جعفر بن أبي طالب وأولاده في رعاية النبي صلى الله عليه وسلم، وحب النبي الشديد لأبناء جعفر بن أبي طالب
يقول عبد الله بن جعفر بعد وفاة جعفر بن أبي طالب: سألت علي فامتنع، فقلت له: لحق جعفر، يقول: ما لم أقل تلك الكلمة أبداً إلا أعطاني.
استشهاد جعفر بن أبي طالب في مؤتة
هذه كانت مكانة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عند النبي صلى الله عليه وسلم، وعند علي بن أبي طالب فجعفر رضي الله عنه استشهد في سرية مؤتة.
والفرق بين الغزوة والسرية أن الغزوة يشارك بها النبي صلى الله عليه وسلم، والسرية وإن كانت معركة ضخمة جداً، ولكن إذا لم يشارك بها النبي صلى الله عليه وسلم تسمى سرية.
ففي الأصل لا تسمى غزوة مؤتة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشارك بها وإنما سرية مؤتة، وكانت في سنة ثمانية للهجرة في جمادى الأول ضد الروم.
وقرر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون قائد المعركة هو جعفر بن أبي طالب، كان في المعركة ثلاثة آلاف من المسلمين مقابل 200 ألف من الروم والنصارى العرب.
ومع ذلك صبر المسلمين وصمدوا، وعندما اشتدت المعركة ولم يستطع جعفر بن أبي طالب أن يحرك فرسه، فنزل عن فرسه وعقرها أي كسر قدمها حتى لا يستفد منها الأعداء.
ونزل جعفر بن أبي طالب إلى المعركة وقاتل بشراسة حتى قتل، يقول بن عمر رضي الله عنه: كنت معهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب.
فوجدنا فيما أقبل من جسمه بضعاً وتسعين بين طعنة ورمية، هكذا مات جعفر بن أبي طالب ومن شدة الضرب قطعت يداه.
مثوى جعفر بن أبي طالب في الجنة
النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن الله سبحانه وتعالى، أبدله بدل يديه جناحين، وهو الآن في الجنة، فهو لا يعيش في حياة البرزخ العادية بل في الجنة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت جعفر يطير في الجنة مع الملائكة، يقول الطبراني: أري النبي صلى الله عليه وسلم جعفراً ملكاً، ذا جناحين مضرجين بالدماء، ذلك لأنه قاتل حتى قطعت يداه.
مكانة جعفر بن أبي طالب وأولاده
عندما انتهت معركة مؤتة وعاد الجيش بقيادة خالد بن الوليد الذي سحبهم حتى لا يفنى الجيش، تلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون.
والنبي صلى الله عليه وسلم رأى الأطفال الذين يبحثون عن آبائهم من العائدين، فقال: خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطوني ابن جعفر.
فأوتي له بعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وكان طفلاً صغيراً بعمر الثلاث سنوات، تقول عائشة رضي الله عنها: لما أتى نعي جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن.
وقال لآل جعفر: إيتوني بني جعفر فجيء بهم كأنهم فراخ، وقال: ادعوا لي الحلاق، فأتى الحلاق وحلق رؤوسهم، ثم التفت إلى أمهم وهي تبكي فقال: العيلة تخافين عليهم؟ أنا وليهم في الدنيا والآخرة.
هذه مكانة جعفر بن أبي طالب عند النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية آخرى قال الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجة جعفر: ائتني بأولاد جعفر.
فلما جيء بهم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحضنهم ويتشممهم وذرفت عيناه وكان هذا، قبل أن يصل الجيش بخبر وفاة جعفر، لأن الوحي كان قد تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قد مات.
وقال لأهله اصنعوا لجعفر طعاماً فقد أتاهم أمر يشغلهم، وهذا من السنة التي تعلمناها من هذا الموقف، بأنه إذا توفي ميت في منزل ما فأصدقائهم وأقاربهم هم الذين يصنعون الطعام لأهل الميت.
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب؛ هو أول مولود في الإسلام ولد في أرض الحبشة، وكان إذا ذكر الكرماء في تاريخ العرب يذكر حاتم وعبد الله بن جعفر.
فعبد الله بن جعفر في الكرم هو أكرم كرماء الإسلام لا يقارن إلا بحاتم الطائي في الجاهلية، وأهل الجاهلية يفتخرون بكرم حاتم الطائي وأهل الإسلام يفتخرون بكرم عبد الله بن جعفر.
ومن أبناء جعفر كان محمد بن جعفر وعون، وكان هناك نساء مكرمات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً مثل جعفر بن أبي طالب؛ وأولاده.
أم هانئ
أم هانئ من أخوات علي رضي الله عنه، أم هانئ بنت أبي طالب وهي ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم، قيل أن اسمها فاختة وفاطمة وهند ولكن كان أشهر اسم معروف لها هو فاختة، وكان لقبها الذي اشتهرت به أم هانئ.
وهي زوجة هبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي، قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه في زوج في ذات يده.
يقول أبو عمر: هرب هبيرة لما فتحت مكة إلى نجران، لأنه لم يسلم وقد سيطر الإسلام على مكة، فبدأ يذكر أشعاراً يعتذر بأنه لم يفر.
ولما بلغه أن أم هانئ أسلمت رضي الله عنها، قال فيها شعراً، وكانت لها مكانة عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هبيرة قد نشأ في منزل النبي الكريم.
لما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة أعطى الأمان لأهل مكة، إلا بضع أشخاص وكان من بينهم رجلين من بني مخزوم من حمو أم هانئ.
فأعطتهم هي الأمان واكتشف هذا الأمر علي بن أبي طالب، وقال لها: كيف تعطيهم الأمان وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقلتهم؟
فأغلقت عليهم الباب وقالت اصبر حتى أبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، وذهبت أم هانئ، فإذا النبي صلى الله عليه سلم يغتسل وفاطمة رضي الله عنها تحمل الستار تستره به.
فأصرت أم هانئ بأن تحدث النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعها النبي وقال: مرحباً يأم هانئ ما جاء بك؟ فأخبرته بخبر الرجلين بأنه أمر بقتلهم وهي قررت أن تحميهم.
فقال: قد أجرنا من أجرتي وأمنا من أمنتي يا أم هانئ فلا نقتلهما، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل في بيتها وصلى ثمان ركعات للشكر لله تعالى فتح مكة.
جمانة وريطة
وكانت هناك جمانة بنت أبي طالب حيث يقول أبو أحمد العسكري عنها، أنها أم عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
وتزوجها أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فولدت له عبد الله، وقد أسلمت وقسم لها النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم خيبر جزءً حينها.
ويقول المؤرخون عنها أنها أدركت كبار التابعين مثل عطاء ومجاهد وغيرهم، وكانوا إذا وصل يوم 27 رمضان يخرج إلى تنعيم ويعتمر من خيمتها.
والمرأة الأخيرة هي ريطة بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب، لكن لم يذكر لها سوى أنها أسلمت وأن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً قسم لها من غنائم خيبر.
وهذه هي الأسرة المجيدة العريقة في القيادة والسيادة والريادة، وهي الأسرة التي نشأ بها علي بن أبي طالب بن هشام بن عبد مناف، والتي نشأ بها علي بن أبي طالب حفيد عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب.
ورث المكارم كابراً عن كابر، واجتمعت له هذه الصفات، فتعلم منها الشجاعة والمروؤة والعقل والذكاء، والطهارة والحزم والكرم والسخاء واللغة والقيادة، هكذا كانت نشأة علي وجعفر رضي الله عنهما.