يُقال أن جون روكفلر أغنى رجل على وجه الكرة الأرضية الذي توفي قبل أكثر من قرن.
فمن هو هذا الرجل الذي بنى امبراطورية تجارية بقدرته على إحتكار نفط الولايات المتحدة الأمريكية لشركته؟
من هو الرجل الذي لم يستطيع أي رجل حتى مع التطور التكنولوجي في وقتنا الحالي أن يكون أثرى منه؟
نشأة جون روكفلر
تبدأ قصتنا في عام 1839 عند ولادة جون روكفلر في مدينة نيويورك، فقد كان أكبر ابن التاجر المتنقل ويليام روكفلر.
حيث عرّف نفسه كطبيب ولكنه في الحقيقة كان يبيع دواء للمعدة لكل الأمراض. وكان يقضي الأسابيع خارج المنزل بحجة عمله.
لكنه كان يذهب إلى زوجته الثانية نانسي براون، ثم قرر فيما بعد إحضارها إلى بيته مع زوجته الأولى ليعيشوا معاً.
في هذا البيت المضطرب عاش جون وتعلم كيف يفاوض الأخرين ليحصل على حقه ويحصل على أفضل صفقة ممكنة.
وكيف يستفيد من كل قرش يملكه، وكان جون كي يساعد والدته ويعطيها المال، كان يحاول أن يعمل أي عمل لجيرانهم.
كانت عائلة جون تتنقل دائماً بالسكن، فاعتاد جون على هذا النمط من الحياة منذ كان بعمر الثلاث سنوات.
وظهر ذكاؤه عندما أتته الفرصة ودخل مدرسة جيدة عام 1854 في كليفلاند أوهايو، لكنه لم يكمل عامه الدراسي الأول فيها.
وخرج ليعمل في مكتبة Hewitt and Tuttle، ليتقاضى مبلغاً قليلاً وقتها يُقدّر بخمسين سنتاَ في اليوم الواحد.
وأصبح جون يحتفل بأول عمل له وهو يوم 26 سبتمبر من كل سنة حتى وفاته.
بعد سنتين رفض صاحب العمل أن يزيد راتبه، فقرر أن يعاقبه وينافسه بعمل خاص مشابه، فأخذ قرضاً بقيمة 4000 دولاراً.
يساوي تقريباً 115 ألفاً في وقتنا الحالي، وبدأ التجارة ببيع بعض المنتجات وحقق مبيعات بنصف مليون دولار في سنته الأولى وهو لم يتجاوز 18 من عمره.
اكتشاف النفط في أمريكا
في عام 1859 جاء الحدث الذي سيغير حياة جون روكفلر هو اكتشاف أول نفط أمريكي في شرق كليفلاند في بنسلفانيا.
حيث تم استخراج 4500 برميل نفط في أول سنة ليبدأ عصر النفط في بنسلفانيا.
النفط لم يكن ذو قيمة عالية حينها، فلم تتم معالجته كبنزين للسيارات، بل كان تتم معالجته لاستخراج الكيروسين للإنارة.
فكّر جون كيف يمكنه الاستفادة من النفط، حيث أن حفر الآبار واستخراجه يؤدي للإفلاس كما حصل مع كثير من التجار.
فاستخراج النفط فيه مخاطرة عالية، لكن الفائدة من النفط تكمن في تصفيته.
وفي 1863 أنشأت الحكومة خط قطار بين بنسلفانيا ومنطقة شرق كليفلاند التي تحوي النفط، وهنا جون كان جاهزاً مع شركائه.
وبدعم من البنوك لو تطلب الأمر للدخول بمشروعه، وجهز فريقي كيميائين ومهندسين لإكتشاف استخدامات جديدة للنفط المعالج لينتج منتجات مرغوبة.
رفع جون كفاءة المصافي الموجودة في كليفلاند، وصنع منتجات مثل القطران و النفط الخام وشمع البارافين Paraffin Wax.
الذي يدخل في صناعة الشموع والمواد الحافظة والسماد وله العديد من الاستخدامات الطبية.
وفي عام 1865 كانت مصفاة روكفلر تُقدر بسبعين ألف دولار ما يعادل حوالي مليون ونصف دولار تقريباً في وقتنا الحالي.
وتعتبر مصفاة روكفلر واحدة من أكبر المصافي في كليفلاند، لكن المشكلة هي وجود 26 مصفاة نفط آخرى في كليفلاند.
فكانت خطة جون أن يشتري المصافي الموجودة فاشترى 22 مصفاة، وبقي 4 مصافي في شرق أوهايو لأشخاص آخرين.
في عام 1870 أصبح مشروعه النفطي كبيراً وبما أن خططه أن يكبر، فأسس شركة اسمها Standard Oil of OHIO.
كانت عيون جون على الأربع مصافي الباقية، فدعى أصحابها وهددهم بطريقة غير مباشرة أنه سيبيع النفط بأسعار قليلة جداً.
وستعمل مصافيه بخسارة لفترة طويلة وبهذه الطريقة سيجعل مصافي المنافسين تخسر لقلة الطلب عليها.
أو أن يشتري مصافيهم بأسعار مناسبة ويعرض عليهم مناصب جذابة في شركته، وهكذا احتكر النفط في كليفلاند له.
وقام بتشغيل خبراء النفط في شركته.
جون روكفلر مالك النفط في كليفلاند
كان من ضمن أصحاب المصافي هنري روجرز و تشارلز برات، رفض المنافسون، فعمل على خفض أسعار النفط والكيروسين حتى 80%.
فاستسلموا تدريجياً وصولاً إلى عام 1880، فصار جون روكفلر مالك كل مصافي البترول في جميع أنحاء شمال شرق الولايات المتحدة.
ومصافيه أصبحت تكرر 90% من نفط الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أطلقت الصحف الأمريكية عليه لقب شيطان كليفلاند.
طبعاً روكفلر وصل لمرحلة احتكار النفط في ولاية أوهايو وحتى إحتكار المواصلات المسؤولة على نقل النفط عن طريق السكك الحديدية.
فسيطر جون على تحركات رقعة النفط بشكل كامل، حتى أن المسؤولين في أوهايو حاولوا وضع قوانين مكافحة احتكار لإسقاط روكفلر.
لكن جون كان أذكى منهم ويسبقهم في التفكير، فأعاد تأسيس شركته في نيوجيرسي سنة 1882 بإنشاء شركة Standard Oil Trust.
وفيها حصص لأكثر من 40 شركة محلية، وجعل للشركة مقراً خرافياً في Broadway.
فكان روكفلر يمتلك 20 ألف بئر نفط وأنابيب نفط بطول 6500 كيلومتر، وأكثر من 100 ألف عامل.
نهاية هيمنة احتكار جون للنفط
تم اكتشاف النفط في روسيا وآسيا، وكانت عائلة روتشيلد تعمل على استخراجه وتوصيله لأميركا لضرب احتكار جون روكفلر.
وتدخل عائلة روتشيلد في الأمر سيحدث الخراب. ففي 1890 أصدرت الحكومة الفيدرالية قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار Sherman Anti Trust Act.
طبعاً السياسيون والمسؤولون كانوا ينتظرون الفرصة للإنقضاض على ستاندرد أويل، لكن كانت تركيبة الشركة وبحجمها الكبير معقد للتحقيق.
فاستمروا بالتحقيق لتفكيك إمبراطورية روكفلر ستاندرد أويل حتى عام 1911. لكن جون روكفلر مرة أخرى كان أسرع بخطوة.
فخلال العشرين سنة من وقت صدور قانون منع الاحتكار حتى نهاية التحقيقات كان جون قد أنهى إداراته من الشركة.
وبحسب الإحصاءات دفع جون خلال فترة العشرين سنة أكثر من نصف مليار دولار والتي تعادل 89 مليار دولار حالياً.
وكانت القيمة السوقية لشركة ستاندرد أويل تريليون دولار.
في عام 1911 عند نهاية التحقيقات وجدت المحكمة العليا أن ستاندرد أويل مذنبة بتهمة منع المنافسة والاحتكار.
وأعلنت تقسيم شركة ستاندرد أويل إلى 34 شركة الموجودة حالياً والتي تعمل على الاندماج مع بعضها وصولاً إلى 4 شركات.
وهم: Marathon و Chevron و BP و ExxonMobil.
يُقال أن جون احتفظ بحصته في الشركة حتى بعد انفصال الشركة إلى وفاته.
كان الجميع يتوقع نهاية جون روكفلر، لكن مرحلة انفصال الشركات كانت فترة ربحية لجون أيضاً.
فقبل سنوات من وفاته كان يعطي كل شخص يراه 10 سنتات حتى توفي في عام 1937 عن عمر 97 سنة.
جون روكفلر لم يكن مؤسس شركة ستاندرد أويل فقط، بل أسس جامعة روكفلر وجامعة شيكاغو ومجلس التعليم العام ومؤسسة روكفلر.
ووصلت قيمة ثروته في عام 1918 إلى 2 مليار دولار مسجلين بضريبة الدخل الفيدرالية.
وبحسب حسابات فوربس عام 2014 فهي تعادل 341 مليار دولار حالياً. التي لم يصلها جيف بيزوس وبيل غيتس حتى الآن.
المصادر
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com