كيف ظهر قوم يأجوج ومأجوج ومن أين أتوا؟
في الحقبة الأولى للأرض قبل الطوفان، ولد لنوح عليه السلام ثلاثة أبناء مؤمنين، وهم سام وحام ويافث.
فقدّر الله لسام أن يكون أبا العرب واليهود، وحام أبا الشعب الأسود، أما يافث فكان أبا الترك والعجم. وكان لنوح ولد رابع وهو كنعان ولكنه لم يؤمن بالله ومات بالطوفان العظيم وانقطع نسله.
يأجوج ومأجوج نسل يافث بن نوح
أُسست امبراطوريات العالم كله من مدنه وحضره من أولاد نوح الثلاث. فكان من أولاد يافث أبناءٌ كثر، اختلف المؤرخون في عددهم.
ولكن كان من بينهم ولد يسمى مأجوج، ستكون له حكاية طويلة تبدأ من بعد عصر الطوفان، وتنتهي بظهور علامة آخر الزمان.
من أولاد يافث بن نوح، وفي العصر الأول من أرض الجبال، ولدوا وظهروا. ظهروا كأجيج نارٍ وأُجاج ماء. وولدوا لعلامة من العلامات الكبرى.
لم ترد الكثير من المعلومات عن ولد يافث مأجوج، ولكن ما ذُكر له أنه أنجب ثلاثة أولاد وهم مار وترك وصيني.
أما مار بن مأجوج انحدر منه الروس والأوزبك والبلغار والسلافيين. ومن ترك بن مأجوج جاء منه الأتراك والتركمان والتتار والمغول والهنود الحمر والإنكا.
ومن صيني بن مأجوج ظهر من نسله الصينيون. وجميعهم ينحدرون إلى نسب واحد وهو مأجوج بن يافث بن نوح.
ظهر من نسل يأجوج بن يافث بعد سنين طويلة، لا يعلمها إلا الله، قومان غريبان. لم يعرف التاريخ مثل قوتهم أبداً.
هم أقوام من العهد القديم وجيش من المقاتلين، كانوا أحراراً وأصبحوا مفسدين. فجُعلوا وعداً للآخرة ويوم الدين.
وكانوا بأطوال مختلفة، فمنهم بارتفاع النخل الطويل، ومنهم أقصر من القزم القصير. وهم عراض الوجوه، صغار العيون، بشعر أشقر، وأنوف قصيرة، ووجوه مدورة كالتروس.
قوما يأجوج ومأجوج في القديم
كان قوما يأجوج ومأجوج في القديم أهل فساد وشر لا طاقة لأحد بقتالهم. لكثرتهم وقوتهم وبطشهم. فقد اعتدوا على المستضعفين وبطشوا بالأرض بطش الجبارين.
فكانوا عصاةً طغاةً لا يفقهون قولاً ولا يتعظون. فقاموا بحربهم الأولى خلف أرض الجبال، ضد القرى والأراضي المجاورة.
فلم يستطع أحد من إيقاف زحفهم أو الوقوف في وجه كيدهم. حتى باتوا شراً مستطراً وتهديداً كبيراً،لا يرون بشراً ولا وحشاً ولا دابة أو أي شيء له روح إلا واعتدوا عليه.
الملك ذو القرنين
مضت الأيام والأشهر والسنوات، والأرض تعاني من ظلمهم وبطشهم. حتى أخرج الله من أرض اليمن ملكاً مؤمناً شديد البأس عظيم الجيش.
أتاه الله أسباب القوة والنفوذ وجعله سبباً لإصلاح الأرض بعد فسادها. فنشر التوحيد وأعاد حقوق المستضعفين. وعُرف بذي القرنين، لم بلغه من مشارق الأرض ومغاربها.
فسار الملك العادل في الأرض يجر خلفه جيشاً كبيراً، واتجه في أصقاع الأرض محارباً للظلم وناشراً للحق.
وهي أرضٌ لا تحجب الشمس عنها يفصلها عن باقي الأرض سد عظيم، بينه ممر أشبه ما يكون بجبلين متقابلين، فوجد دونهما قوماً بريون بسطاء.
وعندما شعر القوم بقوة ذي القرنين وعدله، أخبروه عن بطش يأجوج ومأجوج وراء هذين الجبلين، اللذان يخرج من بينهما هؤلاء القوم عن طريق ممرٍ طويل ووحيد ولا طريقاً آخر للخروج.
فعرضوا على ذي القرنين مبلغاً من المال يدفعونه من أموالهم، شريطة أن يبني بينهم وبين يأجوج ومأجوج سداً يمنعهم عنهم ويحميهم من شرهم.
إلا أن الملك العادل أثنى على الله الخير وأرجع له الفضل بما آتاه من قوة ومال ونفوذ، ورفض عرضهم من المال، وأخبرهم أنه سيقيم عليهم ردماً.
الردم أم السد
وهنا الأمر الذي يخلط به الكثيرون فالردم والسد كلاهما يحجب ويمنع ما خلفه.
فالردم هو أن تضع ركاماً من المواد فوق بعضها ثم يضخ عليها مادة سائلة لكي تتخلل الفراغات وتملؤها وتشكل كتلة واحدة شديدة التماسك، مانعة لما يراد منها أن تمنع.
وأما السد فهو مانع طبيعي صخري أو من بناء الإنسان، يُشيد ليمنع ما خلفه ويحجب.
ولكن ذا القرنين اختار أن يبني لهم ردماً وذلك فوق الممر الوحيد بين الجبلين، ويعزل قوما يأجوج ومأجوج عن العالم خلف جبل الأرض العظيم.
طلب ذو القرنين من هؤلاء القوم المستضعفين معاونته بما لديهم من إمكانيات بشرية وثروات طبيعية من المعادن والمواد المتوفرة.
فكلّف فريق بحث لاستطلاع المنطقة لاكتشاف الخامات المتوفرة بها. ومن ثم قام بدراسة البنية الجغرافية للممر، لخيار أنسب مكان لإقامة هذا الردم.
فاختار أضيق مسافة بين الجبلين لتوفير المجهود وتقليص كمية المواد المستخدمة في البناء. ومن ثم ردم الممر باستخدام الحجارة الصلبة الممزوجة بقطع الحديد الخام، حتى ساوى بين الجبلين.
فأشعل فيها النار وذابت قطع الحديد وصقلت. ثم جاء بالنحاس المذاب وصبه على الردم وبهذا اكتمل البناء.
وبقي هذا الردم صامداً من زمن ذو القرنين وحتى هذا اليوم. لم يستطع قوما يأجوج ومأجوج خرقه أبداً، رغم قوتهم وجبروتهم.
فجعله الله وعداً للآخرة غير مخلوف، فإذا جاء وعد الآخرة جعله الله دكاً وسيخرجون منه تارة أخرى وأخيرة.
جنكيز خان
مضت قرون كثيرة ومديدة، منذ إقامة السد وعزل يأجوج ومأجوج عن الأرض الأولى.
فتبدلت الأقوام وتغير الزمان والمكان، إلى أن كان في عصر نشأة الإمبراطورية المغولية، وزمن جنكيز خان.
جنكيز خان هو مؤسس وإمبراطور الامبراطورية المغولية التي اعتبرت أضخم امبراطورية في التاريخ ككتلة واحدة.
يرجع نسب المغول المباشر إلى يأجوج بن يافث، وهم أقرب ما يكونوا من الشبه من صفات أسلافهم. فقد عرف عن المغول العنف والقسوة وحب الدماء.
بعد أن توحدت جيوش المغول تحت قيادة جنكيز خان، سار بهم نحو حروب طويلة وعنيفة، قتلوا فيها الملايين من سكان البلاد.
وفي عام 1206 من الميلاد أصبحوا أكبر وأسرع جيش جرار في العالم، بأعداد مهولة بلغت ملايين المقاتلين، وقوة غريبة لا تعرف الراحة إلا قليلاً.
فقد حملوا دماء جدهم مأجوج في عروقهم، واتخذوا على أنفسهم احتلال العالم على نهج وتوجه أسلافهم.
فكانت هذه الحروب بمثابة الحرب الثانية ليأجوج ومأجوج، ولكن بالوساطة على يد أحفادهم وأبناء عمومتهم من المغول والتتار.
بدأت الحرب الثانية، وسرعان ما اتسعت مملكتهم حتى بلغت حدودها من كوريا شرقاً إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غرباً، ومن سهول سيبيريا شمالاً إلى بحر الصين جنوباً.
كل هذه الممالك والأراضي سقطت بأقل من نصف قرن، تحت سطوة ونفوذ جنكيز خان وجيش المغول الجرار.
هولاكو خان
وبعد موت جنكيز خان استلم حفيده هولاكو خان من بعده، واتخذ نهج جده في توسيع الإمبراطورية المغولية نحو أراضي المسلمين، كامتداد لنهج الحرب الثانية الطويلة وتكملة للسيطرة على العالم.
تحركت جيوش المغول بأمر من هولاكو، وظهرت على أراضي المسلمين من كل جانب.
عندما نظر المسلمون لها ظنوا خطأً لا يلامون عليه أن يأجوج ومأجوج فُتح لها وجاء وعد الآخرة، نظراً لما رأوه من أعداد مقاتلي المغول الذين غطوا الأرض بالسواد بكثرة أعدادهم وقرع أقدامهم.
فاستطاعوا أن يضربوا بغداد قلب الخلافة الإسلامية، وأن يمتدوا بسهولة نحو بلاد الشام، حتى ضاق على المسلمين وظنوا أن الله مهلكهم بهذا الجيش العظيم.
إلا أن الملك المظفر سيف الدين قطز وقائد المماليك الإسلامية خير الدين بيبرس، كان لهما رأي آخر ويقين قوي بالله
فرفضوا الخنوع أو الاستسلام لجيش المغول والتتار. وأعلنوا الحرب عليهم، متمسكين بعزة الله ونصره.
معركة عين جالوت
وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان لعام 658 من الهجرة الموافق لعام 1260 رتب الملك المظفر الجيش واستعد للمعركة بقيادة الظاهر بيبرس.
وما إن أشرقت الشمس حتى أتى جيش التتار لسهل عين جالوت، والتقى الجمعان في ملحمة عظيمة، حجب غبارها الشمس وأصمت صرخات المغول وطرق سيوفهم الآذان.
وما توقف القتال إلى أن أبيد جيش التتار بأكمله، ولم يبق على قيد الحياة من الجيش أحد.
ما حدث في معركة عين جالوت أقرب إلى المستحيل، إذ لم يهزم المسلمون جيش المغول فقط، بل أبادوه حتى آخر رجل منهم.
كان نصراً إلهياً جعله الله على أيدي المسلمين بقيادة السلطان قطز و الظاهر بيبرس.
وبهذا انتهت الحرب الثانية ليأجوج ومأجوج بوساطة أحفادهم وأولاد عمومتهم.
وعد آخر الزمان
مضت آلاف الأعوام منذ بناء الردم، وقوما يأجوج ومأجوج يتكاثرون ويلدون ويموتون، جيلاً بعد جيل وحقبةً بعد حقبة. بدون أن يتوقف أي جيل منهم عن الحفر من أجل هدم هذا الردم.
فقد رسمت الأحاديث النبوية ملامح أكثر وضوحاً عن عالم يأجوج ومأجوج، وكشفت عن كثير من نواحي الغموض فيها.
فبينت أن لديهم نظاماً وقائداً يحتكمون لرأيه، وأنهم يخرجون كل صباح لحفر هذا الردم، حتى إذا قاربوا من هدمه أخّروا الحفر إلى اليوم التالي.
فيأتون إليه في اليوم التالي وقد أعاده الله أقوى مما كان. ويظل هذا حالهم حتى اقتراب وعد الآخرة.
فإذا أذن الله لهم بالخروج، حفروا الردم بقوة حتى إذا قاربوا على الانتهاء، قال لهم أميرهم: ارجعوا إليه غداً وسوف تخرقونه. ومن ثم يقول: إن شاء الله.
فيرجعون إليه ويجدونه على حاله حين تركوه، فيحفرونه ويضربونه حتى يخر دكاً.
علامات الساعة الكبرى
يخرج يأجوج ومأجوج في آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة الكبرى، وينتشرون في الأرض بكل مكان بأعداد تفوق أعداد البشر اليوم بأضعاف.
فلو قُسّم الناس لعشرة أجزاء لكان ليأجوج ومأجوج التسعة وبقي الخلق الواحد. فيخرجون ويشربون مياه الأنهار، ويمرون على بحيرة طبريا فيشربها أولهم فيأتي آخرهم فيقول لقد كان هنا ماء.
ويتحصن الناس منهم خوفاً، فيعيشون في الأرض شراً وفساداً ويهلكون الحرث والنسل ويقتلون الناس. ويملأ نسلهم العالم.
ويمكّنهم الله من أسباب القوة ويتفوقون على سائر البشر، فيزداد غرورهم ونفوذهم. ويرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها آثار الدم، فتنة وبلاء من الله.
فيقولون قهرنا أهل الأرض وغلبنا أهل السماء. ويظنوا أنهم انتصروا في حربهم الثالثة والأخيرة.
وفي ذلك الوقت يكون المؤمنون من المسلمين محصنين في جبل مع نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام، فيتضرعون إلى الله لكي يخلصهم من هذا البلاء العظيم، فيستجيب الله لعباده ويرسل الله على قوم يأجوج ومأجوج دوداً يخرج من خلف رؤوسهم فيقتلهم كالنفس الواحدة. وتنتهي بموتهم حروبهم الثلاث وينقطع نسلهم وتطهر الأرض من دنسهم وشرهم.
رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم
استيقظ النبي محمد صلى الله عليه وسلم من نومه في ذات يوم وهو يقول: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب.
وقد أخبر زوجته زينب رضي الله عنها، أنه فتح من سد يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلّق باصبعيه الابهام والتي تليها. فقالت له زوجته: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث.
ينشغل المسلمون اليوم للأسف بالبحث عن مكان الردم أو السد وما هو الفرق بينهما، وينسون ما خلفه من أمر عظيم وجيش مهول.
والبعض ينشر أخباراً بغير علم أو يقين ويقول: أن يأجوج ومأجوج ليسوا من البشر، بل هم مخلوقات شبيهة بالبشر. وهذا كذب وتحريف. بل هم من البشر من نسل يافث كما بيّنا سابقاً.
وفي النهاية إن قوم يأجوج ومأجوج لحقّ، وإن ظهورهم لحقّ، وإن أمر الله قادم لا محالة.