أخبارالحياة والمجتمعحول العالمقصص وحكايات

ماليزيا الحديثة ونهضتها وثورة التحديث

ماليزيا الحديثة : أفضل ثروةٍ في أي دولةٍ هي شعبها، عبارةٌ قالها رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد في أحد كتبه، شارحاً كيف أن يكون لأمةٍ أن تنتقل من حالٍ إلى حال. نهضة

جزيرة ألماني كانت جزءاً من مستعمرات بريطانيا العظمى حتى نالت استقلالها عام 1957 بريطانيا العظمى و كـ عادتها في القرن المنصرم قبل أن تحمل عصاها وترحل.

وكانت تترك بصمتها الاستعمارية في كل بلد ينوي الاستقلال عنها، وكانت تلك البصمة لماليزيا هي التعدد العرقي لشعبها ليصبح التعدد العرقي هو الهاجس للمجتمع الماليزي.

ماليزيا خلال الاحتلال البريطاني

ماليزيا الحديثة تحولت تقريباً من مجتمع كان متجانساً عرقياً إلى مجتمع متعدد الأعراق، بسبب العمال الذين جلبتهم شركة الهند الشرقية من الصين والهند وإندونيسيا، كل هذا أصبح مشكلةً الآن.

الجزيرة بأكملها كانت تخضع للنفوذ الإسلامي، وعندما جاء البريطانيون هنا وجدوا ملكيات إسلامية، فسعوا بالتدريج لإبرام اتفاقيات مع الحكام تمكنهم من السيطرة على البلاد، عدا ذلك قسم البريطانيون الماليزيين إلى ملاي وماليزيين آخرين.

ماليزيا الحديثة وقومية الملاي

نهضة ماليزيا

الملاي هم يتركزون أساساً في المناطق الريفية ويعملون في الزراعة، وهنود يعملون في مجال العقارات، و صينيين يعملون في قطاع الأعمال، كان ذلك حقاً فصلاً حقيقياً بين الجماعات العرقية في ماليزيا. مهاتير محمد

أنشئ البريطانيون ما سموه ( مجلس الحكام ) وهو ما أقره الدستور فيما بعد، مجلس الحكام هذا ما زال موجوداً حتى اليوم وهو ينتخب من بين أعضاءه ملكاً للبلاد مرة كل خمس سنوات، لا يوجد بلد في العالم لديه ملكان، أما ماليزيا فلديها تسع ملوك.

كان السلطان يسيطر على السياسة والاقتصاد، وعندما جاء البريطانيون بفصل الدين عن الدولة أصبحت العائلة المالكة في ماليزيا مسؤولة فقط عن الدين والثقافة.

بحيث كان ذلك انتزاع سلطة البلاد من سكانها الأصليين، لكن في نفس الوقت كان أي قرار سياسي لا يمرر إلا بموافقة السلطان، لذلك فإن النفوذ الرمزي للسلطان لم يعد نفوذاً حقيقياً إنما نفوذ سياسي فقط.

ماليزيا الحديثة والاقتصاد

ماليزيا الحديثة والاقتصاد

أما اقتصاد البلاد فقد استقر بأيدي البريطانيين والصينيين بالتعاون مع الأجانب، كانت ماليزيا تصدر القصدير والمطاط والذهب كان ذلك جوهر التاج البريطاني، 46% من دخل بريطانيا كان يأتيها من مستعمراتها في جزيرة الملاي في ذلك الوقت. نهضة ماليزيا مهاتير محمد

ارتكب البريطانيون خطأ بعد الحرب العالمية الثانية حين أرادوا قمع الملكيات حين أثاروا قلق الملاي الذين يشعرون أصلاً بعدم الأمان، وساورهم القلق بأن قمع ملكياتهم وهم أهل البلاد.

قد يسهل لغير الملاي اختطاف الحكم، لذلك بدأوا المقاومة فكان أن ولدت حركة Umno.

تأسست Umno في ذلك الوقت بدعم من الملاي لانتزاع الاستقلال من البريطانيين لذلك كانت Umno أي منظمة اتحاد الملاي الوطنية تكافح لتحرير البلاد من قبضة الحكومة البريطانية الاستعمارية. نهضة ماليزيا مهاتير محمد

التاريخ وضعهم في هذا الموقف، حتى أنه عندما رحل البريطانيون فإن 70% من اقتصاد البلاد في عام 1971 كان بأيدي صينيين وأجانب، هذا هو الوضع في ماليزيا وقت حصولها على الاستقلال عام 1957.

ماليزيا والحصول على الاستقلال

ماليزيا الحديثة بعد الاستقلال استقر التشكيل العرقي لماليزيا ليتكون من ثلاث جماعات عرقية أساسية، ملاي مسلمون بنسبة 65% وصينيون بنسبة 26% وهنود 8% وأقليات أخرى 2% .

بعد الاستقلال كان أحد الشروط منح الصينيين والهنود حق المواطنة، بشرط أن يحترموا حقوق الملاي المنصوص عليها بالدستور.

وهي حقوق منحت لهم بناء على ما عانوه في فترة الاحتلال، لكن آثار السياسة الاستعمارية كانت متفشية أثناء الاحتلال لذى كان على الحكومة وضع سياسة ما يسمى تمكين الملاي ليحلوا مكان الأجانب في القطاع المدني من الدولة.

سياسة تمكين الملاي في ماليزيا

رغم سياسة تمكين الملاي التي اتبعت مباشرةً بعد الاستقلال ونص عليها دستور وافقت عليه كل المجموعات العرقية في البلاد، لم يتمكن الملاي الفقراء الحصول على نصيب عادل من ذلك البلد الغني رغم كونهم الأغلبية. نهضة ماليزيا مهاتير محمد

فقد كان الصينيون هم الأكثر خبرة والأكثر تمكناً من مفاصل البلاد، استمر الغضب مكتوماً حتى وقعت اضطرابات عام 1969

كانت الرسالة واضحة جداً ..

بعد أحداث عام 1969 أغلب السكان كانوا محرومين من التعليم والعائد الاقتصادي، وحتى ننعم باستقرار اجتماعي يؤدي إلى استقرار سياسي هناك إجراءات لابد أن تتخذ لتمكين الأغلبية الماليزية للمشاركة في العوائد الاقتصادية.

لذى أعلنت الحكومة ما أسمته السياسة الاقتصادية الجديدة، تضمنت تلك السياسية التمييز الإيجابي لمساعدة الفقراء و أغلبيتهم من الملاي والبومي بوترا أي أبناء الأرض وهم من السكان الأصليين.

كان هناك بعض التحفظات خاصة من الصينيين لأنهم شعروا أن تلك السياسة هي تمييز ضدهم لكن بالطبع هذه السياسة ليست في ماليزيا فقط.

ففي أمريكا أيضاً توجد سياسة تسمى التمييز الإيجابي وهي لمساعدة الأقليات وفي ماليزيا تم اتباع نفس السياسة لإصلاح ما أفسدته بريطانيا في هذا البلد.

لكن لسوء الأسف الهدف الأصلي لم يتحقق في تلك الفترة، لأن الرؤية كانت مساعدة الملاي الفقراء وحين يصبحوا أثرياء يساعدون الفقراء الآخرين من الملاي.

لكن ما حدث تماماً هو أن الأغنياء لم يبدوا اهتماماً في مساعدة الفقراء وكان ذلك أحد مساوئ تلك السياسة، السياسة الاقتصادية الجديدة، فنحن نعيش في وضع رأسمالي حيث الثري يزداد ثراء.

الموارد في ماليزيا الحديثة

ماليزيا الحديثة غنيةٌ جداً بمواردها الطبيعية، تلك الموارد كانت تملكها شركات بريطانية كان يمكن تأمينها بعد الحصول على الاستقلال.

لكن رئيس الوزراء وقتها كان حكيماً وأن الماليزيين لا يمتلكون الخبرة التي تمكنهم من إدارة تلك الثروة الهائلة، فتركها بايد البريطانيين ثم عمل على إحلال الماليزيين بدل البريطانيين بالتدريج مع اكتسابهم الخبرة.

كان رجلاً بعيد النظر إذ أنه لو اتخذ قرار التأميم لفقد كل شيء بسبب نقص الخبرة.

نظام الحكم في ماليزيا

نظام الحكم في ماليزيا

الملك أو السلطان في ماليزيا يملك ولا يحكم، لذلك فقيادة البلاد هي لرئيس الوزراء وإليه تنسب فترة توليه حكم البلاد بحلوها أو مرها.

فأول رئيس وزراء بعد جلاء البريطانيين عن ماليزيا تنكو عبد الرحمن أبو الإستقلال ثم تلاه عبد الرزاق حسين أبو التنمية ثم حسين عون أبو الوحدة وهكذا.

ولكن أشهرهم عالمياً أبو التحديث في ماليزيا الدكتور مهاتير محمد.

في عام 1925 من القرن الماضي ولد مهاتير محمد لأسرة من الطبقة الوسطى بين الملاي المسلمين، بعد تخرجه من الجامعة طبيباً انتمى إلى منظمة UMNO وصار قيادياً في مجلسها الأعلى. نهضة ماليزيا مهاتير محمد

كان عضواً برلمانياً منتخباً حين ألف كتابه الشهير معضلة الملاي The  Malay Dilemma إثر اضطرابات عام 1969 مطالباً فيه من اتخاذ المزيد من إجراءات التمييز الإيجابي لصالح الملاي الذين وصفهم أنهم متخلفون اقتصادياً.

انتخب مجدداً للبرلمان عام 1973 ثم صار وزير التعليم في حكومة حسين عون، ثم نائب رئيس الوزراء إلى أن أصبح رئيس الوزراء عام 1981 وكان وصول مؤلف معضلة الملاي إلى ذلك المنصب نقطة تحول حقيقية لماليزيا.

المعضلة أصبحت واضحةً جداً، لماذا نكون فقراء في بلدنا ما دامت السلطة السياسة في حوزتنا!

أدرك مهاتير محمد أن معضلة الملاي هي أن لا يكون لك نفوذ سياسي بل يجب أن يكون لك أيضاً قوةٌ اقتصادية، أو على الأقل محو الفقر.

والفقر قضيةٌ لم يستطع باقي العالم حلها لكنه فخرٌ لماليزيا أن نسبة الفقر انخفضت من 50% في ذلك الوقت إلى أقل من 2% حالياً، إذاً ما تقوله تلك النتيجة أننا سلكنا الطريق الصواب.

بلغ معدل الفقر في عام 1970 52% وفي عام 2013 بلغ 1.7% فقط ( المصدر البنك الدولي والأمم المتحدة )

ماليزيا بقيادة مهاتير محمد

ماليزيا بقيادة مهاتير محمد

بالنسبة لمراقب من خارج ماليزيا ما يريد أن يعرفه هو كيف تحققت تلك النتائج، وماذا كانت المعوقات وكيف تصدوا لها، وما هي التضحيات التي سلكتها ماليزيا بقيادة مهاتير محمد.

إن قيادة دولة نامية تحتاج زعيماً له شخصية قيادية وكاريزما قوية، فالدول المتقدمة تحتاج قائد له كاريزما، لماذا؟

لأن النظام يكون بها مستقراً والاقتصاد يكون فاعلاً والمجتمع الرأسمالي يكون حيوياً والمجتمع المدني يكون نشطاً، بينما الدول النامية تحاول محو الفقر.

لذا فهي تحتاج قائداً قوياً يقود بلده نحو التقدم، لحسن حظ ماليزيا كان مهاتير محمد صاحب رؤية.

لم يكن راضياً عن وضع البلد في ذلك الحين، فقد رأى أنه تابعٌ للغرب أكثر مما ينبغي، وقريبٌ من بريطانيا أكثر مما يجب، وشعر أن ماليزيا ليست لها الصورة التي ينبغي أن تكون.

فبدأ يغير كل تلك الأشياء قائلاً: إن ماليزيا يجب أن تستدير إلى الشرق، يجب أن تقترب أكثر من الصين واليابان وكوريا، يجب أن تكون لماليزيا شخصيةٌ متميزة، لذلك بنى البرجين.

رؤيةٌ واضحةٌ حول تحديث البلاد واتباع نموذج شرق آسيا في التنمية الاقتصادية، وهو ما يعني التركيز على البنية التحتية والكفاءة وتغيير ثقافة العمل.

حدد الهدف بما يسمى رؤية 2020 بنى طرقاً سريعة وجسوراً وحول تلك البلد إلى بلدٍ حديث، إذا ذهبت لزيارة مدينة بوتراجايا ستجد مدينة حديثة جداً، وحتى المطار هو حديث جداً هذا الدكتور مهاتير.

مهاتير بذل جهوداً جبارة لبناء البنى التحتية والطرق، وعندما أصبحت جاهزة جاء المستثمرون وأنشئت هيئات للاستثمار حتى ينمو الاستثمار الذي يتطور الناس من خلاله.

جهزت البنى التحتية بدعم من المؤسسات المالية الدولية اقتراض من الخارج، لكن البنية التحتية وما تلاها من استثمارات فيما بعد غطت تلك القروض.

إنما بدون تلك البنية التحتية لم يكن للمصانع أن تعمل أو تنقل منتجاتها لتصدرها، فقد كانت الاستراتيجية وقتها موجهة للتصدير، وقتها بدأت الدعوة للمستثمرين للاستثمار في ماليزيا.

الصعوبات التي واجهت مهاتير محمد

الدكتور مهاتير كان واعياً جداً لصعوبة التعامل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بسبب شروطه المسبقة، فهم مثلاً أرادوا وقف سياسة التمييز الإيجابي لصالح الملاي.

لكنه رفض قائلاً: إنها لصالح شعبي شروطكم لن  تطبق هنا لذا في الأزمة المالية العالمية في عام 1998 طبق سياسة التحكم في العملة وهو ما كان يرفضه البنك الدولي وقتها.

لكن الآن اكتشفنا كم كان قراراً رائعاً وهذا يوضح كم كان تفكيره بعيد النظر، كان يضع مصلحة ماليزيا أولاً وشعب ماليزيا أولاً.

عندما كان يعمل على تغيير اقتصاد البلاد من اقتصاد قائم على الزراعة إلى اقتصاد قائم على التصنيع أثار غضب الريفيين ولكنه أقنعهم بأن التركيز على التصنيع سيخلق عدداً هائلاً من فرص العمل.

بدأ نزوح مكثف من المناطق الريفية إلى المدن حيث توجد فرص العمل، لذى فإن الملاي والسكان الأصليون منحوا فرص أكبر للعمل وارتياد الجامعات والعمل في الحكومة والقطاع الخاص ومجال الأعمال.

لكن هذا لم يكن برأيه سلب حق الأخرين في النمو بل يتاح حق التنمية للأخرين وبنفس الوقت تمنح فرص العمل للسكان الأصليين ليتحقق لهم النمو كذلك، إنما ليس على حساب الآخرين.

إن سياسة التمييز الإيجابي كانت جيدة ولكن كانت تحتاج لثلاثة شروط لتنفيذها:

  • أولاً: الشفافية
  • ثانياً: أن تمنح المساعدة لمن يستحق، وليس لمليونير أو بلينوير فقط لأنه من نفس العرق
  • ثالثاً: التأكيد على أن المساعدات لن يتسبب بحدوث خلل في السوق

لذى بتلك الشروط أعتقد أن سياسة التمييز الإيجابي هي سياسة جيدة.

كعكة الاقتصاد الماليزي

كانت الفكرة ببساطة أنه إذا عملت على أن تكون الكعكة كبيرة، فكل فرد سينال شريحة أكبر من كعكة الاقتصاد، لذى إذا عملت على تحقيق ازدهار أكبر للبلد ككل وحتى لو كان هناك تفاوت فإن الجميع سيحصل على عائدته.

في مناخ كهذا أصبح التصنيع أهم أركان الاقتصاد، هذه الصناعة بالطبع تستورد المواد الخام اللازمة هنا أدرك الدكتور مهاتير الحاجة الشديدة لبوابة مع العالم، فكان ذلك الميناء ..

استغرق الأمر ثلاث سنوات كي يتعلم تكنولوجيا المعلومات وتعلمها بالفعل.

كان ذلك عندما قال: نحن ننتقل من اقتصاد قائم على الزراعة إلى اقتصاد قائم على التصنيع إلى اقتصاد المعرفة القائم على تكنولوجيا المعلومات، كان مبادراً في هذا المجال.

صناعة التكنولوجيا والمعلومات بدأت في عهده وبأمانة، لذى فقد قطعنا الطريق على بيع الموارد الطبيعية الخام، ميزة مهاتير كانت الإقتصاد بدون أدنى شك فهو نجح في دفع البلاد بعيداً باتجاه التصنيع.

الدكتور مهاتير محمد عزز ثقة الناس بأنفسهم بأنهم يستطيعون صنع ما يشاءون.

التعليم في ماليزيا الحديثة

التعليم في ماليزيا الحديثة

كلما بحثت أو سألت كيف أحرزت ماليزيا كل هذا التقدم السريع، تجد مباشرةً  دائماً إجابة حاسمة: التعليم ..

استثمارات ضخمة في التعليم والمنح التعليمية والمدارس وتطوير كفاءة المعلمين، بحيث تحول التعليم فيما بعد بحد ذاته إلى قطاع للاستثمار، حتى أصبح لدينا واحد من أهم محاور الاستثمار في التعليم في منطقة جنوب شرق آسيا.

هناك 21 جامعة حكومية إضافة إلى فروع أشهر جامعات العالم، وهؤلاء يأتون للاستثمار في قطاع التعليم في ماليزيا ثقة بقوة اقتصادها.

أيضاً الماليزيون من أصل صيني وهندي يشجعون مستثمرين وطلاب من الهند و الصين كي يأتوا إلى هنا وهذان بلدان لديهم تعداد سكاني هائل.

المشروع الوطني للتعليم بدأ بالاستماع إلى المعلمين وجمعيات أولياء الأمور والطلاب، والاستعانة بخبراء دوليين وعقد اجتماعات ومنتديات للحصول على أراء الجميع في نوعية التعليم الذي يريدونه بحيث 20% من ميزانية الحكومة خصصت للتعليم.

وهم ملتزمون على استخدام تكنولوجيا جديدة وتوفير بيئة ملائمة، بحيث تقنية التعليم عبر الإنترنت جعلتهم يكسرون جميع الحواجز بحيث لا ترى طلاب يحمل حقيبة كتبه فهناك كتاب ( غوغل كروم ) ينتظره في المدرسة.

النموذج الماليزي في التنمية الاقتصادية

ماليزيا الحديثة والتنمية الاقتصادية أساسه تشجيع السوق الحر، دعه يعمل دعه يمر ولكنه ليس كذلك تماماً، فدعم الفقراء عادةً نهج لا يحبه أنصار السوق الحر.

فإذا أردت تسميته الطريق الثالث فهو إذاً الطريق الثالث، لكنه ما نسميه الدولة التنموية أي الدولة التي تدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة وتتبع أيضاً ما يسمى برنامج خصخصة مشاريع الدولة.

والآن يجري الحديث عن دعم الشركات الماليزية للتوسع خارجياً، بحيث لا تعتمد على السوق الداخلية في ماليزيا فقط بل لابد أن تكون شركات دولية.

طريق التنمية الاقتصادية ليس في ماليزيا فقط ولكن في دول أخرى ولابد أن يراعي هذا الطريق ثلاثة أشياء:

  • أولاً: تنمية الاقتصاد لتصبح الدولة ذات دخل عالي 
  • ثانياً: ضمن عادلة التوزيع بقدرٍ مستطاع 
  • ثالثاً: الاستدامة بمعنى التفكير بمستقبل الأجيال القادمة، هذا ما تعنيه الاستدامة

العمل على زيادة الدخل وعدالة التوزيع والتنمية المستدامة، إلى آخر وصفات التنمية تلك هي كلها وصفات معلومة للجميع، فلماذا تنجح فيها دول وتفشل أخرى؟

نحن أنشأنا معامل، نضع الناس ضمن غرفة و نستوحي من أغنية تسمى فندق كاليفورنيا ففي تلك الأغنية هناك سطر يقول: بإمكانك أن تنظر إلى الساعة كما تريد لكنك لن ترحل أبداً.

هذا يعني أن يبقى الناس في تلك الغرفة إلى أن يتوصلوا إلى حلول المشاكل التي أنشئت من أجلها تلك المعامل ..

لدينا معامل للسياحة ومعامل لتجارة الجملة والتجزئة وأخرى للبترول والغاز والطاقة والتعليم والخدمات المصرفية والقطاعات الاقتصادية المختلفة.

وحتى الجريمة لدينا معمل لها وكذلك الفساد أيضاً، هذه الوسيلة لتجميع الأفراد معاً لإيجاد حلول.

في ماليزيا الحديثة عندما ننهي تلك المعامل ندعو الماليزيين للتعرف على الحلول ندعو الناس وأحزاب المعارضة وأعضاء البرلمان والمنظمات الغير حكومية.

وحتى سائقي سيارات الأجرة، ندعو الجميع وإذا كانت لديهم فكرة أخرى نهتم بالاستماع إليها، ولكن أهم ما نفعله في ماليزيا هو الحرص على الاستماع لأفكار الشعب.

ما الذي قدمه مهاتير محمد لماليزيا ؟

ما قدمه مهاتير محمد جميلٌ للغاية، فقد تمكن من توسيع قاعدة الطبقة المتوسطة، وعندما تكون لديك طبقة وسطى عريضة في هذا البلد فالناس تسعى للاستقرار دائماً، لأنهم يريدون العمل والعائلة المستقرة والاستمتاع بالحياة.

تستمتع فقط عندما لديك وظيفة وراتب جيد وكل ذلك يتحقق بوجود اقتصاد جيد، فهذا ما فعله مهاتير محمد عندما غرس بالناس شعور التركيز على الاقتصاد، إذا كان الاقتصاد جيداً فـ المجتمع حين إذ ينعم بالاستقرار.

ماليزيا تحولت، غيرت مثلاً عاداتها الغذائية من مستهلكين للأرز إلى مستهلكين للرز، أي الوجبات السريعة لماذا؟ لأن أموالهم زادت، فبدأوا التفكير بثلاثة أشياء

1- ماذا احتاج

2- ماذا أريد

3- ماذا أتمنى

فلسفة رأسمالية ولا يمكن الإفلات من زمان العولمة في ماليزيا أو في أي مكان، بنية تحتية ممتازة، تحول إلى التصنيع القائم على الإنتاج، ثم التصنيع القائم على تكنولوجيا المعلومات.

تعليم يكسر حدود المدرسة التقليدية، وتنشيط قطاعات أخرى كـ السياحة، ودعم للأغلبية بعد حرمان طويل، نجاح حققه مهاتير محمد برؤيته الطموحة لماليزيا مع رؤية عام 2020.

وما زال يكمله من جاء بعده، نجاحٌ يلحظه المراقبون من خارج ماليزيا، فهل ثمة من يعترض!

رؤية المعارضة الماليزية

على الجانب الآخر كان لديه رؤية لما يريده للبلاد أن تكون عليه، ولكن لكي تتحقق رؤيته لم يتردد في إزاحة كل من يعارضه، مؤسسة القضاء مثلاً لم يتردد في تنحيته من طريقه، كان يكره أن يعارضه أحد.

في أوقات الازدهار الاقتصادي تكون حقوق الإنسان تكون عادة إحدى الضحايا، أعتقد أن الاقتصاد الجيد ليس كافياً، أعني إذا ما نظرنا في العشرين عام الأخيرة ستجد قانون الأمن الداخلي أو قانون الحجز الوقائي.

استخدم لقمع من يعارضون الحكومة، أيضاً يعتقل البعض ويتم التحقيق معهم لأسباب دينية، الأمر لا يتعلق فقط بالاقتصاد، بل فكرة منح الملاي تميزاً خاصاً.

فقد استشرت في الخدمات المدنية وفي التعليم، وهذا يعني ليس بالضرورة ارتقاء الأفضل إلى القمة، هذا على المدى البعيد ليس لصالح ماليزيا على الإطلاق.

شيءٌ آخر هو إطفاء ذلك الشعور الوطني للملاي ففي التعليم نحيت اللغة الإنجليزية جانباً لصالح لغة الملاي، لذلك أهم القضايا الآن هي سياسة التمييز الإيجابي.

نظام التعليم الماليزي هو نظام يعتمد على النقاط، وهذه أرض الفرص والفرص متاحة، ولكن الناس سيظلون يجأرون بالشكوى ويرددون أن هناك تمييزاً، لا يردون العمل بجد وإخلاص.

ماليزيا الحديثة والوزارات المتعددة

يقول وزير الرياضة الماليزي : أنا من المؤمنين بأن الرياضة توحد الشباب الماليزي لأنه وقتها لا يفكرون إذا كانوا ملاي أو صينيين أو هنود.

بل يفكرون كـ ماليزيين حين يدعمون مثلاً المنتخب الوطني، لذى فإن الرياضة في هذه الوزارة مفتاح لتوحيد الناس، نحن في هذه الوزارة نعكس الروح التعددية الفكرية لهذا البلد.

وفي مناخ المنافسة وهي روح الاقتصاد الحر من المتوقع أن يكون الفساد الحكومي من أهم اهتمام المعارضة، الحكومة هي واحد من أكبر مستهلكي تكنولوجيا المعلومات.

ثلث احتياجات البلاد من تلك المنتجات تقريباً، إنما عقود الحكومة لتلك المنتجات تمنح لشركات محددة إما على أساس عرقي أو لمجموعات قريبة من الحزب الحاكم.

لسوء الحظ أن الرسالة التي تصل إلى الماليزيين أن الصينيين يحاولون التهام ماليزيا.

هذه عقلية رجال السلطة بمن فيهم الدكتور مهاتير محمد، الذي يقول كل يوم للملاي أن الصينيين يريدون سرقة السلطة السياسة رغم أن هذا مستحيل لأن الصنيين يشكلون فقط 20% من سكان البلاد.

الحل في رأي البعض المعارض هو ما يقترحونه دائماً هو أن يفعلوا ما فعلته هونغ كونغ إنشاء وكالة مستقلة لمكافحة الفساد فالجميع يخضع للحساب حتى رئيس الوزراء لو لزم الأمر.

كوتشينغ عاصمة ولاية سراواك الماليزية

كوتشينغ عاصمة ولاية سراواك الماليزية

وهي إحدى ولايات الاتحاد الفيدرالي الماليزي، يسكنها نحو مليونين ونصف نسمة أغلبهم مسيحيون و20% فقط مسلمون، وتتمتع الولاية بثروات طبيعية هائلة من الغاز والبترول والأرض والماء والغابات.

لكن نصيبها من التنمية قليل مما أشعر السكان بالغبن حتى أن شكواهم تضمر رغبة مبطنة بالإنفصال.

الفاصل الجغرافي بين ولايتي ماليزيا الغربية و ولايتي صباح وسراواك واحدٌ من العوامل، فنحن حين نذهب إلى ماليزيا الغربية ترى الناس ينظرون للأخرين بفوقية.

أجيالٌ تاولت، وعقودٌ من الزمن مضت، واقتصاد حديث ترسخ منذ إحداث المجتمع الماليزي على هذا التشكيل العرقي للسكان.

إلا أن الماليزيين ما زالوا يصنعون تكتلاتهم السياسة والثقافية على أساس عرقي، وذلك لأنه لم تبذل جهود جادة لدمجهم معاً، هذا البلد الوحيد في العالم الذي تنشأ فيه أحزاب سياسة على أساس عرقي.

حزبٌ صيني وحزبٌ للملاي وحزبٌ هندي، فالاعتقاد السائد هنا هو أفضل طريقة لمنع التصادم هو الإبقاء على إنفصال المجموعات العرقية، بمعنى أن الإنفصال لا يحقق السلم الاجتماعي أكثر مما تحققه محاولات دمج الأعراق.


المصادر

  • وثائقي يحلل تجربة التحديث في ماليزيا على يد د. مهاتير محمد وما أسماه رؤية 2020 ونموذج الدولة التنموية والتحول من بلد اقتصاده قائم على الزراعة إلى بلد يقوم اقتصاده على التصنيع.

The documentary is tackling the Malaysian case considering the process of modernization in Malaysia and transforming the country from agriculture dependent economy to industry dependent economy, under the vision of 2020 of Dr. Mahathir Mohamed the Malaysian leader

انتاج الجزيرة

الجزيرة
قناة الجزيرة الوثائقية

اعداد الصور والأنغوغراف : فريق ماكتيوبس 2020


جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى