تجربة دولة البرازيل من أنجح التجارب الاقتصادية الحديثة، والتي جعلت البرازيل سابع أغنى دولة في العالم حالياً، وقوتها السياسية ونفوذها الدولي على أعلى المستويات، ومهما تعرضت اليوم إلى الأزمات، فلا يمكن أن تعود ولو 10% مما كانت عليه قبل اليوم.
نشأت دولة البرازيل
منذ عام 1930 إلى عام 1975 حكمت البرازيل بشكل سيء من قبل الحكم العسكري، وهيمنت رجال الأعمال الذي كانوا يساندونه، وكان وضع الشعب حينها سيء جداً.
كثرت الاحتجاجات والثورات، وقوبلت من السلطة بالتخوين، والشعب البرازيلي من أكثر شعوب العالم اجراماً، لأن الحكم العسكري الذي نشر الفساد في البرازيل سابقاً.
جاء بجيل جديد في البرازيل لم تعجبهم طريقة العيش السلمية، التي كان آبائهم يعيشونها، فاتخذوا طريق التسليح لحماية أنفسهم.
وقامة الحرب الأهلية وطحنت فلول العسكر ورجال الأعمال، وتأثر المواطن البرازيلي بشكل كبير، تضررت دولة البرازيل ولم يعد هناك أموال في خزينة الدولة.
لدرجة أن البنك الدولي رفض تسليف المال إلى دولة البرازيل، بعد أن تضاعف الدين العام إلى 900%، ثم أتى حكام مدنيين ديمقراطيين منذ عام 1985 إلى عام 2003.
حاول هؤلاء الحكام أن ينهضوا بدولة البرازيل، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل، لأن الفقر المدقع كان متغلغلاً في الدولة، وقيمة العملة البرازيلية كانت في انخفاض، حتى جاء الرئيس لولا دا سيلفا.
رئيس دولة البرازيل لولا دا سيلفا
لولا داسيلفا ولد فقيراً ودخل في المجتمع الإجرامي، وشاهد بعينيه ظلم الاعتقال وبطش الجيش، ومأساة المواطن الذي يموت من الجوع حرفياً.
عندما استلم لولا دا سيلفا السلطة، اعتقد رجال الأعمال أنه سينتصر للفقراء الذي ينتمي إليهم، والفقراء أيضاً اعتقدوا أنه سيدخل في السلطة وينسى ما حصل له في الفقر.
ولكنه لم يفعل ذلك، بل إنه حاول طمأنة جميع فئات الشعب وتقرب من الفقراء وتساهل مع الأغنياء، ووضع في فكره أن الدولة منظومة متكاملة.
فلو وقع رجال الأعمال الأغنياء وخسروا، فإن الملايين من المواطنين سيخسرون معهم أيضاً، والشركات والمصانع والمزارع التي يملكها هؤلاء.
خطة التقشف الناجحة
وضع لولا دا سيلفا خطة تقشف في كامل خدمات ومصروفات الدولة، فلا يوجد شيء اسمه رفاهية أو مصروف زائد عن الحد، وتم الاستغناء عن أي مصروف غير مفيد.
الإعانات الاجتماعية المباشرة
وضع برنامج في الموازنة العامة في الدولة، وهو الإعانات الاجتماعية المباشرة، حيث تم صرف رواتب مالية للأسر الفقيرة.
فرفع الدعم عن السلع والمنتجات، وأعطى الفقراء مالاً يصرفون منه في السوق، حتى وصل عدد المستفيدين من هذا البرنامج 11 مليون أسرة.
أي 64 مليون شخص بحدود 33% من تعداد الشعب البرازيلي، وكان متوسط الدعم الذي تأخذه الأسرة الواحدة 735$ شهرياً قبل تلك الخطة.
رفع الضرائب
رفع لولا دا سيلفيا الضرائب عن جميع الشعب، عدا الأسر المدعومة في برنامج الإعانات الاجتماعية، وبالتالي فإن الذي سيدفع الضرائب هم رجال الأعمال والطبقة الغنية، والطبقة فوق المتوسطة.
وهنا وللتسهيل على رجال الأعمال، خفض هامش الربح من البنك، حيث أنه تم تقليل الفوائد الكبيرة التي يدفعها رجل الأعمال للبنك في حالة سحب المال.
ما هي النتائج التي حصل عليها لولا دا سيلفيا؟
أعاد لولا دا سيلفيا 2 مليون مهاجر برازيلي من دول العالم، وساهم بإدخال 0.5 مليون مستثمر أجنبي إلى البرازيل لاقامة المشاريع.
وكسبت البرازيل 200 مليار دولار عن طريق الاستثمارات المباشرة في عام 2011، وهذه المشاريع جعلت صندوق النقد الدولي مديوناً لدولة البرازيل ب 14 مليار دولار.
وكل هذا كان بعد خمس سنوات من حكم لولا دا سيلفا، ففي السنوات الأولى من حكمه قام بإصلاحات كبيرة، وأزال عوائق كثيرة أمام القطاع الزراعي واستخراج المواد الخام.
فأصبح الجميع يزرعون ويستخرجون المواد الخام، ولكن على شرط أن البيع يكون للدولة فقط، والدولة تصدر المواد الخام دون صناعة لأنه لم تكن هناك مصانع.
ولكن على الرغم من ذلك استطاعت الدولة سد العجز بالمدفوعات، عن طريق تصدير المواد الخام فقط، مثل البترول والمعادن والبن والخضار والفاكهة والدواجن واللحوم.
ومن ثم دخلت الدولة في الصناعة من الأصغر إلى الأكبر، حتى وصلت إلى صناعة السيارات والطائرات، واليوم شركة امبراير البرازيلية تمثل 73% من أسطول شركات الطيران الإقليمي في الولايات المتحدة الأمريكية.
العملة البرازيلية
عملة البرازيل كانت كروزيرو في حكم الجيش، حتى أن الدولار الواحد كان يساوي منها 11 ألف، ومن ثم تغيرت العملة إلى عملة انتقالية سميت الريال البرازيلي.
وكلما تحسن الاقتصاد كانت العملة ترتفع، حتى أصبح الريال البرازيلي الواحد يساوي 2750 كروزيرو، ثم انتفض قطاع السياحة وبقوة، ووجدت البرازيل أنهم مشهورين دولياً بشيئين قويين، كرة القدم ورقص السامبا.
الأولمبياد والسامبا وكأس كرة القدم
وهنا ظهرت سياحة المهرجانات، فكانت مهرجانات يأتي إليها تقريباً معظم الشعب البرازيلي، واستقبلت من جميع أنحاء العالم الكثير من السائحين لمشاهدة المهرجانات.
إلى جانب أن البرازيل هي من أجمل دول العالم من حيث طبيعتها الخلابة، فاستغل البرازيليين هذا وكسبت الدولة 5 مليون سائح سنوياً.
والبرازيل أصبحت قوة اقتصادية لا يستهان بها حيث أقامت منظمات اقتصادية، وجمعت مجموعة من الدول مثل باراغواي وأوروغواي وفنزويلا وبوليفيا، بما يسمى الحلف الاقتصادي العالمي.
ثم تم انشاء مجموعة البريكس مع روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا، فكان الناتج القومي في هذه الدول، يساوي الناتج القومي في الولايات المتحدة الأمريكية.
والذي حدث أن لولا دا سيلفا، بدأ يضغط على الأمن الدولي للحصول على مقعد دائم به، لتكون له القوة الكبيرة.
هل نجحت البرازيل حقاً في أن تكون دولة قوية
نعم نجحت فعلاً، وهذا لأنها قامت على أساس الدولة المدنية، ولأن كل الشعب في هذه الدولة شعر بأن عليه مسؤولية الرفع من شأن وطنه، دون الشعور بأنهم يحصلون على امتيازات كبيرة.
والذي فعله لولا دا سيلفا هو احتواء للشعب البرازيلي كله، وبرنامج التقشف الذي أتعب الشعب، إلا أنهم أحبوا تطبيقه لأنهم رأوا النتائج التي ظهرت على الأرض.
واستطاعت البرازيل عن طريق الشعب والرئيس والحكومة، أن تنتقل في خلال ثمان سنوات، من دولة فقيرة إلى سادس أغنى دولة في العالم.
فهي تتخطى بريطانيا وتنافس أمريكا على كأس العالم لكرة القدم، وقد نظم لعدة مرات على أرضها في البرازيل، وقد نافست اسبانيا في الأولمبياد أيضاً، ووصلت إلى دفع المال إلى البنك الدولي، الذي كان له ديون في كل الدول الأخرى.