السيدة فاطمة الزهراء
في الثالث من شهر رمضان المبارك عام 11 للهجرة كان اشد يوماً حزناً على المسلمين بعد وفاة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، فقد عم الحزن ارجاء المدينة وبكى الرجال والنساء إذ توفيت السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام
فكانت لها رضي الله عنها مكانة عظيمة عند رسول الله صلَّ الله عليه والسلام وكان يناديها بأم ابيها لما كان فيها من الحب والحنان
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ما رأيت أحد كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلَّ الله عليه وسلم من فاطمة
كانت رضي الله عنها اذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبّلها واجلسها في مجلسه وكان اذا دخل عليها صلَّ عليه وسلم قامت إليه، فأخذت بيده فقبلته واجلسته في مجلسها
ولم يكن من النساء إلا اربع والسيدة فاطمة رضي الله عنها إحداها أولاء الاربعة ولمَ حج رسول الله محمد صلَّ عليه وسلم حجة الوداع، مرضَ رسول الله عليه الصلاة والسلام في مرضه الأخير
فسمعت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بذلك حتى هرعت لتطمئن على أبيها وحبيبها عليه الصلاة والسلام، فدعى النبي فاطمة ابنته في شكواه الذي قبض فيه وقال يا فاطمة ان جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر اجلي
فبكت السيدة فاطمة رضي الله عنها، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام وأنك أول اهل البيت الحاقاً بي بعد موتي، ألا تريدين ان تكوني سيدة النساء اهل الجنة؟ فضحكت لذلك
ولمَ كان النبي عليه الصلاة والسلام على فراش الموت ومان رأسه في حجر فاطمة رضي الله عنها فقالت رضي الله عنها وكرباه يا أبتاه فرفع رأسه صل الله عليه وسلم وقال (لا كرب على أبيكي بعد اليوم يافاطمة، لاكرب على ابيك بعد اليوم يا ابنتي)
فلما مات صل الله عليه وسلم بكته فاطمة رضي الله عنها بكاء شديدا وقالت ( يأبتاه أجاب رب دعاه ياأ[تاه في جنة الفردوس مآواه يأبتاه الى جبريل ننعاه) ولما دفن صل الله عليه وسلم أقبلت فاطمة رضي الله عنها على انس بن مالك رضي الله عنه فقالت: ( يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحفو التراب على رسول الله) وبكت وبكى جميع المسلمون
وذكروا قول الله تعالى : (انك ميت وانكم ميتون) ومرضت السيدة فاطمة الزهراء من شدة حزنها على ابيها صل الله عليه وسلم وكانت تذوب رضي الله عنها من حزنها اليه وشوقها اليه صل الله عليه وسلم
حتى جاءت الليلة التي ستفارق فيها الحياة، الليلة التي ستكون فيها مع رسول الله صل الله عليه وسلم، قامت رضي الله عنها متكئة على الجدار واغتسلت بالماء وقالت رضي الله عنها لعلي رضي الله عنه: يا ابن عم انه قد نعيت إلي نفسي وانني لا أرى ما بي الا انني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وانا اوصيك بأشياء في قلبي
فقال علي رضي الله عنه: ( اوصيني بما احببت يا ابنة رسول الله) وجلس عند رأٍسها و أخرج من كان في البيت وقالت: ( ماعهدتني كاذبة ولا خالفتك منذ عاشرتني فقال علي رضي الله عنه ماعاذ الله انت اعلم بالله و ابر واتقى واكرم واشد خوفا من الله وقد عز علي مفارقتك وفقدك الا انه امر لابد منه واللهي لقد جددت علي مصيبة رسول الله صل الله عليه وسلم وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما آلمها وأفجعها وأمضها وأحزنها هذه مصيبة لا عزاء منها و رزية لا خلف لها
ثم بكي جميعا ساعتها واخذ الامام رأسها وضمها الى صدره وقال رضي الله عنه اوصيني بما شئت فإنك تجديني وفيا امضي كل ما امرتني به و اختار امرك على أمري فقالت رضي الله عنها جزاك الله عني خير الجزاء يا ابن عم اوصيك ان تتزوج بعدي فإن الرجال لابد لهم من النساء واصنع لي نعشا يسترني بعد موتي وادفني في الليل اذا هدأت العيون ونامت الابصار يا ابن العم اذا قضيت نحبي فاغسلني ولا تكشف عني فإني طاهرة مطهرة وادفني ليلاً لا نهارا، سراً لا جهارة، وعفَ موضع قبري
يا ابن العم ان انت تزوجت امرأة من بعدي اجعل لها يوماً وليلة واجعل لأولادي يوماً وليلة يا ابا الحسن ولا تصح في وجههم فيصبحوا يتيمين غريبين منكسرين
فإنهما بالأمس فقدا جدهما واليوم يفقدان امهما واني اشهد ان لا إله إلا الله وان محمد عبده ورسوله وان الجنة حق والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور، يا علي انا فاطمة بنت محمد زوجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة
انت أولى بي من غيري، فحنتني وغسلني وكفني بالليل وصلي عليّ ولا تعلم احد واستودعك الله و اقرأ على ولدي السلام إلى يوم القيامة
وكانت عندها اسماء بنت عميس رضي الله عنها وحين حانت ساعة الاحتضار وانكشف الغطاء نظرت السيدة فاطمة ثم قالت اللهم مع رسولك، اللهم في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام. ثم قالت وعليك السلام يا قابض الأرواح عجّل بي ولا تعذّبني. ثم قالت إليك ربي لا إلى النار
ثم غمضت عينيها ومدت يديها ورجليها، فنادتها اسماء فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذ هي قد فارقت الحياة، فوقعت عليها تقبلها وهي تقول يا فاطمة ان قدمتي على ابيكِ رسول الله فأقرأيه السلام عن اسماء بنت عميس.
ودخل الحسن والحسين رضي الله عنهما فوجدا أمهما قد ماتت، فألقى الحسن نفسه عليها يقبلها مرة ويقول يا أماه كلميني قبل ان تفارق روحي بدني واقبل الحسين يقبل رجلها ويقول انا ابنك الحسين كلميني قبل ان يتصدع قلبي فأموت
فخرج حتى ان كان قرب المسجد رفع اصواتهما بالبكاء فبتدرى إليهما جمعاً من الصحابة فقالا قد ماتت أمنا فاطمة فوقع الإمام علي على وجهه يقول بمن العزاء يا بنت محمد؟ بمن العزاء يا بنت محمد؟
وارتفعت اصوات البكاء من بيت الإمام علي فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء وعم الحزن ارجاء المدينة وفاضت المدامع حتى ابتلت لحى الصحابة رضي الله عنهم ألماً وحزناً على فراق آخر ابناء نبيهم
ودهشوا الناس كيوماً قبض رسول الله عليه الصلاة والسلام واجتمعوا النساء في دار فاطمة رضي الله عنها يصرخن ويبكين
واقبل الناس على علي وهو جالس والحسن والحسين بين يديه يبكيان وخرجت ام كلثوم رضي الله عنها وهي تقول يا ابتاه يا رسول الله الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده ابداً
وغسلها علي وكفنها هو واسماء في تلك الليلة ثم نادى يا حسن يا حسين يا زينب يا ام كلثوم هلموا وتزودوا من امكم فهذا الفراق واللقاء الجنة
ثم صلَّ علي على الجنازة ورفع يديه إلى السماء فنادى اللهم هذه بنت نبيك فاطمة اخرجتها من الظلمات إلى النور فأضاءت ميلاً في ميل
فلما هدأت الأصوات ونامت العيون ومضى شطراً من الليل، تقدّم علي بن أبي طالب والعباس والفضل بن العباس ورابعاً يحملون الجسد
وشيعها الحسن والحسين وعقيل وكان اول نعشاً يحدث في الاسلام كان نعش السيدة فاطمة رضي الله عنها
ونزل علي رضي الله عنه إلى القبر واستلم بضعة رسول الله عليه الصلاة والسلام واضجعها في لحدها وقال: يا أرض استودعك وديعتي هذه بنت رسول الله صل الله عليه وسلم بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله محمد بن عبدالله صلَّ الله عليه وسلم سلمتك أيتها الصديقة الى من هو أولى بك مني ورضيت لك بما رضي الله تعالى لك ثم قرأ ” منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى” ثم خرج من القبر وتقدم الحاضرون وأهالوا التراب على تلك الدرة النبوية وسوى علي رضي الله عنه قبرها نسأل الله تعالى ان يغفر لنا ولجميع المسلمين وان يتجاوز عنا من زلاتنا واخطائنا وسيئاتنا اللهم أمين.
اقرأ أيضاً… إرم ذات العماد والمدينة الضائعة! | قوم عاد | النبي هود | حسن هاشم
اقرأ أيضاً… نساء يلعنهم الله ويغضب عليهم ولا ينظر اليهم يوم القيامة؟ حذرنا منهم النبي ﷺ