحدث أعظم احتفال في تاريخ ألمانيا.
قام الناس بتكسير السور. وبعد عام واحد من انهيار جدار برلين اجتمعت ألمانيا مرة أخرى، وتوحدت في 3 أكتوبر عام 1990 وحتى هذا الوقت.
ألمانيا ودول الحلفاء
حصلت نهضة حقيقية في ألمانيا بعد هدم جدار برلين ، والاتحاد مرة أخرى بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية.
ولكن الحلفاء لم يخرجوا خاسرين من ألمانيا حيث قاموا بسرقة التكنولوجيا الألمانية، وتم تفكيك العديد من المصانع كتعويضات.
وأيضاً كان هناك الملايين من الأسرى الألمان يستخدمون كسخرة بدون أجور لخدمة الحلفاء، والمصانع أيضاً كان هناك جزء من إنتاجها يذهب للحلفاء.
وتم تفكيك السكك الحديدية ونقلها للحلفاء، وتم الاستيلاء على السفن ومصادرتها وأي شيء ينفع للمصادرة كان الحلفاء يصادرونه.
ولكن كل هذا لم يكن له قيمة مقابل براءات الاختراع وحقوق الفكرية الألمانية. حيث أن أمريكا وبريطانيا سيطروا عليها.
التعويضات الفكرية التي أخذتها أمريكا وبريطانيا بلغت حوالي عشرة مليار دولار، أي ما يعادل اليوم 105 مليار دولار، والقائمة تطول ضمن سلسلة التعويضات التي لا تنتهي.
وأيضاً قامت ألمانيا بدفع تعويضات لأهالي اليهود الذين أحرقوا في المحرقة، والذين استخدموا في أعمال السخرة بما يقرب 63 مليار يورو، وحتى عام 2005 استمروا بدفع هذه التعويضات.