الصبر عادة، واكتساب عادة جديدة يحتاج إلى جهد مستمر لتظل محافظاً على هذا الجهد تحتاج إلى دافع قوي.
الدافع يأتي من معرفة الفوائد التي تعود عليك من اكتساب هذه العادة، لذلك المهم أن نبدأ الحديث عن فوائد الصبر.
فوائد الصبر
اكتسابك للصبر سيفيدك في أكثر من جانب، لنتحدث عن أربعة جوانب منهم:
الصبر يؤدي إلى التفوق
ليصبح شخص ما خبيراً في أمر معين يستغرق سنوات من التدريب والممارسة، والتدريب الطويل يحتاج إلى قدر كبير من الصبر.
أيضاً يساعدنا في اتخاذ قرارات في الحياة بشكل أفضل لأنه سيجعلنا في معزل عن التخيلات المروعة التي تفسد أحكامنا ورأينا.
وسيبعدنا عن القرارات السريعة التي تتولد من العاطفة وهكذا.
إطالة العمر
لأنه يحررنا من الضغوط، فعندما تثور يفرز جسمك هرمونات التوتر المتعلق بضعف المناعة والعديد من الأمراض مثل أمراض القلب وغيرها.
تكوين العلاقات
والصبر أيضاً سيساعدنا في تكوين علاقات قوية فالأشخاص عديمي الصبر يفقدون الأمل بسرعة في الناس.
وهذه ليست طريقة صحيحة للتعامل مع الحياة ولا الحفاظ على العلاقات.
مفاهيم مهمة عن الصبر
كلنا لدينا مفاهيم متأصلة في أعماقنا تحدد استجابتنا تجاه المواقف التي نصادفها. وهذه المفاهيم ستشجعنا لنتحلى بالصبر أو عدمه.
ولدينا كامل الحرية أن نختار منها ونعدل عليها فلسنا تحت رحمتها.
لست صبوراً
عندما تضفي صفة الدوام والثبات على الواقع الحالي وأن الأمر سيستمر على نحو معين بنفس الطريقة للأبد فأنت بذلك لا تساعد نفسك.
نستطيع تهيئة أنفسنا للصبر بأن ننظر إلى أنفسنا على أننا في مرحلة التعلم.
المرة القادمة عندما تفقد أعصابك في موقف ما بدلاً من التفكير في أنك شخص غير صبور فكر بأنك تتعلم الصبر.
الانتظار خلل في النظام
هناك افتراض لدينا وخصوصاً في العصر الحالي أن الانتظار ليس من صميم الحياة لكنه يعبر عن خلل.
لو وقفت في طابور مؤسسة حكومية مثلاً فهذا خلل في المنظومة، لكن هذا ليس صحيحاً فالانتظار شيء طبيعي في الحياة.
والانسان مضطر دائماً أن ينتظر، ينتظر مثلاً الطقس الجيد لزراعة المحاصيل، أو عودة المسافرين.
الفرق الوحيد بين الماضي والحاضر هو أن الأشياء التي كنا ننتظرها تغيرت، لكن حتمية الانتظار ما زالت قائمة.
الانتظار لا يمكننا التخلص منه أو نزيله بشكل تام من حياتنا، وكلما تقبلنا لهذه الحقيقة كلما أصبحنا أكثر سعادة.
تقبل أن جانباً كبيراً من الحياة يفرض علينا الصبر ونحن نقرر القيام به ونحن نشعر بالسعادة والرضا أم سنقوم به ونحن نشعر بالتعاسة والشقاء.
الملل في عقولنا فقط
الملل يأتي من عدم القدرة على تأجيل الشعور بالرضا والبهجة مع ضعف القدرة على احتمال الإحباط.
الانتظار ليس بالضرورة مملاً فالملل ليس موجود سوى في عقولنا والملل في داخلنا نحن.
فالكتاب الذي تقرأه والفيلم الذي تشاهده والوظيفة التي تعمل فيها كلها مملة لأنها في عقلنا مملة وليس لأنها مملة بذاتها.
الكثير من التجارب البشرية يمكن اعتبارها مملة وهناك قدر كبير من المط والتطويل في عملية تربية الأبناء مثلاً.
في العلاقات والعمل نشعر أنه لا يحدث شيء أو على الأقل لا يوجد شيء واضح يحدث.
فيمكن أن ننظر لهذه اللحظات على أنها لحظات مملة أو نفسرها على أنها فرص ونستغلها.
توقف عن وصف كل تجربة تصادفك لمدة أسبوع على أنها مملة.
عندما يبدأ عقلك في وصف الملل عند إشارات المرور أو عندما تضعك شركة الاتصالات بالانتظار على الهاتف.
حاول تحدي نفسك لتجد فيما يحدث شيئاً مثيراً للاهتمام سواء في داخلك أو في العالم الذي حولك.
وقيامك بهذا بشكل صحيح سيغير شعورك بالتجربة.
العالم ليس تحت تصرفك
كثيراً من تعاملاتنا بين بعضنا في العمل والبيت تقوم على محاولة حمل الآخرين على التصرف بطريقة معينة نراها صحيحة بمنظورنا.
لكن ليس هناك إنسان قادر على تغيير سلوك إنسان آخر إلا إن رغب بذلك.
أنت لن تستطيع التحكم بمواقف الناس من الحياة لكن يمكنك التحكم بموقفك أنت تجاه موقف الطرف الآخر.
كلما استمعت له بعقل منفتح وقبلت وجهة نظره كلما أدركت أنك تفتقر بشكل كامل للسيطرة على الآخرين وتصبح أكثر صبراً.
بعض الأشياء تستحق الانتظار
يجب أن تذكر نفسك بأن بعض الأشياء تستحق الانتظار، فجانب من المشاعر الجميلة التي تصيبك عندما تحصل على ما تتمناه يكون بسبب أنه يتعين عليك انتظاره.
بينما أن يحدث شيء لمجرد أنك تريده فستشعر بالتخمة، وهذه الأمور لن تعطيك مشاعر الرضا والإشباع التي تريدها.
وهذه معضلة للناس الذين يحصلون على الأشياء بمنتهى السهولة.
النفس البشرية في حاجة ماسة للإنسان أن يجتهد ليحصل على ما يريده وهذا يجعله يحس بالرضا الحقيقي.
وعندما تتقبل هذا المفهوم وتقتنع به سيساعدك في اكتساب عادة الصبر
كيف تتعلم الصبر
تعلم الصبر بشكل عملي في الحياة.
متى تكون صبوراً
أولاً جهز قائمة بالمواقف التي تكون فيها صبوراً بشكل طبيعي.
فهل أنت صبور بشكل عام مع كل الناس أم مع كبار السن أم الأطفال أو الحيوانات أو الأهداف والعمل.
فكر في الأمور التي تجعل الصبر ممكناً وأنت تواجهها، من المؤكد أن هذه المواقف فيها ما يحفزك ويحثك على الصبر.
من خلال معرفة المواقف المحددة التي تقوم بها ستتعلم الصبر في مواقف غيرها، وهي إثبات لنفسك أنك لست صبوراً كما تظن.
إشارات الغضب
هناك إشارات الإنذار المبكر التي تحدث قبل الانفجار والخروج عن الصبر.
اكتشف مؤشراتك بأن تسترجع ما حدث في داخلك قبل أن تفقد سيطرتك على نفسك.
فأنا مثلاً قبل أن أفقد السيطرة أفكر أن الناس أجمعهم أغبياء وبليدون وهذه هي مؤشراتي.
وفي المرة القادمة عندما أبدأ بالتفكير في موقف ما أحاول أن أشغل نفسي وأتوقف بأي طريقة حتى لا أفقد السيطرة.
سأتعامل مع الانفجار قبل أن يحدث ولا أنتظره أن يأتي.
الصبر الصورة الأكبر
عندما تصرف تركيزك عن تفاصيل المواقف وتقارن أي شيء يحدث بالصورة الكبيرة للأشياء ستكتسب الصبر بشكل تلقائي.
فالزوجة لن تهتم كثيراً أن زوجها لم يرمي القمامة، وأنت لن تهتم كثيراً أن صاحبك لم يشكرك كالعادة لزيارتك له.
أنتما الاثنان ستسيطران على نفسيكما في المواقف هذه عندما تضعونها في إطارها الأكبر.
فمثلاً المنظور الأكثر اتساعاً سيجعل الزوجة في الموقف السابق تتساءل هل الأمر مهم جداً؟
أنا زوجي رجل رائع وأب عظيم، لو نسي رمي القمامة فكم يمثل مقارنة بصفاته الجميلة.
عندما تذكر الزوجة نفسها بشكل مستمر بالنظر إلى صورة الكلية للأمور سيتولد لديها صبر.
الصبر وإعادة صياغة المواقف
المنظور مهم في تفسير المواقع لأنه يجعلنا نؤمن بإمكانية الوصول إلى حلول للمشاكل.
فتخيل مصنعاً أحذية أرسل متخصصاً لاستطلاع منطقة نائية في أفريقيا لدراسة إمكانية إقامة مشروع هناك فأجاب أن الموقف ميؤوس منه.
لأن كل الناس هنا ليسوا مقتنعين بثقافة الأحذية ولا أحد يلبس حذاءاً أصلاً، فصرفوا النظر عن الموضوع.
وبعد فترة قام مصنع آخر بإرسال موظفاً لديهم، فأجاب الموظف: المكان يحمل فرصة عظيمة أن الناس هنا ليس لديهم أحذية.
الاثنان واجها نفس الشيء لكن كل منهما رآه بشكل مختلف.
هذه العملية اسمها إعادة الصياغة، وهي وسيلة قوية جداً للتغلب على مشاعر اليأس وعدم الكفاءة والغضب.
يمكنك العمل بها عندما تواجه مسائل صعبة بأن تسأل نفسك كيف نظري لهذه المسألة من منظور آخر سيزيد احتمالية حصولي على نتيجة طيبة.
ابحث عن شيء تفعله
لا تترك نفسك للانتظار، فالشخص الذي ينتظر لقدر من الوقت إن ركز على الانتظار سيجد أنه يمر بشكل بطيء وممل.
وأفضل ما يمكن فعله في هذه المواقف التي يتعين علينا الانتظار أن نفكر أو نقوم بشيء آخر غير الذي ننتظره.
فكر بشيء ممتع مثير للاهتمام تقوم به طوال الوقت، فعندما تنتظر في سيارتك في اختناق مروري يمكنك أن تخطط للخروج مع أصحابك أو تتسلى بقراءة مجلة وهكذا.
استجب من كل قلبك
أخيراً عندما يتعلق الأمر بالصبر على الآخرين فأفضل ما يمكن فعله أن نحتكم إلى ما بداخلنا من شفقة وعطف وحنان.
عندما نستجيب للآخرين انطلاقاً مما يمليه علينا العقل فقط سنبقى على الدوام ننتقدهم ونطلق الأحكام عليهم.
لكن عندما نفتح قلوبنا ونتعامل بعطف وشفقة ونتذكر أن لكل منا نقائصه وأن الكمال ليس من صفات البشر سيفيض صبرنا عليهم وعلى المواقف.
المصادر
قناة أخضر
جميع الحقوق محفوظة لموقع ماكتيوبس للنشر والتوثيق 2020 / MakTubes.com