إسلام

حد السرقة في الإسلام


الرد على الدكتور محمد شحرور

بسم الله الرحمن الرحيم اليوم سنتحدث عن قضية جديدة. 

فيديو أرسله بعض الشباب وطلب رداً عليه، وهو باختصار يتكلم عن حد السرقة في الشريعة الإسلامية يقول:

أن المسلمين يعرفون ويتداولون فيما بينهم أن عقوبة السارق هي قطع اليد، وهذا غير صحيح وأن لا يوجد في الإسلام قطع يد، وأن عقوبة السارق ليست قطع اليد وإنما هي السجن وليس القطع كما يفهم الكثير من المسلمين.

الحقيقة أنا سمعت الفيديو، أحببت أن أفهمه كله لأرد عليه رداً علمياً، وليس مجرد شتائم وتغليظ على الناس. وسأرد عليه بطريقة علمية، وسنأخذ أبرز النقاط في هذا الفيديو ونحاول أن نفهمها:

الرد على شرح معنى حد السرقة

صاحب الفيديو يقول: أن ربنا عندما قال: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم* فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه.

فهو يورد النقاط الآتية يقول: لا يصح أن يكون القطع في الآية فاقطعوا أيديهما بأن نقطع اليد، وإنما معناه أننا نكفهم عن السرقة بأن نضعهم في السجن.

طيب، من أين أحضرت هذا الكلام؟ قال ما يلي:

معنى القطع في اللغة العربية عند الدكتور شحرور

أن مادة قطع في اللغة العربية لا تعني فصل الشيء بآلة حادة أو قطع شيء من شيء، وإنما يعني ذلك في اللغة العربية بقطّع بتشديد الطاء.

شرح حد السرقة عند الدكتور شحرور

أن الله سبحانه وتعالى يقول: فاقطعوا أيديهما، إذن نقطع الأيدي الأربعة، للسارق والسارقة، لأن أيدي هي للجمع، إذن نقطع الأربع أيادي، فلو كان فقط يدان كان قال ربنا والسارق والسارقة فاقطعوا يديهما وليس أيديهما.

تفسير لمعنى التوبة عند الدكتور شحرور

يقول: أن ربنا سبحانه وتعالى يقول: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه.

كيف سأعتبر السارق له توبة بعد ما قطعت يديه؟ هل يقصد أن يقول أني قطعت يديه وهو هكذا لم يعد له توبة من ذنبه، ولا يتصور أن يكون الإنسان سارقاً ويتوب بعد قطع يديه.

الرد على الشروحات الثلاث

هل هذا الكلام كله صحيح؟ لنرى:

معنى القطع في اللغة العربية 

الجزئية الأولى التي ذكرها في الفيديو حيث قال ربنا: فاقطعوا، أن مادة القطع في اللغة العربية لا تعني الفصل والإبانة، هذا الكلام فاسد لغة ًمليون في المائة. العلم هو الأساس ومن يتعلم يتكلم ومن لا يتعلم لا يُفتي.

أطلب من جميع من يشاهد أن يكتب، الآن أن تكتب على جوجل: معنى قطع في اللغة العربية، ستجد المعنى الأول هو الفصل والإبانة أو الإزالة. وستجد في لسان العرب: قطع الشيء عن الشيء.

ومثالاً على ذلك: أنه مثل قطع السارق في كل معاجم وقواميس اللغة العربية، ستجد أن مادة قطع هي الفصل والإبانة.

وليس كما زعم صاحب الفيديو الدكتور شحرور بأن مادة قطع لا تعني أبداً الفصل بآلة حادة وكل ذلك الكلام. وقال أن ما يعني ذلك فقط مادة قطّع بتشديد الطاء.

ولو أننا قبلنا أن مادة قطّع هي التي تعني الفصل والإبانة، فربنا سبحانه وتعالى قال: فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم. 

كيف سأقطّع رحمي؟ هل سأحضر سكينة وأقطّع أرحامي وأفصلهم عن بعضهم؟ لا أكيد، بل هنا التقطيع هنا معنوي.

وقال سبحانه وتعالى: والذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض.  هل معنى التقطيع هنا أن أقطعهم بسكين؟ لا، إنما هذه تسمى تراكيب لغوية.

أي سياق الكلمة يفهمه العربي منها حينما تقال: أن قطيعة الرحم ليست قطع بسكين.

مثال عن تغيير المعنى

عندما تحضر شخصاً عربياً وتقول له: باب السيارة غير باب الغار، سيفهم الفرق بينهما بشكل جيد جداً، وعندما تقول له: يد الحمار غير يد الفرس غير يد الإنسان لن يفهم أن ثلاث أيادي خلقة واحدة.

الطريقة التي تستخدم لإيهام الناس أن كل كلمة في اللغة العربية هي تعني الثانية، وهذه يمكن أن نضعها مكان الأخرى، ونزيل المعنى ونركب معنى آخر بدلاً منه، هذه طريقة غوغائية لا يستخدمها حتى الحيوانات.

سأعطي مثالاً: كلمة Colour في اللغة الإنجليزية تعني لون، عندما نفتح كل معاجم اللغة الإنجليزية ونرى الناس الذين يتحدثون الإنجليزية في كل دول العالم، Colour تعني لون.

فآتي أنا عبد الله رشدي، أقول لكم أن هناك كثير من الناس يظن أن Colour تعني لون، والمعاجم تقول كذلك أيضاً، لكن لدي اجتهاد جديد مفاجأة أقول لكم أن Colour تعني فرخة.

كيف ذلك؟ اجتهاد، أنا أرى ذلك. والقواميس؟ أية قواميس، قد كتبهم بعض الإنجليز الفاشلين ولا يفهمون شيئاً. بنفس منطق هؤلاء. إنهم ناس متخلفين ورجعيين.

هل هناك أحد في الدنيا يقبل هذا المنطق في التعامل مع أي لغة من اللغات على وجه الأرض؟ مستحيل.

كذلك أنا كعربي مستحيل أن أقبل المنطق الأعوج في التعامل مع ألفاظ اللغة العربية، فلما آتي لأفرغ الآية من مضمونها، أنسف المعنى اللغوي لها.

الألفاظ هي قوالب تحمل المعاني

فهذه الألفاظ هي قوالب تحمل المعاني. كما درسنا في المدارس والجامعات، فهذا اللفظ يؤدي معنى معين، فعندما تأتي أنت لتلعب لعبة مع القرآن أو التراث الإسلامي أو أي شيء في الدنيا ماذا تفعل؟

أولاً تخرب اللغة، فتقول أن ليس هناك قواعد لغوية ولا لسان عربي ولا كل ذلك الكلام، وترميه في القمامة بعد فعلك كل ذلك تستطيع القيام بأي شيء تريده في اللغة.

مثلاً كلمة حمار، تعني حمار بأذنين وينهق، آتي أنا وأقول أني قمت باجتهاد جديد وحمار تعني إنسان لطيف، وعندما أقابل شخصاً في الشارع أقول له كم أنت حمار. أي كم أنت إنسان لطيف.

ماذا سيفعل؟ سيمسكني، وسيقول للشرطة أني شتمته، ويرفع علي قضية سب وقذف.

هل يقبل أحدكم هذا المنطق وهذا الفكر؟ بالطبع لا إنه مرفوض. كذلك عندما تأتي أنت إلى كلمة في القرآن، كلمة مثل قطع من مادة القطع، وتقول أن قطع لا تعني الإزالة فنفتح معاجم اللغة فنجدها تقول عكس ما تقوله أنت.

فهل سنصدق معاجم اللغة العربية التي تواترت واتفقت على هذا المعنى أم نصدقك؟

إذن، النقطة الأولى غلط وصفر في المئة، ولا ينفع أن أقول أن مادة قطع لا تعني الفصل والإبانة، إذن معنى فاقطعوا أيديهما تعني أن نفصل اليد ونطيح بها.

الرد على تفسير حد السرقة

التاريخ الإسلامي والذاكرة الإسلامية على مدى أربعة عشر قرناً من الزمان، هل ورد فيها أنه يمكن أني يكون معنى فاقطعوا أيديهما هنا يعني احبسوهم أو كفوهم عن السرقة من المجتمع؟

الحقيقة أن هذا المعنى في حد السرقة غير موجود في ذاكرة التاريخ الإسلامي.

ولا مفكر إسلامي واحد ولا عالم مسلم واحد ولا صحابي ممن جالس النبي عليه الصلاة والسلام ورد عنه هذا المعنى.

فمن جلب هذا المعنى في الحقيقة يريد أن يخترع شيئاً المسلمون لا يعرفونه واللغة العربية تأباه وترفضه.

الرد على القطع الكلي للأيدي

رقم ثلاثة  قال: فاقطعوا أيديهما، قال أن الله سبحانه وتعالى لو أراد أن نقطع يد السارق ويد السارقة، كان قال فاقطعوا يديهما وليس أيديهما، لأن اليدين هي مثنى يد.

وطالما قال ربنا أيديهما فمعناه أن نقطع الأربع أيدي، والمسلمون لا يقطعون الأربع أيدي، فمعنى الآية خطأ ولا تعني القطع أبداً.

لا، بل أنت من فهمتها خطأ.

في اللغة العربية إن أي جزء من الجسم، بالعربية إذا ثني أو تكلمنا عن إضافته لإثنين يمكن أن يجمع ويثنى في نفس الوقت.

سأعطيكم مثالاً من صلب القرآن الكريم، ربنا سبحانه وتعالى قال: إن تتوبا وهي مثنى إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما. وليس قلبين .

لو أن على قاعدة الدكتور شحرور، كان يلزم أن ربنا يقول إن تتوبا إلى الله فقد صغى قلباكما، إثنان لأن كل واحد في قلبه واحد.

ربنا قال في سورة الأحزاب: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه . فالمنطق الذي يتبعه الدكتور شحرور تريد أن تقول أن القرآن الكريم يناقض بعضه.

لأن عندما يقول ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وهنا يقول إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما،  بطريقتك في الفهم قلوبكما سيكون للسيدة أكثر من قلب بداخلها.

أي كلام فارغ ولا ينفع أن يقال، وإنما المعنى الصحيح هو أن قلوبكما هما قلبين قلب كل امرأة.

وعندما يكون الأمر يتعلق بالمثنى يمكن أن أجمعهما ويمكن أن أثنيهما. فأقول قد صغت قلوبكما، وفي غير القرآن يمكن القول فقد صغا قلباكما، ويجوز أن أقول كلا الوجهين.

مثلاً قطعت رأسيهما عندما يكونان اثنان، أو قطعت رؤوسهما أيضاً عندما يكونا اثنين، فيجوز أن أقولها بالجمع أو بالمثنى، لأن أقل الجمع اثنان.

لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث: اثنان فما فوقهما جماعة. لذلك صلاة الجماعة تبدأ باثنان.

عدم الدراية بمبادئ اللغة العربية ومفاتيح الفهم اللغوي تؤدي إلى خلل، وتجعل الإنسان يقول كلاماً خطأً.

الرد على تفسير معنى التوبة

يقول أن ربنا قال: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه. فحين قطعت يديه كيف سأتوب عليه؟

سأعطيك مثالاً من القرآن، ربنا سبحانه وتعالى يقول: والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى آثاماً*يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا*إلا من تاب.

كيف تاب؟ أليست عقوبة القتل القصاص؟  ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب؟

إذن، بنفس طريقة تفكيرك، فلا ينفع أن قاتل النفس يقتل، إذن سنلغي القصاص وحد الزنا، وسنلغي كل العقوبات وندع الناس يخطئون لأنه سيكون لهم توبة.

في حين لو طبقنا هذه الفكرة، بأن أمسكنا سارقاً، ونريد إدخاله السجن، فيقول: يا جماعة أنا تبت، اتركوني. فباستخدام منطق الدكتور شحرور وأمثاله، أنه يجب علينا أن نتركه.

لأنه حسب تفسيره للآية الله يقول فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه، حسب فهمه هو وليس معنى الآية الصحيح، أني سأتركه لأن الله تاب عليه.

حينها كل واحد يرتكب كل أنواع الجرائم التي يريدها ونعاقبه بالسجن، وأول ما يدخل السجن ويبيت ليلة واحدة يصحو بعدها ويغتسل ويتوضأ ويصلي ويقول يا ناس أنا تبت، أخرجوني. فنخرجه من السجن.

هذا منطق يؤدي إلى ضياع الحقوق واستشراء الجريمة في المجتمع، وتصبح حقوق الناس ضائعة، فكل شخص يعمل مصيبة ثم يقول أنا تبت سامحوني.

لا، بل لدينا عقوبات وهذه التوبة بينك وبين الله، والعقوبة يجب أن تنالها.

كيف الحكم في حد السرقة ؟

شيء آخير قاله في الفيديو: أن الإنسان الذي يسرق رغيفاً وهو جائع، مثل الشخص الذي يسرق مليون جنيهاً؟

القضية ليس أن يسرق رغيفاً وهو جائع مثل الذي يسرق بنك مثلاً، لأن لدينا من شروط تطبيق حد السرقة أن يكون الإنسان ليس مضطراً.

فلو الإنسان كان يعاني واضطر وسرق شيئأً كهذا لا تقطع يده، من قال أن الشرع يقول بقطع يده؟

ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي رواية صحيحة، أن مرة رفعوا إليه غلامين سرقا فعرف أنهما سرقا بسبب الجوع، فصرفهم وأحضر المسؤول عنهم وعاقبه، لأنه المسؤول عن جوعهم وجعلهم يفعلون ذلك.

مثال آخر، سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام المجاعة أو عام الرمادة، الناس أكلت فيه ورق الشجر من شدة الجوع، فسرق الناس بعضهم لأنهم لا يجدون ما يأكلون، فأوقف حد السرقة .

لأن سيدنا عمر فهم أن السرقة لا تطبق مع الضرورة، فكونك تقول أن من سرق رغيفاً وهو جائع ستقطع يده، هذا فهم خاطئ منك للشرع الإسلامي.

لأن الضرورات تبيح المحظورات، فلو أني سأموت جوعاً وسرقت شيئاً لأسد به رمقي، لن تقطع يدي في الشرع الشريف، لأنه جاء رحمة ولم يأتي للتنكيل بالناس

خاتمة الحديث عن حد السرقة وتفسيره

أريد أن أقول لحضراتكم، أن كل الذي يحصل هو عبث، لتشكيك المسلم في رواسخ الدين الإسلامي، كي يبدأوا بتشكيك الناس بالأحكام الشرعية الواردة في القرآن الكريم.

ومن بعدها يبدأون بتشكيك الناس بالقرآن الكريم بذاته، وذلك يجعل الناس تشك بالأحكام المتواترة المتفق عليها.

وهذه الأحكام مثلها مثل القرآن. لأن من نقل هذه الأحكام هو التواتر، ومن نقل القرآن هو التواتر. فلو شككت بشيء متواتر فمن حقي بعدها أن أشكك بشيء متواتر آخر.

يعني لو شككت في تواتر الصلاة أو حد السرقة ، يحق لي في يوم من الأيام أن أشكك في سورة الفلق أو الناس أو أي آية في القرآن أو أي حرف.

حينها سأفتح باب التشكيك في القرآن وينتهي الدين الإسلامي، وعلى ذلك ننتهي من إزعاج المسلمين ونجعلهم كائنات هميونية ليس لها أي دراية ولا مرجعية، وهذا ما يريدون أن يصلوا له في النهاية.

فانتبهوا أن تقبلوا أبداً أن أي جزئية من جزئيات دينك يتم العبث بها، ارجع واسأل ماذا كان موقف المسلمين الذين قبلنا من هذا الأمر.

فهل كلامه موجود في المخزون الإسلامي؟ أم أن المسلمين على مدى أربعة عشر قرناً من الزمن لم يقل هذا الاختراع؟ لا، لم يقلها أحد لكني أحضر فهماً جديداً، إذن، ليكن فهمك لنفسك لا أريده.

الفهم إن كان موجوداً وقال به الصحابة والسلف، فهو على العين والرأس.

اجعل هذا معيارك وهو أن تكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه  وسلم وأصحابه فهو الذي قاله ربنا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر

تريد الدين الصح؟ اسأل ماذا فعل الرسول في هذا الحال، والصحابة الذين عاش بينهم كيف طبقوا ذلك، لأنهم شربوا منه الدين.

المنتج الشخصي الخاص بك شكراً نحن في غنى عنه.

إن شاء الله أراكم في الحلقة القادمة

عبد الله رشدي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى