قصة ماو تسي تونغ زعيم الصين وحكمه الاستبدادي
يعرف الإستبداد في لغة العرب، على أنه الإنفراد، ويقال استبد بالأمر، أي انفرد به دون غيره، وصف ذلك عبد الرحمن الكواكبي، في كتابه العظيم طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد.
يقول: أشد مراتب الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان، هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية.
القيادة الفردية المستبدة، هي موضوع اليوم من قصة وفكرة، ولعل أبرز الشخصيات التي عرفت بقيادتها الفردية، وحكمها المطلق لمئات الملايين من الناس، الزعيم الصيني الشهير ماو تسي تونغ.
ولادة الزعيم المستبد ماو تسي تونغ
ولد ماو تسي تونغ في عام 1893 للميلاد في الصين، في مقاطعة هاينان، وكان أبوه مزارعاً، وعندما وصل سنه إلى ثمانية عشر عاماً.
أراد ماو بطموحاته العالية، أن يصبح أستاذاً، فانتقل من مناطق الزراعة إلى العاصمة بكين، والتحق في الجامعة هناك.
في ذلك الوقت، كانت المدن الصينية تغلي من الاضطرابات، وكان الهدف هو التخلص من عائلة ماتشو، التي حكمت البلاد حكماً استبدادياً لعدة قرون.
واستمرت الحرب الأهلية بشكل متقطع، لمدة عشر سنوات، وفي النهاية نجحت الثورة، وتخلصت الصين من هذه الملكية.
الصين الجمهورية بقيادة الحزب الوطني الشعبي
تحولت الصين إلى جمهورية، يقودها صن يات سن رئيس الحزب الحاكم الجديد، المسمى كو مي تانغ، وكومي تانغ، تعني الحزب الوطني الشعبي الصيني.
في عام 1918 حدثت أحداث رئيسية في العالم، من أهمها انتصار الثورة الفاشية الشيوعية في روسيا، وانتشرت أخبارها بقيادة لينين.
وفي هذه الفترة، كان ماو تسي تونغ قد ترك الجيش، وعاد إلى الجامعة، وبدأ بالقراءة في كتب لينين والماركسية، وتأثر به كثيراً، عندها اعتنق ماو تسي تونغ الشيوعية.
دخول ماو تسي تونغ في الحزب الشيوعي
بدأ ماو يقود تظاهرات طلابية، ضد أي وجود أجنبي في البلاد، وأخذت هذه المظاهرات تجوب الشوارع في بكين، لحماية الصين من الامتيازات التي أعطيت للدول الأجنبية، وبالذات لليابان.
وفي عام 1920 كان من الواضح أن ماو تسي تونغ، أصبح شيوعياً ماركسياً متعصباً، ليس هو فقط بل آلاف من الصينيين.
والبلاد العربي أيضاً دخلت فيها الأحزاب الشيوعية، بعد أن انتصرت في روسيا، وأنشأوا الدولة السوفييتية.
وفي شهر السادس من عام 1921 صار ماو تسي تونغ، واحداً من اثنا عشر شخصاً، أسسوا الحزب الشيوعي في المدينة الرئيسية شنغهاي، وترقى فيه ببطئ، حتى صار زعيماً للحزب في عام 1937.
تأثره بالفكر الشيوعي والماركسية
الماركسية الشيوعية، تقوم حول الاشتراكية ونفي الأديان، والفكر الشيوعي الروسي، كان يقوم حول أن السيطرة يجب أن تكون للعمال في البلاد.
فاتفق ماو تسي تونغ مع فكر ماركس، في أن أنصار الحزب، يجب أن يكونوا من عمال المدن، وظل على هذا الفكر إلى عام 1925.
في هذا العام غير ماو تسي تونغ رأيه، في أن يكون العمال هم المسيطرون في البلاد، واعتمد على الفلاحين الأكثرية في الصين، فقد كانت دولة زراعية.
وجه ماو تسي تونغ تركيزه على الثورة الزراعية، وبدأ يجند الفلاحين للحزب الشيوعي، بعيداً عن الفكر الماركسي آنذاك.
والحزب الشيوعي كان دكتاتورياً من الداخل، فكارل ماركس هو بمثابة الإله، بالنسبة للمنتسبين للحزب، فاعتبروا ما فعله ماو، انحراف عن مبادئ الحزب.
فقرر الحزب طرده، وعندما تم طرده التف الفلاحين حوله، وازدادت أعدادهم، والشيوعيين الذين المنتشرين في الصين انضموا إليه.
الزعيم شيانغ كاي شيك
في خلال هذه الفترة، ازدادت شعبية ماو تسي تونغ، وبعد عامين توفي صن يات سن، مؤسس الجمهورية الصينية، وهو أول رئيس للصين الجمهورية، وقد سموه الصينيون بأنه أب الأمة الصينية.
وبعد وفاته تزعم شيانغ كاي تشيك، الحزب الحاكم، وقام بحملة عسكرية في شمال الصين، التي يحكمها الميليشيات، فلم تكن خاضعة للجمهورية آنذاك.
وعاونه في ذلك الإتحاد السوفييتي في روسيا، وظلت هذه الحرب تشن على شمال الصين، من عام 1926 إلى نهاية عام 1927، حتى انتصروا عليهم.
وحد شيانغ كل الصين مجدداً، تحت راية الحزب الوطني القومي الصيني، باسم كول مي تانغ، ولكن شيانغ لم يحفظ الجميل للسوفييت.
فبعد أن سيطر وقويت شوكته، طرد كل الخبراء السوفيتيين الذين ساعدوه، وقام باتخاذ قرارات فردية استبدادية، بطرد كل العناصر اليسارية من شيوعيين وغيرهم، من الحزب الحاكم، كو مي تانغ، وبهذا العناد أدخل الصين في حرب أهلية.
تنظيم أو حكومة سوفيتية صينية
تمزق التحالف بين الجيش الوطني للحزب الحاكم، وبين الشيوعيين في نهاية عام 1927، ودخلوا في الصراع على السلطة.
فقام شيانغ بعمليات تطهير عنيفة، ضد من كان يسميهم الحمر أي الشيوعيين، والأمر بالقتل لكل شيوعي.
عندها اضطر ماو تسي تونغ وزملائه، إلى الهرب، لكنه تتبعهم، فهربوا إلى الجبال على حدود كيوان، ونظموا هناك أول حكومة سوفيتية صينية، ترتكز على الفلاحين.
شيانغ في حلمته، وضع مكافأة مالية لاعتقال ماو، ولكنه فشل، ولم يستطع أن يصل إليه، فعمد إلى شن حملة عسكرية شاملة في الصين، لهدف القضاء على الشيوعيين.
واستمر الصراع بين شيانغ والشيوعية، إلى عام 1934 لمدة سبع سنوات من المعارك، وحاصر الحزب الوطني في النهاية، في قيادة شيانغ، منطقة هوان التي تواجد فيها ماو.
رحلة الشيوعيين الشاقة في عامين
انحسب الشيوعيون من هوان، وبدأوا بالهروب، في رحلة طولها ستة آلاف ميل، نحو الحدود الغربية للصين، ولهم قائد واحد مستبد، هو ماو تسي تونغ، الذي لم يكن ليشاور أحداً منهم.
كان معه أكثر من مائة ألف رجل وامرأة وطفل، وسافر بهم سيراً على الأقدام، كل هذه المسافة وهم يسيرون معه، دون أن يشعر بهم، بل استمر في استبداده لمدة عامين في هذه الرحلة.
وخلال هذين العامين، مروا على اثنا عشر مقاطعة، وأربعة وعشرون نهراً، والعديد من سلاسل الجبال، وصحارى مهجورة، حتى انتهت الرحلة، بوفاة ثمانين ألف من أصل مائة ألف إنسان.
وصف المراقبون هذه الرحلة، بمعجزة التحمل البشري، لأنه ضحى بثمانين ألف إنسان حينها، ولكن ماو تسي تونغ، قام بعدها بإعادة قوته المنهارة.
التحالف بين الزعماء في الصين ضد اليابان
استمر ماو في رحلته إلى عام 1937، ثم حدث شيء غير كل المعادلة في كل العالم، ففي هذا العالم، وقبل بداية الحرب العالمية الثانية.
اجتاحت اليابان الصين، وبدأت الحرب اليابانية الصينية الثانية، وسيطرت اليابان على الصين حينئذ.
وخلال الاحتلال الياباني للصين، أرسل شيانغ إلى ماو تسي تونغ، يدعوه للتحالف ضد الصينيين، وفعلاً تعاون ماو مع خصمه شيانغ، من أجل الوطن وبقاء الصين.
وتصدوا لليابان في تحالف استمر ثمان سنوات، ولكن كل شخص كان يقاتل من موقعه، وفي عام 1942 بدأ شيانغ الوطني، بقبول الدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، في فترة الحرب العالمية.
كانت أمريكا ضد اليابان، في حين استمر ماو تسي تونغ، في القتال ضد اليابان في الشمال، يدعمه الروس، وضم المناطق المحررة إلى النفوذ الشيوعي.
مدارس تعليم الفكر الشيوعي في الصين
أنشأ ماو المدارس، من أجل تعليم الفكر الشيوعي، فهي كانت الوسيلة الاعلامية الأولى آنذاك، لأن الاستبداد، لا يمكن أن ينجح إلا بإعلام قوي، يزين صورة المستبد.
وكانت هذه مرة، يجتمع فيها الشعب الصيني بقيادة مركزية، في قيادة ماوٍ، ولكن مازال هناك الوطنيين.
وبعد هزيمة اليابان، وعند نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد أن ألقت الولايات المتحدة الأمريكية على اليابان بقنبلتين نوويتين.
انسحبت اليابان من الحرب العالمية الثانية، وانسحبت من الصين أيضاً، وذلك في عام 1945 وكان هناك 770 ألف كيلو متر مربع من الصين، في يد ماو.
الزعيم ماو تسي تونغ
صرح ماو تسي تونغ بعد الحرب العالمية الثانية، أنه لن يكون هناك سلام في الصين، ما لم تعزز سلطة الشعب، ويقصد بها الحزب الشيوعي طبعاً.
وفعلاً قامت حرب شاملة في الخامس والعشرين من أيار لعام 1949، بعد أربع سنوات من الحرب الأهلية، استطاع ماو تسي تونغ، أن ينتصر على شيانغ، وحكم الشيوعيون الصين.
ودخلت قوات الشيوعية إلى شنغهاي، آخر معاقل الوطنيين، بدون أي مقاومة تذكر، وأصبح ماو حاكماً، لأكثر من ستمائة وخمسين مليون نسمة.
وصار زعيماً مقدساً، لا منافس له في الصين كلها، ولكي تتطور المسألة أكثر، وضع ماو تسي تونغ، برنامجاً قاسياً.
المنهج السوفييتي في الصين
أصدر ماو قرارات فردية استبدادية، من أجل أن يحول البلد الزراعي إلى قوة صناعية، وأزال قرى بأكملها، وشكل تجمعات اشتراكية، وأعاد تشكيل التوزيع السكاني.
وأمر بحفر مناجم إضافية، من أجل انتاج الحديد، وأعلن عن ما سماه، القفزة العظيمة إلى الأمام، بهدف أن يحقق قدرة صناعية متزايدة، بشكل كبير على الإنتاج.
وقد سار في هذا على منهج السوفييت في روسيا، وبالذات على منهج ستالين، وجرت الأمور بشكل جيد، إلى أن حدث شيء في روسيا، فتغيرت المعادلة في الصين.
حيث توفي ستالين في عام 1953، وتولى خروتشوف السلطة في الاتحاد السوفييتي، وفي فبراير افتتح خروتشوف، المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي.
وكان أول مؤتمر ينعقد بعد وفاة ستالين، وقال فيه خطاب مدته ثمان ساعات، كان تقريراً تحدث فيه عن عبادة الفرد الواحد، أي عن ستالين، ونتائجها ومساوئها.
وقدم بحثاً حول القيادة الجماعية وفوائدها، وندد في المؤتمر، بجرائم ستالين، وغروره ومساوئ الشرطة السرية الخاصة به، وأخطاءه يوم شن الألمان هجومهم على روسيا.
وعن دكتاتوريته في الداخل والخارج، فكان تقرير قوي، ضج في العالم الشيوعي، وبين الشيوعيين أنفسهم، وتورط ماو تسي تونغ المستبد.
لأن مثله الأعلى كان ستالين، وتم انتقاده، والشيوعيين أنفسهم أتباعه، رفضوه، فقرر توقيف إنشاء المزارع الجماعية، التي قد اقترحها ستالين في الأصل.
انقلاب الحزب الشيوعي على ماو تسي تونغ
تم تقليص سلطات ماو من قبل مجموعة من قادة الحزب الشيوعي نفسه، وتحت كل هذه الضغوط، وكعادة ماو تسي تونغ عندما تشتد عليه المشاكل.
لجأ ماو تسي تونغ إلى الشعب، لاستعادة زمام الأمور، ودعا الشعب، للتعبير عن رأيه بحرية، وانتقاد قيادته فيما يريد، وأطلق على هذه الحركة حملة المائة وردة.
ومن خلالها، بدأ اتهام كل مخالف له، بالخيانة للوطن، ونجحت الاستراتيجية الجديدة لماو، وكان يستطيع أن يصف علناً، كل من يتحدث عنه بسوء، بأنه العدو.
وأمر باستخدام القمع، فأي كلمة بسيطة تخرج تسبب موت صاحبها، وتم تصنيف ما بين نصف مليون إلى مليون شخص، أنهم يمينيين، وجرى ترحيلهم لمعسكرات عمل إجبارية، وقد توفي الآلاف منهم، من الجوع.
الثورة الثقافية في الصين
في عام 1966 أراد ماو أن ينسى الناس كل هذا، فقرر أن يفعل شيء مختلف تماماً، وفجر قنبلة الثورة الثقافية، بدل الثورة الصناعية.
وقام بهذه الثورة الثقافية، بتحريض الطلبة على مهاجمة المحرضين، من الحزب الشيوعي نفسه، فقد كان يشكك بهم، وأسماهم ممثلين من اخترقوا الحزب الشيوعي.
وتوعد بالعمل على اجتثاث هؤلاء من جذورهم، وكل هذا كان دعوة لانقلاب داخل الحزب نفسه، فكان الخلاف يدور بينهم في الحقيقة، حول تقسيم السلطة داخل الطبقة الحاكمة.
حاولوا أن يحولوه إلى رمز فقط، بدون السيطرة الحقيقة على الإدارة في شؤون المجتمع، وعندما فعلوا ذلك.
هاجمهم ماو تسي تونغ، فتحول إلى قائد للثورة، واستطاع أن يثير الناس ضدهم، وأطلق ماو شعار في جميع الصين، إنه حق لك أن تثور.
وبمساعدة من الجيش، الذي ظل على ولاء كامل لماو، تحول ماو إلى أسطورة إلى اليوم، وأصبحت تضفى عليه صفة القداسة، ووزعت أقواله التي ضمها في كتاب صغير، ونسخوا منها مئات الملايين.
انتصار ماو على أعدائه من الحزب الشيوعي
وفي عام 1968 انتصر ماو على كل زملائه في الحزب، وكان الثمن، ملايين الضحايا، وعانى النظام السياسي من عدم الاستقرار.
وتم القضاء على جيل كامل، من كوادر الحزب الشيوعي، وزالت أي أراء أخرى داخل الحزب، وهكذا الاستبداد، يتخلص من خصومه أولاً، ثم من أصحابه.
والثورة الثقافية في الحقيقة، كانت حرباً أهلية، انتهت بازاحة كل خصوم ماو، وترسيخ قوة الجيش، وأدخل احدى وسبعين ضابطاً من الجيش، إلى اللجنة التنفيذية التي تدير الصين.
ونذكر من مقولات ماو:
علينا أن نكون متواضعين، متروين، وأن نتحصن ضد الغرور والاندفاع الطائش، وأن نخدم الشعب الصيني بكل أمانة وإخلاص.
اشحذوا عزائمكم، ولا تخشوا التضحيات، وتغلبوا على كل الصعوبات تكسبوا النصر، إن الكوادر هم العامل الحاسم، في تحديد الخط السياسي للدولة.
وفاة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ
في الشهر التاسع من عام 1976، توفي الزعيم الفرد المستبد ماو تسي تونغ، عن عمر اثنان وثمانين عاماً.
وأقيمت في بكين، مراسم تعزية كبيرة جداً، حضرها مئات الألوف، من الجيش والعمال، والفلاحين.
كان مقدساً بالنسبة إليهم، بسبب صراعه ضد الرأسمالية، ودعوته لتحرير طبقة العمال والفلاحين، وتحولت ثورة الشعب ومطالبته للحرية، إلى ديكتاتورية فردية استقلالية، مفوضة من الشعب.
الإسلام وحكم الاستبداد
ينظر الإسلام للحاكم، باعتباره وكيل عن الأمة، في تطبيق أحكام الإسلام، بينه وبينهم عقد، أن يطبق أحكام الإسلام عليهم، ولهم خلعه، إذا خالف مقتضى هذا العقد.
في الأسباب التي تعزز من وجود الاستبداد في المجتمعات، أن يترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سيد الشهداء حمزة، هو رجل قام في وجه إمام ظالم، فأمره ونهاه، فقتله.
ومن الأسباب، التبرير والتأويل الشرعي، الذي يساعد على اضفاء الشرعية على استبداد الحاكم، حتى ينفرد عن الأمة، ويتولى شؤونها بدون رضى منها.
ومن الأسباب التي تعين على الاستبداد، الغلو في طاعة ولي الأمر، لا شك أن طاعة ولي الأمر في المعروف واجبة، ولكن يجب نصحه أو إيقافه، أو حتى عزله، إذا تجاوز الحدود وتلاعب بأموال الشعب، وأعان على المعاصي.
ومن الأسباب، دعوة أن الأمة غير مؤهلة للشورى والديمقراطية، بصورة صحيحة، أمريكا دامت في الديمقراطية، ثلاث مائة عام، ولكنها لم تنضج، إلا في الخمسين عاماً الأخيرة.
لن تنضج الشورى عندنا، إلا إذا مارسناها، الإستبداد أصل كل فساد، وهو أكبر المنكرات بعد الشرك والكفر، ويجب التصدي له باليد واللسان، أو القلب وذلك أضعف الإيمان.