سنتحدث في هذا المقال عن السيدة الطاهرة العذراء الطيبة الطاهرة التقبة سيدة نساء عالمها مريم بنت عمران من نسل ابراهيم خليل الرحمن عليهم الصلاة والسلام
روي ان زوجة عمران كانت عاقرا لم تلد الى ان عجزت وصارت عجوزا فبينما هي في ظل شجرة ابصرت طائرا يطعم فرخا له فتحركت عاطفتها للولد وتمنته
فقالت: ” يارب ان لك علي نذرا شكرا لك ان رزقتني ولدا ان اتصدق به على بيت المقدس فيكون من سكنته وخدمه ” وقد استجاب لها الله سبحانه وتعالى فحملت واثناء حملها توفي زوجها عمران فولدت مريم عليها السلام
وكانت النساء لا تقوم بخدمة بيت المقدس إذ كانت الخدمة حينها موقوفة على الذكور فأسفت زوجة عمران واعتذرت لله عز وجل وقالت: “ربي اني وضعتها أنثى والله اعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى”
لكن الله سبحانه وتعالى تقبل نذرها وولدت مريم عليها السلام يتيمة الأب فآواها الله عز وجل عند زوج خالتها نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام وكان هذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بمريم عليها السلام ورعايته لها
وشبت مريم وبيتها المسجد وخلوتها فيه وبلطف الله عز وجل بها كان الطعام يأتيها من الغيب فكانت مريم عليها السلام وهي المنذورة المقيمة في المحراب فتاة عابدة قانتة لله في خلوة المسجد
تحيي ليلها بالذكر والعبادة والصلاة والصوم وبقيت معزولة عن الناس تعبد ربها سبحانه وتعالى، قال ربنا جل في علاه : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا
إذ أرسل اليها الله سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام فتشكل على هيئة رجل ثم دخل عليها فخافت منه خوفا شديدا وتفاجئت ثم قالت له قبل أي شيء:
” اعوذ بالله منك فلا تقربني ان كنت تخشى من الله وتتقيه ”
فأجابها جبريل عليه السلام وطمئنها بأنه مبعوث من الله عز وجل ولا يريد بها السوء ولكنه أتى ليرزقها الله عز وجل غلاما بأمره تعالى
حيث قال ربنا سبحانه وتعالى: قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) … لها روحنا: إنما أنا رسول ربك يا مريم أرسلني إليك لأهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا”
فتعجبت وقالت كيف يكون لي ولد ولم يسبق لي الزواج ولم يمسسني بشر فبشرها بأن الولد سيخلق من غير أب ليكون أية للناس على قدرة الله عز وجل
قال الله عز وجل: ( قَالَتْ أَنَّى يَكُون لِي غُلَام وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَر وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ۚ قال كذلك قال ربك هو علي هين ۖ ولنجعله آية للناس ورحمة منا ۚ وكان أمرا مقضيا)
وحملت مريم عليها السلام وبدأ يكبر بطنها وخرجت من محرابها في بيت المقدس الى مكان تتوارى فيه بعيدا عن أعين الناس حتى لا تلفت الأنظار ولا تثير في وجهها الاتهامات
فألجئها المخاض الى جذع النخلة وهي وحيدة تضع حملها ولا أحد الى جانبها يعتني بها ويواسيها وقد اجتمعت كل هذه الهموم والمصاعب على السيدة الكريمة مريم عليها السلام حتى وصل أن تمنت الموت قبل الولادة
ثم بعث الله عزوجل بمعجزة تخلد ذكرها الى يوم القيامة فتكلم عيسى عليه السلام مع أمه بأن لا تحزن حيث جعله الله عز وجل عظيما من عظماء الدنيا وقيل ان الذي تكلم هو جبريل عليه السلام
وقال لها بأن تهز جذع النخلة لينزل عليها رطب فتأكل منه فلما اتت قومها فاستغربوا حملها فأشارت الى طفلها الوليد فاستكروا ذلك لكن الله سبحانه وتعالى أنطقه قائلا: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴿30﴾ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴿31﴾ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴿32﴾ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴿33﴾
أما عن قصة وفاة السيدة مريم عليها السلام لم يوجد لها سند في الاسلام وليس لها اصل صحيح نقف عليه لكن وردت قصة وفاتها في الأثر،
تقول ان السيدة مريم عليها السلام مع ولدها عيسى ظلت دهرا طويلا في الجبل بعيدان عن اعين الناس يتعبدان ويقومان الليل ويصومان النهار يأكلان من ورق الشجر ونبات الأرض ويشربان ماء الامطار
وفي احد الايام نزل عيسى عليه السلام من الجبل يجمع بعض النباتات ليأكل هو وامه إذ هبط ملكنا على السيدة مريم وهي تصلي في محرابها وقال : السلام عليك يا مريم الصائمة القائمة
فخافت ووقعت مغشيا عليها وبعد ان افاقت قالت للملك: من انت يرحمك الله، فلقد اقشعر جسمي وارتعدت فرائسي وذهب عقلي وتلجلج لساني وتغيرت من مخافتك الواني وخررت من خوفك مخشية على وجهي
قال لها: انا ملك الموت الذي لا ارحم صغير لصغره ولا الكبير لكبره ولا الشاب لشبابه، انا هادم اللذّات، انا مفرق الجماعات، انا منغص الشهوات، انا قاطع الامنيات، انا مرسول لقبض الارواح، انا مخرب القصور، انا عامر القبور، انا الذي لا استأذن على احد بدخولي عليه، انا ملك الموت
فقالت له: جئت زائراً أم قابضاً؟
قال: بل قابضة، فستعدي يا مريم
فقالت: يا ملك الموت لا تتعجل حتى يعود قرة عيني وثمرة فؤادي وريحان قلبي وفلذة كبي عيسى
فقال لها: ما أمرني الله تعالى بذلك وانا عبد مأمور من الله تعالى الحي الذي لا يموت
فقالت: يا ملك الموت لقد سلمت امري لله تعالى ورضيت بقضائه
فدنى ملك الموت عليه السلام منها وقبض روحها إلى رحمة الله تعالى
فأمسى عيسى عليه السلام تلك الليلة لم يصعد إلى الجبل حتى دنى وقت العشاء وذكر في آخر تلك القصة لا نعلم صحتها من عدمها ان سيدنا عيسى بعدما علم بموتها نزل بها إلى احد قرى بني إسرائيل ينادي يا بني إسرائيل
انا روح الله عيسى بن مريم ان امي قد ماتت فأعينوني على غسلها ودفنها فنزلت حور العين غسلناها ودفنها رضوان الله عليه ورحمته
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران و آسيا بنت فرعون وان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، فالسيدة مريم من افضل نساء العالمين
اقرأ أيضاً… السيدة فاطمة الزهراء | كيف ماتت؟ ولماذا دفنها الإمام علي سراً؟
اقرأ أيضاً… احياء الموتى | من قصص الأنبياء واحياء النبي عيسى للموتى | مع حسن هاشم