إسلامشخصياتقصص وحكايات

سليمان القانوني


ما قصة الصندوق الذي أمر السلطان العثماني سليمان القانوني ، أن يدفن معه في قبره.

الدولة العثمانية كان لها مصائب، وخاصة في المرحلة الأخيرة، لكن كان لها أمجاد عظيمة، وخاصة في عهودها الأولى.

فتحوا القسطنطينية وصدوا الحملات الصليبية، فتحوا شرق أوروبا، تفننوا في العمارة الاسلامية، وغيرها من الأمجاد.

كثير من هذه الأمجاد تحققت في عهد السلطان سليمان القانوني، الذي لا يعرف عنه الناس، إلا التاريخ المشوه.

من أعظم إنجازات السلطان سليمان القانوني، التشريعات الاسلامية القانونية، التي لقب من ورائها باسم القانوني.

الإنجازات الحضارية هي موضوعنا اليوم من قصة وفكرة، وبطلها السلطان العظيم سليمان القانوني.

ولادة السلطان سليمان القانوني

نحن الآن في القرن الأخير من الألفية الهجرية الأولى، أي في نهاية الألف سنة الأولى من الاسلام.

حيث الدولة هي الدولة العثمانية، والسلطان هو الخليفة سليمان القانوني العثماني، الذي لا يعرف عنه بعض الناس أي شيء، إلا من خلال المسلسل حريم السلطان.

ولد سليمان القانوني في طرابزون، عام 900 للهجرة، 1495 ميلادي، بعد سقوط الأندلس بثلاث سنوات فقط.

وكان والده آنذاك والياً على طرابزون، واهتم به والده، فنشأ محباً للعلم، والأدب والعلماء والأدباء، والفقهاء، اشتهر منذ شبابه بالجدية والوقار.

ولاية الخليفة سليمان القانوني

تولى سليمان القانوني الخلافة، بعد موت والده السلطان سليم الأول، عام 926 هجرياً، 1520 ميلادي، عن عمر 26 عاماً.

السيطرة على المتمردين

وقد كانت الأعمال التي أنجزها السلطان سليمان القانوني، في فترة حكمه كثيرة جداً، ذات شأن عظيم في حياة الدولة العثمانية، وحياة المسلمين.

في الفترة الأولى من حكمه، نجح في بسط هيبة الدولة، وضرب على أيدي الذين خرجوا عليها، الولاة الذي يريدون تفريق الأمة.

معتقدين أن صغر سن السلطان سليمان القانوني، فرصة سانحة حتى يحققوا أحلامهم، لكنهم تفاجأوا بعزيمة السلطان القوية التي لا تلين.

فقضى عليهم واحداً تلو الآخر، الغزالي في الشام، أحمد باشا في مصر، الجلبي في قونيا ومرعش.

وتعددت ميادين القتال التي تحركت فيها الدولة العثمانية، من أجل بسط نفوذها على كل من وصلت إليه.

حملات السلطان سليمان القانوني

شملت الدولة العثمانية في عهد سليمان القانوني، أجزاءً من أوروبا، وآسيا وأفريقيا، بل أنه سيطر على بلغراد 927 هجرياً.

وضم إلى دولته أجزاء من المجر، بما فيها عاصمته بودابست، كانت جزءً من دولة الاسلام، وجعل بودابست والمجر كلها ولاية اسلامية عثمانية.

في آسيا قام السلطان سليمان القانوني، بثلاث حملات كبرى، ضد الدولة الصفوية، التي تبنت المذهب الشيعي بتطرف، وأسست له في إيران، وحاولت أن تنشره في كل الأمة.

سليمان القانوني والبرتغاليين

واجه العثمانيون في عهد السلطان سليمان القانوني، نفوذ البرتغاليين، في المحيط الهندي والخليج العربي، انتشروا من عمان التي كانوا قد احتلوها.

فاستولى أويس باشا العثماني، والي العثمانيين من قبل سليمان القانوني، على قلعة تعز 953 هجرياً.

ودخلت في عهده عمان والاحساء وقطر، كلها ضمن نفوذ الخلافة العثمانية، ولولا ذلك كان البرتغاليين سيطروا على كل الخليج العربي.

أدت هذه السياسة للحد من نفوذ البرتغاليين، في كل مياه الشرق الأوسط، ودخلت ضمن نفوذ العثمانيين في عهد سليمان القانوني كل من ليبيا والقسم الأعظم من تونس، وأرتيريا وجيبوتي والصومال.

القوة البحرية في خلافة سليمان القانوني

زادت قوة البحرية العثمانية العسكرية، التي نشأت أيام السلطان بايزيد الثاني، لكن أصبحت مسؤولة عن حماية مياه البحار التي تطل عليها الدولة العثمانية.

في عهد سليمان القانوني زادت قوتها على نحو لم تشهده من قبل، وكان من قادته المشهورين حتى عند الغرب، خير الدين برباروس.

خير الدين بربارورس

وهو من أعظم القادة العثمانيين، كان يقود أسطولاً قوياً، يهاجم به سواحل اسبانيا، والسفن الصليبية في البحر المتوسط.

فلا يعرف الناس فضل خير الدين برباروس، ولا فضل سليمان القانوني، بفضل المساعدات التي كان يتلقاها برباروس، والأوامر التي يتلقاها من السلطان سليمان القانوني.

سليمان القانوني واسبانيا

كان يضرب السواحل الاسبانية وأنقذ آلاف المسلمين في اسبانيا، الذين كانوا يتعرضون إلى الإبادة عندما سقطت الأندلس.

فقام برباروس في عام 935 هجرياً بسبع رحلات إلى السواحل الاسبانية، نقل فيها سبعين ألف مسلم، وأنقذهم من قبضة محاكم التفتيش الاسبانية، ونقلهم إلى المغرب العربي.

أوكل السلطان سليمان القانوني إلى خير الدين برباروس، قيادة الحملات البحرية في كل غرب البحر المتوسط.

وحاولت اسبانيا أن تقضي على أسطوله، ولكن كل مرة تحدث معركة كانت تخفق، وتتكبد خسائر فادحة.

فكانت من أقسى الهزائم التي تلقاها الاسبانيين على يد العثمانيين، بقيادة برباروس وخلافة سليمان القانوني، هي معركة باروزا عام 945 هجرياً.

سليمان القانوني وفرنسا

انضم أسطول خير الدين برباروس، إلى الأسطول الفرنسي في حربهما على إيطاليا، فكان هناك حلفاً عسكرياً بين فرنسا والعثمانيين، ضد أي عدو مشترك.

وساعد خير الدين برباروس، الفرنسيين في استعادة مدينة نيس، التي كانت بيد الإيطاليين عام 950 هجرياً.

هذا الذي أدى أن تتنازل فرنسا عن ميناء طولون الفرنسي، إلى الإدارة العثمانية، وتحول هذا الميناء، إلى قاعدة حربية اسلامية، للدولة العثمانية في خلافة سليمان القانوني.

وأصبح مركزاً لكل البحرية الاسلامية في البحر الأبيض المتوسط، هذا كله في الجانب العسكري من عهد سليمان القانوني.

اهتمامات السلطان سليمان القانوني

كان السلطان سليمان القانوني شاعراً، له ذوق فني رفيع، وكان خطاطاً من الطراز الأول، يجيد الكتابة.

وملماً بعدة لغات، منها العربية، وبصيراً بالأحجار الكريمة، ومغرماً بالبناء والتشييد الحضاري، وظهر هذا في آثار دولته.

إنجازات السلطان سليمان القانوني

العمارة

أنفق بسخاء على المنشآت الكبرى، وشيد المعاقل والحصون، وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في أنحاء الدولة.

خاصة في دمشق ومكة وبغداد، بالإضافة إلى اسطنبول من روائع الحضارة والعمارة، وهي تختلف عن باقي جوانب الحضارة في أمرين.

فكانت العمارة واضحة وبارزة، والثاني هو خلودها على مر الزمان، ويمكن أن تشاهدوا آثار العثمانيين، بالذات آثار سليمان القانوني.

وظهر في عصر سليمان القانوني، أشهر المهندسين في كل العالم الاسلامي، المهندس سنان باشا، الذي اشترك في الحملات العثمانية، واطلع على الكثير من الطرز المعمارية.

المساجد

حتى استقام له أسلوبه الخاص، وقد بنى مسجد سليمان القانوني، جامع السليمانية في اسطنبول، في عهد السلطان سليمان القانوني.

الخطاطين

ومن أشهر الأعمال في عهده فن المنمنمات، الرسوم العثمانية، وصل إلى أوج ازدهاره، ولمع العديد من الخطاطين.

من أعظمهم حسن أفندي جلبي، الذي كتب خطوط جامع السليمانية، وأستاذه أحمد بن قره حصاري، له مصحف بخطه، من روائع الخط العربي.

الحج ومكة المكرمة

اهتم الخليفة سيلمان القانوني، بتوسعة الحج في مكة المكرمة، ومهد السلطان درب الحج الشامي، الذي سلكه خط سكك جديد الحجاز فيما بعد، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.

قامت السلطانة خرم خاتون زوجة السلطان سليمان القانوني، بإيصال المياه إلى مكة المكرمة، وكان قد انقطع المياه.

العلماء

في عهد السلطان سليمان القانوني، ظهر عدد من العلماء الكبار، في مقدمتهم أبو السعود أفندي، صاحب التفسير المعروف، ارشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم.

هذه الإضافات العلمية هي الركن الثاني الخالد للحضارة، مع العمران، وهذا الذي يخلد الحضارات.

مكتبة السليمانية

بنى السلطان سليمان القانوني مكتبة السليمانية، فيها 80 ألف مخطوطة لم تطبع حتى الآن، وضع نواتها الأولى سليمان القانوني.

وحدد مهام مسؤول المكتبة، والإعارة، ومازالت موجودة ومحفوظة حتى الآن، تقدم فهرسها للباحثين إلى اليوم.

لقب القانوني

أهم ما اشتهر به السلطان سليمان القانوني، هو وضعه للقوانين التي تنظم الحياة، في دولته التي هي أكبر دولة في العالم.

وهذه القوانين وضعها سليمان القانوني مع شيخ الاسلام، أي أكبر علماء المسلمين في ذلك الوقت، وهو مفتي الدولة.

الشيخ أبو السعود أفندي، وكانت هذه القوانين تراعي الظروف الخاصة بدولته، وحرص أن تتفق جميع القوانين مع الشريعة الاسلامية.

السبب الأهم لاطلاق لق القانوني على السلطان سليمان، لقيامه بتدوين القوانين، ولكن أو من وضعها هو السلطان محمد الفاتح، ثم طورها السلطان بايزيد الثاني.

لكن في عهد السلطان سليم طورت أكثر، فكانت مدونة في السابق، إلا أن السلطان سليمان كان أفضل من قام بتحريرها وتنظيمها.

وصارت هذه القوانين على مستوى عالمي، ووضعت ضمن القوانين العثمانية، وشملت أكثر من مئتي قانون.

كل قانون ينظم شيء من أجزاء الدولة، نظمت الشريعة وحولتها إلى أحكام قانونية واضحة التطبيق.

السلطان سليمان القانوني، لم يضع قانون مخالفاً لأي شيء في الشريعة الاسلامية، كل ما فعله أنه حول الأحكام الشرعية إلى قوانين للمحاكم، استناداً لكبار العلماء ومنهم الشيخ أبو السعود أفندي.

والقاعدة هنا أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، فإذا وجد خلاف بين الفقهاء، فالذي يحدد ما الذي يجب فعله فهو الحاكم.

وظلت هذه القوانين يحكم بها في الدولة العثمانية، وعرفت باسم دستور السلطان سليمان، وظلت تطبق حتى مطلع القرن التاسع عشر الميلادي.

القوانين والعدالة

لم يطلق الشعب على السلطان سليمان لقب القانوني لوضعه القوانين، وإنما لتطبيق هذه القوانين بعدالة.

والأوربيون كانوا يلقبونه بسليمان الكبير والعظيم، والعثمانيين يرون أن لقب القانوني أكبر من ألقابهم، لأنه يمثل العدالة.

إدارة الدولة

لم يكن عهد سليمان القانوني العهد الذي بلغت فيه الدولة أقسى حدود الاتساع، وإنما هو العهد الذي تمت فيه إدارة دولة في العالم، بأرقى نظام إداري.

فكان السلطان سليمان على مقدرة كبيرة من التنظيم والتشريع، وكان ورعاً حريصاً على ألا يخالف الشريعة.

وقد نسخ بيده القرآن ثمان مرات، لشدة ورعه، والنسخ مازالت موجودة في مكتبة مسجد السليمانية في اسطنبول.

مجلدات قوانين سليمان القانوني

القوانين التي وضعها سليمان القانوني، شكلت ثلاث مجلدات، ضمن مجموع كل القوانين العثمانية التي صدرت ونشرت في 12 مجلد.

فهي قوانين تشمل أكثر من مئتي قانون منظم لكل ما يحتاجه الناس وفق الشريعة الاسلامية.

فالسلطان سليمان القانوني وصل إلى القمة في الإدارة في القوانين، في العمارة في الحضارة في الفنون، في الآداب.

ودولته كانت 6 ملايين متر مربع، تركها ووصلت إلى 15 مليون متر مربع، إضافة إلى أنه لم يترك الجهاد أبداً.

السلطان سليمان القانوني ومرض النقرس

ففي أواخر أيام السلطان سليمان القانوني، أصابه مرض النقرس، وكان لا يستطيع ركوب الخيل، ولكنه كان يتحامل على نفسه، إظهاراً للقوة أمام أعدائه.

بلغ عمره 74 عاماً ومع ذلك عندما عرف أن ملك الهيسبرد أغار على ثغر من ثغور المسلمين، قام سليمان إلى الجهاد بنفسه.

مع أنه في شدة الألم والمرض، وقاد الجيش بنفسه، في 9 شوال 973 هجرياً، 1566 ميلادي، ووصل إلى مدينة ستوار المجرية.

آخر حروب السلطان سليمان القانوني

كانت من أعظم القلاع للصليبيين، ونصحه الأطباء أن لا يخرج، فالنقرس قد يؤذيه، ولكنه أجابهم بإجابة خلدها التاريخ:

أحب أن أموت غازياً في سبيل الله

كان يملك حينها نصف الدنيا، وملوك الأرض كلهم يخشونه، ولكنه أبى إلا أن يخرج غازياً في سبيل الله.

وخرج إلى القتال، وازداد عليه المرض، حتى وصل إلى أسوار المدينة، وحاصرها، وفي أقل من أسبوعين استطاع أن يكسر حصارها.

وكان أصعب واجهه المسلمون، بسبب متانة الأسوار، واشتد الصليبيون في الدفاع عن حصنهم، واستمر القتال والحصار، خمسة أشهر.

وازاد الوضع صعوبة، زيادة مرض السلطان سليمان القانوني، فأخذ يدعوا إلى الله بتضرع، وقد سمعوه يقول:

يا رب العالمين افتح على عبادك المسلمين وانصرهم واضرم النار على الكفار

واستجاب الله تعالى لدعائه، فحصل انفجار هائل جداً من البارود، فهجم المسلمون على القلعة وفتحوها، ورفعت الراية العثمانية على أعلى مكان في القلعة.

ولما وصل خبر الفتح للسلطان القانوني، فرح وحمد الله تعالى على هذه النعمة العظيمة، وقال:

الآن طاب الموت

وقد خرجت روحه في صفر 974 هجرياً الموافق سبتمبر 1566 ميلادي، وهذه قصة السلطان سليمان القانوني.

وفات السلطان سليمان القانوني

عندما علم المسلمون بخبر وفاة السلطان سليمان القانوني، عمهم الحزن الشديد، بينما في أوروبا ما فرح الصليبيون بموت أحد بعد بايزيد الأول ومحمد الفاتح.

كفرحهم بموت السلطان سليمان القانوني، جعلوا يوم وفاته عيداً من أعيادهم، ودقت أجراس الكنائس بأوروبا فرحاً بموته.

الصندوق السري

وأثناء التشييع، تذكروا أنه قد أوصى بوضع صندوق معه في القبر، فتحير العلماء، وظنوا أن الصندوق قد يكون مليء بالمال أو الجواهر.

وقالوا لا يجوز اتلاف المال تحت التراب، ولو كان للسلطان، فقرروا فتحه، وأخذتهم الدهشة عندما رأوا ما بداخله.

لقد كان الصندوق ممتلئ بفتاوى العلماء، التي حولها إلى قوانين، فراح الشيخ أبو السعود يبكي قائلاً:

أنقذت نفسك يا سليمان، أي سماء تظلنا وأي أرض تقلنا، إن كنا مخطئين في فتاوانا.

من أشهر أقوال السلطان سليمان القانوني:

(عندما أموت، أخرجوا يدي من التابوت، لكي يرى كل الناس أنه حتى السلطان خرج من الدينا بيد فارغة)

 د طارق السويدان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى