إسلامشخصيات

ترجمة سيد التابعين: سعيد بن المسيب رحمه الله



 

هو سعيد بن المسيب بن حزن أبي وهب بن عمر القرشي المخزومي واسم أبيه فيه لغتان، المسيب بالكسر والمسيب بالفتح، والكسر لغة أهل المدينة والفتح لغة أهل العراق.

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سعيد بن المسيب هو أحد أعلام أهل المدينة بل أعلمهم بلا منازع، وهو شيخ أهل المدينة في زمانه وسيد التابعين في زمانه.

قصة جد سعيد بن المسيب حزن مع رسول الله

وجده حزن صاحبي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغير اسمه فأبى فأبقى الله عليهم بعدما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغير اسمه له.

فقد روى البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب عن أبيه، ويقصد حزن، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما اسمك؟ قال حزن.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت سهل. فقال حزن: لا أغير اسماً سمانيه أبي. وفي رواية خارج الصحيح، قال: لا، السهل يمتهن ويوطأ. قال سعيد بن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعد.

والحزونة غلظة في الخلق، والحزن ما غلظ من الأرض يسمى حزناً مقابله السهل من الأرض، ويستعار لغلظة الخلق.

فقال بن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعد. أي لما رد جده بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخبار ورعه وعلمه

سعيد بن المسيب كان واسع العلم كثير الرواية، يحكي عن نفسه يقول: ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر مني. وكان يفتي وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياء.

وذكر عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال: هو والله أحد المفتين، وقال علي بن المدين: لا أعلم أحداً من التابعين أوسع رواية من سعيد بن المسيب هو عندي أجل التابعين.

وكان إلى كثرة علمه وسعة رواياته كثير العبادة، فقد روي أنه حج أربعين مرة، وكان لا يدركه الأذان إلا وهو في المسجد.

وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يعظمه، ولا يقضي بقضاء إلا بعد استشارته، وأرسل إليه مرة إنساناً فجاء بسعيد بن المسيب فقال عمر: أخطأ الرسول، إنما أردنا أن يسألك وأنت في مجلسك.

وكان سعيد بن المسيب رحمه الله مزوراً عن بني مروان، كان له عطاء من بيت المال، بضع وثلاثون ألفاً، فكان إذا دعي إليها ليأخذها قال: حتى يحكم الله بيني وبين بني مروان.

قصته مع عبد الملك بن مروان في المدينة

وقدم مرة عبد الملك بن مروان وكان خليفة، قدم المدينة، أراد أن ينام في وقت القائلة فامتنع عنه النوم، فقال لحاجبه: إذهب إلى المسجد وانظر هل ترى أحداً من حدّاثنا.

فذهب الحاجب فوجد سعيد بن المسيب في حلقته، فقام في موضع بحيث يراه سعيد بن المسيب وأشار إليه، فلم يتحرك سعيد، فظن الحاجب أنه لم يفطن لإشارته.

فأتاه حتى دنا منه وغمزه، وقال له: ألم ترني أشير إليك؟ فقال له سعيد بن المسيب : ما حاجتك؟ فقال: أجب أمير المؤمنين.

قال: أأرسلك إلي؟ قال: لا، ولكن قال انظر، هل تجد أحداً من حدّاثنا في المسجد. ولم أرى أحداً أهيأ منك. قال سعيد: اذهب، وقل لأمير المؤمنين لست من حداثه.

فذهب الحاجب وهو يقول: ما أرى هذا الشيخ إلا مجنوناً. فلما أخبر بذلك عبد الملك بن مروان، قال: ذاك سعيد بن المسيب فدعه.

قصته مع عبد الملك بن مروان في الحج

وجاء مرة عبد الملك بن مروان ليحج، فلما حج وذهب إلى المدينة، وقف على باب المسجد فإذا سعيد بن المسيب في حلقته، فأرسل إنساناً وقال له: قل لسعيد، أريد أن أكلمك ولا تحركه.

فذهب الرسول إلى سعيد بن المسيب، فقال له: أمير المؤمنين بالباب يريد أن يكلمك. فقال سعيد للرسول: ليس لأمير المؤمنين إلي حاجة. وليس لي حاجة إلى أمير المؤمنين.

وإن حاجته إلي غير مقضية. فذهب الرسول، وأخبر عبد الملك بن مروان بلك. فقال له: اذهب وقل له إنما أريد أن أكلمه ولا تحركه.

فرجع الرسول إلى سعيد، فقال له ما امره به أمير المؤمنين، فرد عليه مثل رده الأول، فقال الرسول: والله لولا أنه تقدم إلي فيك ما رجعت إليه إلا برأسك.

أقول لك أمير المؤمنين بالباب، يريد أن يكلمك وتقول له مثل هذه المقالة؟ فقال سعيد بن المسيب : إن كان يريد أن يصنع بي خيراً فهو لك، وإن كان يريد أن يصنع بي غير ذلك، فلا أحل حبوتي حتى يقضي ما هو قاض.

فرجع الرسول فأخبر عبد الملك بذلك: فقال ذاك أبو محمد رحم الله أبا محمد أبى إلا صلابة.

عدم مبايعته لعبد الله بن الزبير

ولما خرج عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما على المروانيين، واستبد بالحجاز، أرسل جابر بن الأسود الزهري، أميراً على المدينة، فأخذ جابر البيعة للزبير وامتنع سعيد من المبايعة.

قال: حتى يجتمع الناس. فضربه أسواطاً، فبلغ ذلك عبد الله بن الزبير، فقال له: مالك ولسعيد، دعه.

عدم مبايعته لولدي عبد الملك بن مروان

ولما صفا بعد ذلك لعبد الملك بن مروان الجو، وقتل عبد الله بن الزبير وتفرقت شيعته.

وكان ولي عهده بعده أخاه، عبد العزيز بن مروان، ثم مات عبد العزيز فأراد عبد الملك أن يعقد البيعة لابنيه من بعده الوليد وسليمان.

فأرسل بالبيعة إلى الأمصار، وكان الأمير على المدينة يومئذ هشام بن اسماعيل المخزومي، فأراد أن يأخذ البيعة، كما في سائر الأمصار، فأبى سعيد بن المسيب وقال حتى أنظر.

فضربه هشام ستين سوطاً وطاف به في تبان من شعر، ثم أرسل يخبر عبد الملك بن مروان بما صنع، وكان في المجلس قبيصة بن ذؤيب فقال لعبد الملك بن مروان:

يا أمير المؤمنين يفتات عليك هشام بمثل هذا؟ يضرب سعيد بن المسيب ويطوف به، والله لا يكون سعيد ألج ولا أمحل منه حين يضرب، وسعيد لو لم يبايع ما كان يكون منه؟

ليس سعيد ممن يخاف فتقه ولا غائلته على الإسلام وأهله، وإنه لمن أهل السنة والجماعة فاكتب إليه في ذلك يا أمير المؤمنين.

فكتب عبد الملك بن مروان إلى هشام بن اسماعيل يقول له: والله لسعيد بن المسيب كان أحوج أن تصل رحمه من أن تضربه، فكان سعيد رحمه الله يقول: الله بيني وبين من ظلمني.

وإذا نظر إلى عضديه ورأى آثار الضرب، قال: اللهم انصرني من هشام.

قصته في تزويج ابنته

كان ابن أبي وداعة أحد تلاميذه، فغاب عن مجلسه أياماً، فلما رجع، سأله سعيد بن المسيب قال له: أين غبت؟ فقال: يا أبا محمد، ماتت زوجتي ولم أجد من يليها، إلا أنا فلما دفنتها جئت.

فقال سعيد: أنت رجل كنت ذا إمرأة ولا يصلح أن تبيت أعزباً. فقال ابن أبي وداعة: فمن يزوجني ولا أملك إلا ثلاثة دراهم؟ فقال سعيد: أنا. فسكت سعيد. فظن ابن أبي وداعة أن المسألة كلام مضى.

انتهى الدرس وكان ابن أبي وداعة صائماً، رجع إلى بيته، أذن المغرب، ذهب إلى صلاة المغرب، ثم عاد ولم يكن في بيته من الطعام يفطر عليه إلا قصعة من الخبز اليابس مبلولة بشيء يسيغه به.

قال: فوضع القصعة في ظل سراج أوقده. فإذا بالباب يطرق. قلت: من؟ قال: سعيد. قال: فوقع في بالي كل سعيد أعرفه إلا سعيد بن المسيب لأنه ما رؤي منذ سنين إلا بين بيته والمسجد. لا يزور أحداً.

قال: فتحت الباب فإذا سعيد بن المسيب وإذا بنته من خلفه قائمة في طوله، فقال: إني كرهت أن تبيت الليلة من غير أهلك وهذه زوجتك.

فدفعها في البيت وأغلق الباب ومضى. قال: فسقطت البنت من الحياء. قال: فعمدت إلى القصعة فأخفيتها. دفعتها في الظل، ورميت الجيران فأطلوا من فوق الجدار وقالوا: ما شأنك؟

فقال: بنت سعيد بن المسيب عندي، فذهبوا إلى أمه فاخبروها فجاءت وقالت لابنها: وجهك من وجهي حرام، إن مسستها أو قربتها قبل أن أزينها ثلاثة أيام.

قال: فلما مضت الثلاث دخلت بها فإذا هي من أجمل النساء، وأراعهن لحق الزوج، وأعلمهن بأمور الدين، فمكث عندها أسبوعاً.

فلما انقضى الأسبوع، ذهب إلى مجلس سعيد بن المسيب ، فما كلمه سعيد حتى انفض المجلس. فلما ذهب الناس وبقي سعيد وابن أبي وداعة.

قال سعيد: كيف حال ذلك الإنسان؟ فقال ابن أبي وداعة: على ما يسرك يا أبا محمد.

مرضه ووفاته

ولما مرض مرضه الذي مات فيه، كان من جملة من عاده أحد تلاميذه وهو نافع بن جبير، فأغمي عليه إغماءة، فقال نافع: وجهوه، فاستيقظ سعيد بن المسيب؛.

فلما رأى فراشه قد حرك ووجه إلى القبلة قال: من أمركم أن توجهوا فراشي؟ فسكتوا. فقال: أنافع؟ قالوا: نعم. فقال له: لإن لم ينفعني أني كنت على القبلة، لإن لم أكن على القبلة لا ينفعكم توجيه فراشي.

ثم مات رحمه الله وذلك سنة 94 وهي السنة التي تسمى سنة الفقهاء.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى