التقمص
ماذا بعد الموت؟ موضوع يجب ان نقف عنده، قضية شغلت أكبر العلماء، أرواح تنتقل من جسد إلى آخر أو تتناسخ أو هكذا يُقال
عندما نسمع بالكلمة للوهلة الأولى نظن أنها خيال ولكن هناك أحداث غريبة حصلت مع اشخاص حيرت العالم، والمفاجئة انها معتقدات تؤمن بها ديانات عديدة،
من أين جاء؟ وما هو تاريخ نشأته؟
نظرية تناسخ الارواح أو التقمص وبحسب اغلب التفسيرات هو انتقال النفس الناطقة من جسد إلى جسد دون فاصل زمني، بمعنى آخر هو رجوع روح الشخص المتوفى إلى الحياة في جسد إنسان آخر، هذا بالمعنى المجمل.
تختلف تفاصيل هذه الظاهرة بين معتقد وآخر، حيث أن بعض الديانات تعتقد ان تناسخ الارواح حصرياً بين الأجساد البشرية، فيما تذهب ديانات اخرى الاعتقاد ان التناسخ قد يحصل بين الحيوانات والنباتات.
نضيف أن المؤمنين بهذه النظرية يعتقدون انها امتداد لقضية غير مكتملة وسنعرف ما هي تلك القضية لاحقاً،
أو باعتقادهم أنها فرصة لتحسين الذات إذا ما بحثنا في أصول النشأة تلك الفكرة نرى ان اغلب الابحاث بنيت منذ بداية البحث عن هذه الفكرة وحتى يومنا هذا لم تتمكن من تحديد مكان وتاريخ نشأة ذلك المعتقد بسبب تأصلها منذ تاريخ البشرية، حيث ظهرت تلك الفكرة مثلا عند اليونان قبل سقراط، كما ظهرت في الديانات الهندوسية القديمة وهنا نتكلم عن تاريخ ما بين 500 و 1000 قبل الميلاد بحسب ما ذكر داميان كون في كتاب البوذية، مقدمة قصيرة جدا.
والآن ننتقل إلى الديانات التي تؤمن بهذه الفكرة، بل تعتبرها أحد ركائزها على الرغم من ان فكرة تناسخ الارواح أو التقمص موجودة منذ وجود البشرية بحسب اغلب الابحاث، إلا ان نظرية التناسخ لم تكن مسموحة في بعض الديانات.
مع تقدم الزمن أصبح هناك العديد من المذاهب والديانات التي تؤمن بهذه النظرية، نذكر منها:
الهندوسية – السيخية – الجانيّة – البوذية – الطاوية – الفلسفة اليونانية – ديانات السكان الأمريكيين الأصليين ( المايا – الانكا – فرقة كافار أو الاطهار المسيحية) – الموحدين الدروز
يجدر بنا نذكر ان مبدأ التناسخ يختلف بين الديانة والاخرى… مثلا:
في الديانة الهندوسية يؤمن الهندوس في السامسرا وهي دورة دائمة لولادة الروح عدة مرات وهو ما يعتبر امر مرهق، لذلك يقومون بالاغتسال وحرق الجثة و رمي الرماد في نهر الغانغ المقدس، كما انهم يؤمنون ان الروح قد تنتقل ليس فقط إلى جسد بشري آخر، بل إلى جسد حيوان أو نبات أو مخلوق مقدس بحسب معتقداتهم.
البوذيين يؤمنون بالكارما وهي قانون الثواب والعقاب مزروع في باطن الانسان، ونرى ان بوذا كان يعيش حياة سابقة و إذ يحكى ان بوذا بعد ان اصيب في رجله ، عاد ذلك إلى تأثير قانون الكارما عليه، فقال أنه قتل أخاه في حياته السابقة وما اصابه في رجله هو بسبب ما ارتكبه !!
والآن هل كنتم على دراية ان الاعتقاد موجود في عالمنا العربي؟؟
طائفة الموحدين الدروز وهي من الطوائف الكبيرة في عالمنا العربي يعتبر التقمص مبدأ أساسي في المذهب الدرزي، وبحسب المعتقدات الدرزية يحدث ذلك التقمص فورا عند وفاة المرء، أي تعود تلك الروح إلى جسد طفل في نفس يوم الوفاة.
تنص المعتقدات الدرزية على ان الروح البشرية لا تنتقل إلا إلى جسد بشري من نفس الجنس، تسمى كل مرحلة تنتقل إليها الروح إلى جسد آخر جيل.
ويمكن ان تنتقل الروح من جيل إلى آخر وصولاً إلى الحساب النهائي الجنة أو النار بحسب المعتقد الدرزي.
المثير للجدل أن الكثير من حالات التقمص عند الطائفة الدرزية وثقت عبر المقابلات الصحفية والتلفزيونية لأشخاص أثبتوا حالة التقمص لديهم، من خلال التعرف على أماكن سابقة أو على عائلاتهم في حياتهم الماضية أو حتى على تفاصيل شخصية دقيقة.
ولكن هل تعلمون ان بعض حالات التقمص ساهمت في حل ألغاز جنائية بقيت غير محلولة فترة من الزمن، وهذا ما سنتناوله في هذا المقال.
سنتكلم عن بعض الشهادات في حالات التقمص حصلت ووثقت كذلك، أشهر تلك الحالات أو القصص… قصة باربورا كارلن والتي تقول أنها آن فرانك،
و آن فرانك هي فتاة ألمانية يهودية قضت في عمر 16 سنة تقريبا في محرقة أوشفيتز واستطاع والدها ان ينجوا ويعود إلى مكان سكنهم في امستردام، فوجد مذكراتها ونشرها في كتاب تحت عنوان مذكرات فتاة صغيرة.
ولدت باربورا في السويد من والدين مسيحيين وفي السنة الثالثة من عمرها بدأت تقول أنها ليست باربورا ، بل آن فرانك، بالطبع ان هذا الادعاء اثار غضب محيطها وكان ينظر إلى قصصها على انها تخيلات طفولية شبيهة بصداقات خيالية.
ولكن الأمر المريب والمثير للحيرة، أن المرة الأولى التي تعرفت عليها باربورا إلى قصة آن فرانك كانت بعمر السابعة عبر أساتذتها في المدرسة رغم أنها كانت تدعي أنها آن فرانك منذ السن الثالثة.
في عمر العشر السنوات، ذهبت باربورا إلى امستردام مع والديها وارشدت والديها إلى منزل آن فرانك رغم انها تزور عاصمة هولندا للمرة الأولى…
تعرفت باربورا على غرفة آن فرانك بتفاصيلها وقالت أن كان هناك صورة لفنانين ومشاهير معلقة على الحائط.
ولكن هل تعلمون ان هذه الصور ازيلت من قبل القائمين على المتحف للحفاظ عليها، وهذا كان قبل ولادة باربورا بزمن، والجدير بالذكر أن باربورا برعت في الكتابة فنشرت احد عشر كتاباً وهي في السادسة عشر من عمرها في السويد، واصدرت عام 2000 كتابها “وعوت الذئاب أجزاء من حياتان” روت فيها سيرتها وكل ما خاضت به في حياتها الحالية والسابقة.
نصل إلى عالمنا العربي، كما قلنا أن التقمص ظاهرة شائعة و أشبه ما تكون بالطبيعية في المجتمع الدرزي، حيث يعتبر الناطقون وهم في الاغلب الاطفال الذين ينطقون بتفاصيل واحداث وشخصيات من أزمنة سابقة لولادتهم، بل وفي بعض الأحيان في مناطق غير مناطقهم أو قراهم أشخاص عاديين،
و أن معظم الأهل يشجعون أطفالهم بالبوح عن ما يعرفونه عن حياتهم السابقة في حال كانوا متقمصين، وقد وثقت العديد من حالات التقمص تلفزيونياً وصحفياً وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.
مثلاً أحد الاشخاص بدأ بالتذكر في السن الثالثة وبدأ البحث عن عائلته السابقة عند بلوغه سن الثامنة عشر، وفعلا تعرف على عائلته السابقة بالأسماء والتفاصيل ومازال على علاقة طيبة معهم.
حالة اخرى، عن طفل أخبر العائلة التي ولد فيها عن اسمه السابق والمدرسة التي درس بها، وبالفعل ذهب الأهل إلى تلك المدرسة وسألوا عن تلميذ متوفى، فحصلوا على الاسم والقرية .
لكن المثير للاهتمام ان الطفل رفض الذهاب إلى المنزل التي تقطنه عائلته القديمة بل أصر على الذهاب إلى طريق يؤدي بيت آخر، لتكتشف عائلته أن هذا البيت كان السكن القديم لهذا الشخص وعائلته قبل ان تنتقل عائلته بعد وفاة ابنها إلى منزل جديد.
هذا الطفل الذي يبلغ ثمان سنوات تعرف إلى أمه السابقة وأخوته و أنه تذكر جيداً نام بقرب من أخته في الليلة التي سبقت وفاته، وهو ما أكدته شقيقته، لكن المفارقة كانت ان هذا الطفل لا يذكر شيء عن يوم وفاته.
والآن ذكرنا سابقاً ان التقمص قد يكون امتداد لقضية غير مكتملة … أذا اقرؤا هذه القصة والتي سجلت تلفزيونياً ويثت عبر أكثر من قناة…
مفاد تلك القصة أن جريمة قتل حصلت في أحد القرى وكان الضحية شاب في مقتبل العمر، وبقيت أسرار هذه الجريمة غير مكشوفة لفترة من الزمن، كانت المفاجأة ان احد الأشخاص أكد أنه هو هذا الشخص المقتول وافند بالتفصيل كيف وأين ومتى وقعت الجريمة ـ بل وأكثر من هذا أشار للشرطة إلى مكان السكين التي نفذت العملية بها، وبالفعل وجدت السكين في المكان المشار أليه،
وبالطبع ارشد الشاب الشرطة إلى المجرم الذي بعد التحقيق واجراء الفحوصات واخذ البصمات عن أداة الجريمة، تبين أنه الفاعل !!
وهنا نستطيع ان نرى ما كنا نقصده بقضية غير مكتملة، الكثير من الشهادات والقصص حصلت ووثقت وبالأمكان الاطلاع عليها.
اقرأ أيضاً… المرأة التي نجت من حوادث تايتانيك، بريتانيك، وأوليمبك
لكن ما رأي العلم في هذا الشأن؟ وهل يكتفي العلم بهذه الشهادات ؟
رغم وجود العديد من الشهادات حول هذه الظاهرة إلا أن العلماء لم يتمكنوا من تحديد حقيقتهاـ رغم ان العديد من العلماء اجروا ابحاث في هذا الشأن ونذكر منهم مورين برنشتين، مايكل نيوتن، أيان ستيفسون.
ويعتبر الدكتور ستيفسون هو طبيب نفسي وباحث عمل في جامعة فرجينيا نحو خمسون عاماً في كلية الطب، أحد أبرز الباحثين في هذا المجال وقد اكتسب سيطه من دراسته لأكثر من 2500 حالة وابرزها باربورا التي ادعت انها آن فرانك في حياتها السابقة.
بدأ ستيفسون في بحثه عام 1960 حيث جال العالم مستمع إلى قصص أطفال وذويهم تجسد حالة التقمص، وبالفعل في اغلب الحالات استطاعوا الاطفال التعرف على عائلاتهم السابقة، وهو ما أكدته بحوث ستيفسون.
لكن الغريب والمريب أن بعض الاطفال كانت لديهم علامات عند الولادة تتطابق في أماكنها مع جروح مع أجساد في اشخاص متوفين.
وبعد وفاة ستيفسون أكمل بحوثه الدكتور جيم تاكر وهو باحث في علوم الطب النفسي والسلوك العصبي وقد نشرت دراسات ستيفسون بأعرق المجلات العلمية مرفقة مع الأبحاث والقصص الموثقة،
ولكن ورغم هذا لم يتقبل بعض الأطباء والعلماء والمجتمع الطبي والعلمي بشكل عام نتائج هذه الدراسة و أصروا على عدم وجود ظاهرة التقمص وتفنيدها ضمن أطار الأمراض النفسية.
وقد وثق تاكر تجربته الشخصية وأكثر من خمسية عاماً من بحوث ستيفسون في كتاب الحياة قبل الحياة، واللافت أن لبنان من البلدان الست التي سهلت عملية البحث عن حالات التقمص عند الأطفال، بالإضافة إلى الهند وسيريلانكا وتركيا وتايلاند وميانمار… هذا بالنسبة لرأي العلم.
ما هو رأي الديانات السماوية؟
ترفض الديانات السماوية مبدأ التقمص رفضاً تاماً، ما عدا فرقة كافار أو الأطهار المسيحية كما ذكرنا سابقاً.
رأي الدين الإسلامي بأغلب مذاهبه أنه لا وجود لمبدأ التقمص، حيث يرفض العلماء والمفسرون والمفكرون هذه النظرية ويؤكدون على فردية الروح لكل انسان في هذه الدنيا والآخرة استناداً إلى الآية القرآنية بقوله سبحانه وتعالى في سورة مريم (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدً (95)).
كما ذكرنا سابقاً بوجود الكثير من الديانات التي تؤمن بوجود التقمص بشكل مطلق، ينحو العلم منحى آخر، على الرغم وجود المئات من الأبحاث التي تناولت هذه الظاهرة إلا أنه وحتى يومنا هذا لم تستطع تأكيدها بشكل مطلق أو معرفة نشأت هذه المعتقد، حيث أن أغلب الدراسات والشاهدات والقصص دون الوصول إلى البراهين العلمية المثبتة، ودائماً يبقى العلم عند الله وحده.
وفي الختام يجدر ان نضع هذا السؤال المحوري، هذه النظرية التي تؤمن بها العديد من الديانات حول العالم، لماذا برأيكم لم يستطع أحد التوصل إلى حقيقة وتاريخ نشأة هذه الظاهرة؟
لا أحد يعلم.
هذه المعلومات كاملة عن التقمص أو تناسخ الارواح
اقرأ أيضاً… هذا الرحالة وصل الى سد يأجوج ومأجوج، اقرأ أغرب رحلة في التاريخ! | مع حسن هاشم