شخصيات

من هو عبد القادر الحسيني

حكاية عبد القادر الحسيني ، من هو و ماذا فعل وكيف استشهد .

لعلكم تشاهدون هذه الأيام من يبرر التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل متعذراً بأن أصحاب القضية أصلاً متقاعسون عن الانتصار لقضيتهم . فلماذا نطالب نحن بالانتصار لها ؟

حكايتنا اليوم جاءت من أجل إبطال هذا التبرير المتهافت .

نشأة عبد القادر الحسيني

في عام 1908 أنجبت زوجة موسى كاظم الحسيني في اسطنبول ولداً اسمه عبد القادر .

نشأ هذا الولد في بيت علم وجهاد ، و ورث عن أبيه النخوة الدينية كما ورث عنه النسب الشريف الممتد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فأبوه شيخ المجاهدين موسى كاظم الحسيني الذي صرخ في وجه الاحتلال البريطاني ، و قاد ضده أول مظاهرة شعبية في تاريخ فلسطين .

اعتراضاً على الانتهاكات في حق الشعب الفلسطيني و احتجاجاً على تسهيل تدفق المهاجرين اليهود ، فضيقت عليه سلطات الاحتلال و عزلته من منصبه في رئاسة القدس .

ولكن ذلك لم يثنه عن مواصلة الاحتجاج و التعبير عن رفض المشروع البريطاني داخل الأراضي الفلسطينية .

حتى شارك في مظاهرة أكتوبر عام 1933 و ضربه جنود قوات الاحتلال بالهراوات ضربات قاسية حتى أغمي عليه و سقط طريح الفراش .

ثم توفي بعد ذلك متأثراً بتلك الإصابة وقد ناهز عمره 81 عاماً . ثم استمر بعده ابنه عبد القادر في طريق الكفاح و مطاردة المجد .

وكان قد تعلّم القرآن في زاوية من زوايا القدس ، ثم أتم تعليمه في المدارس النظامية حتى تخرج من الثانوية بتفوق .

فالتحق بالجامعة الأمريكية في القاهرة و أسس فيها أول رابطة للطلبة الفلسطينيين .

وفي أثناء مدة دراسته اكتشف أن الجامعة الأمريكية ما هي إلا وكر استعماري مقنّع ، وأن هذه الواجهة التعليمية هي في الحقيقة مدخل لتمرير التبشير و ترسيخ قواعد الاستعمار .

فكتم قناعته في الجامعة حتى جاء اليوم الذي كان فيه حفل التخرج ، فوقف فيه بكل صلابة وتماسك وصدح أمام أساتذة الجامعة و كبار المسؤولين الأمريكيين قائلاً :

إنني لست بحاجة إلى شهادة من معهدكم الذي هو معهد استعماري وتبشيري فأنا الذي حققتها وليست هي من حققتني .

فسحبت الجامعة على إثر هذا الموقف شهادته العلمية ، و أصدرت حكومة إسماعيل صدقي رئيس الحكومة المصرية آنذاك أمراً بإبعاده من مصر .

عودة عبد القادر الحسيني إلى القدس

لما عاد إلى القدس تلقفته سلطات الاحتلال البريطانية و عرضت عليه وظائف رفيعة المستوى لاستقطابه واستمالته إلى جانبها .

كما تصنع مع المتعلمين من أبناء العائلات الفلسطينية الكبيرة ، لكنه رفض تلك المغريات و آثر العمل في الحافة للتعبير عن رأيه و مناهضة الاستعمار بقلمه .

ثم عمل بعد ذلك في دائرة تسوية الأراضي فاستطاع من خلالها الاتصال بالفلسطينيين في القرى المختلفة ، و استغل هذا الاتصال في تأسيس و تشكيل منظمة سرية مسلحة .

فاشترى الأسلحة و المعدات و خزّنها في أماكن آمنة ، و درّب أعداداً من الشباب على استعمالها .

فلما أمعنت بريطانيا في معاداة العرب واستفحل الخطر اليهودي على الفلسطينيين استقال من وظيفته بدائرة الأراضي الزراعية وتفرغ لمنظمته السرية المسلحة التي أطلق عليها إسم منظمة المقاومة والجهاد .

يذكر المؤرخ إيميل الخوري أن مفتي القدس أمين الحسيني كان على علم بهذا النشاط السري ومتابع له من بعيد ، حتى جاء الوقت الذي عرض فيه على عبد القادر توحيد جهود هذه المنظمات القتالية السرية .

فقبل بذلك و أسست منظمة الجهاد المقدس و أسندت قيادتها إلى عبد القادر الحسيني .

الثورة الفلسطينية الكبرى

في 15 أبريل عام 1936 نشبت الثورة الفلسطينية الكبرى ، و أعلن أبناء فلسطين الإضراب العام الذي استمر ستة أشهر كاملة ، فكان أطول إضراب في التاريخ يقوم به شعب بأكمله .

ثم بدأت مرحلة الكفاح المسلح بعد أن تأججت مشاعر الفلسطينيين بسبب اقتراح اللجنة البريطانية تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب .

و كان عبد القادر الحسيني أول من أطلق النار إيذاناً ببدء الثورة المسلحة على بطش الاحتلال البريطاني .

و قد سطر الفلسطينيون بطولات عظيمة في تلك الملحمة فمكنهم استبسالهم و تفانيهم في القتال من السيطرة على الريف الفلسطيني و تحرير مجموعة من المدن والقرى .

وفي أثناء تلك المعركة الدامية سقط عبد القادر متأثراً بجروح بليغة ، فتمكنت قوات الاحتلال من أسره وتقييده ، ثم نقل بعد ذلك مكبلاً إلى المستشفى .

ثم في مشهد بطولي أشبه ما يكون بمغامرات أبطال الأفلام الهوليودية استطاع رفاق عبد القادر تخليصه من قبضة الاحتلال .

من خلال هجومهم على القوات البريطانية التي كانت تحرس المستشفى ، ثم حملوه إلى دمشق حيث أكمل علاجه هناك .

فلما استعاد عافيته عاد إلى فلسطين مرة أخرى ، و نقل عملياته إلى منطقة الخليل فحشد الاحتلال قوات عسكرية ضخمة للقضاء عليه وعلى رفاقه المقاتلين .

ووقع في تلك المعركة الكثير من الشهداء وأصيب عبد القادر مرة أخرى لكنه نجح في الهروب هذه المرة من الأسر .

الاتصال مع الألمان

بعد هذه الأحداث بمدة اشتعلت الحرب العالمية الثانية فاستثمر عبد القادر حالة العداء بين ألمانيا النازية و بريطانيا ، حيث انطلق إلى ألمانيا ليتلقى التدريب على صنع المتفجرات وتركيبها .

فمكث هناك ما يقارب ستة أشهر ثم عاد إلى مصر محملاً بهذه الخبرات الحربية الجديدة .

فبدأ بتدريب المقاتلين الفلسطينيين و المقاتلين المصريين المتطوعين ، و وضع خطة إعداد المقاومة الفلسطينية ضد الدولة الصهيونية المرتقبة .

وعندما بدأت تتكشف نية الأمم المتحدة بإصدار قرار تقسيم فلسطين و الاعتراف بالدولة الصهيونية اللقيطة .

قررت الهيئة العربية العليا برئاسة المفتي أمين الحسيني إنشاء جيش الجهاد المقدس لمواجهة الخطط الاستعمارية الصهيونية بالقوة المسلحة .

و أسندت القيادة العامة لهذا الجيش إلى عبد القادر الحسيني .

إعلان تقسيم فلسطين

في 29 نوفمبر عام 1947 صدر قرار الأمم المتحدة المشؤوم بتقسيم فلسطين إلى دولتين ، دولة يهودية و دولة عربية .

فأضطرمت نار الغضب في صدور الفلسطينيين و هاجت المدن والقرى بالمظاهرات العارمة ، و وقعت الصدامات الدامية بين الشعب الفلسطيني من جهة والعصابات اليهودية مع القوات البريطانية من جهة أخرى .

وفي هذه الأثناء تسلل عبد القادر إلى فلسطين سراً ، و بدأ بتشكيل قوات الجهاد المقدس ، و قد أظهر المقاتلون حماسة عظيمة نحو الجهاد والتضحية .

ولكن خذلهم هزالة الدعم العربي بالسلاح والعتاد بخلاف القوات الصهيونية التي أمدتها القوى الاستعمارية بأكفأ الأسلحة و المعدات القتالية .

فانطلق إلى دمشق حيث اللجنة العسكرية العربية التابعة لجامعة الدول مطالباُ بمدد من الأسلحة والذخائر لمواجهة الصهاينة و حسم المعركة .

فقوبل طلبه بالرفض و الاستخفاف فأصيب بخيبة أمل شديدة ، فأرسل إلى القاهرة رسالته الشهيرة التي عبر فيها عن وجعه وشعوره بالخذلان :

إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح .

استشهاد عبد القادر الحسيني

وبينما حاله كذلك بلغه نبأ احتلال القرية الحصينة قرية القسطل ، فغادر دمشق مسرعاً لقيادة معركة تحرير القسطل التي كان يعتبر احتلالها مقدمة احتلال القدس .

فلما وصل وجد الجنود عاجزين عن اقتحام المدينة ، إذ كانت محصنة بشكل قوي ، فاستطاع أن يقتحمها بنفسه مع مجموعة من رفاقه الشجعان .

فبلغ المقاتلين في الخارج أن عبد القادر قد أصبح محاصراً ، فهبت لنجدته جماهير المجاهدين من جميع الجبهات .

فلما استطاعوا تحرير القسطل و طرد الصهاينة وجدوا القائد عبد القادر الحسيني ملقى على الأرض محتضناً سلاحه وغارقاً بدمه .

فأسقط في يد المقاتلين و تملكهم الحزن والأسى الشديدين برحيل قائدهم الذي طالما كانت بطولته وبسالته مصدر إلهام لهم .

وقد أوفى بعهده إذ اقسم أن تقسيم فلسطين لن يمر إلا على جسده .

شيعته الجماهير بجنازة مهيبة وصُلي عليه في المسجد الأقصى المبارك كما صلي عليه صلاة الغائب في الجامع الأزهر ومجموعة من العواصم العربية والإسلامية .

استشهد رحمه الله وما زالت رسالته الخالدة تشهد بخذلان من ناب عنهم في مواجهة أعداء الأمة ، وتشهد أن أهل فلسطين لم يتقاعسوا في مناهضة الاحتلال .

وتلقي على عاتقنا نحن اليوم مسؤولية الانتصار لهذه الأمة المظلومة و التصدي لخطابات تبرير الخيانة و تزيين الخنوع و الانحناء للمحتلين .

فالصهاينة محتلون ومغتصبون ، و نحن نرفض التطبيع معهم و الاعتراف بشرعية وجودهم على هذه الأرض لهذا الاعتبار لا باعتبارهم يهوداً .

وكل محاولة لتبرير التطبيع بالاستناد على جواز التعامل مع اليهود وأهل الكتاب هي في الحقيقة تضليل للشعوب المسلمة وتحريف للكلم عن مواضعه .

فهذا الكيان بنى مدنه وقراه على أشلاء وجماجم أهلها من أبناء فلسطين .

فهذه قرية القسطل التي ارتوى ثراها بدم عبد القادر الحسيني ومن معه من المجاهدين أمست مركزاً سياحياً إسرائيلياً .

احتلال فلسطين ومسؤولية الجيل

وفي هذا الصدد يعترف مناحيم بيجن سادس رئيس وزراء إسرائيلي في كتابه الثورة بأن سياسة التطهير العرقي التي مارستها العصابات الصهيونية كان لها الفضل في إفراغ المدن والقرى الفلسطينية من سكانها .

حتى تنشأ على أنقاضها القرى والمدن الإسرائليلة وفي ذلك يقول : إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من ستمائة وخمسين ألف عربي ولولا دير ياسين لما قامت إسرائيل .

وقد أكد هذه الحقيقة موشي دايان وزير خارجية الكيان الصهيوني حيث يقول : ليست هناك قرية يهودية واحدة في هذه البلاد لم يتم بناؤها فوق موقع لقرية عربية .

ولعلي أيها المشاهد العزيز أهيج حميتك الإسلامية و أثير مروءتك العربية حين أخبرك أن مقبرة مأمن الله التي أمر بإنشائها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما فتح القدس قد نبشت قبورها وبعثرت عظام موتاها .

وذلك بسبب عمليات الحفر لتمديد شبكات المجاري و إنشاء حديقة يتنزه فيها الإسرائيليون و مواقف لسياراتهم .

من أجل ذلك وجب علينا اليوم أن نجهر بإدانة التطبيع وأن ننكر هذا المنكر قدر استطاعتنا ، فلا يستقلل أحد منا أثر كلمته فرّب كلمة كانت عليهم أنكى من وقع الرصاص .

وينبغي لنا أن نعلم أن تاريخنا اليوم يكتب ويدون فلنسجل فيه موقفنا ونهتف سوياً : إن التطبيع خيانة .

المصادر

قناة سعد القحطاني


جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

ماكتيوبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى