إسلامشخصيات

الصحابي سلمة بن الأكوع الذي كان يسبق الخيل


هل أتاك نبأ الصحابي سلمة بن الأكوع ؟ إنه أعجوبة من أعاجيب الدهر، ونادرة من نوادر الزمان، فهو عداء لا يسبق، ورام لا يخطئ، ومقدام لا يهاب، ومغامر لا تنتهي عجائب مغامراته.

تقرأ أخبار بطولاته، فيخيل إليك، أنها ضرب من الأساطير، وما هي بالأساطير، فقد رواها الشيخان، مسلم والبخاري، وأثبتاها في صحيحيهما.

سلمة بن الأكوع الهجرة إلى الإسلام

كان لدى سلمة بن الأكوع في مكة، أموال وعقار، اعتنق الإسلام، وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف وراءه كل ما يملك.

عمل في المدينة سائساً لفرس طلحة بن عبيد الله، لقاء طعامه، فما كان يريد من الدنيا، غير لقيمات يقمن صلبه، ويستعين بها على طاعة الله، والجهاد في سبيله.

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، بألف وخمسمائة من أصحابه، فيهم سلمة بن الأكوع، يريد العمرة، فلما بلغ قريش نبأ خروجه.

قامت له تريد أن تصده عن البيت، فنزل عليه السلام بمن معه، في الحديبية، وأوفد عثمان بن عفان إلى مكة، سفيراً بينه وبين قريش.

لكن الأخبار ما لبثت أن جاءت بأن قريش، قتلت عثمان، فعزم الرسول صلى الله عليه وسلم، على حربهم، ودعا المسلمين الذين معه، إلى مبايعته على القتال والموت.

مبايعة النبي الكريم على حرب قريش

قال سلمة بن الأكوع: لما دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مبايعته عند الشجرة، بايعته أول الناس، ثم طفق المسلمون يبايعونه، حتى إذا بلغ نحو من نصف الناس.

التفت إلي وقال: بايع يا سلمة، فقلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس، قال: فايضاً، فبايعته الثانية، وعند ذلك رآني عليه السلام، أعزل السلاح.

فأعطاني ترساً أحتمي به، ثم جعل الناس يبايعونه، حتى إذا بلغ آخر الناس، التفت إلي وقال: ألا تبايعني يا سلمة، فقلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس، وفي وسطهم.

قال: وأيضاً، فبايعته الثالثة، ثم نظر إلى يدي، وقال: أين الترس الذي أعطيتك؟ فقلت: يا رسول الله، لقيني عمي عامر، فوجدته أعزل، فأعطيته إياه، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الصلح مع مكة

قال سلمة: ثم إن المشركين راسلونا بالصلح، فاصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، فأتيت شجرة، وكنست ما تحتها من شوك، واضجعت في ظلها.

وما هو إلا قليل، حتى أتاني أربعة من المشركين، علقوا أسلحتهم على الشجرة، واضجعوا قريباً مني، وجلعوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأبغضتهم وتحولت عنهم، خوفاً من أن أستثار، فأبدأهم بقتال، وبينما هم كذلك، إذ نادى منادٍ من أسفل الواد، يالا المهاجرين، لقد قتل المشركون ابن زنيف.

وامتشقت السيف في يميني، ووثبت على أسلحتهم، فجعلتها حزمة في يساري، وشددت عليهم قبل أن ينهضوا، كل ذلك في طرفة عين.

ثم بادرتهم وقلت: والذي أكرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم، لا يرفع أحد منكم رأسه، إلا ضربت عنقه، ثم أوثقتهم، وقرنت بعضهم إلى بعض، وجئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الوصول إلى المدينة المنورة

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مضى بأصحابه، ومعه سلمة بن الأكوع، حتى بلغ المدينة، وما إن استقر بها قليلاً، حتى أمر غلامه رباح، أن يخرج بإبله ليرعاها في البادية.

فعزم سلمة بن الأكوع، على أن يخرج معه، ليرعى فرس طلحة بن عبيد الله، توشح سلمة قوسه، وحمل نباله، وانطلق هو وصاحبه، حتى بلغ مكاناً شمالي المدينة، يقال له الغار.

فأراحا فيه ابلهما وماشيتهما، وباتا هناك ليلتهما، وفي الثلث الأخير من الليل، استيقظ على كتيبة من فرسان غطفان، عدتها ثلاثون فارساً، أغارت على إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فاستاقتها، وقتلت ولداً لأبي ذر الغفاري، كان عند الإبل، قال سلمة بن الأكوع: عند ذلك، قلت لرباح، خذ الفرس، وأده إلى صاحبه، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن المشركين أغاروا على الإبل.

ثم صعدت فوق ثنية الوداع، واستقبلت المدينة، وناديت بأعلى صوتي: واصباحاه، ثم خرجت أعدوا في إثر القوم، حتى غدوت غير بعيد منهم، فوترت قوسي، ورميت واحداً منهم بسهم.

فاستقر في كتفه، فقلت: خذه وأنا بن الأكوع، اليوم يوم الرضع، ثم طفقت أطرادهم وأرميهم، وأنا أقول شعراً، وكانوا في كل مرة، يخلفون وراءهم بعضاً من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأجعلها خلفي وأمضي في إثرهم، فإذا رجع إلي فارس منهم يريد قتلي، كففت عن العدو، والتمست شجرة، وتترست في جذعها، وجعلت أرمه فيرتد عني.

مطاردة المشركين السارقين

ثم ما زلت أطردهم، حتى دخلوا في طريق ضيق، يحيط به جبلين، فتسلقت أحدهما، وجعلت أخيل عليهم الحجارة من أعلاه، فتتساقط فوقهم وبين أيديهم وأرجلهم.

ثم ما فتئت أتبعهم، حتى لم يبق شيء من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا خلوا بيني وبينه، وجعلته ورائي، لكن ذلك لم يثنيني عن مطاردتهم.

فأخذوا يرمون أثقالهم، ليتخففوا منها، فألقوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحاً، فكانوا كلما طرحوا شيئاً، جلعت عليه علامة من الحجارة، حتى يهتدي له رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وخلفته ورائي، ثم أدركهم وأدركني الإعياء، فجلسوا يستريحون ويتغدون، فجلست على رأس جبل غير بعيد عنهم، أنظر إليهم وأرمقهم، وفيما هم كذلك، أتاهم رجل من قوم.

ونظر إلى ما حل بهم وقال: ما الذي أرى؟ فأشاروا إلي، وقالوا: لقينا من شؤم هذا الرجل من لقينا، فوالله ما فارقنا منذ الغلس، وهو يرمينا حتى انتزع منا كل شيء في أيدينا.

قال: فليقم إليه نفر منكم أربعة، فصعد إلي أربعة منهم، فلما اقتربوا مني، بحيث يسمعون كلامي، قلت لهم: هل تعرفونني؟ قالوا: لا، ومن أنت؟ قلت: أنا سلمة بن الأكوع.

والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم، لا أطلب رجل منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني، فقال أحدهم: أنا أظن ذلك، ثم رجعوا عني.

عودة سلمة بن الأكوع مع رسول الله

فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أقبلوا من المدينة، فإذا أولهم الأخرم الأسدي، وعلى إثره أبو قتادة الأنصاري، والمقداد بن الأسود الكندي.

فما إن رآهم القوم، حتى هبوا وولوا مدبرين، فهمّ الأخرم بأن يلحق بهم، فأخذت بعنان فرسه، ووقفت في وجهه وقلت: احذر يا أخرم، أنت تلحق بهم، فيقطعوك عنا، وينفردوا بك.

وتريث حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، فقال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق.

فلا تحل بيني وبين الشهادة، قال سلمة: فخليت سبيله، فانطلق وراءهم، حتى التقى مع مقدم القوم، فعقر فرسه، لكن هذا كر على الأخرم، فطعنه طعنة أردته، فخر سريعاً شهيداً.

قال سلمة: فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم، إني تبعتهم بعد ذلك، أعدوا على رجلي، حتى انفصلت عن فرسان المسلمين، فلا أراهم ولا أرى من غبارهم شيئاً.

فلما دنت الشمس إلى المغيب، أرادوا أن يعدلوا إلى شعب فيه نار، يقال له ذو قرد، ليرتووا منه، فلما رأوني في إثرهم، تركوه فما ذاقوا منه قطرة.

ثم انطلقوا يسرعون، وقد خلفوا وراءهم فرسين، فجئت بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو وصحبه على الماء، الذي دفعت المشركين عنه، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قد أخذ الإبل التي استقتها منهم، ووضع الرمح على كل بردة خلفوها وراءهم، وإذا بلال نحر ناقة، وجعل يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من كبدها وسنامها.

قال سلمة: ولما أصبحنا، نودي بالرحيل، بأردفني الرسول صلى الله عليه وسلم خلفه، على ناقته، ومضيت معه، حتى بلغنا المدينة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى