إسلامشخصيات

قصة حليمة السعدية مرضعة رسول الله

حليمة السعدية هذه السيدة الرصان الرزان أثيرة لدى كل مسلم ، عزيزة على كل مؤمن .

فمن ثدييها الطاهرين رضع الغلام السعيد محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ، و على صدرها المفعم بالمحبة غفى ، و في حجرها الطافح بالحنان درج .

و من فصاحتها و فصاحة قومها بنو سعد نهل ، فكان من أبين الأبيناء كلاماً و أفصح الفصحاء نطقاً .

إنها السيدة الجليلة حليمة السعدية أم نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه من الرضاعة .

حليمة السعدية وقدومها إلى مكة

لإرضاع السيدة السعدية للطفل المبارك الذي ملأ الدنيا براً ومرحمة و أترعها خيراً وهدياً وزانها خلقاً وفضلاً قصة من روائع القصص .

حكتها حليمة ببيانها المشرق الأنيق الجذاب و أسلوبها المتألق الرشيق الممتع ، فتعالوا نستمع إليها فخبرها عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من روائع الأخبار .

قالت حليمة : خرجت من منازلنا أنا وزوجي وابن لنا صغير نلتمس الرضعاء في مكة ، وكان معنا نسوة من قوم بني سعد قد خرجن لمثل ما خرجت إليه .

وكان ذلك في سنة قاحلة مجدبة أيبست الزرع و أهلكت الضرع فلم تبقي لنا شيئاً .

و كان معنا دابتان عجفاوان مسنتان لا ترشحان بقطرة من لبن ، فركبت أنا وغلامي الصغير إحداهما أما زوجي فركب الأخرى و كانت ناقته أكبر سناً وأشد هزالاً .

وكنا والله ما ننام لحظة في ليلنا كله لشدة بكاء طفلنا من الجوع ، إذ لم يكن في ثديي ما يغنيه و لم يكن في ضرع ناقتنا ما يغذيه .

ولقد أبطانا بالركب بسبب هزال أتاننا و ضعفها فضجر رفاقنا منا و شق عليهم السفر بسببنا . فلما بلغنا مكة وبحثنا عن الرضعاء وقعت في أمر لم يكن بالحسبان .

ذلك أنه لم تبق امرأة إلا وعرض عليها الغلام الصغير محمد بن عبد الله ، فكنا نأباه لأنه يتيم و كنا نقول ما عسى أن تنفعنا أم صبي لا أب له ، وما عسى أن يصنع لنا جده .

ثم إنه لم يمض علينا غير يومين اثنين حتى ظفرت كل امرأة معنا بواحد من الرضعاء ، أما أنا فلم أظفر بأحد .

حليمة السعدية تأخذ الرضيع اليتيم

فلما أزمعنا الرحيل قلت لزوجي إني لأكره أن أرجع إلى منازلنا و ألقى بني قومنا خاوية الوفاض دون أن آخذ رضيعاً فليس في صويحباتي امرأة إلا و معها رضيع ، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم و لآخذنه .

فقال لها زوجها : لا بأس عليك ، خذيه فعسى أن يجعل الله فيه خيراً .

فذهبتُ إلى أمه و أخذته ، و والله ما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غلاماً سواه .

فلما رجعت به إلى رحلي وضعته في حجري و ألقمته ثديي ، فدرّ عليه من اللبن ما شاء الله أن يدر بعد أن كان خاوياً خالياً ، فشرب الغلام حتى روي ثم شرب أخوه حتى روي أيضاً ثم ناما .

فاضجعت أنا و زوجي إلى جانبهما لننام بعد أن كنا لا نحظى بالنوم إلا غراراً بسبب صبينا الصغير .

ثم حانت من زوجي التفاتة إلى ناقتنا المسنة العجفاء فإذا ضرعاها حافلان ممتلئان ، فقام إليها دهشاً وهو لا يصدق عينيه و حلب منها و شرب .

ثم حلب لي فشربت معه حتى امتلأنا رياً و شبعاً ، و بتنا في خير ليلة .

فلما أصبحنا قال لي زوجي : أتدرين يا حليمة أنك قد ظفرت بطفل مبارك ؟

فقلت له : إنه لكذلك ، و إني لأرجو منه خيراً كثيراً .

ثم خرجنا من مكة فركبت أتاننا المسنة و حملته معي عليها ، فمضت نشيطة تتقدم دواب القوم جميعاً حتى ما يلحق بها أي من دوابهم .

فجعلت صواحبي يقلن لي : ويحك يا ابنة أبي ذؤيب ، تمهلي علينا ، أليست هذه أتانك المسنة التي خرجتم عليها ؟

فأقول لهم : بلى والله إنها هي . فيقلن : والله إن لها لشأناً .

غنمات حليمة السعدية

ثم قدمنا منازلنا في بلاد بني سعد ، وما أعلم أرضاً من أرض الله أشد قحطاً منها ولا أقسى جدباً .

لكن غنمنا جعلت تغدو إليها مع كل صباح فترعى فيها ثم تعود مع المساء فنحلب منها ما شاء الله أن نحلب و نشرب من لبنها ما طاب لنا أن نشرب ، و ما يحلب أحد غيرنا من غنمه قطرة .

فجعل بنو قومي يقولون لرعيانهم : ويلكم إسرحوا بغنمكم حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب .

فصاروا يسوحون بأغنامهم وراء غنمنا ، غير أنهم كانوا يعودون بها و هي جائعة ما ترشح لهم بقطرة .

عودة الصبي إلى حضن أمه

ولم نزل نتلقى من الله البركة والخير حتى انقضت سنتا رضاع الصبي و تم فطامه ، و كان خلال عاميه هاذين ينمو نمواً لا يشبه نمو أقرانه .

فهو ما كاد يتم سنتيه عندنا حتى غدا غلاماً قوياً مكتملاً . عند ذلك قدمنا به على أمه و نحن أحرص ما نكون على مكثه عندنا و بقائه فينا لما كنا نرى في بركته .

فلما لقيت أمه طمأنتها عليه وقلت : ليتك تتركين بني عندي حتى يزداد فتوة و قوة فإني أخشى عليه وباء مكة .

ولم أزل بها أقنعها و أرغبها حتى ردته معنا فرجعنا به فرحين مستبشرين .

ثم إنه لم يمض على مقدم الغلام غير أشهر معدودات حتى وقع له أمر أخافنا وأقلقنا وهزنا هزاً.

حادثة شق الصدر

فلقد خرج ذات صباح مع أخيه في غنيمات لنا يرعيانها خلف بيوتنا ، فما هو إلا قليل حتى أقبل علينا أخوه يعدو وقال: إلحقا بأخي القرشي فقد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض ، فاضجعاه وشقا بطنه.

فانطلقت أنا وزوجي نغدو نحو الغلام ، فوجدناه ممتقع الوجه مرتجفاً ، فالتزمه زوجي وضممته إلى صدري وقلت له: مالك يا بني ؟

فقال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني وأشقا بطني والتمسا شيئاً فيه لا أدري ما هو ثم خلياني ومضيا.

فرجعنا بالغلام مضطربين خائفين، فلما بلغنا خباءنا التفت إلي زوجي وعيناه تدمعان ثم قال: إني لأخشى أن يكون هذا الغلام المبارك قد أصيب بأمر لا قبل لنا برده، فألحقيه بأهله فإنهم أقدر منا على ذلك.

فاحتملنا الغلام ومضينا به حتى بلغنا مكة ودخلنا بيت أمه، فلما رأتنا حدّقت في وجه ولدها ثم بادرتني قائلة: ما أقدمك بمحمد يا حليمة وقد كنت حريصة عليه شديدة الرغب في مكثه عندك ؟

فقلت: لقد قوي عوده و اكتملت فتوته و قضيت الذي علي نحوه وتخوفت عليه من الأحداث فأديته إليك.

فقالت: أصدقيني الخبر، فما أنت بالتي ترغب عن الصبي لهذا الذي ذكرته.

ثم ما زالت تلح علي ولم تدعني حتى أخبرتها بما وقع له. فهدأت ثم قالت: وهل تخوفت عليه الشيطان يا حليمة ؟

فقلت: نعم، فقالت: كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل، وإن لابني لشأن فهل أخبرك خبره ؟ فقلت: بلى.

قالت: رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام ، ثم إن يوم ولدته نزل واضعاً يديه على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء .

ثم قالت: دعيه عنك وانطلقي راشدة وجزيت عنا وعنه خيراً.

فمضيت أنا وزوجي محزونين أشد الحزن على فراقه ولم يكن غلامنا بأقل منا حزناً عليه و أسى ولوعة على فراقه.

وفاء النبي لأمه بالرضاعة

وبعد ، فلقد عاشت حليمة السعدية حتى بلغت من الكبر عتياً ، ثم رأت الطفل اليتيم الذي أرضعته قد غدا للعرب سيداً و للإنسانية مرشداً و للبشرية نبياً .

ولقد وفدت عليه بعد أن آمنت به وصدقت بالكتاب الذي أنزل عليه ، فما إن رآها حتى استطار بها سروراً وطفق يقول : أمي أمي .

ثم خلع لها رداءه وبسطه تحتها و أكرم وفادتها أبلغ الإكرام ، و عيون الصحابة تنظر إليه و إليها في غبطة وإجلال .

صلوات الله وسلامه على محمد البر الوفي صاحب الخلق الكريم ورضوان الله على السيدة حليمة السعدية ظئر النبي العظيم صلى الله عليه وسلم .

المصدر

قناة هاشتاق


جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com

ماكتيوبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى