كيف يستفيد المسلم من العشر الأوائل من ذي الحجة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وارض اللهم عنهم أجمعين، اللهم آمين.

العشر الأوائل من ذي الحجة، الله عز وجل الخالق لكل شيء كما قال في سورة الزمر: ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ).

الخالق تبارك وتعالى، خلق الشهور كما قال في سورة التوبة: ( إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً في كتب الله يوم خلق السموت والأرض منها أربعة حرم..).

الأشهر الحرم

الأشهر تبدأ من محرم وتنتهي في ذو الحجة، منها أربعة حرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب. ويحرم فيهم القتال.

الله تبارك وتعالى يفضل بعض المخلوقات على بعض، كما قال في سورة الإسراء: (.. ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وءاتينا داود زبورا ).

فضّل شهر رمضان على سائر الشهور، وفضل يوم الجمعة على سائر الأيام، فضل ساعة من يوم الجمعة، يقال من بعد العصر لغاية المغرب يستجاب فيها الدعاء، فضّل ليلة القدر.

وطبعاَ عندما نقول فضّل الله ذلك، فلا يجب أن نتساءل، قال الله في سورة الأنبياء: ( لا يُسئل عما يفعل وهم يُسئلون ).

فالله عز وجل الذي يفضل بعض المخلوقات لأجلنا، ألا إن لربكم في دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها، وهذا حديث ضعيف، ولكنه يأتي في فضائل الأعمال. والمسلم يعرض نفسه لنفحات الله تبارك وتعالى.

العشر الأوائل من ذي الحجة، لهم فضل كبير، وهناك ثلاث عشرات يقول عنهم العلماء وهم: العشر الأواخر من رمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجة، والعشر الأوائل من محرم.

قال الله تبارك وتعالى في سورة البقرة: ( الحج أشهر معلومت فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال.. ).

ما هي أشهر الحج

ويسأل أحدهم أن الحج يبدأ من يوم 8 يوم التروية، ويوم 9 يوم عرفة ويوم  10 يوم النحر ومن ثم 11 يوم القرة فكيف الحج أشهر، وهو يتم في العشر الأوائل من ذي الحجة.

ومعناه أن المسلم يستطيع أن ينوي الحج من شوال، وذي القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة. وهذه هي الأشهر المعلومات للحج.

العشر الأوائل من ذي الحجة، فضلها الله عز وجل وجعل فيها خيراً كثيراً، بدليل قول الله تبارك وتعالى في سورة الفجر: ( والفجر*وليالٍ عشر*والشفع والوتر*والليل إذا يسر*).

يقول العلماء أن الليالي العشر هي زيادة في الخير ووسعه في كل مكان، وقيل العشر الأواخر من رمضان، وقيل العشر الأوائل من ذي الحجة.

وبعض العلماء يقولون إذا تكلمت عن الليالي، فهي العشر الأواخر من رمضان، وإذا تكلمت عن الأيام فهي العشر الأوائل من ذي الحجة، لأن أيام رمضان فيهن ليلة القدر وأيام ذي الحجة فيهن يوم عرفة.

لكن جمهور المفسرين من السلف والخلف ومنهم ابن كثير يقول وهو الصحيح أنها العشر الأوائل من ذي الحجة.

الدليل الثاني، يقول الله تبارك وتعالى: ( وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فج عميق* ليشهدوا منفع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومت على ما رزقهم من بهيمة الأنعام.. ).

وهنا هي العشر الأوائل من ذي الحجة.

ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) صحيح البخاري.

سبحان الله، ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من العشر الأوائل من ذي الحجة.

تفسيرات العلماء

لماذا العشرة أيام هذه؟ لأن فيهن أمهات العبادة، وهي الصلاة والصيام والصدقات والحج، فلا يجتمع كل هذا إلا في العشر الأوائل من ذي الحجة.ويوم عرفة هو يوم الحج الأكبر ويوم المغفرة ويوم العتق من النار كما ليلة القدر.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم القرة) رواه الإمام أحمد وأبي داوود والحاكم. والقرة بفتح القاف وتشديد الراء.وهي يوم 11 هو يوم القرة أي استقر الناس في منى.

ويبقى أن من تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر في يومين فلا إثم عليه لمن اتقى وهي أيام التشريق، ثلاثة أيام بعد يوم النحر وهو العاشر.

كيف نستفيد في هذه الأيام

هي أيام طاهرة وأيام خير وبركة، وأول ما نفعله هو النية الصادقة فإن متَّ أخذت الأجر والثواب، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمرئ ما نوى.

والله قال في سورة الزمر: (.. فاعبد الله مخلصاً له الدين*ألا لله الدين الخالص..).فلا يقبل الله إلا العمل الخالص لوجهه الكريم.

عليك أن تنوي وإن شاء الله يوفقك في عمل الأعمال الصالحة في هذه الأيام، مصداقاً لقول الله تعالى في سورة العنكبوت: ( والذين جهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ).

ما هي أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة

الحج والعمرة، من أكرمه الله بأن يحج فليفعل قال الله تعالى في سورة آل عمران: (.. ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العلمين ).

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة. رواه البخاري ومسلم.

والحج المبرور أي لا يخالطه إثم.

الذي لم يحج ماذا يفعل؟

يعمل الآتي:

لا تقص أظافرك، ولا شعرك، إن كنت ستذبح أضحية كأنك محرم، مع أن الإحرام أكثر من ذلك، بأن لا تلبس مخيطاً ولا محيطاً ولا تضع عطراً ولا تقرب زوجتك، هكذا.

قال صلى الله عليه وسلم: إذا دخلت العشر من ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً ).

لنفرض أني سأذبح أضحية عن نفسي وزوجتي وعيالي، فأقول أنا فقط أحرم، وإنما زوجتي وعيالي لا يحرمون، وإن وكلت شخصاً بأن يذبح عني، فأحرم أنا ولا يفعل الوكيل.

هل  الإحرام فرض أم سنة

هناك ثلاثة مذاهب ولهم رأي في هذا، فالشافعية يقولون أن ذلك مستحب، ومذهب أحمد بن حنبل فيقول أنه واجب لدرجة التحريم، ومذهب أبو حنيفة ومالك يقولان أنه سنة ولا يكره أخذ الشعر.

صيام يوم عرفة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده ). رواه مسلم.

إن شاء الله يصوم الحميع يوم عرفة، طالما لم يذهبوا إلى الحج ويرفع عن الحجاج.

الحفاظ على الصلوات

قال الله عز وجل: ( حافظوا على الصلوت والصلوة الوسطى وقوموا لله قنتين ). وما دمنا محافظين على الصلاة فليتنا نزيدها في هذه الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة لأن فيهن الأجر والثواب مضاعف بإذن الله.

وكذلك الحفاظ على صلوات السنن، ولا تتوانى في صلاتها في هذه الأيام المباركة، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في صحيح البخاري:

( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) أي الزيادات في الصلاة، وفي الصيام صيام التطوع، الإثنين والخميس ويوم عرفة، ومحرم، وفي الزكاة والصدقات، وفي الحج العمرة وهكذا.

الصيام

قال الله تعالى في سورة الأنعام: ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها.. )، وفي سورة البقرة: (.. يضاعف لمن يشاء..) فهنا في الحديث القدسي يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به.
القرآن

وبشكل عام نحن نقوم بهذه الأعمال جميعها، ولكن نريد أن نستزيد في هذه الأيام.

ففي سورة فاطر: ( إن الذين يتلون كتب الله وأقاموا الصلوة وأنفقوا مما رزقنهم سراً وعلانية يرجون تجرة لن تبور*ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ).

الصدقات

( قل لعبادي الذين ءامنوا يقيموا الصلوة وينفقوا مما رزقنهم.. ). ورزقنا الله علماً أو مالاً أو وقتاً أو خبرة أو صحة، فأخرج لله،(.. وينفقوا مما رزقنهم  سراً وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلل).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: ( ما نقصت صدقة من مال ). أنت تظن أن الأموال التي تخرجها ستنقص من مالك، لا والله.

صلة الرحم

قال الله تبارك وتعالى: ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألبب* الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثق*والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ).

فصلة الرحم مهمة جداً في العشر الأوائل من ذي الحجة.

التكبير

فطالما أنت في بيتك أو تمشي في الشارع أو بعد الصلوات تكبر، في التكبير قال صلى الله عليه وسلم: ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ).

التهليل  هو: قول لا إله إلا الله، والتكبير هو قول: الله أكبر، والتحميد: الحمد لله أو لله الحمد.

وكان سيدنا ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة، يكبران والناس يكبرون بتكبيرهما.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا على الخير وعلى فعل الخيرات وأن يتقبل منا جميعاً، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، تقبل منا يارب العالمين.

كل عام وأنتم من الله أقرب، كل عام وأنتم بخير، السلام عليكم ورحمة الله.

وجدي غنيم