إسلامشخصياتقصص وحكايات

أبو جعفر الطبري الجزء الأول


الدكتور طارق سويدان من برنامج المبدعون

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم ومرحباً في حديث عن سيرة أبو جعفر الطبري يقدمها الدكتور طارق السويدان.

نحن نتحدث في هذا البرنامج عن سير علماء ومبدعين من أمتنا، هؤلاء الذين تركوا بصمتهم على التاريخ وفي كل حلقة نختار إحدى هذه الشخصيات نأخذ حلقة أو حلقتين نتعرف عليها. 

لكن الأهم من أن نتعرف على سيرتها ومواقفها أن نتعرف على سر عظمتها وأن نعطي للشباب بالذات بعض المعادلات لهم كي يصبحوا مبدعين.

أبو جعفر الطبري

حديثنا اليوم عن أحد عظماء هذه الأمة، أجبر ذاكرة التاريخ لتلقي علومه الفريدة ومصنفاته الخالدة التي أصبحت فيما ما بعد منارة للعلماء، ومعيناً ثرياً لرجال الفكر والمعرفة، أتحدث اليوم معكم عن الإمام المفسر العلم الكبير أبي جعفر الطبري رحمه الله تعالى.

أبو جعفر الطبري الذي عاش ما بين عام 224 هجرية إلى 310 هجرية، في زمن الدولة العباسية، عاصر عدداً كبيراً من خلفائها.

 ولد في زمن المتوكل لكنه عاش في زمن المنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد والمكتفي بالله ومات رحمه الله تعالى في خلافة المقتدر.

وفي هذا العصر لا شك أنه لم يصل في المستوى إلى مستوى هارون الرشيد، الذي يعتبر أوج الدولة العباسية، لكن من ناحية الحركة العلمية لا شك أنه عصراً من العصور الزاهرة في تاريخنا. 

وكان نشطاً للغاية، فكانت العلوم الشرعية قد أسست والمذاهب الفقهية قد ثبتت والتدوين والتصنيف قد نشط جداً في هذه الفترة. 

وكان في هذه الفترة قد تم جمع الصحاح والسنن  والكتب الستة من كتب الحديث هذا كله كان في القرنين الثالث والرابع الهجري الذي عاش فيه إمامنا العظيم.

العلوم الشرعية والفقه والتاريخ

بلغت العلوم الشرعية والمذاهب الفقهية درجة كبيرة من الاستقرار والانتشار والتوسع، وصنفت الكتب في كل أنواع الفنون والعلوم الإسلامية.

عاش ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في هذين القرنين، في الثالث والرابع الهجرية، في هذه الفترة كان كبار العلماء مثل ” الإمام الشافعي رحمه الله ” وأحمد ابن حنبل،وعشرات من العلماء.

ليس موضوعنا اليوم في هذه الفترة رغم الاهتزازات السياسية، وانتبهوا أنه يوجد هنا قضية دائماً نحب أن ننبه لها، نحن عندنا مشكلة كبيرة أن تاريخنا كتب تاريخ ملوك وعسكريين فقط.

 تاريخ سياسي وعسكري بينما التاريخ الحضاري للأسف كتب مجزء، حديثنا عن عالم كبير هنا، لكن لم يكتب في التاريخ الحضاري.

 لذلك أنا و من جهدي حالياً أني أعيد كتابة هذا التاريخ السياسي والعسكري، لكن أضمه للخط الحضاري كي يمشي معه في نفس الوقت.

وانتبهت إلى قضية أن التاريخ كتب سياسياً وعسكرياً، و تتبع التاريخ الحضاري صعب جداً، بحيث أننا نذكر كيف كانت حركة الحضارة الإسلامية.

وانتبهت أيضاً إلى مسألة مهمة جداً، أنه في كثير من الأحيان بل في معظم الأحيان كلما كان هناك عظمة سياسية عظمة عسكرية و استقرار أيضاً، يكون هناك حركة فكرية، وصنع حضارة ومجد وعز.

واتكلم عن انتعاش تعليمي وصحي وغيرها.

الاهتزازات السياسية والعلم

في الفترات التي يحدث فيها اهتزاز سياسي، كان أيضاً يحدث فيها انخفاض في الجانب العطائي،  لكن ليس دوماً أحياناً يحدث صراع سياسي بين الملوك وبين أبناء العمومة في الأسرة الواحدة.

لكن القرار الحضاري مستمر بلا توقف، فالآن أقيس دائماً على العطاء الحضاري أنه مرتبط بالعطاء السياسي أو الاستقرار السياسي وأحياناَ تختلف المسألة.

وفي هذه الفترة التي نتحدث ما بين القرنين الثاني والثالث، كان هناك استقرار سياسي وعطاء غير عادي، في هذه الفترة كانت بلدان العالم الإسلامي تعج بالإنتاج الوفير وتخريج فطاحل العلماء.

مقارانات

 

كل المدن الإسلامية من بغداد إلى مصر إلى الأندلس، كل ما كان في الشرق والغرب والوسط، كانت تعيش في فترة ازدهار علمي كبير وغير عادي طبعاً.

 لاشك أن هذا كان من أسباب خروج علماء فطاحل إذا كان الجو العلمي مهيأ والعلم منتشر ومزدهر وإذا كانت الكتب والمصنفات كثيرة والوسائل والسبل مفتوحة والعلم متاح للجميع.

 وعلى فكرة في ذلك الوقت معظم العلم كان في المساجد، أي أن المدارس المتخصصة والجامعات هذه تقريباً ليست موجودة.

كان العلماء يدرسون في المساجد، وكان كل عالم من العلماء له زاوية من الزوايا يدرس فيها، فالذي يريد الفقه يذهب إلى هذه الحلقة والذي يريد الحديث يذهب إلى هذه الحلقة.

ومن أراد علم العقيدة فهناك فلان رائد في هذا العلم وبالذات في مسجد بغداد الكبير ومسجد دمشق، وهذه المساجد الكبيرة بالذات أقرب إلى جامعات، بسبب حجمها الكبير، بحيث كانت تحتوي حلقات كثيرة جداً في زوايا المسجد وفي كل حلقة واحد من أكبر علماء الأمة.

ففي هذه الأجواء وفي هذه السبل المفتوحة من العطاء لابد أن يخرج علماء كبار، وإلا تكون الأمة عاجزة، فالعلماء الكبار الثقات اليوم للأسف صاروا معدودين على الأصابع بسبب أن الحركة الثقافية ضعيفة. 

الحركات الثقافية

 

وكلما تقوت الحركة الثقافية العامة بين الناس كلما خرج علماء كبار، هل تعرفوا أن كل ما تترجمه الأمة الإسلامية اليوم كلها أقل ما تترجمه أسبانيا في عام واحد! 

هذه مصيبة كبيرة أتكلم على أسبانيا وليس عن الولايات المتحدة، فعندنا مصيبة كبيرة عندما تكون حركة الثقافة ضعيفة أيضاً.

 فقط إشارة سريعة؛ هذه الحركة الثقافية التي كانت في زمن الإمام الطبري والقرون الأولى، ما كان فيها ” منع ” أي أن الفكر حر.

حتى أصحاب الأفكار المنحرفة يقولون أفكارهم، فمن الذي يوقفهم طبعاً ليست الدولة التي تمنعهم، وإنما كان العلماء يردوا عليهم، وكان العلماء ينزلون في الميدان بين الناس، فكان الفكر يواجه بالفكر والانحراف يواجه بالدليل وليس بالقرار والمنع والبطش.

 وما كانوا يستعملوا هذا، لذلك كانت الحركة ثقافية، والنقاش والجدل كبير جداً، وهذا يثبت بلا شك أن هذه الأجواء العلمية هيئت الجو لإمامنا العظيم الإمام الطبري.

من هو الإمام أبو جعفر الطبري

نتحدث قليلاً عن إسمه وكنيته ونسبه ومولده: 

هو محمد ابن جرير ابن يزيد ابن كثير ابن غالب الطبري رحمه الله تعالى، وكنيته أبو جعفر.

عرف بذلك، واتفق المؤرخون عليه، مع أنه لم يكن له ” ولد ” يسمونه أبو جعفر مع أنه لم يكن له ولد، بل أكثر من هذا هو لم يتزوج أصلاً.

هل لاحظنا ظاهرة أن معظم العلماء كان عندهم أولاد، وأولادهم صاروا علماء، لكن عدد قليل جداً من العلماء لم يتزوج.

ولعل هذا أيضاً دليل على أن المسألة هذه ممكن أن تكون قضية شخصية، أحياناً الزواج يكون عائق لبعض الناس فبعض الناس يكون نشيط وصاحب همة لم يتزوج، لم ينشغل بزوجته وأهله.

وبعض الناس على العكس بحيث أنه يتزوج فيحدث عنده استقرار وزوجته ترعاه ويرعونه أولاده فينطلق، فإذاً هي قضية شخصية لا نستطيع أن نصدر فيها حكماً عاماً.

لماذا سمي أبو جعفر وليس له ولد؟ لأنه سمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن التسمية، أن من السنة أن يكون هناك كنية، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يكني حتى الأطفال الصغار، فتكنى الإمام أبي جعفر الطبري التزاماً بآداب الشرع الحنيف.

نسبه ومولده وعلمه

أما نسبه بأنه من طبرستان فلا خلاف عليه أيضاً، وطبرستان ولاية كبيرة في بلاد فارس، فهو أصلاً فارسي الأصل والنشأة والمولد.

وإن كان عربي اللسان وأجاد اللغة العربية إجادة حتى وصل إلى علم تفسير القرآن، ومن أعظم تفاسير القرآن.

نشأ رحمه الله تعالى نشأة جيدة للغاية، لأنه تربى في أحضان والده، وأبوه رحمة الله عليه كان قد فَّرس فيه الذكاء والنباهة منذ البداية، ولذلك حفظ القرآن الإمام الطبري وهو إبن سبعة سنين حفظه كاملاً.

وهذا من القضايا التي أكدت عليها كثيراً، ”  انتبهوا لهؤلاء الصغار وانظروا لعلامات المواهب والإبداع وإرعوها مبكراَ، عندها ستخرج الأمة علماء كبار.

النباهة والقدرة

 

كان رحمه الله تعالى يمتلك هذه النباهة التي عنده والقدرة على الحفظ والذكاء الشديد، انتبه لها والده فسانده وذكرت لكم أن الذي يصنع الإبداع هو وجود هذا الانتباه لهذه المواهب ووجود الرعاية المبكرة.

حفظ القرآن كاملاَ وهو بعمر سبع سنين، وكان له صوت جميل وقدرة على التلاوة رائعة، فصلى إماماً بالناس وعمره ثمان سنوات.

 ونحن قد رأينا في زماننا هذا بعض الشباب عمره عشر سنوات يصلي التراويح بالناس فهذه مسألة ليست غريبة وخاصةً مع إمام عظيم مثل الإمام الطبري رأينها في هذا الزمن فكيف بذلك الزمن.

 

ملامح النبوغ

 

كتب حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وبدأ يتعلم علم الحديث من العلماء الكبار وكان عمره تسع سنوات، إذا هذه رعاية مبكرة جداً، ثم وهب نفسه للعلم وصار في مقتبل شبابه وهو ينهل العلم.

وظهرت عليه ملامح النبوغ ومخيلة التفتح والذكاء الخارق والملكات الممتازة، وأدرك هذا الأب طبيعة ولده ففرغه للعلم وسانده.

نتمنى أن يكون في أمتنا اليوم من يرعى مثل هؤلاء الموهوبين، ويفرغهم من طلب الرزق والوظيفة حتى يتفرغوا وحتى نعلمهم أعلى العلوم ونصنع منهم قادة ومبدعين.

نحن نعرف الآن أن عندنا الأدوات، ونعلم كيف نصنع قادة ومبدعين، لكن نحتاج من يدعمنا في هذه المسألة باختيارهم بتفريغهم وعدم إشغالهم بأمر آخر.

 وانظروا ماذا يمكن أن نعمل معهم، لكن نتمنى من علمائنا وحكامنا ومن تجارنا من ينتبه أن هذه المسألة قد تكون أكثر أجراً من بناء المساجد أو حفر آبار مياه، هذه صناعة رجال يغيروا في الأمة كلها.

فلما بلغ سن الشباب بدأ برحلته العلمية، وهذه ظاهرة ذكرتها لكم في كل العلماء الكبار عندما يسافر الإنسان ويحتك بالعلماء الأخرين عندها ينضج أكثر، فبدأ برحلته العلمية.

وأي رحلة علمية تبدأ، عليها أن تبدأ بالبلدان المجاورة، فكان قد بدأ في بلاد فارس في القرى والمدن الرئيسية التي فيها علماء.

وانتقل من مدينة طبرستان، وكانت عادتهم أولاً أن يأخذوا مشايخ بلدهم ثم يبدؤا في البلد الأقرب إليهم، فاتجه نحو الري وما جاوره.

فأخذ هناك من علماء الحديث واللغة والتفسير، وظل عمره كله كأنه نحلة ينتقل من شيخ إلى شيخ ومن عالم إلى عالم.

أبي جعفر الطبري و عطاء الإمام أبي جعفر الطبري

وحديثنا متواصل عن الإمام أبي جعفر ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى، حدثتكم كيف أنه نشأ نشأة علمية، و حرص أبوه على أن يعلمه هذا العلم لما رأى فيه من نباهة وقدرة على الحفظ غير عادية.

ورأينا كيف بدأ في رحلته في طبرستان في فارس، و لما انتهى من هذا الأمر بدأ يزور الدول الأخرى والمدن الأخرى التي بجواره، وبعدما انتهى ابن جرير من الري ذهب إلى بغداد، لماذا بغداد؟

بغداد طبعاً هي مركز العلم في العالم في ذلك الوقت، أعادها الله على تلك المكانة من جديد، وبالذات لسبب رئيسي كان هناك الإمام ”  أحمد ابن حنبل ” رحمه الله تعالى، الإمام أحمد هو أعظم علماء الأرض في ذلك الوقت.

 

الإمام أحمد

 

 الإمام أحمد كان إمام أهل السنة بالاتفاق، الإمام أحمد كان أعظم عالم في علم الحديث، حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان الناس يقصدونه من كل أطراف الأرض.

سافر أبو جعفر ابن جرير الطبري ليأخذ الحديث عن الإمام أحمد، لكن الذي حصل أن الإمام أحمد رحمه الله توفي سنة 241 هجرية، قبل أن يصل ابن جرير إلى بغداد ففاته الإمام أحمد رحمه الله.

ومع ذلك أقام في مدينة السلام التي هي مركز العلم والعلماء في ذلك الوقت، فأخذ من محدثيها الحديث والفقه.

ومن فقهائها وأخذ الفقه على كل المذاهب وكثير من العلماء يأخذ مذهب واحد لكن هو اخذ الفقه على كل المذاهب من كبار علماء تلك المذاهب.

فلما أخذ العلم من بغداد، ” وهنا انظروا وتأملوا أي أنه فعلاً تجدون اليوم بعض الشباب الذين هم حريصين على العلم، لا يذهب إلى جامعة واحدة بل يأخذ من جامعة ومن ثم يذهب إلى جامعة ثانية “.

هناك بعض الناس هدفهم فقط الشهادة، حتى أن بعض الشباب اليوم دائماً يسأل الأستاذ هل هذه المادة داخلة في الامتحان أولأ ؟ 

وإذا كانت ليست داخلة في الامتحان فإنه لا يريد أن يتعلمها أصلاً، وكل هدفه أن يأخذ الشهادة لأجل الوظيفة كي يأخذ راتبه فقط.

وفي الزمن ذاك نجد أكثر الناس هدفه العلم، وليس هدفه الشهادات، ولما انتهى من بغداد توجه نحو البصرة ومن البصرة انتقل إلى واسط، ومن ثم انتقل إلى الكوفة، وفي كل مكان كان يأخذ العلم من كبار علمائها.

حركة دائمة وعلم متواصل

طبعاً مع هذه الحركة من مكان إلى مكان تحدث ظاهرة لا ينتبه لها كثير من الناس، عندما كنت أدرس عند بعض العلماء في أمريكا، كانت تأتي فرصة أن أسأل بعض الأسئلة.

ومن ثم أذهب أقرأ كتاب من كتبه، وأقرأ كتاب آخر وتخطر ببالي أسئلة أخرى،  يا ليت أني سألتها له، ومع الأيام تبدأ الأسئلة تكثر وتتراكم.

وعندها أتمنى في زيارة أخرى أن تنشأ فرصة كي أتعلم، وهكذا من يدخل في قضية العلم سيعرف هذه الظاهرة.

وهو بعد ما انتهى من كل هذا وجد عنده الكثير من الأسئلة، وكثير من الأمور يجب أن يتأكد منها.

فرجع إلى بغداد مرة أخرى، وأخذ يتعلم فيها ودرس فيها وبالذات كان يركز الإمام الطبري على تخصصين رئيسيين:

  • القرآن
  • التاريخ

دراساته

كان يدرس علوم القرآن، وكان يدرس بالذات في علوم القرآن ” التفسير والقراءات ” لكن أيضاً برز في علم الفقه وإن كان هو أبرز في التاريخ وفي التفسير والقراءات.

وتلقى فقه الإمام الشافعي، عند الإمام الجليل الذي هو من عظماء المذهب الشافعي ” الإمام الزعفراني ” وكتب رحمه الله الإمام الطبري كتاباً في الفقه.

ودرس في بغداد على يد ”  أبي سعيد الأوسط ” وبدأ اسم الطبري في هذه الفترة يظهر في بغداد وبدأ يشتهر وأقر له أهل العلم بالفضل.

وبدأ نبوغه يظهر وبدأ يكون له طلاب الآن، بدل ما كان هو يقصد العلماء، بدأ الطلاب يقصدون الإمام الطبري ليتعلموا منه.

ثم انتبه إلى أنه هناك علم عظيم، مع أن العلم الرئيسي موجود في بغداد والعراق، لكن هناك علم لا يقل عنه وزناً موجود عند الشاميين.

فرحل رحمه الله تعالى إلى الشاميين، وأخذ القراءات المختلفة من القرآن من الشاميين، بالإضافة أيضاً لطلبه للفقه والحديث والتفسير وغيره.

 

رحلاته

 

تأكد من أنه يوجد في بيروت مركز الإمام ” الأوزاعي ” العظيم الذي تحدثنا عنه، فقرر أن يسافر نحو بيروت، فأقام في بيروت واستقر فيها وأخذ منها العلم ودرس فيها شيئاً كذلك.

ثم بعد ذلك مركز آخر رئيسي من مراكز العلم، وهو مصر، فانتقل إلى مصر، ومصر كانت في ذلك الوقت على المذهب المالكي.

فيما بعد صارت شافعية مصر، في ذلك الوقت كانت على مذهب الإمام مالك، وتلاميذ الإمام مالك عاشوا في مصر، فذهب إلى مصر ليتعلم من علماء المذهب المالكي.

ودرس على يد ” أبي محمد عبد الله بن أبي وهب ” التلميذ المباشر للإمام مالك ودرس على يديه، ودرس كذلك من الفقه الشافعي.

 

رجوعه إلى الشام

 

ثم بعد ذلك رجع إلى الشام، وقام بالشام فترة، ثم وجد أن في مصر مهمة له، فرجع إلى مصر في عام 256 هجرية.

وبالذات هناك بدأ يركز على علم القراءات، فأخذ ” قراءة حمزة وقراءة ورش ” ودرس في مصر علم العروض الذي هو علم بحور الشعر.

ثم بعد كل هذه الجولة الطويلة أخذه الحنين إلى بلده، فعاد إلى طبرستان،وفي طريقه إلى طبرستان مر ببغداد وكتب فيها عدة كتب من كتبه ومن ثم عاد إلى طبرستان.

وبعد هذه السنين من الجولة العظيمة، رجع رجلاً يختلف تماماً عن الشخص الذي خرج منها، ورجع إلى البلد الذي نشأ فيه لكنه ما استطاع يستقر فيها، طبرستان ليست من مراكز العلم في ذلك الوقت.

وقرر أن يعود إلى أكثر مكان تعلم فيه وهو بغداد، وبغداد هي حضارة العلم والعلماء فاستقر فيها باقي عمره يعلم ويتعلم، ويصنف ويؤلف واخرج لنا تراث عظيم مبدع.

قليل من الناس الآن يستطيع أن يبدع في أكثر من مجال، عدى مجال واحد فقط، وأحياناً ولا أي مجال يكن شيء هام، لكن مجال واحد فقط فهذا وارد، لكن أن يبدع في أكثر من مجال هذا نادر.

من هؤلاء النادرين ” الإمام الطبري ” رحمه الله تعالى.

الأخلاق والعبادة

كان في قمة الأخلاق والعبادة والتوازن، وهذا جزء من عطاءه العظيم، ولكنه كذلك كان مبدع ابداع غير عادي في مجموعة من العلوم وأهمها التفسير والتاريخ.

وهذا الحديث عن إبداعات الإمام الطبري وبروزه في هذه المجالات لا يكفي هذه الجلسة، سنضطر أن يكون لنا جلسة ثانية مع الإمام الطبري، والإنجاز العظيم والتفرد الكبير الذي كان للإمام الطبري.

ابداعات الإمام الطبري مؤلفات الإمام الطبري آثار الإمام الطبري هذا الرجل العظيم الذي إلى اليوم كتبه تعتبر المرجع الرئيسي خاصةً في ما يتعلق بالتفسير، والحديث، والتعريف بهذه الكتب في لقائنا القادم إن شاء الله.

شكراً لحسن متابعتكم و أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى