إسلامقصص وحكايات

ابن صياد هل هو المسيح الدجال


رجل غامض حيّر الصحابة -  الشيخ سعيد الكملي

أبو عمارة، ابن صياد ،هو عمارة بن عبد الله ابن صياد المدني، الثقة المحدث، كان ثقة ولكنه قليل الحديث وكان الإمام مالك رحمه الله لا يعدل به أحداً لفضله وسمته.

وأبوه عبد الله بن صياد هذا كان غلاماً زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان يظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه المسيح الدجال، وأبو عمارة هذا عبد الله بن صياد.

وإنما كان يُظن  أنه المسيح الدجال لأجل نعوت فيه، إنما كان ينعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم المسيح الدجال.

قصة ابن صياد

روى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: ولدت إمرأة من اليهود غلاماً عينه ممسوحة طالعة ناتئة. قال: فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون المسيح الدجال.

وهذا الإشفاق من النبي صلى الله عليه وسلم، مكث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند الصحابة، وكان الشك في ابن صياد ربما نقص وربما زاد. وربما بلغ اليقين عند طائفة من الصحابة.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحلف بالله أن ابن صياد هو المسيح الدجال، فقلت له: أتحلف بالله؟

فقال: سمعت عمر بن الخطاب يحلف على ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى الطبراني أبو يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لأن أحلف تسعاً على أن ابن صيادٍ هو المسيح الدجال أحب إلي من أن أحلف واحدة على أنه ليس به.

وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: والله ما أشك أن المسيح الدجال هو ابن صياد.

لماذا مكث الشك في ابن صياد؟

لماذا مكث الشك؟ عندهم وعند طائفة من الناس وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بشيء في شأن ابن صياد هذا.

يقال ابن صياد ويقال ابن صائد.

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يستطلع أمره ويستجلي دخلته لعله يكون منه على يقين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم، ربما يأتي على حين غفلة منه، ليسمعه يقول ما لا يقوله إذا كان في الملأ.

يروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: انطلق عمر بن الخطاب ورهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل ابن صياد.

حتى جاؤوه وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة، وابن صياد يومئذ قارب الاحتلام، قال: فلم يشعر ابن صياد برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ضرب بيده.

فالتفت ابن صياد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فنظر ابن صياد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: أشهد أنك رسول الأميين.

العرب اليهود، كانت طائفة منهم ينكرون نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأساً، وطائفة منهم تقر بنبوته لكن يقولون هو ليس نبياً إلينا ولكنه نبي إلى العرب الأميين.

فقال له: أشهد أنك رسول الأميين. ثم قال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: آمنت بالله ورسوله.

ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا ترى؟ فقال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلط عليك الأمر.

أي أن شيطانك لبس عليك كما يلبس الشيطان على أصحابهم من الكهنة.

ابن صياد وعرش إبليس

وفي رواية حديث أبو سعيد الخدري عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ماذا ترى؟ قال: أرى عرشاً على ماء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت عرش إبليس على البحر.

ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد خبأت لك خبيئة، أخبرني ما هو؟

يستقرئ الرسول حاله.

في رواية عند أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أضمر له ( يوم تأتي السماء بدخان مبين )، قال بعض العلماء كانت كتبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كفه، وخبأها.

قال: قد خبأت لك خبيئة، أخبرني ما هو؟ فقال له ابن صياد: هو الدخ. قال العلماء، أراد أن يقول الدخان، هذا الذي أراه شيطانه، أنتم تعلمون أن الشياطين كانت تقعد مقاعد في السماء تستمع.

لكن لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، كل من يقعد يرجم، فصارت الشياطين تختطف الشيء لكن تفر قبل أن ترجم، فتسمع قليلاً من الشيء.

فشيطانه الجزء الذي سمعه هو الدخ. فعرف النبي صلى الله عليه وسلم شأنه، فقال له: اخسأ فإنك لن تعدو قدرك.

أي أن قدر أمثالك من الكهنة الذين يقذف لهم شياطينهم بمثل ذلك.

فقال له عمر رضي الله عنه: دعني يارسول الله أضرب عنقه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله.

قال سالم: فسمعت ابن عمر يقول: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق بعد ذلك مع أبي بن كعب، إلى النخل الذي يكون فيه ابن صياد ورسول الله يختل أن يسمع من ابن صياد قبل أن يعلم به ابن صياد.

فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل فقالت: يا صافي هذا محمد فثار ابن صياد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تركته بيّن.

لقاء ابن عمر به

ولهذا مكث الأمر كذلك حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يوح إليه شيء في شأن ابن صياد فبقي الصحابة شاكين فيه، ويعظم شكهم أحياناً لأشياء تقع.

روى مسلم في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لقي ابن صياد في بعض طرق المدينة، فقال ابن عمر لابن صياد شيئاً أغضب ابن صياد، قال: فانتفخ حتى أغلق السكة.

فدخل ابن عمر على حفصة فقالت له: رحمك الله ماذا أردت من ابن صائد؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه يخرج من غضبة يغضبها، تريد الدجال، أما خشيت أن يكون هو الدجال ويخرج؟

وروى مسلم ايضاً عن ابن عمر أنه قال: لقيته لقيتين، يقصد ابن صياد، فذكر اللقية الأولى التي ذكرت، قال: ولقيته مرة أخرى وقد نفرت عينه، فقال له ابن عمر: متى حدث هذا الذي أرى بعينك؟

فقال: لا أدري. فقال ابن عمر: لا تدري وهي في رأسك؟ فقال له ابن صياد: لو شاء الله خلقها في عصاك. قال ابن عمر: فنخر كأشد نخير حمار سمعته.

لماذا نخر؟ لأن ابن عمر كان ضربه بتلك العصا التي كانت في يده. قال ابن عمر: فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا في يدي حتى تكسرت. وأما أنا فوالله لا أذكر.

ولعل ابن عمر رضي الله عنهما لم يشعر لشدة غيظه وغضبه لأنه كان تبين له أنه المسيح الدجال.

قصته في الحج

الذي يزيد الشيء إبهاماً أن ابن صياد أسلم، يروي مسلم في الصحيح عن أبو سعيد الخدري أنه قال: خرجنا عماراً وحجاجاً، ومعنا ابن صياد. يريدون الحج والعمرة.

قال: فنزلنا منزلاً فتفرق الناس وبقيت أنا وهو، قال: فاستوحشت منه وحشة شديدة، لم يقال عليه، فجاء بمتاعه فوضعه عند متاعي، فقلت له: إن الحر شديد، فلو وضعت متاعك تحت تلك الشجرة؟

قال: ففعل. قال: فرفعت لنا غنم، ظهرت غنم، فذهب وأتى بإناء قد حلب فيه من  تلك الغنمات، فقال: اشرب أبا سعيد. فقلت: إن الحر شديد واللبن حار، قال: والله ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده.

فقال يا أبا سعيد: لوددت أني أخذت حبلاً فعلقته في شجرة فاختنقت مما يقول الناس. يا أبا سعيد، من خفي عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يخفى عليكم معشر الأنصار.

أوليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كافر وأنا مسلم؟ أوليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه عقيم لا يولد له وأنا تركت ولدي في المدينة؟

أوليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا يدخل مكة والمدينة وأنا جئت من المدينة وأريد مكة؟

يقول أبو سعيد الخدري: فما زال بي حتى كدت أعذره. فقال لي: أما والله إني لأعرف أباه وأمه وأعرفه هو وأين هو الآن. فقلت له: تباً لك سائر اليوم.

وفي رواية أخرى عند مسلم أنه لما قال له: إني لأعرفه وأعرف أباه وأمه وأين هو الآن قيل له فهل تحب أن تكون ذلك الرجل؟ فقال له: لو عرض علي ذلك ما كرهته.

لذلك بقي العلماء متضطربين في شأنه، بعضهم يقول هو صحابي، وبعضهم يقول هو تابعي، وبعضهم يقول ليس بالدجال، ولكنه دجال من الدجاجلة. وبعضهم يقول هو الدجال بنفسه.

خاتمة

لما قيل له أتكره أن تكون ذلك الرجل، قال: لو عرض علي ذلك ما كرهته، هو يعلم أن الدجال يدعي الألوهية، ومن يدعي الألوهية ومن يرضى أن يكون إلاهاً فهو كافر.

ولكن يشكل على أن يكون الدجال لأنه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غلاماً قارب الاحتلام.

فكيف يكون في آخر زمانه شيخاً كبيراً في بعض الجزر مقيداً بالسلاسل كما ورد وصفه في حديث تميم الداري؟

لذلك أشكل أمره على الناس، وقال الشوكاني رحمه الله: أشكل أمر ابن صياد على الناس حتى قيل فيه كل قول.

وإلى لقاء آخر إن شاء الله، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك والحمد لله رب العالمين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى