أنظمة التشفير وبداياته : منذ اليوم الذي تم فيه اختراع الكتابة، ظهر أشخاص يحاولون دائماً إرسال رسائل سرية، وقديماً إذا كنت تريد إرسال رسائل سرية فهناك خيارات محدودة.
وكان الحل الذي اخترعه عدد من الشعوب هو تشفير الكتابة، بأن يتم تحويل الرسالة المكتوبة إلى أحرف مثل الطلاسم، لا يفهمها إلا الشخص المطلوب.
وفي الدول العملاقة التي تتقن فيها اللغات والمعلومات الرياضية القوية، يكون التشفير مبني على أسس وقواعد رياضية ولغوية.
وللتبسيط فعندما نريد التشفير على الإنترنت عن طريق إرسال رسالة أو إيميل، على نوع من الكمبيوترات، تكون قد استخدمت نوع من أنواع التشفير.
وعلامة القفل الموجودة في صفحة التصفح قرب اللينك، تعني أنك ترسل وتستقبل المعلومات بشكل مشفر، والمفروض أن لا يراه أحد.
حيث كان من أحد الأسباب الرئيسية للتعامل مع الكمبيوترات هي التعامل مع الرسائل المشفرة، في أوقات الحروب، والتشفير مهم في الحياة الرقمية، مثل قفل الباب المهم في الحياة العادية.
اختراع أنظمة التشفير
انتشر التشفير بشكل أكبر مع تطور العرب، حيث أن العرب فيما بعد أبدعوا في علم التشفير، وذلك بسبب حب اللغة وتطور الرياضيات والأوضاع السياسية.
ولكن لسبب ما ظهر العرب بشكل مبهر أكثر من غيرهم بهذا الموضوع، وتركوا بصمتهم فيه، وكلمة التشفير المتداولة اليوم encipher و cipher و ciphering هي من كلمة صفر في اللغة العربية.
يقال أن الغرب لم يعرفوا قيمة الصفر، ولم يكن موجوداً في الأعداد والحسابات، وعند الإحتكاك مع العرب، تعلموا منهم الرياضيات وعرفوا الصفر.
ولأن الصفر ليس له قيمة رقمية، فكان استخدامه في الغرب مرتبط بالأمور الغامضة، لهذا فإن كلمة cipher أصلها عربي.
طرق أنظمة التشفير
ظهر علم التشفير منذ قديم الزمان، حيث وجد في مصر أيام الفراعنة، وفي وادي الرافدين واليونان، ولكن لم يكن علماً في ذلك الوقت.
بل كان حينها فناً، ومعظم أنظمة التشفير الموجودة في العالم القديم، اعتمدت على المجازات والثقافة المشتركة بين جماعة معينة.
حيث أن كل شعوب الكرة الأرضية لديها الكلمات والتعابير السرية، التي لا يفهمها أحد غيرهم، ولكن هذا النوع لا يعتبر تشفير بمعناه الحديث، لأنه لا يمتلك القواعد الثابتة وهو محدود في استخداماته.
ففي مصر ووادي الرافدين، تم الكشف عن كتابات غريبة، توقع العلماء أنها محاولات بدائية للتشفير، وفي اليونان أيضاً استخدموه التشفير في أوقات الحروب، بطريقة الكتابة على الرأس تحت الشعر.
وكان التشفير في اليونان حقيقي تقريباً، حيث كان هناك شيء يسمى شيفرة السكيتال، وهي كتابة أحرف على جلد ملفوف على عصا، وهناك شيفرة مربع بوليبيوس وهي تبديل الأحرف بالأرقام.
والروم كان لديهم طريقة شفرة القيصر، وهي تكون بتحريك الأحرف إلى اليمين واليسار، فيتغير مكان الأحرف، ولكن لم يفهمها غير الروم أنفسهم.
واستمر العمل بالتشفير لفترة طويلة إلى أن جاء الدين الإسلامي ونزل القرآن الكريم، وأسست قواعد اللغة العربية والعلوم والرياضيات.
ومع انفتاح العرب على الحضارات والشعوب الأخرى، وتنامي العلوم خاصة اللغة والرياضيات، فإن فن علم التشفير بدأ بالظهور والإنتشار.
والذي ساعد على ذلك هو وجود عدة دول إسلامية، كانت تحاول إخفاء الأسرار عن خصومهم، ومع الإطلاع على أنظمة التشفير القديمة تطور العرب في التشفير الحديث.
وقد ظهر العديد من العلماء الذين كتبوا وتحدثوا الكثير عن أنظمة التشفير، أو التعمية كما كان يسمى سابقاً، ومنهم من برعوا بالتشفير ولكنهم لم يدونوا شيئاً لأنهم لم يجدوه نافعاً لإيصال الرسائل.
علي بن عدلان النحوي
علي بن عدلان النحوي كان شاعراً ومشهوراً بذكائه، وكتب مجموعة من الكتب بمواضيع مختلفة، ومنها طرق التشفير، ومن إحدى الطرق هي التشفير بالتعويض.
مثل أن تأتي بالأحرف العربية ويتم تغيير أشكال الأحرف، أي أن يمثل حرف الهاء حرف الباء، ويمثل حرف الجيم حرف الراء وهكذا.
وبتلك الطريقة تستطيع أن تأخذ أي نص وتحوله إلى مجموعة طلاسم، لا يتم فهمها إلى من قبل الشخص الذي تتفق معه على هذا الترتيب المعين، وعادة ما يتفق المرسل والمستقبل على بيت من الشعر، يكون هو المفتاح لحل الشيفرة.
وكان هذا المبدأ الذي اتبعه علي بن عدلان النحوي، رسالة ومفتاح وشيفرة، هو أحد المبادئ المهمة المستخدمة في علم التشفير الذي بنيت عليه طرق تشفير كثيرة.
ولكن تلك الطريقة وجد فيها خلل، لأنه وبمجرد معرفة مفتاح الشيفرة أي بيت الشعر، يمكن كسر الشيفرة في دقائق، ويمكن استخدامها فقط في حالة الطوارئ.
ابن دنينير وابن دريهم
ابن دنينير وابن دريهم كانا عالمين، وعاشا في فترة زمنية مختلفة، ولكنهما اشتركا في أسميهما التي لها علاقة بالمال، والأهم أنهما تشاركا في الكثير من الأفكار حول علم التشفير.
حيث أن ابن دنينير كان شاعر وذكي ووسيم، وتميز في النحو والخط وفي أنظمة التشفير، ولكن كانت لديه بعض المشاكل والمعتقدات لم تعجب الكثير من الناس، وقتل وهو صغير السن.
وابن دريهم كان مختلفاً، فقد كان تاجراً وثرياً، ويعشق الألغاز والأحاجي، وكتب الكثير من المواضيع في العلوم الشرعية والحساب وغيرها، واشتهر بأفكاره حول التشفير.
والإثنان تحدثا عن وضع أهم مبدأ في علم التشفير، وهو تحويل النص إلى بيانات رقمية، حيث يتم تحويل الأحرف إلى أرقام، وتقام عليها عملية حسابية، بحيث تعاد الأرقام إلى أحرف ويفهم نص الرسالة.
وهذه الطريقة من تحويل النص إلى بيانات رقمية ومعالجة البيانات رياضياً، ومن ثم تحويل البيانات إلى نص، هو المبدأ الذي قامت وارتكزت عليه أنظمة التشفير اليوم، والذي أسس قبل ثمانمائة عام.
يعقوب بن إسحاق الكندي
يعقوب بن إسحاق الكندي هو من أوائل الفلاسفة العرب، ومن أوائل من تحدث عن علم التشفير بين العرب، حيث أنه وصف طرق عديدة، وعرف الكثير من الناس عن أنظمة التشفير.
ولكن الأهم من كل هذا، أن الكندي علم الناس كيف يكسرون الشيفرات، ومع تطور التشفير وانتشاره بين الناس، صار من الضروري التعلم كيفية كسر الشيفرة خاصة بين الأعداء.
وبدأ الكندي بدراسة تقنيات التشفير الموجودة حينها، ودرس اللغة وخواصها، ووجد أنه في كل لغة هناك أحرف تستخدم أكثر من غيرها.
ففي اللغة العربية إن أكثر الأحرف المستخدمة هما الألف واللام، وهنا بدأ الكندي بجمع الكتب وعد الأحرف فيها، وجمع الأرقام، وبنى قائمة بأكثر الأحرف تواتراً في اللغة العربية.
وفي العادة في زمان الكندي، عند القيام بالتشفير، فإن أماكن الأحرف لا تتغير، حيث أن أغلب الشيفرات هي تغيير أشكال الأحرف.
وبسبب تلك الملاحظتين، طور الكندي طريقة ذكية لكسر معظم الشيفرات، وفيها تفاصيل كثيرة، وتلك الطريقة سماها الكندي تواتر الحروف، وهو مما يسمى اليوم frequency analysis.
وكانت الطريقة هذه هي أهم طرق كسر الشفرات في زمن الكندي، واستخدمت لوقت طويل لفك الشيفرات، حتى الحربين العالميتين.
وعلم كسر الشيفرات هو اختراع عربي إذاً، والكندي لم يطور فقط تواتر الحروف، بل درس تناغم الحروف مع بعضها البعض، وأكثر الكلمات وروداً في الرسائل.
وتحدث الكندي عن أنواع مختلفة من أنظمة التشفير البسيطة والمعقدة، وإمكانية دمج التشفير.
المصادر
يوتيوب قناة حسين عبد الله
جميع الحقوق والنشر محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com