علوم الفلك والأرض

هل الارض مسطحة أم كروية

الارض مسطحة بين الوهم والحقيقة: سأكون كاذباً إن قلت أن شكل الأرض كروي، فهذا ليس حقيقياً.

لأن الناس جميعاً يعرفون منذ قديم الأزل أنها مسطحة، فأسهل طريقة ليستدل بها الناس عن هذا الأمر، كانت عيونهم.

بخلاف أن الناس جميعاً كان يعرفون أيضاً أن الأرض هي مركز الكون، وأن الشمس والقمر والنجوم والمجرات وكل شيء في الكون يدورون حولها.

وهذا حتى لا ينهار غرورنا كبشر، ولنعترف أن المشاحنة على مركزية الأرض للكون، كانت أكبر بكثير من المشاحنة على كرويتها.

حيث إثبات الكروية لم يأخذ وقتاً ولا مجهوداً كبيراً في إثباتها، وحتى لو أنت رأيت أن الارض مسطحة بعينيك.

يؤسفني أن أقول لك أنه ليس دائماً ما تراه عيناك هو الحقيقة.

فمن الطبيعي أن تخدعك عيناك، وما تراه وتثق أنه مختلف يمكن ألا يكون مختلفاً على الإطلاق.

الارض مسطحة وخداع بصري

الارض مسطحة وخداع بصري

إن كتبت على جوجل أو يوتيوب كلمة خداع بصري شاهد كم سيظهر لك من مقاطع حقيقتها مختلفة تماماً عما تراه.

لكن الرياضيات دائماً لا تكذب، 1+1=2 حتماً، ما تراه وتسمعه وتحسه، فلغة الرياضيات هي اللغة الأصدق في الكون.

لذلك قررت أن أتكلم في هذه الحلقة عن شكل الأرض ليس باللغة العربية أو بالإنجليزية ولا أي لغة سوى بالرياضيات.

رغم أنها لغة صعبة وليس كل الناس يحبونها، لكن سأحاول التبسيط قدر المستطاع.

وسأستخدم أشياء بدائية تم صنعها منذ أكثر من ألفي سنة، سهل أن تصنعوها بأنفسكم وتتأكدوا من صحتها.

متى بدأت تنتشر فكرة كروية الارض

فكرة كروية الارض

بدأت تنتشر في العصر اليوناني، عندما لاحظ الناس أن السفن في سيرها في البحر، تختفي من الأسفل إلى الأعلى.

مما يعني أنها تسير على سطح منحني، هذا بجانب حركة الشمس والقمر وظهورهما واختفائهما في الأفق.

وحركة النجوم ومواقعها التي بدأت تطرح شكوكاً حول كون الارض مسطحة .

لكن الفكرة بذاتها طرحها صعباً، لأن الإنسان عدو ما يجهل، ولأن ذلك لم يكن مهماً لا للمجتمع ولا لرجال الدين.

اكتشافات Eratosthenes عن ظل الشمس

ظل الشمس

بقي هذا الأمر هكذا، حتى جاء فيلسوف يوناني منذ 2300 عاماً، اسمه Eratosthenes وحينها كان يعيش في الاسكندرية، وأمين مكتبتها.

سمع أن يوم 21 مايو من كل سنة تتعامد الشمس مع أسوان، وأي شيء فيها لن يكون له ظل في ذلك التوقيت على الأرض.

وبنفس الوقت وهو في الإسكندرية رأى أن الأشياء لها ظل بشكل عادي، ففكر بما أن الشمس بعيدة فيجب أن تكون أشعتها ساقطة بشكل متوازي.

وبما أن الارض مسطحة فيجب أن تكون كل الأشياء ليس لها ظل بنفس الوقت، خصوصاً لو أنهما في منطقتين قريبتين.

مثل الإسكندرية وأسوان، إلا إذا كانت الأرض ليست مسطحة بل مدورة، حينها هذا الإنحناء سيكون السبب في تكوين الظل.

قم بتجربة الظل بنفسك

ولتعرف لماذا الضوء الذي يأتي من مسافات بعيدة يجب أن يكون متوازياً، أحضر شيئاً وسلّط عليه ضوءً من مسافة قريبة.

ستلاحظ أن أي إنحراف في هذا الشيء يميناً أو شمالاً سيكون له ظل لأن الأشعة ليست متوازية.

وكلما ابتعدت عن المصدر كلما قل الظل، مع نفس قيمة الانحراف لأن الحزمة الساقطة تقترب من أن تكون متوازية.

وبالتالي الشمس البعيدة، أشعتها التي تسقط على الكوكب يجب أن تكون متوازية.

كيف حسب Eratosthenes قطر الأرض

وبما أن Eratosthenes كان عالم رياضيات، وليس استنتج فقط أن الأرض كروية، بل حسب محيطها ونصف قطرها من ذلك الاستنتاج.

Eratosthenes قال: لو تخيلنا عمودان أحداهما في أسوان والثاني في الاسكندرية وامتد العمودان حتى يصلا لمركز الأرض.

والأشعة سقطت على عمود أسوان ولم تصنع ظلاً، وسقطت على عمود الاسكندرية في نفس الوقت وصنعت ظلاً لأنه مائل بسبب إنحناء الأرض.

فزاوية سقوط الأشعة على عمود الاسكندرية ستساوي زاوية مركز الأرض. وذلك لأن الشعاعان متوازيان ويقطعهما قاطع، والزوايا ستكون متساوية بالتبادل.

المهم أن Eratosthenes قام بقياس زاوية السقوط، ووجدها 7.2 درجة وبالتالي ستكون زاوية المركز ذات الشيء 7.2 درجة.

ومع عملية نسبة وتناسب بسيطة، تكون زاوية المركز عند تقسيمها على 360 درجة، سيساوي طول القوس.

الذي يمثل المسافة بين الإسكندرية وأسوان، مقسومة على محيط الدائرة بالكامل والذي هو محيط الأرض الذي لا نعرفه:

7.2/360= 800 كيلومتر/ محيط الأرض المجهول

ومن هذه العلاقة سنكتشف أن المحيط يساوي 40 ألف كيلومتر. وبحساب بسيط يكون نصف قطر الدائرة سيساوي: المحيط/π2.

واستنتج Eratosthenes أن نصف قطر الأرض سيساوي 63770 كيلومتراً، مما يعني أن القطر بالكامل سيساوي 12740 كيلومتراً.

تجربة قياس الظل بعدة طرق

وما فعله الفيلسوف تستطيع أن تفعله أنت بكل سهولة، عن طريق هذا الموقع وتشاهد فيه الشمس متعامدة حالياً على أي مكان في العالم ولا يوجد ظل.

وافترض أن لديك أسوان كما لدى Eratosthenes ثم تقيس المسافة ما بينه وبين المكان الذي تعيش فيه، كم يساوي تماماً.

وحتى تقيس المسافة تدخل إلى Google Earth وتستخدم أداة قياس المسافة بين البلدين. بعد ذلك ستقيس زاوية سقوط أشعة الشمس في مكان إقامتك.

نحضر عصاة ونرى ظلها ونقيس طولها وطول ظلها، ومن ثم ترسم المثلث على ورقة وبالمنقلة ستحسب زاوية سقوط أشعة الشمس.

وبهذا أصبح لديك المسافة بين البلدين وزاوية الظل. فتحسب المحيط ونصف القطر كما حسبناه تواً.

ردة فعل المؤمنين بنظرية الارض مسطحة

ردة فعل المؤمنين بنظرية الارض المسطحة

رغم روعة فكرة Eratosthenes، فإن المؤمنين بنظرية الارض مسطحة لم يدعوه وشأنه، بل أنكروا أنهم يناقضون أن الشمس عمودية.

ويؤكدون أن الشمس قريبة وبالتالي الأشعة لن تكون متوازية. وأن تفسيرهم  لما حصل هو التالي:

أن الشمس موجودة فوق أسوان بذلك التوقيت فلن يكون للأشياء ظل في أسوان، والأشعة سقطت بميل على الأشياء في الإسكندرية.

وبالتالي كونت لها ظلاً وهذا لا يعني أن الارض كروية، وبما أن Eratosthenes لم يقدر على إثبات أن الشمس بعيدة، إذاً ليصمت.

Aristarchus وحساب قطر القمر

حساب قطر القمر

في نفس الوقت والمكان، قام فيلسوف آخر يدعى Aristarchus بمحاولة لدعم فكرة Eratosthenes وليثبت أن الشمس بعيدة وليست قريبة.

كان يعلم Aristarchus من ظاهرة الكسوف والخسوف أن القمر يدور حول الأرض، ففي الكسوف يأتي القمر أمام الشمس فتظلم.

وفي الخسوف يأتي القمر وراء ظل الأرض فيظلم، وكان واضح أن دوران القمر حول الأرض هو السبب في هاتين الظاهرتين.

لكنه لم يقف عند ذلك بل استنتج معلومتين غاية في الأهمية:

أولاً : ما دام القمر حجب ضوء الشمس فمن البديهي أن الشمس تكون أبعد منه.

ثانياً : ما دام القمر يختبئ وراء ظل الأرض فمن البديهي أنه أصغر منها. وانتبه أن القمر يختبئ في ظلها.

فلو حسب Aristarchus الفترة التي سيأخذها القمر ليختفي في ظل الأرض بالكامل، ثم حسب الفترة الكلية التي قضاها القمر في الظل حينها سيعرف قطر القمر.

وجد الفيلسوف Aristarchus أن القمر اختفى بالكامل في خلال ساعة، وبقي ساعتين حتى بدأ يظهر من جديد.

أي أن المسافة التي قضاها القمر في الظل تعادل قمرين بجانب بعضهما، وما دام الظل هو ظل الأرض، فمن الطبيعي أن يكون موازياً لقطرها ومساوياً له في الطول.

وفي هذه الحالة، قطر القمر سيساوي نصف قطر الأرض أي تقريباً 6300 كيلومتر.

لكن حسابات Aristarchus غير دقيقة، لأنه لم يلاحظ أن الشمس يكون لها منطقة ظل خفيفة يصعب إدراكها بالعين.

وبالتالي المنطقة المظلمة لا تعبر عن قطر الأرض بالكامل. بل تعبر عن جزء منه فقط.

فيما بعد قدرنا أن نتدارك هذه الخطأ وعرفنا أن قطر القمر أصغر من قطر الأرض بما يعادل 3.7 مرة.

وليس فقط مرتين، أي أن حجم القمر يساوي تقريباً ربع حجمها، وأن قطره سيساوي 3500 كيلومتر.

Aristarchus وحساب بعد القمر

لكن Aristarchus كان فرحاً بذلك، وظن أنه حسب قطر القمر، وسيعرف كم يبعد القمر عن الأرض.

فأحضر عملة نقدية ووجهها إلى القمر، وحركها إلى المسافة التي تغطي القمر بشكل متطابق معه، وبهذه الطريقة سيعرف بعده.

كان Aristarchus يعرف جيداً في حساب المثلثات. وبهذا كون مثلثين متناظرين. مثلثاً من عينيه إلى العملة، ومثلثاً كبيراً من عينيه إلى القمر.

وبالتالي نصف قطر العملة على المسافة من عينيه إلى العملة، سيساوي نصف قطر القمر على المسافة من عينيه إلى القمر.

وبما أن قطر العملة معروف لديه، والمسافة من عينيه إلى العملة معروفة، وقطر القمر تم حسابه من الخسوف.

فيبقى له أن يعلم المسافة من عينيه إلى القمر، والتي هي المسافة من الأرض إلى القمر والتي تساوي بحساباته 200 ألف كيلومتر.

طبعاً المسافة الحقيقة من الأرض للقمر تساوي 384 ألف كيلومتر، وليس فقط 200 ألف فقط.

لكن الخطأ هنا جاء من الخطأ الأساسي في حسابات Aristarchus. عندما حسب قطر القمر في الخسوف.

وكل ذلك ولم يقدر Aristarchus أن يثبت أن الشمس بعيدة، لكنه أصبح على بعد خطوة واحدة فقط من ذلك.

بعد أن أصبح يعرف قطر الأرض  وقطر القمر والمسافة منها إلى القمر. وكل ذلك عن طريق حساب المثلثات.

كيف حسب Aristarchus المسافات

أثناء وجود القمر في الطور التربيعي الأول يوم 7 في الشهر القمري، يكون القمر قد قام بربع دورة حول الأرض.

وأصبح على زاوية قائمة معها ونصفه فقط يظهر مضيئاً لنا، وبهذا التوقيت ترى القمر والشمس معاً في السماء عند الغروب.

قال Aristarchus بهذه الوضعية سأحسب المسافة بين الأرض والشمس. وهذا ينطبق على الطور التربيعي الثاني الذي يحدث في يوم 21 من الشهر القمري.

وحينها القمر قد دار ثلاثة أرباع دورة حول الأرض، وتستطيع رؤية الشمس والقمر في السماء معاً عند الشروق وليس الغروب.

لو رسمت بهذا التوقيت مثلثاً بين الأرض والشمس والقمر، فسيكون المثلث قائماً عند الزاوية التي فيها القمر وحاداً عند زاويتها.

فإن عرفت الزاوية التي عند الأرض كم يكون مقدارها، سأحسب بسهولة بعد الشمس وإن لم يكن معي أية أرقام.

من حساب المثلثات جيب زاوية الأرض يساوي طول الضلع المجاور للزاوية، على وتر المثلث وهو المسافة بين القمر والأرض على المسافة بين الأرض والشمس.

قاس Aristarchus الزاوية ووجدها 78 درجة، فيكون جيبها 0.05 وهذه هي النسبة بين بعد القمر إلى بعد الشمس.

وتكون نسبة بعد الشمس إلى بعد القمر تساوي 20، أي أن المسافة من الأرض للشمس تساوي أبعد من المسافة من الأرض إلى القمر بعشرين مرة.

وكما عرفنا في الحلقة أن Aristarchus كان قد حسب أن المسافة من الأرض للقمر تساوي 200 ألف كيلومتراً.

وبالتالي وجد أن المسافة من الأرض إلى الشمس ستساوي 4 مليون كيلومتر. وهذه مسافة ضخمة جداً.

برغم أن أدواته بدائية ولم يقم بحساب الزاوية بدقة، لكننا عندما حسبنا الزاوية وجدناها 78.86 وليس 87 كما قاسها.

ولو حسبنا المسافة سنجد أن الشمس تبعد عن الأرض 400 مرة أكثر من بعد القمر وليس 20 مرة فقط.

تجربة قياس بعد الشمس

تجربة قياس بعد الشمس

إن أردت أن تجرب تجربة Aristarchus انتظر حتى اليوم 7 من الشهر القمري وقت الغروب تحديداً، ستجد الشمس والقمر موجودان في نفس التوقيت.

حينها توجه عصاً للقمر عن طريق النظر بطرف عينك منها إليه، وكأنك تصوب ببندقية عليه، وعصا أخرى توجهها إلى الشمس.

وحتى لا تنظر إلى الشمس وتؤذي عينيك، اضبطها على اللوح بحيث يتطابق الظل على العصا. وقس الزاوية بين العصاتين بالمنقلة.

احسب النسبة بين بعد الشمس لبعد القمر. وستكتشف أن القيم التي ستنتج لك قريبة من قيم Aristarchus.

وهكذا يكون الشمس والقمر ليسا على مستوى واحد، بل الشمس أبعد وعلى أقل تقدير أبعد بعشرين مرة عن القمر.

والتي هي حسابات Aristarchus التي فيها أخطاء، وبالتالي أشعة الشمس يجب أن تسقط على الأرض بشكل متوازٍ.

وبناءً عليه حسابات Eratosthenes عن محيط الأرض صحيحة وفكرة أن الارض مسطحة غير مقبولة رياضياً.

كل هذا كان عبارة عن اثباتات بدائية جداً تمت منذ 2300 سنة وتقدر أن تقوم بها بنفسك حتى تتأكد.

حساب قطر الأرض مجدداً

حساب قطر الأرض

بعد أكثر من ألف سنة استطاع العالم المسلم أبو الريحان البيروني حساب قطر الأرض بدقة عن طريق حساب المثلثات أيضاً.

وفي القرن السابع عشر العالم إدموند هالي وجيمس غريغوري استطاعا حساب بعد الشمس بدقة عن طريق مرور كوكب عطارد أمامها.

وكانت حساباتهم تقول أن بعد الشمس 150 مليون كيلومتر وليس 4 مليون كيلومتر.

الطرق الحديثة في حساب المسافات

حالياً يتم حساب المسافة من الأرض للقمر عن طريق أشعة الليزر، والمسافات من الأرض للكواكب أو النجوم عن طريق اختلاف المنظر أو paralics

عدا عن أن الأقمار الصناعية الموجودة حالياً، تقدر أن تحسب بعد الكواكب والنجوم وأحجامها ومكوناتها عن طريق تحليل الأطياف.

لن أتطرق لهذه الإثباتات لأن حساباتها صعبة ومعقدة ولا نمتلك الأدوات لتطبيقها وعموماً هذه هي البداية فقط.


المصادر

 

قناة شرفشتاين

^

مقالات ذات صلة

حقيقة الأرض المسطحة والقوى الوهمية


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى