الثورة الجزائرية والتحرير : لم يكن تاريخ الخامس من تموز عام 1962 تاريخاً عادياً للجزائريين .
ففي هذا اليوم توّج إعلان استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي تضحيات أكثر من مليون ونصف مليون جزائري بأرواحهم في سبيل التحرير .
وأنهت سبع سنوات من الكفاح في الجزائر احتلالاً دام أكثر من 132 عاماً .
الثورة الجزائرية ومقاومة الاحتلال الفرنسي
استطاعت فرنسا منذ احتلالها للجزائر عام 1830 إخماد جميع الثورات والانتفاضات الشعبية التي قامت ضدها .
كالثورة التي قادها الأمير عبد القادر الجزائري ومن بعده ثورة أولاد سيدي الشيخ ، ثم ثورة المقراني وثورة الشيخ بوعمامة وغيرها .
قابلت فرنسا كل مقاومة جزائرية بوحشية بالغة من قتل أو نفي لقادتها ، وانتهجت سياسة القمع والإبادة ، وارتكبت مجازر راح ضحيتها عشرات الآلاف من الجزائريين .
هذه المجازر كانت سبباً رئيسياً لاندلاع أبرز الثورات في القرن العشرين ، الثورة الجزائرية .
ففي الأول من تشرين الثاني من العام 1954 انطلقت شرارة الثورة بعمليات متفرقة بدأت بمشاركة من ألف ومائتي جزائري بحوزتهم مئات من قطع السلاح والقنابل التقليدية .
شنوا هجمات متفرقة على الثكنات العسكرية و مخازن الأسلحة للقوات الفرنسية في أنحاء مختلفة من الجزائر .
في تحرك مفاجئ تزامن مع بيان لجبهة التحرير الوطني دعت فيه جميع الجزائريين من مختلف الطبقات الاجتماعية و الأحزاب و الحركات الجزائرية للانضمام إلى الكفاح التحريري .
و أعلنت تلك الليلة ليلة بدء الثورة التي حددت أهدافها باستقلال الجزائر و إنشاء الدولة الديمقراطية ذات السيادة .
خطة تنفيذ الثورة الجزائرية
كانت جبهة التحرير الوطني قبل هذا الإعلان قد رسمت خارطة المخطط الهجومي ضد القوات الفرنسية ، وقسمت الجزائر إلى خمس جبهات شهدت عشرات العمليات الهجومية :
في منطقة الأوراس بقيادة مصطفى بن بولعيد .
ومنطقة الشمال القسنطيني بقيادة ديدوش مراد .
منطقة القبائل بقيادة كريم بلقاسم .
ومنطقة الوسط بقيادة رابح بيطار .
ومنطقة الغرب الوهراني بقيادة العربي بن مهيدي .
سارعت الحكومة الفرنسية إلى اتهام أطراف أسمتها بالأجنبية بالوقوف وراء الأعمال المسلحة وأعلنت حالة الطوارئ .
ونشرت آلاف الجنود لمواجهة الثوار ، و مارس الجيش الفرنسي أبشع أساليب القمع والتعذيب و ارتكب المزيد من المجازر .
غير أن رقعة الثورة اتسعت فرفعت فرنسا عدد قواتها العسكرية بشكل متزايد حتى بلغت 80 ألف جندي مطلع العام 1955 وصولاً إلى 186 ألف جندي في عام 1956 .
الثورة الجزائرية وديغول
أصبح الجنرال شارل ديغول رئيساً للوزراء في فرنسا في العام 1958 فأعلنت جبهة التحرير الوطني عن تشكيل حكومة جزائرية مؤقتة في القاهرة برئاسة فرحات عباس .
وهي مؤلفة من أربعة عشر وزيراً وأربعة نواب للرئيس ، بهدف التمثيل الدبلوماسي على المستوى الدولي .
زار ديغول الجزائر وهناك قال كلمته الشهيرة أمام الجزائريين : لقد فهمتكم أنا أعرف ما الذي يحدث هنا .
تعهد ديغول بالتجديد على جميع الأصعدة وبالاعتراف بحرمة الأرض و تحقيق المساواة و إعطاء الجزائريين حقوقهم .
لكن الثورة لم تكن لتكتفي بطلب الإصلاحات و استمرت نحو تحقيق هدفها بالحرية . فوجه ديغول نداءً للثوار أطلق عليه إسم سلم الشجعان .
دعا فيه المقاتلين إلى الاستسلام ورفع الأعلام البيضاء ، لكن الثوار رفعوا بنادقهم وأصواتهم في وجه هذا النداء .
عين ديغول الجنرال موريس شال قائداً للعمليات العسكرية فتحولت فرق عسكرية بأكملها من مواقعها في حلف شمال الأطلسي إلى الجزائر .
استقدمت فرنسا حوامات وطائرات وبوارج حربية وكوّنت ميليشيات مسلحة تمارس شتى أنواع التعذيب والقتل وتدمير القرى .
حتى بلغ حجم القوات الفرنسية أواخر عام 1960 نحو مليون جندي . وكل ذلك دون أن تتمكن فرنسا من إخماد الثورة التي لم تكن حينها منظمة أو مدعومة كما ينبغي .
لكنها استمرت كمقاومة مسلحة هدفها التوصل إلى إجراء مفاوضات مع الجانب الفرنسي من أجل الاستقلال على أساس السيادة الجزائرية .
الثورة الجزائرية و التأييد الشعبي
حظيت جبهة التحرير الوطني وجناحها العسكري المتمثل بجيش التحرير الوطني على تأييد الشعب الجزائري و الجالية الجزائرية في المهجر .
وزاد من ذلك التأييد اصطفاف مفكرين فرنسيين مثل جان بول سارتر و سيمون دي بوفوار و سان جيرمان ديبريه .
الذين تركوا أثراً واضحاً في النخبة الجزائرية المثقفة آنذاك ، فاكتسبت الثورة شرعية أكبر وزخماً متزايداً على الصعيد الدولي .
تدويل القضية الجزائرية وخروج فرنسا
ومع تعاقب سنوات الحرب و صمود الثوار الجزائريين أمكن تدويل القضية الجزائرية عبر النشاط الدبلوماسي المكثف و إدراجها ضمن جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة .
ووقفت كل من الولايات المتحدة و الاتحاد السوفييتي آنذاك في وجه فرنسا ، و اتخذتا موقفاً لصالح استقلال الجزائر .
رأى ديغول حينها أن خطوات الإصلاح و إعطاء الحقوق لم تعد مجدية ، وأن الحرب لا يمكن الاستمرار بها ، وأن من مصلحة فرنسا الخروج من الجزائر .
أجبر ديغول في العام 1959 على الاعتراف بحق الجزائريين في تقرير مصيرهم ، لتبدأ سلسلة مفاوضات استمرت نحو عامين مع جبهة التحرير الوطني انتهت بعقد اتفاقية إيفيان التي قادت إلى استقلال الجزائر .
استقلال الجزائر
سجّل يوم الخامس من تموز من العام 1962 تاريخاً رسمياً لاستقلال الجزائر عن فرنسا ، و انتصرت الثورة الجزائرية العنيدة .
التي شكلت بوصلة للشعوب التي ترفض الذل رغم الجراح العميقة التي خلفتها تلك الحرب في المجتمع الجزائري ، و الثمن الباهظ الذي كان يجب أن يدفع في سبيل التحرير .
واعتمد النشيد الذي كتبه الشاعر مفدي زكريا بتكليف من قادة الثورة ولحنه الموسيقار المصري محمد فوزي عام 1957 نشيداً وطنياً للجزائر بعد استقلالها .
المصادر
شاهد أيضاً:
الجزائر وكل ما تريد معرفته عنها
قصة الأمير عبد القادر الجزائري
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com