شخصيات

صلاح عطية ملياردير الغلابة


صلاح عطية : سارت بنا الركبان إلى حيث المجد والعلو، إسم لم يكن له في سماء الإعلام مكانن لكنه حقق في سماء الرفعة والمجد أعلى بيان.

تحركنا إلى شمال شرق الدلتا في مصر إلى محافظة الدقهلية، مركز ميت غمر، قرية تفهنا الأشراف، هنا كانت النهاية حيث خرجت عشرات الألوف من الوفود المشيعة، الذين أحبوه.

أحبوه لأنهم عرفوه، وعرفوه لأنه قدم الكثير لأمته، ومن هنا فاضت الدموع في وداع ذلك المهندس.

أما البداية فكانت قبل أكثر من خمسين عاماً لمهندس زراعي شاب، بدأ بقريته مشروعه ليتاجر مع الله.

كيف كانت البداية مع المهندس صلاح عطية

إنه المهندس صلاح مصطفى عطية رحمه الله الذي ولد في مطلع عام 1365 للهجرة، 1946 للميلاد. ولد الفقيد في هذا منزل متواضع ونشأ محباً للخير سباقاً له.

نشأ من أسرة فقيرة، والحمد لله ربنا أكرمه وخرج نابذ في هذه الأسرة ورجلاً خيراً وكان يعمل بدون أجر ولوجه الله.

وعمل الكليات والمعاهد وأنشأ من الحضانة إلى الكليات، لم يرزق بأبناء ومع ذلك كانت حالته النفسية طيبة ويقول ثروتي هي الذين في المعاهد والكليات.

كان يعامل الطلاب كأبنائه ولم يحزن مطلقاً من قضاء الله، يلبي طلباتهم ولا يتأخر عليهم، وأي طفل من القرية يعتبره ابنه.

لقد كان إنسانا بمعنى الكلمة رحمه الله. وكان يساعد المقبلين على الزواج من أقاربه، دون أن يسألوه، ودون تمييز بينهم.

تخرج كمهندس زراعي وبعد انتهائه من الخدمة العسكرية، اجتمع مع رفاقه للبحث عن البداية، لكن أين وكيف تكون البداية؟

البداية

اجتمع تسعة نفر للبحث عن مشروع تجاري يبدأون منه، دفع كل واحد منهم مائتا جنيه، وربما استدانه او باع بعض ما يملك، لكن بقيت مشكلة أين الشريك العاشر.

جائهم الفقيد رحمه الله، وقال وجدت نصيب الشريك العاشر، عشرة في المائة ستذهب لله من أجل أن يحمينا ويعيننا ويبارك لنا في مالنا.

كانت العشرة في المئة لله تبارك وتعالى، لكن كيف يبدأون؟ لم يجدوا مشروعاً ليبدأوا به سوى هذه الأصوات.

مشروع الدواجن كانت البداية ومنه انتقلت إلى فضاء أرحب.

عبد العظيم عطية عم المرحوم

كنا تسعة شركاء وفي المقدمة المهندس صلاح مصطفى عطية والعاشر هو الله، بدأنا بحوالي 250 لكل واحد، وأنا بعت ذهب والدتي وذهب زوجتي وكان لدي ثلاث حيوانات بعتهم أيضاً.

وبدأنا تسعة، ووفينا كل شيء،الحمد لله، وكان قائدنا صلاح عطية.

وهكذا بدأ المشروع

وكانت نسبة عشرة في المائة للشريك الأعظم كما سماه أي سهم لله، وفي سبيل الله. وبعد عام واحد تضاعفت الأرباح وتضاعف النصيب لله في سبل الخير والبذل والعطاء.

أنشأ مؤسسات خيرية كبيت المال ومساجد في القرية والقرى المجاورة أيضاً، أنشأ الكليات ليوفر للطلاب الدراسة ومصالح حكومية كثيرة ومستشفيات ومعاهد أزهرية.

بدأ العمل المؤسسي وتحركت نفس المهندس للعمل الخيري المنظم لينقل قرية صغيرة في مصر إلى مصاف المدن الكبرى، قرية تفهنا الأشراف في محافظة الدقهلية.

تجاوزت قيمة الأعمال والمشروعات فيها عشرات الملايين من الدولارات وهنا يكمن سر الدهشة والتساؤل إذا علمنا أن سر النهضة فيها هو العمل الخيري.

ووراء العمل الخيري المهندس صلاح عطية رحمه الله.

أول الأرباح

في أول دورة حققنا ألف جنيه وهي تكلفتها ألف جنيه، ستستغرب أن ألف جنيه كان رأس المال المزرعة. وزع العشرة في المائة الأولى وزعها على فقراء المسلمين نقداً.

ومعنى أن تكسب ألف جنيه في عام 1975، كان يشتري نصف فدان من الأرض، وهذه الحقيقة.

في العام التالي بدأ المشروع يكبر وزاد من عشرة إلى عشرين في المائة، حسب طلبه رحمه الله ووافق الجميع.

وهذه أساساً جمعية الأشراف للدواجن وهو اشتراها من مالكها، ونفذنا مشروعنا فيها. وكانت أول دورة لنا في 19/5/1975.

إنشاء المركز الإسلامي

بعد صلاة عصر يوم الجمعة الثالث من ربيع الثاني عام 1404 للهجرة، اجتمع أبناء القرية وعمدة القرية مع مهندسين شابين.

حرصا على إنشاء مركز إسلامي متكامل في البلدة. يشارك في إنشائه كل أبناء تفهنا الأشراف، وتم الاتفاق.

 

لم يقتصر عمل المؤسسة على البذل للفقراء، بل بدأ بخطوط ثلاثة محاربة الجهل بالعلم ومحاربة الفقر بالتجارة ومحاربة التشرذم بالإصلاح.

كان رجلاً مع الله وكل أعماله لله، وهب نفسه لله وزهد الدنيا، لا يبغى سوى وجه الله. فكان يسعى دائماً وأبداً إلى أي باب من أبواب الخير ليطرقه.

الحج صلاح رحمه الله كان أباً لكل المصريين، وكان دائماً يحث الأهل والأحباب والجميع على الخير.

المنجزات التعليمية

بدأ أعمال لجنة التعليم، وكان هدفها دراسة المشكلات وحلها على مختلف المستويات، حتى قيل أنه تم القضاء على الأمية بشكل شبه تام في القرية.

ومن المنجزات التعليمية إنشاء المعاهد الأزهرية الأولية، والإعدادية والثانوية.

إنشاء محطة القطار، ليتمكن الطلاب من التنقل إلى القرية مجاناً. وتوفير الباصات لنقل الطلاب إلى القرى الأخرى. وإنشاء الكليات في القرية.

بناء المساجد والمعاهد الإسلامية

الحج صلاح عطية قد أنشأ مركز تحفيظ القرآن فوق مسجد المركز الإسلامي، وكان يأتينا للتحفيظ، ويقول أنا والدكم الحج صلاح عطية .

وهذا الرجل جاء إلى محافظة كفر الشيخ مركز الحمول وساعد أهالي مركز الحمول في بناء المساجد وبناء المعاهد الأزهرية.

كانت مشاريعه تملأ البلد ولا يتأخر عن فعل الخير، ولا يرى أحداً متضايقاً إلا يساعده. وهو سبب تطور البلدة على ما هي عليه.

المستشفيات

المستشفى بها 35 سريراً للإقامة، وبها قسم للعمليات، وقسم الحاضنات يحوي 15 حاضنة، وأربعة أجهزة إرذاذ، وعشرة أجهزة سيباب وهي مرحلة من مراحل العلاج داخل الحاضنة.

في قسم غسيل الكلى يوجد 15 حاضنة، وقسم أشعة متطور جداً من أشعة إكس وإيكو قلب وأشعة مقطعية. والأسعار ليست مرتفعة، رغم غلاء سعر أجهزة التصوير.

وغالباً في المستشفيات الخيرية تكون رواتب الأطباء هي الأقل، لذلك لا يأتي الخبراء بل يذهبون إلى المستشفيات الغالية.

ومع ذلك الحج الله يرحمه قد أوصى من بداية العمل بأن تكون أجور العاملين تكون أجوراً استثمارية. أي مثل ما تعطي المستشفيات الإستثمارية. لكن بالنسبة للمريض يأخذ العلاج المدعم.

مؤسسة التعليم المتكاملة

ملياردير الغلابة أو أبو الفقراء كما يحلو لهم أن ينادوه، أوجد مؤسسة متكاملة تهتم بالتعليم والصحة، ولجان الشباب من خلال تكوين الفرق المتكاملة في كافة الأنشطة.

وفرق الخدمة العامة التي تقوم بالأعمال المختلفة كتنظيف القرى وإنارتها والإهتمام بالتدريب والعمل اليدوي وأعمال الخياطة والنجارة.

ورشة النجارة

يستفيد من ورشة النجارة بيوت اليتامى والفقراء والمطابخ وهؤلاء يمرون على المؤسسة بحيث تنطبق عليهم الشروط ومن ثم يحال إلى الورشة.

وعمل الورشة يختص بالمعاهد والكليات والبيوت، وتنتج المقاعد والكراسي والمكاتب والخزائن، وام يحتاجه المتزوجون من غرف نوم.

ومدخولها المالي صفر لأنه رفض أن يأخذ مقابلاً، دون إدخال عمل خارج المؤسسة. وأجور العاملين من المؤسسة أيضاً.

يقوم مصنع بتجهيز أكثر من 400 غرفة نوم وأثاث منزلي سنوياً للفقراء المتزوجين حديثاً فضلاً عن تجهيز المقاعد الدراسية والمكاتب.

والمقاعد عملها مستمر طوال السنة، وبدأت العمل منذ 2004 وأقصى حد 400 غرفة نوم في السنة.

لجنة فض النزاعات

وفي الجانب الآخر لجنة فض المنازعات التي تقوم بالإصلاح بين المتنازعين وحل القضايا والخلافات بينهم.

ورشة الخياطة

بدأ تدريب البنات على الخياطة، ثم أخذ المستورد الجاهز يطغى على السوق، فانتقلنا إلى عمل السجاد، فانخفض سعر السجاد، وعرقل تصدير السجاد الأمور السياسية.

فانتقلنا إلى عمل آخر، فأدخلنا البنات والبنين في الأعمال والمشروعات التي لدينا، وأكثر من ألف شخص يعملون، ويعيلون أسرهم.

حتى عندما كان صلاح عطية مريضاً في المستشفى، أجده يزور منشأة من المنشآت، فأقول له: يا حج صلاح أنت صحتك لا تحتمل هذا.

فيقول لي: لا يمكنني ألا أشعر بالألف منزل المعولين إن أنا نمت من أين سيأكلون؟

وفاته

مرض الفقيد رحمه الله، وكانت أيامه الأخيرة تشهد تحركاً كبيراً منه، للإطمئنان على العمل المؤسسي.

وفي يوم الإثنين الأول من ربيع الثاني من عام 1437 للهجرة، ودعت الدنيا المهندس العظيم صلاح عطية بعد صراع مع المرض.

بكت تفهنا الأشراف بل بكت مصر بأسرها بل بكى العالم الإسلامي، وهو يسمع سيرته العطرة. تحركت حشود آلاف من الناس من القرى المجاورة لتشهد جنازته في يوم يعتبر من أعظم ايام مصر الحديثة، إنها مشاهد الحب والفواء، لمن أحبته الملايين.

إنها جنازة المهندس صلاح عطية رحمه الله، ملياردير الغلابة كما يسمونه.

شهادة شاهد ممن ساعدهم

كان الحج صلاح يعطينا أموالاً لنشتري مواشي ونوزعها على بيوت الناس الفقراء ليفتح بيوتهم، وكان رحمه الله يحفظ القرآن الكريم بدون معلم أثناء فترة الإجازة الصيفية.

وكان إذا أذن المؤذن في المسجد للصلاة، يذهب الحج صلاح لصلاة أي فرض وكان يحث الناس الجالسين في الطرقات وعلى المصاطب بالذهاب إلى المسجد ويقول لهم ربنا ينادي عليكم.

الحج صلاح عطية فقدته الدنيا كلها، كنت أعمل في الطوب وهو يبني في المعهد فوجدني وأخذني لأعمل معه. كان مجاهداً في سبيل الله، كان كريماً الله يرحمه ويحسن مثواه.

شهادة أخو الفقيد

الشيخ مصطفى كان قد عاد معتمراً من العمرة، وأحضر ماء زمزم معه، فأول ما سمع بأن صلاح عطية توفى قال: إنها لغسيل صلاح عطية.

ثم إنه قال في الوصية أن أخوته من يبدلوا له ملابسه بعد مماته، وملا مات أخوته يريدون أن يبدلوا ملابسه وجدوا ملابسه نظيفة، وطلب أن لا تكون له مآتم ولا سرادق ولا شيوخ تقرأ له.

كان يريد أن يقتصر تأبينه على المقبرة وأمام المنزل لمدة ثلاثة أيام فقط، ومن حضر المأتم يدعو له لعل وعسى يتقبل الله منه.

الجنازة

هنا تحركت الجنازة، ساقتها الأيدي في وسط حشد هائل يتجاوز عشرات الآلاف من الناس رسالة المهندس صلاح عطية رحمه الله وصلت للدنيا وهو مختفي.

وصلت بصلاح النية والعطاء من صلاح عطية رحمه الله تعالى.

هنا يرقد الفقيد رحمه الله، بعد أن ودعته بلدته وودعته مصر بأكملها، هنا حط رحاله، لكنه لم يتوقف عن أعمال الخير، حيث ما زالت المؤسسة شاهدة على جملة من أعمال البر والخير وما زالت باقية.

مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) سورة الحديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى