حارس رسول الله الصحابي محمد بن مسلمة وحاميه الشخصي
تعجب الناس من صنيع رجل من الأنصار، أخذ سيفه، وذهب به إلى جبل أحد، عند أطراف المدينة، ليضرب الصخور الصماء لذلك الجبل الشامخ.
فلقد كان هذا الرجل الطويل الأسمر، يضرب بيده الضخمتين ذلك الجبل، بضربات تزلزل الأرض من حوله، فيتردد صداها في عنان السماء.
وهو يضرب بالسيف، وكأنه يريد أن يحطم أحد تحطيماً، حتى جاءت تلك اللحظة، التي انكسر بها نصل ذلك السيف.
ليقف الرجل لبرهة وهو ينظر إلى سيفه المكسور، متأملاً قبل أن يعود إلى بيته في المدينة، ليأخذ متاعه ويرحل، ويعتزل الفتنة، التي قامت بين المسلمين، رافضاً أن يلطخ سيفه بدماء المسلمين.
وكان ذلك السيف هو نفسه السيف، الذي أعطاه إياه قائده الأعلى، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ليجعله رجل المهمات الصعبة، وهذا القائد العسكري الأسمر، هو الصحابي العملاق محمد بن مسلمة.
من هو محمد بن مسلمة؟
أول رئيس مخابرات في عهد الدولة الإسلامية، وقائد العمليات الخاصة في عهد النبي ثم عهدي الصديق والفاروق.
حارس النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان لا يفارقه، حتى قالوا عنه: أينما تجد ناقة النبي، تجد محمد بن مسلمة، فقد كان لا يترك مقود دابة النبي.
كان عمل محمد بن مسلمة، يعادل في أيامنا هذه وظيفتي الشرطة العسكرية، والاستطلاع، يحرس الجيش في الميدان ليلاً، ويكشف الطريق ويفتحها أمام الجيش أثناء انتقاله.
يلقي القبض على المجرمين، ويعاقب القتلة، كما كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم رسائله إلى القبائل، ويكتب في آخرها كتب محمد بن مسلمة الأنصاري.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يترك له مهمة تأديب الخونة، والذي كان يجيد التعامل ويحسن تصريف الأمور، وكانت هيبة محمد بن مسلمة وجسده الضخم، ترعبان أعداء الله من اليهود.
رئيس المخابرات ورئيس جهاز الاستطلاع
عندما خان يهود بني قريظة، العهد مع المسلمين خلال غزوة الأحزاب، حاصر المسلمون بني قريظة، إلى أن استسلموا.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة، بالتعامل مع الخونة، فكتف الرجال، وأخرج النساء والأطفال، وكانوا في ناحية أخرى.
وكان أول رئيس للمخابرات في عهد الدولة الإسلامية، وأول رئيس لجهاز الاستطلاع، فقد كان النبي يرسله لمعاينة أي مكان يريده.
فيسبق الجيش، ليستكشف الطريق ومكان المعركة، ويتحسس أخبار العدو، ويتحرى عن الأعداء وعن الولاة، وبعض المشتبه فيهم في دولة الإسلام.
محمد بن مسلمة وكعب بن الأشرف
واستمر في هذه المهمة في عهدي الصديق والفاروق، وكان الولاة في عهد عمر بن الخطاب، يصابون بالرعب إذا زارهم محمد بن مسلمة.
والحقيقة أن المهمات العسكرية الخاصة التي قام بها، هذا القائد الأنصاري، كانت بناءً على تكليف شخصي، من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أو من الخلفاء الراشدين من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أكثر من أن تحصى في كتاب واحد.
وبداية المهمات الخاصة التي قام بها القائد محمد بن مسلمة، هو القضاء على أكبر محرض على المسلمين كعب بن الأشرف.
هذا الشاعر اليهودي، الذي كان يذكر نساء المسلمين بسوء في شعره المنحط، وهو من ذهب إلى قريش، يحرضهم على قتال المسلمين والقضاء عليهم.
ليتحول بذلك إلى عدو للدولة الإسلامية في المدينة، عندها جاء القرار السياسي بقول الرسول: من لكعب بن الأشرف؟ فإنه آذى الله ورسوله.
عندها توقف هذا الشاب الأسمر، الذي كان من بين القلائل من العرب، الذين كانوا يحملون اسم محمد قبل الإسلام.
قال محمد بن مسلمة لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: أنا له يا رسول الله، وما هي إلا أيام، حتى انطلق في عملية فدائية إلى عقر دار العدو، ليرجع حاملاً رأس كعب بن الأشرف.
حماية الجيش والقضاء على الكفار
في الحديبية وبينما كان المسلمون نائمون، تسللت مجموعة مقاتلة من شباب قريش، مكونة من خمسين فارساً في عتمة الليل، إلى معسكر المسلمين، ليباغتوهم وهم نيام.
وإذ بهم يصعقون برجل أسمر، يحيط بهم بمن معه من الفرسان الساهرين، يقيدوهم ويربطوهم، بالأحبال جميعاً.
أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم، محمد بن سلمة الأعجوبة على نحو واحد وخمسين سرية، وكان يرسله ليأتي بالصدقات من الإمارات الإسلامية.
وشارك محمد بن سلمة النبي صلى الله عليه وسلم، في كل الغزوات إلا في غزوة تبوك، عندما أوكله رسول الله صلى الله عليه وسلم قيادة جبهة المدينة في غيابه.
أما في عهد أبي بكر، فقد كان محمد بن مسلمة قائداً من قادة الجيوش الإسلامية لمحاربة المرتدين، وفي عهد عمر بن الخطاب، وعندما طال حصار المسلمين لمصر.
بعثه الفاروق على رأس كتيبة فدائية، تضم من بين رجالها الرجل الأسطورة الزبير بن العوام، لتستطيع هذه الوحدة الفدائية، فمجرد وصولها إلى مصر من تحقيق النصر.
أما الفاروق، فقد عين محمد بن مسلمة، بمنصب المفتش العام، على ولاة الإمبراطورية الإسلامية.
ليدور بين الولايات الإسلامية ويضمن تطبيق ولاتها لأحكام الشريعة، وحكمهم بالعدل بين رعيتهم.
مات رضي الله عنه في صفر، سنة ثلاث وأربعين للهجرة، وعاش سبع وسبعين سنة، سطر فيها بطولاته على صفحات من نور.
من قناة عشها بعقل