إسلامشخصيات

سيرة أبناء عمر بن الخطاب ومقتله


عبد الرحمن بن مجبَّر هو عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب وقد قال الحافظ رحمه الله أنه لم يمر على الرواة ثلاث عبد الرحمن إلا هذا.

أبناء عمر بن الخطاب

وعمر رضي الله عنه كان له بنون ثلاثة كلهم اسمهم عبد الرحمن، فكان يفرق بينهم بالنعت، فيقال عبد الرحمن الأكبر وعبد الرحمن الأوسط وعبد الرحمن الأصغر.

والذي معنا هنا هو عبد الرحمن الأصغر، وهو أبو المجبَّر، والمجبر اسمه أيضاً عبد الرحمن، وإنما لقب بالمجبر لأنه سقط في صغره فكسر فذهبوا به إلى حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها عمته.

فقالوا لها: انظري إلى ابن أخيك المكسَّر، فقالت: ليس هو بالمكسر بل هو المجبر، ولُقب بذلك.

وقالوا أن سبب ذلك أن أباه مات وهو صغير فلقبته حفصة رضي الله عنها بالمجبَّر لعل الله أن يجبر كسره بموت أبيه.

والراوي هو شيخ الإمام مالك هو عبد الرحمن بن المجبَّر، وقد نشأ يتيماً أيضاً في حجر سالم بن عبد الله ابن عم أبيه، سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وكان ثقة في الحديث وهو يروي في الموطأ عن سالم كثيراً لأنه نشأ في حجره.

حكم الدم اليسير في إبطال الوضوء

قال عبيد الله رحمه الله حدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن مجبَّر أنه رأى سالم بن عبد الله يخرج من أنفه الدم حتى تختضب أصابعه ثم يفتله ثم يصلي ولا يتوضأ.

وهذا كالذي قبله محمول على الدم اليسير لأنه كان يخرج منه فيفتله، والدم الكثير لا يفتل إنما يشرع الخروج والانصراف لغسله والرجوع.

أما اليسير فهذا يفتل بالأصابع يجفف ولا يسقط منه شيء على الجسد أو الثوب، وإذا سقط شيء فإنما يكون شيئاً يسيراً لا يخرج عن المعفو عنه.

والمعفو عنه عند الفقهاء ما لا يجاوز قدر الدرهم البغل، ودون درهم من عين قيح أو صديد أو دم، هذا المعفو عنه.

الدرهم البغل

يرى في باطن ذراع البغل دائرة صغيرة وهي المقصودة بدرهم البغل، فالدرهم الذي يتعاملون به قطره يقارب قطر الدائرة في داخل ذراع البغل، فنسب للبغل.

فإذ زادت النجاسة عن هذا الدرهم صارت في حيز الكثير الذي لا يعفى عنه، وإذا كانت دونه فذلك من اليسير المعفو عنه، ولا يتوضأ لأن وضوئه لا ينتقض فلا يحتاج إلى وضوء.

المِسوَر بن مخرمة

المسوَر بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب أبو عبد الرحمن الزهري القرشي من صغار الصحابة، كعبد الله بن الزبير وكالنعمان بن بشير رضي الله عنهم.

وعبد الرحمن بن عوف خاله وكان المسوَر ممن يدخل على عمر بن الخطاب ويلزمه ويحفظ عنه.

دخل مرة على معاوية بن أبي سفيان ومعاوية حينئذ خليفة المسلمين، فقال له معاومة: يا مسور ما فعل طعنك على الأئمة؟

فقال له المسور: دعنا من هذا وأحسن فيما جئناك له. فقال له معاوية: والله لتحدثني بذات نفسك. فقال المسور: فما تركت شيئاً في نفسي عليه إلا أخبرته به.

فقال له معاوية: لا أبرأ من الذنب، ولكن أتعدّ لنا شيئاً مما نلي من إصلاح الناس أم تعد الذنوب فقط وتترك الحسنات؟

فقال المسور: نعم، فقال معاوية: لا أبرأ من الذنوب، ولكن ألك ذنوب في خاصة نفسك تخشاها؟ فقال المسور: نعم. فقال له معاوية: فما الذي يجعلك في رجاء الله من مغفرة أحق مني؟

ولا مآل لي من الإصلاح في أمر العامة أكثر مما تلي، والله ما خيرت بين الله وبين غيره إلا اخترت الله، وإني لعلى دينٍ يقبل فيه العمل ويجزى فيه بالحسنات. قال المسور: فعرفت أنه خصمني.

قال عروة بن الزبير راوي الحديث عن المسور: فما رأيت المسور بعد هذا طرى معاوية إلا صلى عليه.

وكان المسور رضي الله عنه من العبّاد، كان إذا أتى مكة طاف عن كل يوم غاب فيه عن مكة سبعة أشواط وصلى.

ولما أمتنع عبد الله بن الزبير عن البيعة ليزيد بن معاوية وتحصن بمكة كان معه المسور بن مخرمة في جيش عبد الله بن الزبير، ولما حاصرهم أهل الشام وكانوا يرمونهم بالمجانيق.

ذكروا أن المسور أصابه حجر انفلق فأصابته قطعة في خده فمرض من ذلك وقالت أم بكر بنت المسور: فكنت أرى العظام تنزع من خد المسور.

ومكث بعد ذلك خمسة أيام ومات رحمه الله وذلك سنة 64.

أبو لؤلؤة غلام المغيرة

قال عبيد الله رحمه الله حدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن المسوَر بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب في الليلة التي طعن فيها.

طعنه فيها أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعلة. وقد ذكر بن سعد في الطبقات أن عمر رضي الله عنه لم يكن يأذن لسبي احتلم في دخول المدينة.

حتى كان أبو لؤلؤة هذا، بعض المغيرة بن شعبة وكان والياً حينئذ لعمر على الكوفة، كتب إليه يستأذنه في أن يبعث بأبي لؤلؤة إلى المدينة ويقول أنه غلام صنع ويحسن أعملاً كثيرة ينتفع بها المسلمون.

وقال له أنه حداد نقاش نجار، فكتب له عمر رضي الله عنه يأذن له في أن يأتي أبو لؤلؤة المدينة، وضرب عليه المغيرة مئة درهم خراجاً في كل شهر، عن عمله الذي يعمله.

فجاء أبو لؤلؤة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه ثقل الخراج، فقال له عمر رضي الله عنه: كم خراجك؟ قال: مائة درهم. قال: وما تحسن من العمل؟ قال: أحسن كذا وكذا.

قال له عمر رضي الله عنه: ليس هذا بكثير في كنه عملك. فانصرف أبو لؤلؤة مغضباً ساخطاً.

ليلة طعن عمر بن الخطاب

ولما كان في يوم من الأيام عمر رضي الله عنه مع رهط من الصحابة لقي ابا لؤلؤة فقال له: ألم أحدَّث أنك لو تشاء لصنعت رحى تطحن بالريح؟

قالوا: فالتفت إليه أبو لؤلؤة ساخطاً غاضباً وقال له: سأصنع لك رحى يتحدث بها الناس. وانصرف. فالتفت عمر رضي الله عنه إلى الرهط وقال لهم: لقد أوعدني العبد آنفاً.

فلبث ليالي وأخذ أبو لؤلؤة خنجراً ذا حدين، وتسلل إلى المسجد في غلس السحر وكمن هناك وانتظر وكان عمر رضي الله عنه من عادته أنه يخرج إلى المسجد فيوقظ الناس لصلاة الفجر.

فلما دنا من أبي لؤلؤة قام إليه ابي لؤلؤة عليه من الله ما يستحق فطعنه ثلاث طعنات إحدى تلك الطعنات وقعت تحت سرته وخرقت الصفاق وهي التي قتلته.

ثم فر، قال عمر رضي الله عنه: قتلني الكلب. فترامى الناس عليه ليمسكوه فقتل سوى عمر أحد عشر رجلاً ثم قتل نفسه.

فلما أدرك عمر رضي الله عنه النزف وانصفق عليه الناس قال: مروا عبد الرحمن بن عوف ليصلي بالناس.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: ثم أدركه النزف فغشي عليه، فاحتملته مع رهط حتى أدخلته بيته وصلى بالناس عبد الرحمن بن عوف ولم يزل عمر رضي الله عنه مغشياً عليه حتى أسفر بالصبح ونحن معه.

حرصه على الصلاة

قال: فلما أسر الصبح فتح عينيه فنظر إلينا فقال: أصلى الناس؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال رضي الله عنه: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.

ثم أوتي بوضوء فتوضأ وصلى، ثم قال: يا ابن عباس أخرج فاسأل من قتلني. قال: فخرجت واطلعت على الناس وقلت من طعن أمير المؤمنين؟ فقالوا: طعنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة.

قال: فرجعت إليه فقلت له غلام يا أمير المؤمنين. فقال: الحمد لله الذي لم يجعل لقاتلي سجدة واحدة يحاجني بها أمام الله.

ثم قال عمر: ما كانت العرب لتقتلني. ثم قال له: ادع لي طبيباً ينظر في جرحي، فأوتي بطبيب فسقاه ذلك الطبيب لبناً فخرج من الطعنة. فقال له الطبيب: اعهد يا أمير المؤمنين.

فكانت تلك الوصية التي أوصى بأن تكون الشورى في تلك الستة وألا تخرج الخلافة عن أحدهم إلى آخر ما قاله.

ومات عمر بن الخطاب رضي الله عنه من يومه ذاك شهيداً كما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم غير ضائع ولا مضيع. كان ذلك سنة 20 للهجرة.

نسأل الله أن يجمعنا بهم غداً يوم القيامة آمين.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى