ابن عباس : روى مسلم في صحيحه عن عبيد الله بن أبي رافع، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما خرج الجوارج، يوم حروراء.
قالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي رضي الله عنه كلمته المشهورة: كلمة حق أريد بها باطل.
هؤلاء الخوارج لما نزلوا حروراء، بعث إليهم علي رضي الله عنه، ابن عباس ليناظرهم، لعلهم يرجعون.
روى الحاكم والبيهقي والنسائي في السنن الكبرى، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قلت: يا أمير المؤمنين، أبرد بالظهر لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم.
فقال علي رضي الله عنه: إني أخافهم عليك، فقال: كلا. قال ابن عباس: فخرجت إليهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن.
فأتيتهم وهم مجتمعون في دارهم قائلون، فسلمت عليهم، فقالوا: مرحباً بك يا ابن عباس، ما هذه الحلة؟
حلة جميلة وهؤلاء القراء المجتهدون في العبادة الزاهدون في الدنيا ينكرون على مثل ابن عباس وهو الصحابي والعالم وترجمان القرآن أن يلبس الحلل الجميلة.
هكذا ظنهم، وقلت لكم مرة ، إن الزهد من أعمال القلوب وليس من أعمال الجوارح.
دخول ابن عباس على الخوارج
فقالوا: ما هذه الحلة؟ فقال: وما تعيبون علي؟ ولقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل. ونزلت: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق.
قالوا فما جاء بك، قلت: جئتكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، لأخبركم بما يقولون، وتخبروني بما تقولون.
فعليهم أنزل الوحي وهم أعلم به منكم، وفيهم نزل القرآن وليس فيكم منهم أحد.
فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشاً فإن الله عز وجل قال: بل هم قوم خصمون.
سبب خروجهم على علي رضي الله عنه
قال ابن عباس رضي الله عنهما: وأتيت قوماً ما رأيت قوماً قط أشد اجتهاداً منهم. مسهمة وجوههم من السهر، كأن أيديهم وركبهم ثفن بعير.
عليهم القمص الرحبة، التي بليت من كثرة غسلها، لأنهم زاهدون في الدنيا ليس عليهم غير تلك القمص.
فقال بعضهم: لنكلمنه ولننظرن ما يقول. قال لهم ابن عباس : ماذا نقمتم على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره والمهاجرين والأنصار.
قالوا: ثلاثاً، قال: ما هن؟ قالوا: حكم في دين الله الرجال. والله عز وجل يقول: إن الحكم إلا لله. فما للرجال وللحكم؟
فقال ابن عباس: هذه واحدة، قالوا: والأخرى أنه قاتل فلم يسبي ولم يغنم، في المجلس الماضي قلت أنهم لا يتبعون مولياً ولا يجهزون على جريح ولا يسلبون.
فقالوا: لم يسب ولم يغنم، فإن كان الذين قاتل كفاراً لقد حل سبيهم وغنيمتهم، ولإن كانوا مؤمنين، لم يحل قتالهم.
إما أنهم مؤمنون فلم يجز له أن يقاتلهم، ولما قاتلهم فمعناه أنهم ليسوا مؤمنين فينبغي أن يأذن للناس بسبيهم وغنيمتهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذه الثانية، فما الثالثة؟ قالوا: محى نفسه من أمير المؤمنين. فإذا لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.
هذه القضية الثالثة، أنه محى نفسه من أمير المؤمنين يذكرها هيثم بن عدي في كتابه تاريخ الخوارج، يرويها عنه الحافظ بن الكثير في التاريخ.
كيف محى علي نفسه من أمير المؤمنين
يقول أن علياُ رضي الله عنه لما كاتب معاوية، في قضية التحكيم والصلح، بعث إليه الأشعث بن قيس بكتاب.
ولما جاء الكتاب إلى معاوية رضي الله عنه، يقرأ فيه: من عبد الله أمير المؤمنين علي إلى معاوية بن أبي سفيان. فقال معاوية: لو كنت أعلم أنه أمير المؤمنين ما قاتلته.
لأنه لم يبايعه، فقال: ولكن ليكتب اسمه، وليبدأ به قبل اسمي لفضله وسابقته، فصنع علي رضي الله عنه الذي طلبه معاوية ومحى اسمه أمير المؤمنين، وهذا ما يقوله الخوارج.
فقال ابن عباس : ألكم سوى هذا؟ قالوا: حسبنا هذا. قال ابن عباس رضي الله عنه: ما رأيكم لو قرأت لكم من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يرد به قولكم، أترضون؟ قالوا: نعم.
أمر تحكيم الرجال
قال: أما قولكم، حكم في دين الله الرجال، فأنا أقرأ عليكم، من كتاب الله، ما رد الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب أو نحوها من الصيد. قال الله عز وجل: يا أيها الذين أمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعدماً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم.
فناشدتكم بالله، أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في حقن دمائهم، وإصلاح ذات بينهم؟ ولو شاء الله لحكم، وما صير الحكم إلى الرجال.
وفي المرأة وزوجها يقول الله عز وجل: وإن خفتم شقاقا بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما.
فناشدتكم بالله، أحكم الرجال في حقن دائهم وصلاح ذات بينهم أفضل أم حكمهم في بضع امرأة. أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
حكم السبي والغنيمة
قال: وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم، أتسبون أمكم عائشة، أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟
فلئن فعلتم، لقد كفرتم وهي أمكم. ولئن قلتم ليست أمنا لقد كفرتم، فإن الله عز وجل يقول: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتم.
فأنتم تدورون بين ضلالتين، ايهما صرتم إلها صرتم إلى ضلالة. فنظر بعضهم إلى بعض، قال ابن عباسرضي الله عنه: أخرجت من هذهه؟ قالوا نعم.
مسألة محو علي من الإمارة
قال: وأما قولكم، محى نفسه من أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين، فأنا اقرأ عليكم ما يرضيكم. قد سمعتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح سهيل بن عمر يوم الحديبية، لما صالح قومه قريش، فدعا أمير المؤمنين، يقصد علياً، فقال اكتب يا علي هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش: لا تكتب سول الله، ما نعلم أنك رسول الله، لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك.
فمحا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي، وما أخرجه من النبوة أن محى نفسه.
قال: فرجع مع ابن عباس ألفان وبقي أربعة، اعتزلوا في دار. فلما رجع ابن عباس ورأى علي صنيعه، أتاهم علي نفسه يناظرهم.