بديع الزمان النورسي دمشق الجامع الأموي عام 1911 خطبة على المنبر:
إن أجدر شيء بالمحبة هو المحبة نفسها, وأجدر صفة بالخصومة هو الخصومة نفسها, أي أن صفة المحبة التي هي ضمان الحياة الاجتماعية البشرية والتي تدفع إلى تحقق السعادة هي أليقُ بالمحبة.
يقول محمد كولج أحد تلاميذه القائمين على خدمته: في الحقيقة يسألني أحدهم أحياناً: كيف كان هذا الرجل؟
كنت أعرفه لهم قائلاً: كان كالأم شفوقاً كل الشفقة لكل إنسان مظلوم أو معصوم, يحتضن الشباب ويضحي بكل شيء لأجلهم.
هو لم يخالف القوانين, بل حرص كثيراً على أن يبقى على خط الشرعية, المحكمة وكأنها تظهر إصرار الدولة وطاقتها تحكم على بديع الزمان سعيد النورسي وأصدقائه بعقوبة السجن لفترات طويلة متفاوتة.
بديع الزمان النورسي الخروج من السجن
بعد إطلاق سراحهم من سجن آفيون, عاد بديع الزمان وطلابه إلى أمير داغ, وكرسوا جل جهودهم لنشر وتوزيع الرسائل مجدداً.
كان بديع الزمان في السابق لا يستطيع مغادرة المكان الذي ينفى إليه, ناهيك عن التجوال في المنطقة, كان لا يستطيع الذهاب حتى إلى المساجد, ولأول مرة هو حر.
لسوء الحظ لم تدم هذه الراحة طويلاً, حوكم أحد طلابه في المحكمة لقيامه بطبع رسالة مرشد الشباب في إسطنبول ودعي هو الأخر للمحاكمة عن نفس القضية.
كان في الخامسة والسبعين من العمر, ومرة أخرى اتهم بنفس الاتهامات التي لم تتغير طبيعتها منذ سنوات عديدة, انتهت المحكمة بالبراءة مرة أخرى من محكمة إسطنبول للمرة الخامسة, كان ذلك في سنة 1952.
يقول أحد تلاميذه: حين ما كنت طفلاً صبياً في عام 1952 في مدينتي, كنت أخاف أن أقرأ رسائل النور أو أشارك الدروس التي تقرأ فيها رسائل النور, لأنه ممنوع بحيث كانت تأتي الشرطة أو سلطات الأمن ويقبضون علينا, كنا نخاف جداً جداً.
نستطيع القول أن بديع الزمان سعيد النورسي قضى السنوات الأخيرة من عمره متردداً بين كلٍ من أنقرة وإسطنبول وآفيون وقونية.
حالته الصحية لم تكن تسمح له بالسفر, لكن يمكن القول أنه كان مرغماً على ذلك من أجل الخدمة, إضافة إلى ذلك كان يتحمل الرحلة تحت إشراف ومراقبة الشرطة بشكل عام, والمراقبة الصارمة له من قبل الشرطة استمرت حتى وفاته.
في شهر مارس آذار عام 1960 اشتد مرض بديع الزمان سعيد النورسي, وساءت حالته, لم يستطع أداء صلاة التراويح بعد الخامس عشر من رمضان.
جلب إلى مدينة إسبرطة أولاً وقد ارتفعت حرارته جداً من جراء الالتهاب الرئوي, كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل, قال: سنذهب إلى أورفة سنذهب.
كانت هذه الرحلة الأولى والأخيرة بعد خمس وثلاثين سنة إلى الديار التي ولد فيها, وقد وافه الأجل في الليلة التي تربط بين الثاني والعشرين والثالث والعشرين من شهر مارس آذار.
هدوء العاصفة
في الرابعة والثمانين من عمره هدأت العاصفة, ولكن لمدة ثلاثة أشهر ونصف فقط, وبعد ثلاثة أشهر ونصف ستهب العاصفة الديموقراطية على الدولة التركية وتلامذة النور وعلى ضريحه.
إنقلاب السابع والعشرين من مايو آيار, خلق صورةً عميقةً ومدمرةً للغاية في الحياة السياسية التركية, والذي كان سيعدم رئيس الوزراء مندريس وأصدقائه ويدمروا قبره كذلك.
إنه قبري المتهدم, فكبوا فيه من آلام سعيدٍ التي ملئت عمره, وأخر الآلام اكتملت بحجرة القبر على رأسه, تبكي جميعها على خسران العالم الإسلامي, وها أنا أغادر هذه الدار إلى ميدان حشري, بأنين مع حجرة قبري, وأنا أعلم علم اليقين بأن العالم المقبل, ستسلمه يد الإسلام المنيرة مع قارة آسيا, وسيعود عالم الإسلام إلى ربيعٍ ملون الأزهار
اقتباس من حديث النورسي
وفاة بديع الزمان النورسي
دفن في مدينة أورفة بحضرة إبراهيم الخليل, وبعد ثلاثة أشهر ونصف, في إحدى الليالي حوصر قبره من قبل إحدى الوحدات العسكرية.
ويحتمل أن لجنة الثورة قد أخذهم الرعب من قبره حتى بدؤا بتكسير قبره, باستخدام مطرقةٍ كبيرة.
أخرج رفاته من كفنه ثم وضع في تابوت, وفي منتصف الليل وضع في طائرة عسكرية و نقل ونفي إلى مدينة آفيون, ثم إلى مدينة إسبارطة.
النفي من أقدار النورسي لم يتخلى عنه حتى بعد وفاته, مكان قبره لا يزال مجهولاً ولا يزال موضع جدال.
يقول الأستاذ الدكتور ثروت أرمغان متخصص في الدستور جامعة إسطنبول:
كان يقول في وصيته لا أريد أن يعرف مكان قبري, إلا من قبل تلاميذي المقربين.
والمسألة هنا تتمركز على منع الناس من الركون إلى قبره بالخرافات والبدع, وعلى توجيه الأنظار إلى آثاره, وقراءة التفسير المعاصر للقرآن من خلال هذه الرسائل.
“أوصي طلابي أن لا يحمل أحدهم شيئاً من روح الانتقام في قلبه, ولو بمقدار ذرة, وأن يسعوا سعياً جاداً لنشر رسائل النور وليرتبطوا بها ارتباطاً وثيقاً”
ولقد طلابه بوصية أستاذهم بصدقٍ تام, وحظيت تعاليمه التي بدأها بشعار”إنقاذ الإيمان” بقبول فائق وانتشرت إلى أقصى البلاد بعد تركيا.
يقول الأستاذ الدكتور ثروت أرمغان متخصص في الدستور جامعة إسطنبول:
أستطيع القول على سبيل المثال يتم مطالعة كتبه في دروس مسائية كل يوم من أيام الأسبوع, وفي بعض الأمكان تصل من 400 إلى 500 مكان في إسطنبول, يجتمع في هذه الدروس من ثمانية إلى عشرة أشخاص وفقاً لكبر الحي أو المنطقة.
وفي بعض المناطق تصل إلى 300-500-1000-1500 شخص , وخاصة طلاب المراحل الجامعية يأتون بإقبال شديد للإصغاء إلى رسائل النور.
يقول محمد كولج أحد تلاميذه القائمين على خدمته:
هناك مدارس رسائل النور في جميع أنحاء العالم, ومن ضمنها, ماليزيا,أندونيسيا, وباكستان واليابان, وهناك أيضاً إنكشافات عظيمة في جميع الدول الأوروبية.
وفي أغلب مدن الولايات المتحدة الأمريكية ولله الحمد, ونأمل أن يصل العالم أجمع إلى السعادة والسكينة والطمأنينة في هذه الحياة الدنيا, وهذا هو الهدف الأساسي من رسائل النورسي.
حلم مدرسة الزهراء
لم يتحقق حلم مدرسة الزهراء, ولكن الآلاف من أساتذة الجامعات يناقشونه ويناقشون آثاره في كل أنحاء العالم.
“إنكم ستبصرون أشجار الصفصاف والحور المتنامية على ضفاف الجداول والأنهار, من أرض الأناضول كمفاجأة طبيعية”
يمكننا تشبيه التأثير الذي خلقته, ومستوى الإيمان الذي رسخته بهذا تماماً, متواضع إنباتٌ طبيعي, محلي عادي, لكنه قوي ومتماسكٌ بالتربة بإحكام.
تقول عنه شكران واحدة الباحثة في حياة بديع الزمان سعيد النورسي:
في بادئ الأمر حينما كنت في بريطانيا, في عام 1981 أو 1982 اطلعت على بعض رسائل النور إلى الإنجليزية المطبوعة عام 1970 في ذلك الوقت كنت قد سمعت لأول ببديع الزمان سعيد النورسي, فبدأت بقراءتها, لم اكن بعد مسلمة في ذلك الوقت.
وبعد قراءة هذه الرسائل وقراءة القرآن الكريم, أحسست بالشكر والامتنان تجاهه, فتشرفت بالإسلام, ورسائل النور في هذا الصدد كانت مهمة جداً بالنسبة لي.
أتباعه الذين كانوا عبارة عن مجموعة متحدة, واصلوا مسيرتهم كمجموعة ملتزمة بمبادئ الإيمان وقيم الإسلام, ومع مرور الزمن ظهرت تفاسير متفرقة ومناظرات متنوعة في الطريقة والأسلوب.
اليوم يمكن الحديث عن مجموعات أكثر تنتمي إلى نفس العنوان, طلاب النور, والحقيقة المثيرة للاهتمام هي أن مجموعات النور المختلفة تتعامل بوئام وحبٍ شديد مع بعضها البعض.
لا تزال المدارس و المهاجع ودور النشر أخةً بالازدياد, وحتى أولئك الذين ولدوا بعد ثلاثين عاماً من وفاته, يجدون في رسائل النور جاذبية تحرك مشاعرهم وتثير أحاسيسهم.
تقول ليسته شاهين من تلميذات النور أوكرانيا:
بعد أن أسلمت ساعدتني رسائل النور على فهم ديني أكثر, وزادت معرفتي بالإسلام, ودعمتني على فهم بعض القضايا التي كان يصعب علي فهمها, على سبيل المثال عندما كنت أبحث في الإنترنت.
لم أصادف إلا معلومات سطحية فقط, ولكن عندما قرأت رسائل النور أحسست أن رسائل النور عميقة جداً, وكنت أشعر بمزيد من الإقتراب في الموضوعات التي كنت أقرأها.
بديع الزمان النورسي دمشق الجامع الأموي
فليحا الصدق, ولا عاش اليأس, فلتدم المحبة, ولتقوى الشورى , والملام على من اتبع الهوى, والسلام على من اتبع الهدى, آمين.
كان بديع الزمان سعيد النورسي, ابن قروي وحين وافاه الأجل في الرابعة والثمانين من عمره, كان يتقلد العمامة ويرتدي السروال, إنه رجلٌ شعبي لا يغفل عن حمل إبريق الوضوء, والبوصلة وسجادة الصلاة.
ولم يغير مظهره, ولم ينفك هذا الرجل بمظهره البسيط يلقي ضوء الإيمان في قلوب اتباعه, بل يسهم في تخفيف وطأة العلمانية التي سادت المجتمع التركي, منذ بداية تأسيس الجمهورية بطريقة غير مباشرة, ضمن حقوق الإنسان العالمية والنضج الديموقراطي.
إنه الوجه الغريب لتركيا الحديثة, وجميع الدراسات والقراءات الغافلة التركية والمهملة لبديع الزمان سعيد النورسي مصيرها البقاء في النقص وعدم الكمال.
قبره مجهول المكان, إلا إن تعاليمه وذكرياته لا تزال على قيد الحياة, واليوم مع عدم معرفة الأعداد الحقيقة لطلاب النور, يغلب على الظن وجود ستة ملايين من طلاب النور في أنحاء العالم.
المصدر
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com
الجزء الأول
الجزء الخامس