الآدابشخصياتكتب إلكترونية

مقامات بديع الزمان الهمذاني: دراسة في مقامات بديع الزمان الهمذاني

مقامات بديع الزمان الهمذاني، تعتبر مقامات بديع الزمان الهمذاني من المواضيع التي تشغل بال عدد كبير من المؤلفين العرب والمستشرقين المهتمين بالدراسات العربية.

فالهمذاني مبدع فن المقامات كان قد ترك أثراً كبيراً في الأدب العربي والعالمي، فاكتسبت مقاماته أهمية خاصة في التراث العالمي.

ومنذ صدور طبعة محمد عبده لمقامات الهمذاني عام 1889، لم تطرح أي من الدراسات عن المقامات أسئلة عن التاريخ النصي لها.

فقد ساد الاعتقاد أن محمد عبده عدل النص في مواضع قليلة ليتوافق مع العرف الأخلاقي السائد في عصره، وفيما عدا ذلك رسخ في أذهان الدارسين أن النص المطبوع يمثل ما قاله الهمذاني.

مقامات بديع الزمان الهمذاني بيد محمد عبده

أضحى نص محمد عبده، بكل سلبياته وأخطائه، المرجع المعتمد عند الحديث عن مقامات الهمذاني.

لكن نظرة متأنية في عشرات المخطوطات التي وصلتنا تشير إلى أن نص المقامات قد قام برحلة مذهلة شكلت معالمه وغيرته قبل أن يصلنا اليوم.

إذ لم تكن مقامات الهمذاني تمثل عند مؤلفها عملاً أدبياً متكاملاً في البداية، فالشاعر مثلاً يبدأ بنظم القصائد ومن ثم يجمعها في ديوان حين يتشكل لديه عدد كافٍ منها.

وغالباً ما يجمع الديوان أحد المقربين من الشاعر أو رواته في حياته أو بعد وفاته، كما يحدث في دواوين الرسائل والخطب.

ولعله حدث كذلك فيما يتعلق بجمع مقامات الهمذاني، فنحن لا نعرف على وجه التحديد كم مقامة كتب الهمذاني أو ترك لنا، ولا نعرف ما إذا كان هو صاحب جميع المقامات المنسوبة له.

مخطوطات مقامات بديع الزمان الهمذاني

يوجد أكثر من أربعين مخطوطاً لمجموع مقامات الهمذاني، وتقسم المقامات إلى المغزلية، والناجمية، والخلفية، والنيسابورية، والعلمية، والشعرية، والملوكية، والصفرية، والسارية، والتميمية، والخمرية.

بينما توجد مواد لم تتضمنها طبعة محمد عبده، منها:

المقامة الشامية

هذه المقامة مثبتة في بعض طبعات المقامات، ولا يشك بصحة نسبتها إلى الهمذاني. صحيح أن محمد عبده لم يضمنها طبعته، إلا أن ذلك مرده إلى دواعٍ أخلاقية بحتة.

إذ إنه يقول في مقدمة طبعته: وهنا ما ينبغي التنبيه عليه وهو أن في هذا المؤلف من مقامات البديع -رحمه الله- افتناناً في أنواع من الكلام كثيرة.

ربما كان منها ما يستحي الأديب من قراءته، ويخجل مثلي من شرح عبارته، ولا يحمل بالسذج أن يستشعروا معناه، أو تنساق أذهانهم إلى مغزاه.

وأعوذ بالله أن أرمي صاحب المقامات بلائمة تنقص من قدره، أو أعيبه بما يحط من أمره، ولكن لكل زمانٍ مقال، ولكل خيال مجال.

وهذا عذرنا في ترك المقامة الشامية، وإغفال بعض جمل من المقامة الرصافية، وكلمات من مقامة أخرى مع التنبيه على ذلك في مواضعه. والإشارة إلى السبب في مواقعه.

يتخذ الراوية عيسى بن هشام في هذه المقامة دور قاض في بلاد الشام يختصم إليه رجل هو الإسكندري وامرأتان، الأولى تدعي صداقا، والثانية تلتمس طلاقا ونفقة.

يستمع القاضي إلى ادعاء الرجل في تهربه من صداق الأولى، ثم يسمع ردها، ثم دفاع الرجل الذي يتبين كذبه. بعدئذ تطلب المرأة الثانية الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان.

فيحكم القاضي للمرأة بنفقة قدرها مئة في الشهر، إلا أن الإسكندري يجد أن هذا فوق الطاقة، فيهدده القاضي بإبرام الطلاق.

يعود الإسكندري بعد شهرين ليلتمس تخفيف النفقة فينذره القاضي بإبرام الطلاق مجدداً، عند ذلك ينشد الإسكندري أبياتاً في هجائه.

المقامة الطبية

هذه المقامة الموجودة حصراً في مخطوط يال- سالسبري 63، عن الطب والصيدلة.

إذ يقص الراوي عيسى بن هشام مغامرة لطبيب في مدينة الدونق مع رفقة من مدينة الأهواز، بعد تعداد بارع ومسجع للأمراض النادرة والعقاقير التي تشفيها.

وكما هي العادة في مقامات الهمذاني الأخرى، يكشف الراوي قناع أبي الفتح الإسكندري في نهاية المقامة.

وقد تم تأكيد صحةَ نسبة هذه المقامة إلى الهمذاني اعتماداً على الأسلوب والشكل، فوجودها ضمن هذا المجموع القديم يجعلها أكثر موثوقية من خُمس المقامات المنشورة في طبعة محمد عبده.

المقامة الهمذانية

مضمون هذه المقامة أن عيسى ابن هشام يصل إلى مدينة همذان الخاضعة لزعامة شخص يدعوه الشريف الحسني.

حيث يلتحق بمجلس الحسني ويلتقي شخصاً ينتمي لابن المشرف الكاتب، وآخر بالدسكرة يدعو الى العباسية والانتماء الى بغداد.

فيبدأ هذا الرجل بإنشاد شعر يحن فيه إلى الزمن الماضي، ذاكراً الشيب والشباب، وبعد ذلك ينتقل إلى تعداد المناطق البغدادية والمناطق القريبة منها.

يخلص الشاعر بعدها إلى مدح الشريف الحسني بالجود والعطاء والإحسان، وفي البيتين الأخيرين يشير الرجل إلى سفره واختباره بخل الناس وجودهم قبل أن ينصرف إلى حضرة الشريف.

وفي ختام المقامة يتعرف الشاعر إلى هوية الراوي عيسى بن هشام، فينشد بيتاً في الغزل.

المقامة الشريفية

راوية هذه المقامة هو ابن عيسى بن هشام، واسمه محمد، الذي يروي أنه شهد أبا الفتح الإسكندري يكتب للشريف الحسني نيابة عن طاهر بن محمد الإسكندري.

وأن فحوى ما كتبه رغبته في العودة إلى حضرة الشريف ومدحه بعد أن اضطرته صروف الدهر إلى ترك تلك الحضرة.

وينتقل كاتب المقامة بعد ذلك إلى وصف ما لقيه في بعده من شقاء وقلق وسهاد وبخل الباخلين، ليمدح الشريف مجدداً في الختام.

المقامة الخاتمية

يروي عيسى بن هشام ثانية هنا قصة خلاف بينه وبين أبي سعد القائجاني، الذي قايض خاتمين نالهما من الأستاذ أبي علي الحسن بن أحمد، ولكنه ندم بعد أن عرف قيمة الخاتمين.

عند ذلك يتحدى القائجاني الراوي في لعبة شطرنج يكون الخاتمان فيها من نصيب الرابح، فإذا بالقائجاني يغش في اللعب مرتين.

فينظم به الراوي شعراً ينذره فيه، وتستمر المكاتبة والخلاف إلى أن يجتمع الاثنان إلى مائدة أبي الحسن بن أحمد.

إلا أن الراوي يمتنع عن الطعام بسبب حضور القائجاني، وينشد أبياتاً يهجوه بها، ولما استغرب أبو الحسن هذا الفعل على المائدة، قص عليه عيسى بن هشام ما حدث.

في إثر ذلك تناول أبو الحسن الخاتمين من القائجاني وأعطاهما لعيسى وسأله أن يتوقف عن الهجاء.

وتنتهي المقامة بأبيات من الشعر لأحد الكتاب يمدح فيها عيسى بن هشام لهجائه القاسي للقائجاني، غير أن القائجاني شكا هذا الأمر إلى الأستاذ أبي الحسن، فرد عيسى بشعر يذكر فيه القائجاني بأنه كان قد حذره من مغبة فعله.

الفن في مقامات بديع الزمان الهمذاني

أسس الهمذاني في مقاماته الفن وترك أثراً كبيراً في الأدب العربي والعالمي، غير أن نص الهمذاني نص مفتوح لكثير من الأسئلة التي لا تتعلق بتأويله فحسب، بل أيضا بجمعه وتكوينه وتاريخه وتداوله.

ويبدو أن مجموع مقامات الهمذاني تشكل على صورة كتاب في مرحلة لاحقة من حياة المؤلف، وذلك بتأثير من مجموع مقامات الحريري الذي تضمن خمسين مقامة.

ولما كان ثمة مجموع مبكر لمقامات الهمذاني قيد التداول يتضمن أربعين مقامة، فالظاهر أن نساخ مقامات الهمذاني وجامعيها أضافوا مقامات إلى هذا المجموع ليصل المجموع إلى خمسين.

ولا يعنينا صحة نسبة هذه القطع الأدبية إلى الهمذاني بقدر ما يعنينا أن إضافتها إلى مجموع المقامات دليل على أنها همذانية الطابع، وأن مجموع مقاماته كان لا يزال قيد التشكل حتى القرن السادس الهجري على أقل تقدير.

اقرأ أيضاً… جزيرة الدجال | اسمعوا قصة الصحابي الذي وجد جزيرة الدجال | مع حسن هاشم

اقرأ أيضاً… اصحاب الاخدود والغلام ،اسمعوا العجب في قصة خلدها التاريخ | حسن هاشم

اقرأ أيضاً… النبي زكريا | نبي قتله ابليس في جريمة لن ينساها التاريخ، من هو؟! | حسن هاشم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى