إرم ذات العماد والمدينة الضائعة! | قوم عاد | النبي هود | حسن هاشم، في البداية يجدر بنا الذكر ان اراء العلماء قد تعددت فيما يخص قوم عاد ومدينتهم وما نرويه هو رأي أغلب العلماء
تبدأ قصتنا بقوم عاد والذين بحسب المؤرخين والمفسرين يعود نسبهم الى عاد بن إرم بن سام بن نوح وهم أوائل الاقوام التي سكنت الارض بعد طوفان نوح عليه السلام الشهير
هؤلاء القوم من الله عليهم بنعم كثيرة فكانوا ذوي نعمة فأراضيهم خضراء خصبة تفيض بالمياه ويملكون من الماشية والدواب ما يغطي عين الشمس والاهم من هذا ان الله جل وعلا منحهم اهم ما يملك الانسان الصحة
فكان هؤلاء القوم اصحاء اقوياء وفي تمام العافية بل انهم لم يكونوا كالبشر العاديين في عصرنا هذا فقد كانوا ضخام البنية وشاهقي الطول واقوياء اشداء لا يهابون شيئا
كل هذه الصفات جعلتهم يغزون الأرض ويحكمون الممالك بالقوة، ونتيجة هذه القوة وكل الموارد التي حصلوا عليها من بقاع الأرض تمكنوا من بناء كل ما لم يتمكن احدهم من بناءه من قبل
فبنوا المساكن العالية والمصانع الكبيرة لتجيمع المياه وشيدوا القصور الشاهقة و زودوها بكل ما يدل على الترف والرفاهية و ازدادو في تكبرهم واعجابهم بنفسهم إلى حد أنهم كانوا يبنون المباني الشامخة على الجبال والتلال وفي الصخور الصلبة
والغريب انهم لم يبنوا تلك المباني ليسكنوا فيها او يستفيدوا حتى منها، انما بنوها فقط لغاية التبحج واظهار القوة والبأس للأمم الأخرى
وقاموا بحسب ما ورد ألينا بتشييد أحدى اكبر المدن واعظمها بنياناً وهي مدينة إرم
لكن بالرغم من كل ما منحهم الله من نعم مادية وجسدية ومعنوية إلا انهم جحدوا وكفروا واتخذوا لانفسهم آلهة غير الله عز وجل فعبدوا الاصنام وكان لهم من الاصنام ثلاثة:
صدا وصمود وهباء
عثا قوم عاد فساداً وجبروت و ارسال الله تعالى لنبي لتلك الأمة أمراً مفروغاً منه، فأرسل الله إليهم رجلاً منهم ينهاهم عما هم فيه من معاصي وشرك ويذكرهم بأن كل ما هم فيه هو من نعم الله وحده وهو القادر على نزعها منهم بطرفة عين
هذا النبي كان هود عليه السلام، اما عن هود فقد اورد المؤرخون والمفسرين انه هود بن شالخ بن قينان بن أرفخشذ بن سام بن نوح
ينتهي نبسه شيت بن آدم عليه السلام
نبي الله هود كان معروفاً في قومه فهو منهم وهذا ما نجده مذكوراً في سورة الشعراء وهود والأعراف والأحقاف، حيث ذكر هود عليه السلام بأنه أخو عاد وهو ما يعرف باللغة العربية بالانتماء إلى نفس القبيلة
النبي هود ذكر في كتب العهد القديم وتحديداً في نصوص اليهودية القديمة بنفس النسب انما بأسم عابر،
نعود إلى نبي الله الذي بدء بالدعوة إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام وكحال الامم الجاحدة قُبل بالرفض والأذى ومع ذلك بقي هود عليه السلام لين التعامل مع قومه وحسن المنطق وحليم الخلق، استمر هود في دعوة قومه و ترغيبهم بجنة الخلد وترهيبهم تارة أخرى بعذاب الله في الدنيا
كما حصل مع قوم نوح قبلهم وبعذاب الآخرة الذي ينتظرونه،
رغم كل القوة والطغيان التي تمتع بها قوم عاد إلا أنهم لم يستطيعوا مس هود عليه السلام بأي أذى ولو بمقدار جناح الذبابة وهو ما اعتبره المفسرون معجزة هود عليه السلام وقد وصل الأمر بهود إلى طلب من قومه أن يسألوا أصناهم وآلهتهم بألحاق الأذى به
وبالطبع لم ينل هود أي سوء فالحجر والخشب لا ناقة له ولا جمل، خلال سنوات دعوة هود استمر قوم عاد بتشييد مدنهم الضخمة واهمها إرم ذات العماد
قصة تشييد هذه المدينة كانت ومازالت موضع جدل، سنبدأ بالقصة من كتب التفاسير والقصص القديمة ثم نخبركم بأمر الجدل
تقول القصة ان قوم عاد ينسبون إلى ملك يسمى عاد آل الحكم بعد وفاة الملك عاد إلى ولدين له سميا شديد وشدّاد
هذان الملكان اكملا الفساد والحروب حتى قتل في أحداها شديد ليؤوا الحكم بالكامل إلى شدّاد بن عاد، شدّاد بحسب الروايات كان ملك جباراً طاغياً، ولم يؤمن بدعوة هود
وبحسب الروايات، فإن شدّاد سمع بجنات عدن التي يعد فيها هود من يؤمن، قرر بناء مدينة تضاهي هذه الجنة و لم يأخذ قومه بعد الفراغ من بنائها للعيش فيها، ويكون بهذا قد كذب هود بالدعوة وبالفعل..
بدء شداد ببناء المدينة المنشودة فأرسل جنوده في بقاع الأرض وإلى الممالك التي تخضع لحكمه، يطلبون الغالي والنفيس من احجار واخشاب ونفائس المعادن وما خبئ في جوف الأرض من كنوز فكان له ما اراد
بدء بناء المدينة ذات الأعمدة الضخمة والمرصعة بالأحجار الكريمة كحال جدرانها وأرضها فرصعت المدينة بالذهب والفضة وزينت بالياقوت والزبرجت
عمل شداد على تزويد هذه المدينة العظيمة بكل مصادر المياه، فكانت الأنهار تجري بين ازقتها وشوارعها والأشجار الكثيفة المختلفة تنتشر في طول المدينة وعرضها ولم يترك شداد مظهراً من مظاهر الترف إلا وزود مدينته به
بحسب الروايات، استمر بناء المدينة على أقل تقدير 10 سنوات، بعد الانتهاء من بناء المدينة او الجنة كما سماها شداد جمع قومه بغية الرحيل والسكن في إرم ليحدث ما لم يكن في الحسبان…
الجدل القائم حول بناء هذه المدينة هو انه يرى بعض المفسرين والمؤرخين ان قوم عاد وملكهم الذين بنوا هذه المدينة هم نفسهم قوم هود ويرى آخرون ان قوم عاد اصحاب هذه المدينة هم أولاد من تبقى من قوم هود
أي ان هذه المدينة لم تبنى في زمن هود عليه السلام، إلا كلتا النظريتان تتفقان على ان هذه المدينة التي سميت بإرم ذات العماد في كلتا الحالتين قد نالت وقومها عقاب السماء…
إذاً شداد جمع قومه بغية الرحيل إلى المدينة المنشودة وفي منقلب الآخر كان هوداً يحذر قومه من العذاب الآتي لا محال وهم يديرون الأذن الصماء لتحذيرات نبيهم حتى اتاه وحي الله ان العذاب قد حقّ على قوم عاد
فأمر الله عز وجل نبيّه إلا يقرب هو ومن آمن معه المدينة وسكانها ولا يمسه منها شيء، فهي فانية لا محالة..
وبالفعل ابتعد هود والمؤمنين عن المدينة وعيونهم شاخصة تنظر عذاب الجبار الذي حل، فقبل دخول شداد وقوم إلى جناته بدأت بوادر العذاب فأرسل الله عز وجل ريحاً قوية حاول القوم احتماء منها بحفر عميقة و ملاجئ قد نحتوها تحت الأرض
إلا ان الرياح كانت تبلغ من القوة أن قد اقتلعت الحفر بما فيها وكان المرء منهم مع كل ضخامته تتقاذفه الرياح من جهة إلى أخرى كريشة طائر
وبلغت قوة الرياح وشدتها أنها قطعت رؤوس قوم وأيديهم بحسب روايات والتفاسير المختلفة، هذه الريح اقتلعت القصور والبيوت المشيدة وهدمت المصانع والمباني الشاهقة وبحسب بعض التفاسير فأن هذه الرياح كانت جافة ومن جفافها كانت رياح محرقة…
اتت على كل مظاهر الحياة في مدن قوم عاد فجعلتها رميم، استمرت الرياح الغير الطبيعية سبع ليال و ثمانية أيام، يقف هبوب الرياح وتختفي إرم ذات العماد تحت الرمال الكثيفة دون أثر يبقى
أما قوم عاد الجبارين فقد اضحى قوماً مقطعين الرؤوس والأطراف بعد ان تقاذفتهم الرياح كأعجاز نخلٍ خاوية ، ونجا الله هود ومن آمن معه من العذاب الأليم
هذه المدينة وقصتها ذكرت في أكثر من موضع في القرآن الكريم، فنجد لها ذكراً في سورة الأحقاف والحاق والشعراء وهود والأعراف والفجر، وتناولتها الأحاديث النبوية في سير الأمم الغابرة
لكن بالرغم من هذا بقيا الكثير من المشككين بصحة هذه القصة، بل وصل بهم الأمر اعتبار مدينة إرم مدينة اسطورية من نسج الخيال حتى ظهور أعظم الاكتشافات
بداية عام 1990 اعلن عالم الآثار الهاوي نيكولاس كلاب، اكتشاف المدينة الاسطورية، نيكولاس بحسب قوله استلهم فكرة بحثه عن المدينة الضائعة من كتاب لكاتب يدعى بيرترام بعنوان Arabia Felix
تحدث عن بقعة معينة اطلق عليها البدو اسم عُبار، رأى فيها الكاتب آثار شديدة القدم، وأكمل نيكولاس البحث عن هذه المدينة لتبدأ عمليات البحث وإزالة الرمال عما اطلق عليها في بعد اسطورة الرمال عُبار
انتشرت اخبار هذا الاكتشاف فنجد وصفاً لهذه المدينة وإحدى قلاعها في مقال نشر في صحيفة تايم الأمريكية، حيث يقول المقال ان القلعة المكتشفة هي قلعة ثمانية الأضلاع سميكة الجدران، ذي ابراج في زواياها، مبنية على اعمدة ضخمة بارتفاع تسعة امتار وقطر ثلاثة امتار
لتبدأ بعدها تكهنات حول هذه المدينة إذا كانت هي مدينة إرم ذات العماد أو مدينة اسطورية أخرى وكحال المدن الأسطورية الأخرى، اختلف المؤرخون في تحديد مكانها الفعلي من الجيزة إلى الاسكندرية فدمشق مروراً بجبل رام في الأردن وصولاً إلى الموقع الأكثر شيوعاً ونقصد عُبار في صحراء الربع الخالي
اجتمع رأي العلماء المسلمين على ان هذه المدينة بنيت في الاحقاف أي مدينة الرمال المطوية وهذا على اساس ورود ذكرها في سورة الأحقاف والأحاديث النبوية التي تناولت هذا الموضوع وذكر نبي محمد عليه الصلاة والسلام لأسم الأحقاف فيما يخص موقع هذه المدينة
الأمر المثير في قصة هذه المدينة ان الاكتشافات والدراسات الأثرية أثبتت ان هذه المدينة كانت مدينة سابقة لأوانها بعمرانها الهندسي وضخامتها والأكثر من هذا ان الدراسات الجغرافية والجيولوجية للمنطقة التي تم اكتشاف الآثار فيها ونقصد في الربع الخالي
اكدت ان هذه المنطقة كانت تتمتع بأغراض خضراء وانهار ومياه غزيرة ونشاط سكاني وعمراني زاهر، إلا ان عاصفة رملية هوجاء غير مسبوقة دفنت هذه المدينة وأهلها دون سابق إنذار وقلبت المنطقة إلى صحراء قاحلة
لتنهي بذلك اسطورة قوم ومدينة شغلت ومازالت تشغل العالم والعلماء
هذه قصة قوم عاد ومدينتهم الجدلية إرم ذات العماد وقصتهم مع نبي الله هود عليه السلام، قصة تحذرنا ان عاقبة الغرور والتباهي عادة ما تكون وخيمة، وان الله حقاً يمهل ولا يهمل، فمهما على شأن الجاحد ومهما بلغ من النجاحات لا يغركم، وانتظروا يومه في ذلك قصص كثيرة وتاريخ طويل، لكم ولنا فيه عبرة
اقرأ أيضاً… أصحاب الرس | قتلوه لأجل شجرة، أصحاب الرس والنبي المجهول ! حسن هاشم
اقرأ أيضاً… النمرود | ماذا فعل النمرود بسيدنا إبراهيم عليه السلام وماذا فعل الله به | نهاية الطغيان