الحياة والمجتمعحول العالم

سوريا مهد الحضارات

سوريا وكلمة للخبير معن القطامين في فيينا النمسا : سيداتي وسادتي، مساء الخير أو بالنمساوية جوتن أبن أو رامشا تافا باللغة الآرامية لغة السيد المسيح ولغة سوريا القديمة.

قصة سوريا الكبرى

طبعاً لا ألوم أياً منكم إن لم يعرف معنى رامشا تافا، حيث أن هنالك ما يقارب 1 إلى 2 مليون شخص حول العالم فقط يعرفون معناها، وأغلبهم اليوم يعيشون في سوريا.

هذه اللغة صنفتها اليونسكو كأحد اللغات المهددة بالانقراض وللأسف الشديد بعد 3 ألاف سنة من وجودها فقد تنقرض قريباً.

قصة سوريا الكبرى

سوريا : كأردني سأحدثكم الليلة عن سوريا الكبرى والتي تضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن.

أنا أردني من سوريا لأتكلم هذه الليلة عنها ولكن بالنسبة إلى السوريين ليست دولة أو حيزاً جغرافياً بل هي قصة.

ولكنها قصة لا تروى بل تعاش وتتناقلها الأجيال، لا من خلال حروف وكلمات بل يتم تناقلها كآثار وبصمات حضارية تطبع على وجه الزمن.

فمثلاً إذا كنت من عشاق الحضارات فستجد أجزاء هذه القصة في كل حضارة من الحضارات الثلاثين التي عاشت في سوريا الكبرى:

البابلية، الأكادية، الكردية، الآرامية، السومرية، النبيطة، الرومانية، والكثير غيرهم.

وإن كنت سمعياً وتتعلم من خلال حاسة السمع فحتماً ستستمتع بالقصة التي سترويها لك أجراس كنائس بيت لحم حيث ولد السيد المسيح.

أو ستراها كجمال صارخ على جدران مدينة البتراء الوردية التي نقشت في الصخر قبل 3000 عام وأصبحت اليوم من عجائب الدنيا السبع.

أما إذا كنت من عشاق الطبيعة فستشعر بدفء قصة سوريا خلال شعاع شمس صباح سوري، أو سيستوطنك حزن يحمله آخر شعاع شمس غروب مقدسي

قصة سوريا مليئة بالرموز، السحر والغموض، ولكنها لا تبوح بكل شيء مرة واحدة بل تمنح أجزاء من المعرفة السرمدية لجيل بعد جيل.

وكلما حاولنا أن نمسك ببداية القصة ندرك أنه لا بداية لسوريا كما أنه لا نهاية لها، فقصة سوريا وإن لم تبدأ بولادة العديد من الأنبياء الذين عاشوا فيها أو مروا منها.

إلا أنك ستجدها في نبوءة كل نبي وستجدها في كل صلاة وكل لحظة قرب من الله.

رسالة نسمة سوريا إلى الموسيقا

سيداتي وسادتي، أنا وإن كنت لا أستطيع أن أقص عليكم قصة سوريا، إلا أنه يشرفني الليلة أن أنقل لكم رسالة منها، لذا فأنا أقف بينكم كرسول.

فبينما كنت استعد للقدوم إلى النمسا هبت نسمة رقيقة أريجها ياسمين دمشقي، مشبعة برذاذ جميل هو مزيج من ماء نهري دجلة والفرات.

داعبتني النسمة وقالت لي: أيها المسافر، يا ابن الصحراء والبحر الميت، إن قدرك أن تلتقي بالنمسا بلاد الموسيقى الخالدة والرومانسية والشموع.

أصغ لي جيداً أيها المسافر وأفعل ما هو مقدر لك أن تفعل. قف على ضفاف نهر الدانوب وأطلق العنان لروحك.

فسريعاً ستضمها روح الملحن النمساوي العظيم سترواس وقل له رامشا تافا واشكره بأن أتاح لسوريا أن ترقص على أنغام الفالتز.

إن جميع العشاق في سوريا تراقصوا عشقاً تحت ضوء القمر على أنغامه الرائعة وأنغام موتسارت الساحرة منذ زمن طويل.

قبل أن يضطرهم القدر إلى الرقص على أنغام الرصاص والإنفجارات. وقد يكون هذا هو الذي يفسر وجود ذلك الحيز في قلوبهم لتقبل هذه المفارقة الشاسعة.

قل لهذين الموسيقيين العظيمين أن سوريا تهديكم حبها، ومع الحب تهديكم أول نوتة موسيقية في التاريخ والتي وجدت في أوغاريت محفورة في لوح طيني قبل 3400 عام.

قل لهما أن يبحثا عن روح ذلك السوري الذي أبدعها، فروحه حتماً لن تجد الراحة إلا في فيينا، تماماً كما فعل بيتهوفن وستراوس وموتسارت وهاندن والكثير من عباقرة الموسيقى.

رسالة نسمة سوريا إلى الإسمنت

همست النسمة الرقيقة مرة أخرى وقالت لي: وأنت في حفل العشاء أطلب من الحضور أن ينظروا حولهم ويقدروا جمال المكان وأنكم ستكونون في مكان رائع في فيينا.

ومتأكد ستكونون في قاعة عظيمة مبنية من الإسمنت، أخبر الضيوف أن الإسمنت تم اكتشافه أول مرة في سوريا قبل 6400 عام.

وأشكر الإسمنت النمساوي لقبوله لعب دور المضيف الصامت لهذا الجمع الكريم، بدلاً من أن تنهال على رؤوس أطفال سوريا .

رسالة نسمة سورية إلى لاندشتاينر

طلبت مني تلك النسمة أن أبحث في جنبات فيينا عن روح ذلك العالم الفيزيائي النمساوي العظيم كارل لاندشتاينر الذي في عام 1900 اكتشف مجموعات الدم A و B و AB و O.

أوجد روحه وأوصل له رسالة من روح العالم السوري العظيم ابن النفيس والذي في عام 1242 اكتشف الدورة الدموية.

الرسالة للاندشتاينر هي في الحقيقة سؤال: عزيزي كارل، حين حلّلت مجموعات الدم هل اكتشفت نوعاً من أنواع الدم لا قيمة له؟

هل تستطيع أن تخبر العالم لأي من مجموعات الدم ينتمي الدم السوري؟ أهو حقاً خارج مجموعات الدم A و B و AB و O؟

رسالة نسمة سورية إلى سيجموند فرويد

في هذه اللحظة حيث بدأت أشعر بثقل الرسالة وتعقيدها حاولت أن أختفي، إلا أن النسمة الرقيقة عاجلتني وقالت:

أخيراُ يا أيها الأمل أريدك أن تعثر لي على روح عالم الأعصاب النمساوي العظيم ومؤسس علم التحليل النفسي سيجموند فرويد، واسأله السؤال التالي:

ألست من قال: الحضارة بدأت أول مرة حين ألقى رجل غاضب كلمة بدلاً من حجر؟

إذا كان هذا صحيحاً فبحق الإنسانية رجاءً أخبرنا، هل من الممكن أن ندعوها حضارة تلك التي تسمح لرجل غاضب أن يرمي رصاصة بدلاً من كلمة؟

عزيزي المسافر، على الرغم من أن الموتى لا يعودون أبداً.

ولكن روح سيجموند فرويد قد تفسر لروحك لماذا يقوم أي شخص في العالم بزراعة أو يسمح بزراعة القنابل في الهلال الخصيب في سوريا. والذي هو أخصب البقاع على هذه الأرض؟

قالت لي النسمة: هذه هي رسالتي، ولا بد لك أن تفخر بها، اخترتك لكي توصلها إلى النمسا المجيدة وأنا متاكدة بأنها ستوصلها إلى بقية العالم بكلماتها الخاصة.

حيث أن فيينا تعلم أن سوريا كانت المكان لأول أبجدية وجدت في التاريخ.

رسالة إلى كل العالم

أيها السيدات والسادة نجتمع الليلة على كثير من القيم المشتركة، وخصوصاً قيم الاحترام المتبادل، التفاهم، والصداقة.

نحمل في أرواحنا الكثير من الألحان التي لم تؤلف بعد، والكثير من القصائد التي لم تنظم بعد، والكثير من الأمنيات التي  لم تتحقق بعد، والكثير من الدعوات التي لم تستجب بعد.

نجتمع لأجل مستقبل أفضل وأكثر إشراقاً وإزدهاراً، ولكن هل سيكون هناك مستقبل مشرق بوجود غير مبرر ولا مفسر لكثير من المعاناة، العذاب والألم؟

أيها الأصدقاء إن الله شاهدي أنني أوصلت الرسالة، ورجاء اقبلوا دعوتي لكل فرد منكم ليكون رسول شرف لسوريا.

فسوريا تستحق ذلك، وأنتم أيضاً تستحقون هذا الشرف. فكما قال المؤرخ أندريه باروت:

كل إنسان مثقف له أمتين أمته والأمة السورية

في الختام أود أن أقول مرة أخرى، رامشا تافا، رجاءً، لا تخبروني بأنكم لا تعرفوا معنى هذه الكلمة رامشا تافا.

لأنه وبعد 10 دقائق من الحديث إذا لم تعرفوا المعنى سأتوجه من فوري إلى المطار وأعود إلى الأردن، ولن أقدم أي كلمة في المستقبل.

رامشا تافا مساء الخير وشكراً لكم.

 جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى