إسلامشخصياتقصص وحكايات

جرير بن عبد الله البجلي


جرير بن عبد الله البجلي : ها نحن أولاء في مسجد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، قبل حجة الوداع بقليل، والناس قد أخذوا أماكنهم في رحابه الطاهرة، تأهباً لسماع خطبة الجمعة.

وها هو ذا النبي الكريم، يصعد المنبر، فيتحول كل من في المسجد إلى آذان صاغية، وقلوب واعية وعيون مشدودة إليه متعلقة به، لا تتحول عنه، ولا تلين.

وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينذر ويبشر، يعظ ويذكر، ويعالج شؤون المسلمين ما يعالج.

وصول جرير إلى المدينة

وفيما هم كذلك، أقبل على المسجد وفد كبير، من قبيلة بجيلة، قادماً من اليمن، ليعلن إسلامه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويبايعه على السمع والطاعة، في المنشط والمبكرة، أخذ رجال الوفد أماكنهم بين جموع المسلمين، وكان على رأسهم جرير بن عبد الله البجلي.

وجرير هو سيد بجيلة وزعيمها، فإذا بالمسلمين الذين لا يصرفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيء، يتحولون بعيونهم إلى جرير بن عبد الله البجلي.

وجعلوا يطيلون إلى جرير النظر، ويحدون فيه البصر، حتى خيل إليه أنهم كانوا معه على موعد، أو كأن ناعتاً نعته لهم.

فأرادوا أن يتثبتوا من شخص جرير، يتحققوا منه، فما أن انتهت الصلاة، حتى مال جرير على رجل من المسلمين، كان يجلس بجواره.

وقال له: ما بال الناس يصرفون أبصارهم إليّ، ويحدقون فيّ، حتى لكأن لهم عندي حاجة؟ أهي مجرد صدفة؟ أم أن في الأمر شيئاً؟

فقال الرجل له: إن الناس لن ينصرفوا إليك بأبصارهم، إلا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، أخبرنا قبل قليل، بقدومك على رأس وفد من قومك، وذكر لنا نعتك وقال:

يدخل عليكم رجل من خير أهل اليمن، على وجهه مسحة ملك.

فانبسطت أسارير جرير بن عبد الله البجلي، لما سمع، وأشرق وجهه بالفرحة وطابت نفسه بما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام، من نعت عليه.

إسلام جرير على يد النبي الكريم

وما أن فرغ النبي عليه الصلاة والسلام من صلاته، وتسبيحه ودعائه، حتى مثل جرير بين يديه.

فقال له النبي الكريم: ما جاء بك يا جرير؟

قال جرير: جئت لأسلم على يديك أنا وقومي يا رسول الله، نبايعك.

فقال له النبي: إنما أبايعك على أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، وتنصح المسلم، وتطيع الوالي، ولو كان عبداً حبشياً.

قال جرير: نعم يا رسول الله.

وبسط يمينه إليه وبايعه، ومنذ ذلك اليوم، توثقت عرى المودة بين النبي الكريم، وصاحبه جرير بن عبد الله البجلي.

ونال من إكرام الرسول عليه الصلاة والسلام، وعزه ما لم يحظى به إلا القليل النادر من أصحابه السابقين إلى الإسلام.

فما حجبه الرسول الكريم، يوماً عنه حتى مات، وما لقيه مرة إلا هش له وبش وتبسم في وجهه.

ولقد دخل جرير على النبي صلى الله عليه وسلم، ذات مرة في بيته، فرحب به النبي، ولما لم يجد شيئاً يجلسه عليه، تناول رداءه، وطواه وطرحه له ليجلس عليه.

فأخذ جرير الرداء، وضمه إلى صدره وطفق يقبله وهو يقول: أكرمك الله يا رسول الله، كما أكرمتني، وأعزك الله كما أعززتني.

فالتفت النبي الكريم إلى من معه وقال: إن أتاكم كريم قوم، فأكرموه.

تلقي أمر رسول الله بشأن ذي الخلصة

وما أن أسلم جرير بن عبد الله البجلي، وانضم إلى كتائب الإيمان، حتى أصبح موضع ثقة النبي عليه الصلاة والسلام، وثقة خلفائه من بعده.

فأناطوا به جليل الأمور، واعتمدوا عليه في عظيم المهمات، وقبيل وفاة النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، دعا إليه جرير وقال:

هل أنت مريحي من ذي الخلصة يا جرير؟

قال جرير: نعم يا رسول الله.

وذي الخلصة هو الذي أراد الرسول عليه الصلاة والسلام، أن يستريح منه قبل أن يفارق الحياة، مجموعة من الأصنام في مدينة تبالة، على مسيرة سبع ليال من مكة في الطريق إلى اليمن.

طليت بالبياض ونقشت عليها نقوش كهيئة التيجان، وكان يقول على حراسة ذي الخلصة بنو أمامة، وكانت تعظمها قبائل خفا حم، والبجيلة، والأزدي.

وتحج إليها وتطوف بها، وتذبح عندها، حتى أنهم كانوا يدعونها كعبة اليمن، وقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم، جرير لهذه المهمة، لسيادته في بجيلة، ومكانته بين القبائل اليمنية.

تحطيم جرير الأصنام في ذي الخلصة

صدع جرير بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختار لهذه الغزوة مئة وخمسين فارساً، من الشجعان.

ولما هم بالرحيل، أقبل يودع الرسول الكريم، وشكى له أنه لا يثبت على ظهور الخيل، لطول قامته وعظم هامته.

فضرب الرسول الكريم على صدره وقال: اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً.

كان بعد ذلك جرير، من أثبت الفرسان على ظهور الخيل الصافنات، مضى جرير برجاله إلى ذي الخلصة.

فقتل سادته، وحطم هياكله، وأوقد النيران في أصنامه، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشيراً يبشره بالقضاء على ذلك الطاغوت الذي غمّه وهمّه.

والذي أصبح مكانه فيما بعد، عتبة مسجد تبالة الكبير، لم يعد جرير إلى المدينة بعد هدم ذي الخلصة، وإنما واصل السير إلى اليمن.

إسلام ملك اليمن على يد جرير

ليدعوا ملوكها إلى الإسلام، بأمر من رسول الله الكريم، فوفد على ذي الكلاع الأصفر، أعظم ملوك اليمن آنذاك.

وعرض عليه محاسن الإسلام، وقرأ أمامه شيء من القرآن، وبشره وأنذره، فشرح الله صدر الملك للإيمان، وما لبث أن شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله.

ولقد ابتهج ذو الكلاع بما أكرمه الله به من الإيمان، بعد الشرك، ابتهاجاً عظيماً، فأعتق يوم أسلم أربعة آلاف عبد.

ثم هاجر بقومه إلى المدينة، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد فارق الحياة، فذهب إلى قومه إلى حمص، واتخذوها مقاماً لهم ووطناً.

جرير وأبو بكر الصديق

ولما آلت الخلافة إلى الصديق رضي الله عنه، وضع جرير بن عبد الله نفسه وسيفه وقومه، في طاعته.

فجرده أبو بكر للقضاء على فتنة الردة في بلاد اليمن، فقام جرير بالأمر، خير قيام، وطفق يقاتل المرتدين حتى كسر شوكتهم، وأعادهم إلى الإسلام.

جرير وعمر بن الخطاب

ولما صارت الخلافة إلى عمر رضي الله عنه، كان له جرير نعم الجليس والمشير والقائد، وكان عمر يأنس به أشد الأنس، ويعجب لذكائه الحاد، وبديهته المطاوعة، للمواقف الحرجة.

مثل أن عمر كان في مجلس مع جرير بن عبد الله، ونفر من المسلمين ينتظرون الصلاة، فخرجت من أحد القوم ريح، فسكت الناس وسكنوا.

كلٌ يخشى أن يُظن أنها منه، وخاف عمر أن يحمل الخجل صاحب الريح، على الدخول في الصلاة من غير وضوء.

فقال: عزمت على صاحب الريح، أن يقوم فيتوضأ.

فجعل الناس ينظر بعضهم إلى بعض، فبادر جرير بن عبد الله وقال: مُرنا يا أمير المؤمنين أن نتوضأ جميعاً.

فقال عمر: نعم توضأوا جميعاً، ثم التفت إلى جرير وقال: رحمك الله نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام، ثم توضأ القوم جميعاً.

 يوتيوب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى