بيان صفات الله تعالى ومعنى نزوله السماء الدنيا
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال عبيد الله رحمه الله: وحدثني عن مالك عن أبي عبيد مولى ابن الأزهر، أبو عبيد مولى ابن أزهر هو أحد محدثي المدينة، توفي سنة 98.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل. فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي.
هذه هي العجلة، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي فيترك الدعاء حينئذ، وهذا الحديث رواه مسلم أيضاً ولفظه في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدعو بإثم ولا قطيعة رحم ما لم يستعجل.
فقالوا: يا رسول الله ما الاستعجال؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يقول قد دعوت قد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء.
هذا هو الاستعجال، والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر أن ربنا سبحانه وتعالى يستجيب لأحدنا ما لم يبطل إجابة دعوته باستعجاله واستحساره وتركه الدعاء.
وهذا قبيح، لأن كأن هذا الداعية يقول في نفسه: قد دعوت قدر ما أستحق إجابة الدعاء، فلم يستجب لي. كأنه حينئذ ينسب ربه إلى البخل. أنه هو كان منه الذي يترتب عليهن إستجابة ربنا وربنا سبحانه لم يفعل. فينسب إلى ربه البخل وهذا غاية في القبح.
ومثله في القبح أن ذلك يدل على ضعف اليقين عند صاحبه وضعف اليقين يلزم منه القنوط وقال ربنا سبحانه حكاية عن إبراهيم عليه السلام قال: ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون
ولعل الإنسان أيضاً يقنط من رحمة ربه من استجاب دعوته لما يعلم من نفسه من التقصير، من المعصية، فينظر إلى تلك المعصية وينظر بإزائها فيما يراه هو عدم الإستجابة فيدعوه هذا إلى القنوط ويربط هذا بذك فيقول إنما لم يستجب لي لأني عاصي.
في هذ يقول سفيان بن عيينة رحمه الله لا يمنعن أحدكم الدعاء ما يرى نم نفسه من التقصير فإن الله عز وجل استجاب لشر خلقه وهو إبليس. قال: رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين.
فاستجاب الله دعوة شر خلقه فلا ييأس أحد من أن يستجيب له ربه، ثم ينبغي أن نعلم ههنا شيء، أن استجابة ربنا سبحانه ليست محصورة في إنجاز هذا المراد لصاحبه.
ليست هذه الصورة الوحيدة التي يقع بها الاستجابة. إستجابة ربنا لها صور.
روى الإمام أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها.
فإذا استعجل الإنسان أبطل على نفسه كل ذلك.
ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا
قال عبيد الله رحمه الله: حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر، وعن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له.
ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الإمام المعروف مات رحمه الله سنة 124 .
أبي عبد الله الأغر هو سلمان الأغر الجهاني مولاهم، أحد الثقاة من رواة ومحدثي المدينة.
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني التابعي الإمام الثقة المعروف تقدمت ترجمته أيضاً مات رحمه الله سنة 94.
قال صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر.
اختلف العلماء في ها النزول المنسوب إلى ربنا سبحانه، مع اتفاقهم على صحته وثبوت النقل به، إلا شذاذاً من المعتزلة والخوارج.
وإلا فالأمة مجمعة على صحة هذا النقل وثبوته. لكنهم اختلفوا في تفسيره.
في تفسير النزول المضاف إلى ربنا سبحانه.
فقالت طائفة: هذا معنى قوله أي ينزل ملك ربنا، ينزل أمر ربنا، تنزل رحمة ربنا.
فهذا عندهم من باب حذف المضاف وإقام المضاف إليه مقامه، وهذا معروف في لسان العرب. قال ربنا سبحانه: واسأل القرية التي كنا فيها أي اسأل أهل القرية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامها.
وهذا التاويل إنما حملهم عليه فرارهم من تشبيه ربنا سبحانه بمخلوقاته، لأنهم قالوا إنا إذا أثبتنا النزول على ظاهره. يترتب عليه أشياء هي من شؤون المخلوق لا من شؤون الخالق.
يقولون: لأنك قلت ينزل ربنا واثبت هذا النزول على ظاهره، معناه أن هناك مكاناً ينزل منه، ومكاناً ينزل إليه، فذلك المكان الذي نزل منه فرغ منه، والمكان الذي نزل إليه امتلأ به.
قالوا هذا مستحيل في حق ربنا، ربنا سبحانه هو خلق المكان فكيف يحويه مكان ويمتلئ ويفرغ. هذا إنما هو مما يتعلق بمخلوق وربنا سبحانه ليس كمثله شيء فلا بد من تنزيه الرب سبحانه عن مشابهة المخلوق.
فهذا الذي حملهم على التأويل ينزل ربنا فقالوا تنزل رحمة ربنا أو أمر ربنا أو ملك ربنا.
قال البيضاوي رحمه الله وهو أحد أئمة الشافعية من المتكلمين: لما قامت القواطع أي الأدلة القاطعة، على استحالة الجسمية والتحيز على الله.
يعني أن ربنا سبحانه ليس جسماً كالأجسام، هذا مستحيل في حقه لأنه سبحانه ليس كمثله شيء.
والتحيز هو الذي فسرته لكم أنه كان في حيّز ونزل منه إلى حيّز ففرغ منه حيز وامتلاً منه حيز، قامت القواطع عن امتناع ذلك على ربنا.
قال الشيخ رحمه الله: امتنع حينئذ النزول على معنى الانتقال من مكان الى مكان أخفض منه، وذكر هذه التأويلات التي ذكرنا لكم وهذا القول قول عامة المتكلمين من علماء المسلمين وتبعهم فيه أيضاً بعض أهل الحديث وعضد هذا الذي ذكروه بأنه ورد عاضد له في السنة وهو ما رواه النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر منادياً ينادي فيقول هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى؟ وهذا حديث صحيح الإسناد وفيه ثم يأمر منادياً ينادي فيقول. ولكن مع ذلك فقد حكم عليه بعض أئمة الحديث بنكارة متنه لأن روايته مخالفة لرواية الأكثرين التي فيها ينزل ربنا. وقد أطال الحافظ القاضي ابو بكر بن عربي رحمه الله في شرحه على سنن الترمذي في تقرير هذا المذهب وكأني به قد عرّض بابن عبد البر رحمه الله الذي أطال في تقرير عكسه
هذا القول الثاني
ذهبت طائفة أخرى من العلماء إلى عدم تأويل هذا الحديث وإجرائه على ظاهره الذي يفهمه العرب وقت نزول الوحي قالوا ينزل ربنا سبحانه تبارك وتعالى كما قال ولكن لا نقول كيف ينزل.
وهكذا صنعوا في سائر الصفات التي يتوهم منها مشابهة الخالق سبحانه لمخلوقاته، فإذا قرأوا مثلاً وجاء ربك والملك صقاً صفاً قالوا يجيء الله سبحانه كما قال ولا نقول كيف.
وإذا قرأوا فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاء قالوا تجلى سبحانه كما قال ولا نقلو كيف. وإذا قرأوا يوم يكشف عن ساق يقولون له ساق كما قال سبحانه ولا نقول كيف.
وإذا قرأوا ما منعك أن تسجد لما خلقته بيدي قالوا له يدان سبحانه كما قال ولا نقول كيف وهلم جراً.
وهذا الذي قال فيه الإمام مالك رحمه الله كلمته المشهورة لما سئل عن الاستواء، وتبعه عليها سائر العلماء.
روى القاضي عياض رحمه الله في مداركه عن سفيان بن عيينة، قال سأل رجل مالكاً فقال: على العرش استوى؟ كيف استوى يا أبا عبد الله؟ قال سفيان: فأطرق مالك ملياً، حتى علاه الرحظاء، جعل جبينه يتصبب عرقاً من فرط التفكير في هذا الأمر الذي فدحه ولم يسأل عنه قط قبل، كيف استوى؟ فأطرق مالك ملياً، حتى علاه الرحظاء، وما رأينا مالك وجد من شيء وجده من مقالته، وجعل الناس ينتظرون ما يامر به، ثم سري عنه فقال: الاستواء منه معلوم والكيف منه غير معقول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة لم يسألها أحد قط قبلك وإني لأظنك ضالاً أخرجوه عني.
فمقالة مالك هذه أسندوها في كل الصفات، ينزل ربنا سبحانه النزول منه معلوم والكيف منه غير معقول والإيمان به واجب، وجاء ربك والملك المجيء منه معلوم والكيف منه غير معقول والإيمان به واجب.
يضحك ربك الضحك منه معلوم والكيف منه غير معقول والإيمان به واجب وهلم جراً.
قالوا: وأما ما قاله أهل المقالة الأول إن إجراء اللفظ على ظاهره يفهم منه التحيز ويفهم منه الجسمية ويفهم منه فراغ مكان وملء مكان، هذه اللوازم كلها إنما في حق نزول المخلوق هؤلاء الذين يثبتون اللفظ على ظاهره لا يقولون أن ربنا ينزل كما ينزل المخلوق، لا، إنما يقولون ينزل نزولاً لا نعلمه لكن قطعاً ليس كنزول مخلوق بملء حيز وإفراغ حيز.
قال بن عبد البر رحمه الله، وهذا الكلام لابن عبد البر لا بد أن أقدم منه شيء لتفهموه، عندما نقول هذا مستحيل في حق الله لماذا نقول مستحيل؟ لأن الله سبحانه خلق المكان، عقولنا لا تتعقل غلا شيئاً في مكان.
كيف تفهم شيئاً وجد قبل ان يخلق المكان، ربنا سبحانه موجود قبل أن يخلق المكان، الفوق والتحت والسماء الدنيا والسماء العليا والعرش، ربنا موجود قبل أن يخلق المكان.
وربنا موجود قبل أن يخلق الزمان، هذه كان ويكون وسيكون كلها متعلقة بالزمان وربنا سبحانه موجود في الأزل قبل خلق الزمان والمكان.
يقول ابن عبد البر رحمه الله: قد علم المسلمون، وكلٌ يعقل، أي من المسلمين ومن غيرهم، أن العقل لا يعقل شيئاً ليس في مكان،العقل لا يعقل كائناً ليس في مكان، ما ليس في مكان هو المعدوم عندنا.
وقد قال بالواضح من الدليل أن الله سبحانه كان في الأزل قبل خلق المكان وربنا سبحانه ليس بمعدوم، فإذن كيف يجري شبه بينه وبين شيء من مخلوقاته، مستحيل.
النقاش بين أهل المذهبين طويل جداً، لكن أظهر المذهبين هو الثانين الذي يحكيه ابن عبد البر رحمه الله أنه يثبت للرب سبحانه ما أثبته لنفسه على أفق ما تفهمه العرب زمان نزول الوحي من غير التكييف، ولا نعلم كيف هذه.
ولتفهموا أنه لا يمكن أصلاً أن تعرف الكيف، الكيف هي كيف الشيء، كيف صفة الشيء، مرتبطة دائماً بكيف ذات الشيء.
الآن عندما تقول نزلت أنا من شطح الدار إلى داخل الدار، هل يشكل عليك كيف نزل وأنه كنت فوق ففرغ الفوق مني وامتلأ مني صحن الدار.
لكن إذا قلت نزل المطر هل تفهم من نزول المطر تشابه بينه بين الإنسان من نزوله من فوق إلى أسفل؟
فإذا قلت نزلت درجة الحرارة، هل تفهم منه ما تفهمه من نزول المطر؟ لكنك في ذهنك لديك تصور لدرجة الحرارة فتفهم كيف تنزل، لديك في ذهنك صورة لنزول المطر فتفهم كيف نزوله.
لديك في ذهنك كيف نزول الإنسان فتفهم صفة نزوله.هكذا قل في سائر الصفات.
فإن قلت لك هات يدك أصافحك، هل يشكل عليك كيف هي صفة يدي، لا لأنك تعرف كيف ذاتي، فيدي ملائمة لذاتي.
لكن إذا قلت يا فلان نزيد أن نصنع شاياً فأعطني الإبريق، فمددت إلي الإبريق فقلت لك أعنيه من يده، هل تفهم أنت أن يد الإبريق لها خمسة أصابع؟ ولها بان وأظافر؟
لا يشكل عليك معرفة يد الإبريق لأنك عرفت ذات الإبريق. لكن كيف صفة الله سبحانه، من هذا يقولها؟ لا سبيل لمعرفة صفة الله سبحانه لأنه لا أحد يعرف كيف ذات الرب سبحانه.
وهذا هو الذي يشير إليه شيخنا رحمة الله عليه محمد ساري بن عبد الودود الهاشمي الشنقيطي بقوله في منظومته التي نظم فيها مختصر خليل فقد قدم لها بأبيات في العقائد، يقول:
وما نقول في صفات قدسه فرع الذي نقول في نفسه
فإن يقل جهميهم كيف استوى، كيف يجيء، فقل كيف هوا
إن أجبتني كيف هو أجبتك كيف يجيء؟ كيف استوى هل يجيبني ؟ إذن لا أجيبك.
لافرق بين سميه يعد وصفاً لنا كعلم أو جزءاً كيد
الباب في الجميع واحد فلا تكن معطلا ولا ممثلا
وهذا المذهب يقول فيه ابو عبد البر رحمه الله: قد اتفق المسلمون،يقصد أئمة الأمة، قال: قد أجمعوا على الإيمان بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والتصديق بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز لكنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك ولا يشبهونه ولا يمثلونه بأحد من خلقه.
ورواه الترمذي في سننه ونسبه إلى الراسخين في العلم، وحكاه مذهب مالك وغيره، قال الترمذي في السنن، وقال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث ونحوه من أحاديث الصفات ونزول الله تبارك وتعالى في السماء الدنيا، غنه ثبتت هذه الروايات فيؤمن بها ولا يتوهم أنه نزول بملء فراغ وشغل فراغ وكأنه نزل كذا وكذا، لا تتوهم يؤمن بها ولا يقال كيف. وهذا مروي عن مالك ويقول الترمذي وسفيان بن عيينة وعبد الله بن مبارك جميعاً يقولون أمروها بلا كيف.
وهذا الذي يقول فيه أبو زيد القيرواني مالك الصغير عندما يقول في كتابه النوادر والزيادات يقول: ولا ينبغي لأحد أن يصف الله عز وجل إلا بما وصف به نفسه.
ولا يشبهه بشيء كذلك وليقل له يدان كما وصف به نفسه وله وجه كما يصف به نفسه ويقف عندما في الكتاب لأن الله عز وجل لا مثل له ولا شبيه له ولانظير له.
وهذا الذي يقول فيه الإمام أبو عمر الداني الأندلسي المالكي المشهور في أرجوزة الطويلة المعروفة بالمنبهة يقول في هذا الصدد:
ومن صريح السنة الإقرار بكل ما صحت به الآثار
ومن صحيح ما أتى به الأثر وشاع في الناس قديما ً وانتشر
نزول ربنا إلى السماء في كل ليلة بلا امتراء
بغيرما حد ولا تكييف سبحانه من قادر لطيف
وهذا الذي يقول فيه الشيخ محمد سالم رحمة الله عليه في قضية كيفية النزول يقول:
والى دنيا السما ينزل كل ليلة لا مثلما
ينزل مخلوق بإخلا حيز منه وشغل حيز فميّز
فهو العلي لا تحده جهة ضل المعطلة والمشبهة
بقي هنا شيء، لابد من بيانه لننتهي من هذا البحث، قلت لكم إن المتكلمين من أئمة المسلمين وعلمائهم رحمة الله عليهم جميعاً، يقولون أن هذه الأحاديث وأمثالها ينبغي صرفها عن ظاهرها.
لأن ظاهرها يلزم منه مشابهة الخالق بالمخلوق وقلنا أن طائفة المحدثين يقولون أنه يجب إثباتها على ظاهرها، وهذا الظاهر ظاهران، وكلاهما يتحدث عليهما العلماء.
مثلاً عندما يقول المقري في إضاءة الدجنة وهي منظومة طويلة في عقائد أهل السنة على مذهب الأشاعرة رحمة الله على الجميع، يقول رحمه الله:
واللفظ إن أوهم غير اللائق بالله كالتشبيه بالخلائق
فاصرفه عن ظاهره إجماعا واقطع عن الممتنع الأطماعا
مثاله في كلامنا هذا وها الحديث أن اللفظ إن أوهم غير اللائق بالله كالتشبيه بالخلائق يعني النزول هنا يجب صرف هذا اللفظ عن ظاهره.
فالمقري رحمه الله يرى أن ظاهر هذا اللفظ هو نزول كنزول المخلوق، وطبعاً هذا الظاهر يجب أن يصرف عن الله تعالى لأن الله سبحانه منزه عن مشابهة مخلوق.
فالظاهر بهذا المعنى يجب أن يصرف عن صفة الله سبحانه. والظهار الذي يقول العلماء يجب إثباته هو الظاهر الذي يفهمه أهل اللسان العربي وقت نزول الوحي.
لأن قلت لكم الظاهر ظاهران، ظاهر يفهمه أهل اللسان زمن نزول الوحي بسليقتهم، وظاهر يفهمه من ليس من أهل السليقة من أهل اللغة. إنما هو من أهل التكلف يتعلمها.
فهذا يفهم الظاهر بقياسه على الظاهر عند المخلوقين فينفيه، والظاهر الذي يفهمه أهل اللسان وقت نزول الوحي هذا هو الذي يثبت.
فالمحل غير متحد لكن المشكل ما هو، المشكل هو عندما يقول الذين يصرفون الأمر عن ظاهره إن اللفظ لا ظاهر له إلا ما فهمناه. وهذا هو المشكل.
ثم هذا ينقضه الدليل القاطع وهو أن هذا الظاهر لم يفهمه أحد من الأولين، لا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا أبو جهل ولا أبو لهب ولا أمية بن خلف ولا عقبة.
لماذا قلت لكم الدليل القاطع؟ لأننا علمنا أن هؤلاء جميعاً سمعوا هذه الآيات، هل جاء أبو بكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له أشكل علي هذا الذي نزل في القرآن الكريم، إشرحه لي؟
كيف يقول ربنا في القرآن ليس كمثله شيء، وينزل في القرآن الرحمن على العرش استوى، وجاء ربك والملائكة صفاً صفا، هذا فعل تفعله الأشياء التي ربنا ليس مثلها.
لم يشكل عليه، وكذلك عمر وعثمان وعلي وسعد وسعيد وعبد الرحمن والزبير وغيرهم، لماذا لم يشكل عليهم؟ لأنه لم يفهموا من ذلك ما فهمه من ليس من أهل اللغة سليقة.
أبو جهل الذي كان حريصاً على هدم القرآن وعلى بيان الاختلاف فيه، لأن ربنا يتحداهم ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا .
لو رأى أن هذا اختلاف من القول في القرآن، كيف يقول الرحمن على العرش استوى ويقول ليس كمثله شيء؟ فلو كان أبو جهل فهم هذا الذي فهمناه نحن الذين لسنا من أهل السليقة لقال القرآن فيه تناقض.
بينما هو ينزه عن مشابهة المخلوق إذا به يشبه بمخلوق لأن هذا هو الظاهر، هل جاء أبو جهل يفعل هذا؟ لا، إذن هذا نستدل به على ماذا؟
نحن لا نقول هذا فهم ابي بكر، نحن نقول هذا فهم أبي بكر وأبي جهل، هذا فهم العرب زمن التكلم بالوحي، هذه العربية، فلم يفهموها على الظاهر، ولهذا هذه مسألة مهمة جداً.
قال الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمة الله عليه في منظم له في هذه المسألة يقول:
الظاهر الذي عليه نبقي موهم تشبيه برب الخلق
لأن هذه الآيات والأحاديث ليس ظاهرها يفيد التشبيه إنما موهمها ما تتوهمه منها لا ما تفهمه منها.
قال رحمه الله:
الظاهر الذي عليه نبقي موهم تشبيه برب الخلق
هو الذي أهل اللسان فهموا إذ نزل به الوحي عليهم
فلا أبو بكر لخير الرسل يقول أشكل علي إشرحه لي
ولا أبو جهل يقول اختلفا أثبت ما من التمائل نفا
وهو الذي في قول باب المرتضى سيفل ذو عضب الحسام المنتضى
ما أوهم التشبيه في آيات وفي أحاديث عن الثقات
فهو صفات وصف الرحمن بها وواجب بها الإيمان
ثم على ظاهرها نبقيها ونحذر التأويل والتشبيها
إلى آخر ما قال رحمة الله عليه.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا
هذا الحديث وأشباهه المراد بذلك سوى ما تستفيده من العقيدة ثمرة ذلك، عندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم أن ربنا ينزل في ثلث الليل الأخير، وينادي هل من داع هل من سائل..
معنى هذا الحض على أن تكون من القائمين في تلك الساعة لا ينبغي أن تأتيك تلك الساعة وأنت من جملة النائمين الغافلين عن دعوة ربهم وعن ندائه لأن هذا الحديث واشباهه صار مثاراً للنقاش والجدل هذا يقول شيئاً وذاك يقول ويختصمان وبعد ذ1ذلك الجميع ينام
إذا نزل ربنا لا هذا الذي يقول تنزل رحمته وينزل ملكه ولا هذا الذي يقول ينزل ربنا نزولاً يليق به، أكثرهم ينام فما ثمرة هذا الحديث عندك؟ ثمرته جدال ونقاش وخصومة اين ثمرته؟
كان الصالحون يفرحون بمثل هذه الأحاديث لأنها تشجعهم على مكابدة القيام في الأسحار عندما يسمعون هذا الحديث يخفون من فرشهم قائمين متذللين بين يدي ربهم في هذه الأسحار كأنما يسمعون ربهم ينادي هل من سائل فيقولون أنا فيقول ربنا هل من مستغفر فيقول أنا هل من داع فيقول أحد أنا.
عندما يسمعون قول ربهم: إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قيل ذلك محسنين*كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون .
فتجدهم في الأسحار قائمين مستغفرين مصلين باكين خاشعين متذللين، عندما يسمعون قول ربهم:
قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد*
الذين يقولون ربنا إنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار* الصابرين والصادقين والقانطين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار*.
نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وباسمه الأعظم أن يسلكنا في جملة هؤلاء الصالحين،نسأل الله سبحانه أن لا يحرمنا شرف المثول بين يديه في تلك الساعة.
شرف التذلل بين يديه والإزدلاف إليه والإطّراح على أعتابه بسبب ما اقترفنا من سوء الكسب، آمين.
من يدعوني فأستجيب له
يقول سبحانه من يدعوني فأستجيب له. هذا الحرف روي بوجهين:
من يدعوني بالواو بعد العين وعليه فتكون من استفهامية.
وروي من يدعني بالجزم بحذف الواو فتكون من شرطية.
على رواية الواو وإثباتها من يدعوني يكون جواب من الاستفهامية منصوباً، وعلى الجزم من يدعني يكون الفعل مرفوعاً وجواب من هو الجملة الإسمية فأنا أستجيب له في محل جزم جواب الشرط.
وهذا مثله في القرآن: (ومن عاد فينتقم ). ( ومن كفر فأمتعه ). ( ومن يؤمن بربه فلا يخاف ).
ما زال في هذا الموضع بحث نتركه إلى لقاء آخر إن شاء الله. سبحان الله وبحمده أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك والحمد لله رب العالمين.
الشيخ سعيد الكملي / بيان صفات الله تعالى