الحروف العربية غريبة، حقا غريبة، ألف باء جيم دال، لماذا ليست أ بَ جَ دَ ؟
في الاستخدام الفعلي هذه الزيادات ليس منها فائدة أبداً، فقط موجودة للزينة، إننا لا نستخدمها في القراءة أو الكتابة.
فمثلاً كلمة أرنب كيف تُقرأ: أرنب، كيف عرفت كيف تقرأ؟ ببساطة كل رمز في الكلمة يدل على صوت:
أَ رَ نَ بَ، تدمج الأصوات مع بعضهم فتحصل على كلمة أرنب.
فلو أردنا أن ننطقها كما نلفظ الحروف العربية لكانت على الشكل: ألفراءنونباء، ولا أحد يقرأها بتلك الطريقة.
فعلياً نحن نستخدم بداية الحرف ونرمي الباقي. إذن لماذا كل هذه الأصوات موجودة ما دمنا لن نستخدمها؟
صدق أو لا تصدق هذه الزيادات في الحروف العربية لم تأت من العدم. ولها قصة غريبة قليلاً، ونوعاً ما كانت سبباً في تغيير العالم.
قصة نشوء الحروف العربية
قبل 3000 سنة كانت علاقة البشر مع الكتابة مختلفة لم تكن فعلاً كتابة، أي كانت نوعاً من الكتابة بدون حروف.
أغلب أنظمة الكتابة في الزمن القديم كانت مزيجاً غريباً بين الأصوات والرسوم.
فعندما ترى شيئاً مثل الرُقم القديمة يأتي في ذهنك أن كل رمز يمثل صوتاً معيناً أو على الأقل مقطعاً صوتياً.
هذا ما اعتدنا عليه لأن أغلب أنظمة الكتابة حول العالم اليوم تفعل ذلك.
لكن الأنظمة القديمة بشكل عام كانت تمزج بين ثلاثة أشياء، فالرمز الواحد يمكن أن يمثل صوتاً أو فكرة أو كلمة.
معظم أنظمة الكتابة في بداياتها تبدأ برموز لتمثيل الأفكار: أنا أحب العنب، الجو حار.
فإذا كان لديك مجموعة رموز متفق عليها لتمثيل أفكار معينة، فإنك تقدر أن تدون الكثير من المعلومات البسيطة.
شيء ما زلنا نستخدمه لحد الآن في الشارع أو السوق ترى الكثير من الرموز التي تمثل أفكاراً معينة سهلة الفهم:
إعادة تدوير، درج كهربائي، ممنوع الدخول. بمجرد أن ترى الرمز تفهم الفكرة مباشرة.
إن أنظمة كتابية كثيرة بدأت بتلك الطريقة، الكتابة في بلاد الرافدين ومصر والمكسيك، ومناطق أخرى كلها بدأت كرموز لأفكار في البداية على الأقل.
تطور نظام كتابة الرموز
التطور الطبيعي لهذا النظام كان كالآتي:
بدل أن يمثل فكرة لم لا يمثل كلمة؟ فرمز قمح بدل أن يمثل فكرة القمح لم لا يمثل كلمة قمح؟
ورمز جمل يمثل كلمة جمل بدل فكرة جمل.
فإذا كنت تقدر أن تعبر عن الكلمات برموز فإنك تقدر أن ترصف الرموز بترتيب معين وتبني جُملاُ واضحة ولها معاني.
تقريباً مثل: أرسل لنا جيشاً للمساعدة، نريد شراء عشرة أكياس من القمح وثلاث أبقار وستة جمال.
طبعاً إذا اعتمدت هذه الطريقة في الكتابة وبدأت فعلاً تكتب بها، غالباً الرموز المستخدمة تبدأ بالتبسط والتجرد من ملامحها الأصلية.
لأنك لن ترسم الموناليزا كلما أردت أن تكتب رسالة، بل تريد شيئاً بسيطاً وسهلاً للرسم.
ما عيوب نظام الكتابة بالرموز
فكرة الرموز تمثل الكلمات لاقت رواجاً كبيراً بين الحضارات في الأزمنة القديمة، والكثير من الحضارات لا زالت تستخدم هذا النظام.
خصوصاً في شرق آسيا، لكن عيب هذا النظام القاتل هو أنه يجبرك أن تحفظ الرمز الخاص لكل كلمة.
كلمة سيف لها رمز خاص، كلمة نخلة لها رمز خاص، الأبله له رمز، الأم لها رمز، البيت له رمز الخ.
وحتى تكتب رسالة بسيطة تحتاج أن تكون حافظاً مئات الرموز وتعرف كيف ترسمها بشكل واضح.
والرمز نفسه لا يعطيك فكرة كيف من المفروض أن ينطق بل يحتاج إلى يتم حفظه حفظاً.
ورغم كثرة عيوب هذا النظام فإن عدة حضارات كمصر والعراق استخدمته للمراسلات الرسمية وإدارة المعاملات التجارية وكتابة القوانين والنصوص الدينية.
وكنوع من التطوير كان يضاف لها أحياناً عناصر صوتية من أجل تبسيطها فمثلاً في أغلب اللغات يوجد الكثير من الكلمات المتشابهة بالنطق.
في العربية مثلاً: كلمة ذهب يمكن أن تعني معدن الذهب النفيس أو تعني الاتجاه إلى مكان ما.
كلمة عين قد تعني عضو في الجسد أو تعني نبع ماء.
وسترى بعض من ذلك خصوصاً في مصر، فالكتابة تستخدم نفس الرمز لتمثيل الكلمات المتشابهة.
ولو أننا نصنع نظاماً مشابهاً في الحروف العربية فإننا سنكتب الجمل بالطريقة التالية: أين الرجل، الرجل بالطريق.
أحياناً يتم إضافة رمز ليس له معنى بذاته لكن هدفه أن يغير نطق الكلمة التي تليه: ما رأيك أن نخرج بسيارتك؟
الخلاصة أن الرمز يفهم معناه من سياق الجملة، فإذا كان صعب الفهم من السياق يضعون علامة صغيرة حوله من أجل التفريق بين المعاني المختلفة.
لكن ما علاقة كل ما سبق باللغة العربية؟
كيف بدأت الكتابة
الموضوع بدأ من مجموعة تجار كانوا يسكنون في شرق المتوسط، لبنان حالياً، يعرفون بالفينيقيين.
كانوا بأمس الحاجة لطريقة يكتبون فيها الفواتير والعقود التجارية حتى يتمكنوا من ضبط تجارتهم وحساباتهم.
لكن لم تعجبهم الأنظمة الموجودة التي تمزج بين الصور والأصوات، فقرروا أن يطوروا نظاماً جديداً أسهل منهم ويحتاج إلى جهد أقل لفك الرموز.
ففكروا وأخذوا ينصتون للغتهم، ولاحظوا أنهم يستخدمون عدداً محدوداً من الأصوات في كلامهم.
وعن طريق دمج هذه الأصوات يقدرون على بناء أي كلمة يريدونها. قرروا حصر الأصوات المسموعة ووجدوا أن في لغتهم 22 صوتاً فقط:
أَ با جا دا ها وا زا حاط ا يا كا لا ما نا ساع ا فاص ا قا را شا تا .
هذه الأصوات التي كانت مستخدمة في لغتهم. فقرروا أن يستخدموا لكل صوت رمز وكلمة للتعبير عن هذا الصوت.
والأفضل استخدام كلمة تبدأ بالصوت نفسه وليكون الموضوع أوضح نبين:
لكي نعبر عن الصوت أأ نستخدم كلمة ألف والتي تعني في لغتهم رأس الثور، وألف تبدأ بالصوت أ.
للصوت ماا نستخدم كلمة ميم والتي تعني عند الفينيقيين ماء.
وللصوت عاا نستخدم كلمة عين والتي تعني عين. هل تلاحظ ما يحدث؟ هذه هي الحروف العربية .
الحروف العربية ميم نون واو في الأصل كلمات فينيقية لها معاني: ميم تعني ماء، نون تعني حوت، واو تعني خُطاف.
هذا السبب الذي يجعل لحروفنا زيادات غريبة.
تطوير الفينيقيين لأنظمة الكتابة
طور الفينيقيون نظام كتابة يعتمد على كتابة الأصوات ودمجها أثناء القراءة، فلتكتب كلمة بحر تكتب ثلاث كلمات تبدأ بالأحرف الأولى:
بيت حيط ريش، تأخذ الأحرف الأولى وتدمجها لتصبح كلمة بحر.
فلا تحتاج لحفظ مليون كلمة ورمز مثل أنظمة الكتابة القديمة، بل تحفظ فقط 22 كلمة ورموزها وتستطيع كتابة أي جملة في الدنيا.
هذا النظام كان عبقرياً جداً لدرجة أن كل شعب تعامل مع الفينيقيين استعار نظام الكتابة بلغتهم، فاليونانية استخدمته والعبرية استخدمته.
الآرامية استخدمته والعربية أيضاً استخدمته، وهذا النظام أصبح يعرف بالحروف الأبجدية نسبة إلى الطريقة التي كان الفينيقيون يرتبون بها حروفهم.
أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت. فإذا فكرت في يوم من الأيام من أين أتت أبجد هوز الآن بت تعرف.
كيف انتقلت الحروف العربية من الفينيقية
لنقف هنا قليلاً ونمر على الحروف الفينيقية ونرى كيف انتقلت إلى العربية.
وقبل أن نبدأ أود أن أنوه إلى أن الفينيقية لغة سامية أي قريبة للعربية ونجد بينهما تشابه كبير جداً في الكلمات.
وأن أشكال الرموز غالباً استلهمت من طريقة كتابة الفراعنة أو طريق كتابة كانت متواجدة في شبه جزيرة سيناء.
العرب لم يأخذوا النظام مباشرة من الفينيقيين بالضرورة، ربما أخذوه من الأنباط في البتراء.
الآن لنر الحروف الفينيقية:
الحرف الأول هو ألف
وهي كلمة تعني رأس الثور، وتعبر عن الصوت أَ، وصل الحرف إلى العربية بدون أي تغيير.
الحرف الثاني هو بيت
ويرمز للصوت با، وتعني في الفينيقية والعربية البيت، ومنها اشتق حرف الباء.
حرف جيمل
بالجيم المخففة واستخدمت للتعبير عن الصوت جاا ومعناه حيوان الجمل وعندما وصلت للعربية أهمل حرف اللام وبقيت جيم.
حرف داليت
ترمز للصوت داا ومعناها الباب، وفي العربية أهمل حرفي الياء والتاء وبقي دال.
حرف هيه
ترمز للصوت هاا وتعني النافذة.
حرف واو
ترمز للصوت واا وتعني الخطاف أو العلاقة.
حرف زين
يرمز للصوت زاا وتعني السيف أو السلاح. البعض يقول أنها تعني الزينة، انتقلت للعربية بدون تغيير.
حرف حيط
ترمز للصوت حا وتعني حائط وتحولت في العربية إلى حاء.
حرف طيت
ترمز للصوت طاا وتعني العجلة تحولت في العربية إلى طاء.
حرف يود
ترمز للصوت ياا وتعني اليد وفي العربية أصبحت ياء.
حرف كاف
أو كاب مثقلة ترمز للصوت كاا وتعني الكف بقيت كما هي في العربية.
حرف لامد
ترمز للصوت لاا وتعني عصا الراعي تحولت في العربية إلى لام.
حرف ميم
ترمز للصوت ماا وتعني ماء بقيت نفسها في العربية.
حرف نون
ترمز للصوت ناا وتعني الثعبان وبقيت نفسها في العربية.
حرف سمك
يرمز للصوت ساا وتعني سمك لكن العرب لم يستخدموها.
حرف عين
يرمز للصوت عاا وتعني عين وبقيت في العربية كما هي.
حرف بي مثقلة
أو في ترمز للصوت باا مثقلة أو فاا وتعني فم .
حرف صاد
ترمز للصوت صاا البعض يعتقد أنه الفعل صاد والبعض الآخر يعتقد أنها تعني النبتة التي يصنع منها البردي.
حرف قاف
أو قاب ترمز للصوت قاا وتعني عين الإبرة.
حرف ريش
ترمز للصوت را وتعني رأس.
حرف شين
ترمز للصوت شاا وتعني سن أو ضرس في العريبة انشقت إلى حرفين شين وسين.
حرف تاو
ترمز للصوت تا وتعني العلامة .
هذه هي الحروف الفينيقية، طبعاً هذا النظام على ذكائه لم يكن يغطي كل الأصوات في اللغة العربية.
فأضاف العرب عليها المزيد من أصواتهم مثل حرف ظ وحرف ض وغ لتغطية أي نقص. وغالباً حاولوا أن يجعلوا أسماء الحروف العربية الجديدة مشابهة لباقي الحروف.
من الفينيقية إلى لغات العالم
كما قلت سابقاً فإن معظم الحضارات التي التقت مع الفينيقيين تبنت نظام الكتابة هذا وعدلت عليه بما يناسب لغتهم.
ألِف بيت جيمل داليت أصبحت في العربية ألف باء جيم دال. وفي الإغريقية ألفا بيتا جاما دلتا.
ومن الإغريقية انشقت معظم الأنظمة الكتابية في أوروبا إلى أن وصلت إلى الإنجليزية.
نعم إن نظام الكتابة في العربية والإنجليزية أصلها واحد ويرجع لشيء اخترعه بضع لبنانيون احتاجوا أن يسجلوا بضع فواتير.
المصادر
قناة حسين عبد الله
Evolution of Writing | Denise Schmandt-Besserat
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com