خفض اسعار الفائدة والأزمة العالمية الجديدة، على مدار السنوات الماضية رأينا البنوك المركزية في أغلب دول العالم تتجه نحو خفض أسعار الفائدة.
سباق مجنون بينهم للمزيد والمزيد من خفض أسعار الفائدة حتى وصلت معدلات الفائدة إلى صفر وسالب في بعض الدول.
بينما يعطي البنك فائدة على أموالك التي تضعها عنده فيما مضى، أصبح عليك أن تعطيه مالاً لاحتفاظه بأموالك عنده.
كما فعل المركزي الأوروبي والبنوك المركزية في كل من الدنمارك واليابان وسويسرا وغيرهم.
سباق خفض اسعار الفائدة
في السنة الماضية 2019 رأينا أكثر من 30 بنكاً مركزياً حول العالم يخفض أسعار فائدته.
ومن الدول التي خفضت الأسعار دول عربية منها مصر والسعودية والإمارات ويبدو أن عام 2020 الحالي العالم سيكمل في طريق خفض اسعار الفائدة.
منذ بضعة أيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض أسعار الفائدة بشكل مفاجئ نصف نقطة مئوية لتتراوح ما بين 1% و 1.25%.
وهذا يعني أن البنوك المركزية في العالم كله تقريباً ستسير خلفه بما فيها البنوك المركزية في الدول العربية.
لأن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة تعتبر مرجعية لأسعار الفائدة في العالم كله بسبب الدولار وأغلب الاقتصاديات مرتبطة بالدولار.
وليس ذلك فقط، الحقيقة أن ترامب يضغط على الفيدرالي الأمريكي ليستمر في مزيد من تخفيض أسعار الفائدة لتصل إلى صفر في المائة.
السؤال هنا لماذا كل هذا الجنون يحدث في العالم؟ السبب الرئيسي في ذلك الوحش الذي يخاف منه الجميع، والكل يحسب حسابه وهو الركود.
كل الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة يخافون أن تغرز اقتصادياتهم في الركود ويتباطأ النمو الاقتصادي فيها.
مفهوم الركود
من الطبيعي أن الاقتصاد يكبر وينمو حجمه بمرور الوقت، لدينا زيادة في السكان ولدينا ابتكارات كل يوم وهذا يزيد حجم الإنتاج وحجم الاقتصاد ككل.
لذلك أي اقتصاد من الطبيعي أن ينمو ويكبر بمرور الوقت، ولذلك نسمع في نشرات الأخبار أن الاقتصاد الأمريكي في 2019 كان معدل النمو الاقتصادي فيه 2%.
معنى ذلك أن حجم الاقتصاد الأمريكي زاد بنسبة 2%، والاقتصاد المصري نموه كان 5% أي أن حجم الاقتصاد زاد بنسبة 5%.
أثر تباطؤ النمو الاقتصادي
ماذا لو كانت نسب معدلات النمو الاقتصادي تتباطأ؟
فمثلاً كان المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 3% في 2020، لكننا وجدنا أن مؤشرات معينة تقول أن النمو سيكون 1.5% فقط.
وهذا معناه أن الاقتصاد في حالة ركود، ويحدث انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي.
الانتاج يتباطأ ولا يزيد كالعادة وهنا نقول أن الاقتصاد في حالة ركود.
وهذا الوضع سيكون كارثياً لأن الاقتصاد لو غرز في الركود سيؤدي إلى آثار اقتصادية مؤلمة على الجميع مثل ارتفاع معدلات البطالة.
وفي حالات التراجع الاقتصادي الكبير نرى شركات تفلس وبنوك تفلس ومصانع تقفل وموظفين يتم تسريحهم والأجور تتقلص.
فإن لم يجد الناس ما ينفقونه على أنفسهم وأولادهم سيضطرون إلى السرقة، ناهيك عن أن مستويات التعليم والصحة ستتراجع وغيرها من الآثار.
لماذا الدول تخاف من الركود
في عام 2019 كان الخوف الرئيسي بسبب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وهما أكبر اقتصادين في العالم يتطاحنان.
وهذا يؤدي إلى هزات عنيفة في الاقتصاد العالمي كله.
وفي عام 2020 أصبح الخوف الرئيسي من فيروس كورونا، لأنه تسبب حتى الآن في خسائر بالمليارات وأصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهو الاقتصاد الصيني مكبل.
العالم بأكمله يعتمد على الصين بالسلع الوسيطة التي تدخل في إنتاج كل شيء تقريباً من الإبرة وحتى الصاروخ.
ما علاقة خفض اسعار الفائدة بمحاربة الركود؟
عندما تنخفض أسعار الفائدة فنظرياً من المفروض أن يحصل تحفيز للنشاط الاقتصادي.
إن اقتراض الأموال لتمويل الاستثمارات سيكون أرخص والأموال في البنوك تكون رخيصة جداً أي يمكنك أن تحصل على قرض من البنك ولا تدفع تقريباً فائدة أو تدفع فائدة بسيطة جداً.
فأنت مثلاً تريد الاستثمار ولا تملك المال، فتذهب إلى البنك وتأخذ قرضاً بفائدة منخفضة لتفتح مشروعاً.
وبالتالي ستعّين موظفين ومن ثم الإنتاج سيزيد وطبعاً ستدفع ضرائب، وبالتالي النشاط الاقتصادي سيبدأ بالتحرك من جديد وعجلة الإنتاج ستبدأ بالدوران مرة أخرى.
ما الذي سيحدث عند خفض اسعار الفائدة
أنا كشخص لي أموال في البنك أجد أن العائدات على أموالي تقل فأبحث عن طريق آخر لاستثمار أموالي مقابل عائد أعلى.
وأول ما سيخطر على بالي هو سوق الأسهم، وهذا يحدث في الدول التي تدعم البورصة اقتصادياتها فعلياً والحركة فيها ديناميكية.
فأسحب أموالي من البنك وأضعها في البورصة، فتقوم الشركات المقيدة بالبورصة بزيادة رؤوس أموالها وتتوسع في عملياتها.
وبالتالي سأجد أن النشاط الاقتصادي يبدأ بالزيادة أيضاً.
ولا يلزمني أن أذهب إلى البنك وأسحب أموالي لأستثمر، يمكن أن آخذ قرضاً لأنني أحتاج سلعاً استهلاكية مثل السيارات أو الشقق أو سلع منزلية.
وبالتالي الشركات والمحلات تبيع البضاعة التي لديها وتطلب بضائع جديدة والمصانع تعود للعمل وبالتالي النشاط الاقتصادي يزداد من جديد وهكذا تصبح كعجلة تدور.
ولكن المشكلة أن الأمور دائماً لا تسير بهذه البساطة، فيمكن لانخفاض أسعار الفائدة أن يكون لعنة على الاقتصاد العالمي كله.
فكون الأموال في البنوك رخيصة والناس ستقترض للاستثمار وشراء السلع معنى ذلك أن القروض ستزيد وهذا يجعل مستويات الديون تزيد.
وهذا رأيناه بالفعل، حيث أن هناك تلال من الديون العالمية.
ازمة الديون العالمية
قاعدة بيانات الديون العالمية التابعة لصندوق النقد الدولي تقول أن الديون العالمية العامة والخاصة في نهاية عام 2018 وصلت إلى 188 تريليون دولار.
يعني رقم لا يستطيع استيعابه العقل البشري، ولا قدر الله لو حصل تعسر فيمكن للنظام المصرفي أن ينهار كله.
لأن البنوك أقرضت الأموال التي لديها للناس وفي نفس الوقت قلّت إيراداتها لأنه لا يوجد أناس جدد يودعون أموالهم لأن الفائدة منخفضة.
وبالتالي نجد أن قطع الدومينو تتساقط خلف بعضها والنظام المالي كله سيقع كما حدث في الأزمة المالية العالمية في 2008.
سباق البنوك المركزية
الخلاصة أن السباق العالمي للبنوك المركزية لخفض أسعار الفائدة محفوف بالمخاطر ويمكن أن يأتي بنتائج عكسية تماماً.
والحقيقة أن البنوك المركزية لا تملك سلاحاً آخر لتعيد تحفيز النشاط الاقتصادي سوى خفض أسعار الفائدة للأسف.
ولو اعتبرنا أن الاقتصاد مثل مريض سيدخل في غيبوبة والأطباء يحاولون إعادته إلى الحياة ثانية، الغيبوبة هي الركود والبنوك المركزية هم الأطباء الذين يحاولون إنعاشه بالصدمات الكهربائية مثلاً.
والصدمات هي خفض أسعار الفائدة التي تستخدمها البنوك المركزية حالياً لتعيد إنعاش اقتصاداتها.
نتمنى أن البنوك المركزية تنجح في إنقاذ المريض وتعيد إنعاش الاقتصاد من جيد وبالات في المنطقة العربية.
المصادر
يوتيوب قناة المخبر الاقتصادي
.
Federal Reserve Cuts Rates by Half Percentage Point to Combat Virus Fear
As Recession Concerns Mount, Dozens of Central Banks Are Cutting Rates
New Data on World Debt: A Dive into Country Numbers
The Federal Reserve cut interest rates by 0.50% as virus spreads
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com