الصين والهند أخوة ، هذا الشعار الذي ظهر في أول الخمسينات وتحول إلى أغنية يمكن أن يكون نقطة انطلاق لفهم العلاقات الهندية الصينية الملتبسة و المتوترة منذ أكثر من سبعين عاماً .
العلاقة بدأت بآمال وردية في التآخي والتعاون ، ثم تحولت إلى توتر فحرب ساخنة عام 1962 فمناوشات على الحدود تدور من وقت لآخر .
آخرها في أيار 2020 وما زال هناك آلاف من الجنود الصينيين و آلاف من الجنود الهنود في مواجهة بعضهم البعض على خط حدودي مختلف عليه فوق جبال الهيمالايا .
ما هو الخلاف أو الصراع الهندي الصيني ؟ وعلى ماذا يتصارعان ؟
سبب الصراع بين الصين والهند المباشر
الحقيقة أن السبب المباشر للخلاف بين هذين البلدين الأكبر في العالم هو الحدود ، وهناك أسباب أخرى أعمق و أقوى من السبب المباشر .
فالبلدين بينهما خط حدودي يمتد لحوالي 4 آلاف كيلومتر ، لكن معظم هذا الخط الطويل متنازع عليه ، والنزاع يتركز تاريخياً على نقطتين واحدة في الغرب والأخرى في الشرق .
في الغرب منطقة Aksai Chin ، وفي الشرق منطقة Arunachal Pradesh .
تقول الصين للهند أنت تحتلين 32 ألف ميل مربع من منطقة Arunachal Pradesh وهي ولاية هندية الآن .
والهند تقول للصين وأنت تحتلين حوالي 17 ألف ميل مربع في منطقة Aksai Chin بالقرب من منطقة كشمير الكبرى .
الخلاف الحدودي الآن هو قريب جداً من منطقة Aksai Chin وتحديداً في منطقة Ladakh الحدودية على عدة نقاط في هذه المنطقة الحدودية الوعرة المتنازع عليها بينهما .
بداية خلاف الصين والهند الحدودي
مثل الكثير من الخلافات الحدودية التي نسمع عنها تعود دائماً إلى حقبة الاحتلال البريطاني الذي حاول ترسيم الحدود بين الهند التي كان يحتلها و الصين و دولة التيبت عندما كانت مستقلة قبل أن تبتلعها الصين .
وحاول هذه المحاولة في نهاية القرن التاسع عشر ولكن لم ترضى الدول الثلاث بالترسيم الذي وضعه البريطانيون ، وظل الخلاف موجوداً أثناء الاحتلال وبعد زواله .
ومع استقلال الهند عام 1947 تجددت الخلافات الحدودية مرة أخرى ، لكنها لم تكن ملتهبة بل ظلت هادئة ، لكن الخلافات بينهما على ملفات أخرى هو الذي ألهب الخلاف الحدودي .
ففي عام 1954 في أكتوبر كان هناك لقاء مهم بين الزعيم الصيني ماو ورئيس الوزراء الهندي نهرو ، وفي هذا اللقاء الذي كشفت تفاصيله لاحقاً يكشف الكثير من مسار العلاقة فيما بعد .
ماو كانت وجهة نظره أنه يريد استقطاب الهند باعتبار أن الصين والهند دولتين من دول العالم الثالث عانتا كثيراً جداً من إذلال الاستعمار الغربي .
لكن الحقيقة أن البلدين بعد هذا اللقاء وبعد ظهور شعار الصين والهند أخوة تقاطعت مسار الدولتين وتعارضت مصالحهما ورؤيتهما للعالم بشكل كبير .
رؤية ماو الصين أن الهند مثل كل دول العالم الثالث يجب أن تكون في صف واحد وتحالف واحد تقوم بثورة ضد المستعمر الغربي تحت قيادة الصين الشيوعية .
الهند كان لها وجهة نظر مختلفة ، تريد أن تنأى بنفسها عن المستعمر الشرقي والمستعمر الغربي وقادت حركة سُميت بحركة عدم الانحياز التي انضمت إليها العديد من دول المنطقة .
وكان هذا أول إحباط في العلاقة بين الهند والصين ثم تعددت مسارات الخلافات ، وأول خلاف بارز كان الخلاف على قضية التيبت التي كانت دولة مستقلة .
الصين رأت أنها ليست مستقلة بل جزء من الأراضي الصينية التاريخية ودخلتها بالقوة بالفعل عام 1950 وابتلعت منطقة التيبت وأهل المنطقة قاموا بانتفاضة .
انتفاضة التيبت
بدأت الانتفاضة وتصاعدت منذ 1956 إلى 1959 عندما تمكنت القوات الصينية من قمعها تماماً وفر الدالاي لاما زعيم التيبت الروحي إلى الهند .
الأمر الذي أثار غضب الصين واعتبرت أن الهند تأوي معارضين ومنشقين أو منفصلين يثيرون القلاقل داخل الأراضي الصينية .
وعلى أساس هذه الخلفية بدأت المشاكل الحدودية تصعد وتحديداً في منطقة Aksai Chin بالقرب من منطقة كشمير أخطر منطقة في العالم التي تقع بين الصين والهند وباكستان .
وبدأت الحرب سنة 1962 التي انتصرت فيها الصين واستمرت 32 يوماً ثم قالت الصين علمت الهند درساً ثم عادت إلى أدراجها دون تغيير كبير في الحدود .
الأسباب غير المباشرة للصراع الهندي الصيني
الخلاف الحدودي لم يكن هو المحرك الأساسي للحرب بين البلدين ، ولكن كانت الحدود تلتهب حين تلتهب الخلافات .
هذا الأمر كان في الماضي ، لكنه لم يتغير في الحاضر ، ففي السنوات العشر الأخيرة ثارت خلافات حدودية مختلفة في 2013 و 2017 ومؤخراً في أيار .
لكن المتتبع للعلاقة بين البلدين سيجد أن عودة الالتهاب على الحدود يعكس خلافات كبيرة بعيداً عن قضايا الحدود .
لتلخيص الخلاف بين البلدين نجد أنه خلاف طبيعي جداً ناتج عن الحجم الضخم جداً لهما باعتبارهما الأكبر في العالم .
قوتان نوويتان والأهم أنهما جارتان تتشاركان أربعة آلاف كيلومتر ، وكلاهما خصوصاً في السنوات الأخيرة لديه طموح كبير أن يصبح قوة عظمى في هذا العالم .
الصين بدأت مشوارها في الصعود مبكراً ولديها رؤية أنها يجب أن تبسط نفوذها على الأقل على جوارها وخصوصاً آسيا الجنوبية ، وآسيا الجنوبية تعد أهم منطقة نفوذ هندية .
وصعود الصين بالنسبة للهند أنها ستتوغل في أماكن تعتبر أماكن نفوذ طبيعية بالنسبة للهند .
ميناء سيريلانكا
هناك أمثلة عديدة منها سيريلانكا التي تقع على بعد ما يقرب 50 كيلومتر من الشواطئ الهندية كانت منطقة نفوذ هندية .
ثم ما حدث في السنوات الأخيرة أن الصين نفذت إلى سيريلانكا وبدأت بالتعاقد على ميناء تشك الهند بأن الصين تسعى لجعله قاعدة عسكرية .
وتتدخل وتمارس نفوذها على الحكومة السيريلانكية والنخب السيريلانكية من خلال القروض ومشروعات البنى التحتية .
منطقة نيبال
والنيبال التي كانت تقليدياً منطقة نفوذ هندية نجد أنها منذ 2015 أصبحت واقعة تحت النفوذ الصيني .
ولم تكتفي الصين بتقليص النفوذ الهندي هناك ، لكنها أيضاً دعمت نيبال في إثارة خلاف حدودي قديم مع الهند .
مملكة بوتان
منطقة مملكة بوتان وهي بمساحة 38 ألف كيلومتر مربع فقط وعدد سكانها حوالي 750 ألف .
هذه المملكة الصغير والضعيفة حظها العاثر أنها تقع بين العملاقين ، وهناك خلاف حدودي بين الصين وبوتان على منطقة Doklam التي تقول أنها للصين وليست لبوتان .
ومشكلة دوقلام أنها قريبة جداً من وادي في أقصى شمال الهند يدعى عنق الدجاجة وهو حيوي جداً للأمن القومي الهندي .
فإن احتلت الصين هذه المنطقة معناه أنها تعرّض أمن الهند القومي للخطر لوجودها على بعد أمتار من حدودها .
وبالتالي ثار الخلاف الحدودي الموجود عام 2017 عندما دفعت الهند بجنودها إلى إزاحة الجنود الصينيين بأيديهم حتى لا يقيموا جسراً أو طريقاً أرادوا بناءه هناك .
الحروب بين الصين والهند
من الأمور الملفتة عن الخلافات الحدودية بين الدولتين أنها شهدت حرباً عام 1963 لمدة 32 يوماً فقط ، ثم مناوشات مستمرة لكن هذه المناوشات بأقل تكلفة بشرية ممكنة .
فمنذ 1975 وإلى الآن في 2020 لم يقتل جندي صيني أو هندي واحد بطلقة نار من الطرف المعادي لأن الدولتين قررتا ألا تستخدما النار أبداً .
وتقتصر المناوشات الحدودية على الأيدي والركلات كأنها حرب شوارع ، وكل طرف يحاول إزاحة الآخر دون استخدام النيران .
والمهم أن هاتين الدولتين النوويتين لا تريدان الاشتباك في حرب قد تقود العالم إلى كارثة .
هل الصين والهند أخوة
حقيقة هما أخوة لكن ليسا بالمعنى المثالي ، فليس بين الهند والصين الضغائن التاريخية الكثيرة مثل التي بين الصين و اليابان أو التي بين الهند وباكستان .
بينهما خلافات ومنافسة ولكن لا توجد باستثاء حرب أكتوبر 1962 القصيرة لا توجد ضغائن كبيرة بينهما ولكن توجد منافسة متزايدة .
سبب الخلاف الأساسي هو صعود البلدين ورغبة كل منهما أن يلعب دوراً أكبر في محيطه وعلى الساحة الدولية .
أكبر الخلافات بين الدولتين هو العلاقة بين الصين وباكستان من الناحية التي تعتبرها الهند أكبر خطر عليها لأن باكستان ألد أعداء الهند . وصعود العلاقة بين الصين وباكستان يمثل خطراً كبيراً جداً على الهند .
أنواع الصراع بين الصين والهند
الخوف الأكبر للصين هو التقارب بين الولايات المتحدة والهند ، فالولايات المتحدة لا تخفي رغبتها أن تكون الهند هي مخلب القط الذي يلجم الصين .
وتأمل الهند بدعم من الولايات المتحدة أن تكون قوة مكافئة في جنوب آسيا تحد من تطلع الصين ورغبتها في ابتلاع كثير من مناطق النفوذ في آسيا الجنوبية ومنها تنطلق إلى أماكن أخرى في العالم .
الخوف الأكبر للصين أنه بدعم من الولايات المتحدة أن تقيم الهند تحالفاً مع أستراليا واليابان و كوريا الجنوبية وطبعاً الولايات المتحدة لمحاصرة الصين من كل مكان .
هذا الصراع بين الدولتين يأخذ أشكالاً متعددة لا نهاية لها منها مثلاً الصراع على تطوير الأساطيل .
فكل منهما على قدم وساق تحاولان تطوير أساطيل تجوب المحيط الهندي و بحر الصين الجنوبي و المحيط الهادئ .
وهناك الصراع التكنولوجي وخصوصاً في المجال العسكري والاتصالات ، فإن أطلقت الصين قمراً تطلق الهند قمراً .
و إن أطلقت الصين صاروخاً لإسقاط الأقمار الصناعية ، تلاحقها الهند بإطلاق صواريخ قادرة على إسقاط الأقمار الصناعية .
إن طورت الصين صواريخ تطور الهند صواريخ مماثلة ، الصين تسبق و الهند تلاحق .
أماكن الصراع بين الدولتين
أماكن الصراع ومجالاته بين البلدين الأكبر في العالم كثيرة جداً ، في هذه المرحلة ما زال الصراع يميل إلى كفة الصين التي ناتجها المحلي الإجمالي خمس أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للهند .
فالناتج المحلي الإجمالي للصين 15 تريليون دولار تقريباً ، أما النسبة للهند فهو حوالي 3 تريليون دولار ، بالتالي حجم الإنفاق العسكري يعكس هذه الفجوة الكبيرة .
في عام 2017 بالأرقام المعلنة أنفقت الصين أكثر من 150 مليار دولار على ميزانية التسلح ، فيما أنفقت الهند 52 مليار دولار على ميزانية التسلح .
الدولتان في صراع محموم لتأمين إحتياجاتهم من النفط لأنهما أكبر مستوردين وثاني وثالث أكبر مستهلك للبترول وتحديداً من منطقة الخليج والشرق الأوسط .
ولذلك فالجزء بين تنافس البلدين هو صراعهما على النفوذ وإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع دول أفريقيا ودول الشرق الأوسط وتحديداً دول الخليج .
في هذه المرحلة الصراع يقتصر على الاقتصاد والصفقات ومعامل تكرير البترول وتأمين عقود بترول هنا وهناك في العراق والسعودية والكويت وعمان .
وعلى الموانئ التي يتصارعان عليها في باكستان وإيران وسلطنة عمان .
لكن خلال سنوات قليلة قادمة وخصوصاً مع الانسحاب الأمريكي من كثير من ساحات العالم سوف تسعى الصين والهند للعب دور أكبر .
ومن بين هذه الأدوار التي سوف تلعبها هو الدور العسكري في منطقة الخليج العربي و المحيط الهندي و منطقة الشرق الأوسط .
فالولايات المتحدة تلعب هذا الدور الآن ، وحين تنسحب لن تتردد الصين والهند في محاولة ملء الفراغ لأن أمن هذه المنطقة مهم جداً للأمن القومي لكل منهما .
ولذلك سوف نشهد تصاعداً كبيراً للصراع بين الهند والصين على منطقة الشرق الأوسط .
المصادر
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com