ما أسباب حملة الجيش المصري والسوداني على المكسيك
هناك أحداث تاريخية غريبة وغير منطقية على الرغم من أنها حقيقة وحدثت فعلاً.
فهناك رواية للدكتور خالد توفيق رحمه الله وكان اسمها اسطورة ملك الذباب، وقد ذكر في أحد فصول الرواية أن هناك حملة مصرية سودانية على المكسيك.
وهذا ما يثير الإستغراب، فماذا يعني إرسال كتيبة مصرية سودانية إلى المكسيك لتعبر تلك الكتيبة المحيط الهائل على بعد 12500 كيلومتر من مصر؟
وما الذي أرسلهم إلى هناك؟ وما هي نتائج الحرب التي شاركوا بها؟
تفاصيل إرسال الجيش المصري والسوداني إلى المكسيك
في عام 1861 وبعد عدة سنوات من عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي في المكسيك، قرر الرئيس المكسيكي بينيتو خواريز الإمتناع عن دفع ديون المكسيك إلى دول أوروبا.
وبعد العديد من المشاورات بين فرنسا وبريطانيا وإسبانيا، قررت تلك الدول التدخل في المكسيك والإطاحة بالرئيس بينيتو خواريز عن الحكم.
حملة لاحتلال المكسيك
أرسلت فرنسا وإسبانيا قوات استطلاع للمكسيك في محاولة لدراسة الموقف على الأرض والتوصل لأفضل طريقة لبدء الهجوم.
وكان الغرض الحقيقي من الحملة هو احتلال المكسيك بالكامل. ونتيجة لحرارة الجو الشديدة وانتشار الحشرات الناقلة للأمراض في المنطقة.
فقد قررت كل من بريطانيا وإسبانيا الإنسحاب مبكراً من الحملة في عام 1862. ولكن حاكم فرنسا نابليون الثالث قرر البقاء في المكسيك.
وذلك لأنه كان يطمع بإنشاء إمبراطورية كاثوليكية فيها ويكون هو الحاكم، وإضافة إلى ذلك كان يريد تحقيق التوازن بوجود قوى أوروبية تقلل من النفوذ الأمريكي في المكسيك.
وقام نابليون بتعيين ماكسميليان الأول إمبراطوراً تابعاً له فيها، لكن عانت القوات الفرنسية من خسائر كبيرة في الأرواح.
بسبب المناخ الحار ولدغ الحشرات الناقلة للأمراض، وبلغ عدد القتلى من القوات الفرنسية حوالي نصف العدد الكلي.
الاستعانة بالخديوي اسماعيل
ونتيجة ذلك اقترح قائد القوى الفرنسية في المكسيك جوليادو لاغرافييه على الإمبراطور نابليون الثالث بأن يطلب من حليفه في مصر الخديوي اسماعيل باشا بإمداده بقوات مصرية وسودانية.
لتحارب في صفوف القوات الفرنسية وحلفائها في المكسيك وذلك لأن تلك القوات ستكون قادرة على تحمل الظروف الجوية القاسية بشكل أفضل من القوات الأوروبية.
وافق الخديوي على الطلب الفرنسي وتم إرسال الضباط والجنود من الجيش المصري والسوداني للمشاركة في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
نقل جنود الجيش المصري والسوداني بالسفن
وفي عام 1863 انطلقت السفينة الحربية سين من محافظة الإسكندرية وعلى متنها كتيبة مكونة من 447 ضابط وجندي تحت قيادة أحد الضباط العثمانيين.
وبعد 44 يوماً في البحر ووفاة العديد من أفراد الكتيبة السودانية بسبب مرض التيفوئيد وصلت السفينة الحربية إلى ميناء فيراكروز في المكسيك.
ونقلت قيادة كتيبة الجيش المصري والسوداني من الضابط العثماني إلى أحد القادة الفرنسيين.
ولتسهيل عملية التواصل وتلقي الأوامر بين القيادة المصرية والكتيبة المصرية السودانية، تم تعيين العديد من الجنود الجزائريين مترجمين من اللغة العربية إلى الفرنسية وبالعكس.
ومنح جنود ضباط الكتيبة المصرية السودانية بنادق فرنسية قوية بدل البنادق القديمة، وكلفت الكتيبة بحماية خط السكة الحديدية التي كان قد تم إنشاؤها بين مدينة فيراكروز ومدينة سوليداد.
الاشتباك مع قوات بينيتو خواريز
ولكن المنطقة حول فيراكروز مليئة بعدد كبير من قوات عصابات الحرب المكسيكية بقيادة بينيتو خواريز.
فسرعان ما بدأ الإشتباك بين الطرفين ورغم خسارة القوات المصرية السودانية لعدد كبير من الجنود قبل بداية الإشتباك بسبب أمراض الحمى الصفراء والتيفوئيد الديزانتريا.
إلا أنهم وبشكل مفاجئ قاتلوا بقوة منقطعة النظير وكانوا يهزمون قوات خواريز في المعركة.
ونجحت القوات المصرية والسودانية مع القوات الفرنسية وحلفائها في الإنتصار على قوات خواريز وأجبرت قواته على الإنسحاب.
وذلك في هجوم شامل على مدينة سيكو سيتي عاصمة المكسيك، وبعد الإنتصار الكبير قام الجنرال الفرنسي إلياس فردريك فورير بمطاردة خواريز وقواته والقضاء عليهم.
وقد اصطحب الجنرال الفرنسي معه ثمانين فرداً من المشاة المصرية وأعجب الجنرال بشجاعة وبسالة الجنود المصريين وقال عنهم هؤلاء لم يكونوا مجرد جنود يقاتلون بل كانوا أسوداً شرسة.
وعلى الجانب الآخر اكتسب بينيتو خواريز شعبية كبيرة بين الشعب المكسيكي باعتباره بطل قومي يقاوم الغزاة الفرنسيين وحلفائهم.
التدخل الأمريكي لمنع المد الأوروبي
بدأت الولايات المتحدة بالتدخل في الصراع اقتصادياً ودبلوماسياً لصالح خواريز وذلك لأن الولايات المتحدة لم تكن تريد منافساً أوروبياً مثل فرنسا يهدد مصالحها على جنوب البلاد.
ومع استمرار المعارك وبسالة الجنود المصريين والسودانيين طلبت فرنسا من الخديوي إسماعيل الذي تولى حكم مصر بعد وفاة الخديوي محمد سعيد أن يرسل المزيد من الجنود.
لمساندة الحملة الفرنسية على المكسيك ولكن الولايات المتحدة عارضت بشدة وأخبرت الخديوي أنه سيتسبب في توتر العلاقات المصرية الأمريكية.
وبناءً عليه رفض الخديوي اسماعيل الطلب الفرنسي ومع استمرار الحرب وارتفاع تكاليفها المادية بدأت الحكومة الفرنسية تعاني من أزمات اقتصادية.
وبالتالي انصرف الشعب الفرنسي عن الإهتمام بالحرب على المكسيك وتحول اهتمامه إلى ناحية التهديد الجديد من ناحية بسمارك حاكم بروسيا.
وفي النهاية قرر نابليون الثالث الإنسحاب هو وحلفائه وتخلى عن ماكسميليان الأول الذي تم إعدامه من قبل قوات خواريز وفشلت الحملة الفرنسية.
تمكنت قوات بنيتو خواريز من إستعادة السيطرة على المكسيك بالكامل وتم سحب الكتيبة المصرية السودانية في 1867 وبقي منها 326 فرد بعد وفاة 121 بسبب الأمراض والمعارك.
الاحتفاء بكتيبة الجيش المصري والسوداني في فرنسا
وفي 1867 قام الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث بصحبة شاهين باشا رئيس أركان الجيش المصري باستقبال الكتيبة المصرية السودانية أثناء مرورها في شوارع باريس عاصمة فرنسا.
ومنح 56 فرداً من أفراد الكتيبة وسام الشرف الوطني الفرنسي وهو أعلى وسام تكريمي في فرنسا.
وعند العودة إلى مصر استقبل حشد كبير من جماهير محافظة الإسكندرية أفراد كتيبة الجيش المصري والسوداني للإحتفال بعودتهم.
واستقبلهم الخديوي إسماعيل بنفسه وأقام وليمة على شرفهم في قصر رأس التين وتم ترقية جميع الجنود والضباط المشاركين في حملة المكسيك.
المصادر
مراجع:
EGYPTIAN BATTALION IN MEXICO?, 25 June 1994
Second French intervention in Mexico
https://www.cheminsdememoire.gouv.fr/en/ottoman-auxiliary-battalion
https://www.youtube.com/watch?v=BWqyNLamhV4&t=3384s
https://commons.wikimedia.org/w/index.php?curid=11003639
https://commons.wikimedia.org/w/index.php?curid=14963016
https://commons.wikimedia.org/w/index.php?curid=11325210
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com