إسلام

لماذا نحتاج إلى ترجمة جديدة عن القرآن الكريم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لماذا نحتاج إلى ترجمة جديدة عن القرآن الكريم ؟ رغم وجود ترجمات انجليزية كثيرة جداً وبعضها جيد جداً.

لا خلاف على أن القرآن الكريم هو النص العربي، الذي نزل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين.

وأن أي ترجمة للقرآن لأي لغة لا تعدو كونها ترجمة لفهم المترجم، إذن، كل الناس متفقة على أن أي ترجمة للقرآن ليست هي القرآن. وإنما هي ترجمة لمعاني القرآن طبقاً لفهم المترجم.

وهذا أدى إلى أن المسلمين الذين لا يعرفون العربية أصبحوا لا يريدوا قراءة الترجمة وإنما يريدون قراءة القرآن الكريم نفسه. فيتعلمون اللغة العربية لكي يقرأوا، وهذا جيد.

لكن الجيد هو أنهم يتعلمون العربية إلى مستوى يصل إلى حد القراءة والفهم، أما أن يتعلم الإنسان الحروف العربية كي يضعها قرب بعضها دون فهم كلمة واحدة منها فهذا غير جيد.

كيف يقرأ غير العرب القرآن الكريم

قابلت في بريطانية مسلمة تقول: صار لي خلال ثلاثين عاماً كنت في كل يوم أقرأ القرآن. فسألتها: هل اللغة العربية جيدة لديك؟

قالت: أنا تعلمت اللغة العربية جيداً لكني أجمع الحروف قرب بعضها بعضاً، ولا أفهم أي كلمة. فسألتها: هل قرأتي ترجمة قبل ذلك وما هي أفضل واحدة؟

قال لي: لم أقرأ ترجمة القرآن الكريم أبداً في حياتي، لأنها في الأساس ليست قرآناً، فليس لدي أي فكرة القرآن عن ماذا يتحدث. فسألتها: لماذا تقرأينه كل يوم إذاً؟

قالت لي: حتى تأتيني البركة في حياتي. فأصبحت البركة عند أشخاص كثر هي النسخة الإسلامية من الحظ السعيد، فتحول القرآن الكريم إلى تعويذة بشكل أو بآخر.

مع أن بركة القرآن في تلاوة القرآن وفهم معانيه، وجمع القلب على معان القرآن، وتدبر كلمات القرآن، بحيث أن معانيه تحرك المشاعر في قلب الإنسان. ناهيك عن اتباع القرآن عملياً في الدنيا.

فبدأت أهتم بالنظر في إمكانية تدبر القرآن من الترجمة ، لأن الوصول إلى مستوى إتقان اللغة العربية، لدرجة القراءة والفهم لدى الأوروبيين، ليس سهلاً وليس مستحيلاً.

وهناك من درس وأتقن العربية من الأمريكان والأوروبيين، ولكنهم قليلون تقريباً واحد في الألف. يجب أن نرى حلاً لهم في مسألة قراءة القرآن لا يجب أن يستمروا في قراءة القرآن دون فهم.

بحث جديد لإيجاد ترجمة القرآن الكريم المناسبة

فقمنا ببحث اسمه وقدمته في فيديو tadabbor beyond Arabic التدبر لمن لا يعرف العربية، أثبتنا فيه امكانية التدبر من الترجمة.

إذا اتبع القارئ مفاتيح معينة للتدبر يستطيع أن يتدبر القرآن الكريم، لأن التدبر ليس التفسير والتدبر لا يتبع نفس الأصول تماماً.

صحيح أن الترجمة ليست هي القرآن، ولكن لا أحد ينكر أن في الترجمة يوجد هداية، والدليل أن آلاف مؤلفة قرأوا الترجمة وأسلموا. الترجمة بالإنجليزية والفرنسية وأسلموا. إذن، هناك هداية.

فبدأنا نعطي دورات في التدبر لمن لا يعرف العربية بسيطة لمدة ساعتين ليس أكثر، ثم بدأنا نقارن الترجمات الموجودة اليوم حتى نخرج بأفضل ترجمة تصلح للتدبر. وهنا كانت المفاجأة.

التدبر في معاني القرآن الكريم

أننا في حاجة ماسة لترجمة جديدة عن القرآن الكريم تصلح للتدبر، وهذا ليس معناه أن الترجمات الموجودة غير جيدة ابداً، بل إن بعضها رائع.

لكن المشكلة أن جميع المترجمين اهتموا بإبراز مقصد الله، وليس كيف تكلم الله، أي يقرأ الآية ثم يكتب بالانجليزية المعنى الذي فهمه من الآية. وهذه طريقة الترجمة الصحيحة بلا شك.

لكن هذا لا يراعي التدبر، مثلاً تكلم الله عن الدار الآخرة في حوالي 500 موضع بصيغة الماضي (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا)، (وسيق الذين اتقوا إلى الجنة زمرا) وسيق في الماضي.

وجميع المترجمين بلا استثناء غيروها إلى صيغة المستقبل في الإنجليزي، وبجميع اللغات الأخرى ذات الشيء، غالباً تقرأ هكذا (سيساق الذين كفروا إلى جهنم زمرا).

ذهبت إلى اثنين من المترجمين الكبار، وسألتهم سؤال، من أعطاك الحق بأن تصرف الأفعال بهذه الطريقة؟ فكانت الإجابة في اللقائين كانت نفسها.

كيف أترجم حدثاً مستقبلياً في صيغة الماضي؟ قلت لهم: ربنا تكلم هكذا، من الناس الذين لا يفهمون العربية أن يجدوا ترحمة تبين كيف تكلم الله، التدبر هنا.

كيف تكلم الله عن الآخرة؟ لماذا تكلم بصيغة الماضي؟

تفسير صيغة الماضي والمستقبل

هناك تفاسير طبعاً تقول أن هذا توكيد أنه حادث لامحالة وكأنه حدث بالفعل، وهناك من يقول أيضاً أن الدار الآخرة لا يجري عليها إحداثيات الدنيا، xyz و Time.

لا تفهم الآخرة باحداثيات الدنيا أبداً، فإحداثيات الدنيا خاصة بالدنيا، مثلاً إبليس رفض أن يسجد لآدم ثم طرد من الجنة، ثم وسوس لآدم، فكيف وسوس له وهو خارج الجنة؟

الآن لم يعد يُسأل هذا السؤال، لماذا؟ لأن التواصل عن بعد لم يكن شيء طبيعي فلم يكن مستغرباً على العقل، أما من ثلاثين سنة فكانت مشكلة.

فأخذنا القرار في البدء بترجمة جديدة هدفها هو إعلام الناس كيف تكلم الله سبحانه وتعالى، وترجمة ما يسمى ظاهرة الالتفات.

والتي هي في القرآن الكريم ، تجد أن الله سبحانه وتعالى يتكلم عن الدار الآخرة في صيغة الماضي، أو يتكلم في الجملة القرآنية الواحدة بصيغة الماضي ثم المضارع ثم الماضي مرة أخرى.

ترجمة تناسب التدبر والبحث

بدأنا منذ أكثر من عام، ونرى أنها ستكون الترجمة الأنسب للتدبر وللباحثين، وربما ليس للدعوة، قد لا ننصح بها للدعوة لأننا لا نعرف المخرج الأخير كيف سيكون.

ولكن من الأشياء التي راعيناها في الترجمة الجديدة هي مسألة التكرار، مثل المتقين فهي تترجم إلى the mindful of god أو  the god fearing أو the conscious of god .

كل هذه اختيارات صحيحة في الترجمة. ولكن استخدامها كلها في نفس الترجمة يحرم القارئ من ملاحظة التكرار.

أي من مفاتيح التدبر أن الإنسان يلاحظ تكرار لفظ معين. ويبحث في كل المواضع التي ورد بها هذا اللفظ فيعمل صورة قرآنية لهذا اللفظ.

المتقين مثلاً أو الصالحين أو المحسنين أو المنافقين، أرى كل الآيات التي ورد فيها هذا اللفظ، وأتدبر مقصد القرآن الكريم من هذا اللفظ، أكون صورة قرآنية.

فلو ورد اللفظ في الترجمة بعدة مترادفات في الانجليزية سيحرم القارئ الإنجليزي من ملاحظة التكرار.

ترجمة إسم الله الرحمن

مثلاً اسم الله الرحمن فهو موجود في بعض الترجمات the all merciful و the gracious و the beneficent لماذا؟

لماذا في نفس الترجمة يأتي اسم الرحمن عدة مرات بعدة مترادفات؟ فنحن قمنا في الترجمة الجديدة ما يسمى ب Standardization

أي اللفظ من الفاتحة للناس هو هو، يأتي قدر الإمكان، لأن اللفظ  قد يتغير معناه بتغير السياق لكن هذا قليل.

ترجمة لفظ الكافر في القرآن الكريم

مثلاً لفظ الكافر يأتي الكفر في القرآن بمعنى الكفر بالله أو الكفر بالدين وبمعنى الجحود أي الذي لا يشكر.

فالكافر هو الذي لا يشكر، سيدنا سليمان في سورة النمل: هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم.

إذن، الكافر هنا لا يترجم Disbeliever يترجم Ungrateful ، يعني الذي يجحد ولا يشكر. والكل فعل ذلك فعلاً، ترجموها Ungrateful.

لكن القرآن فيه لفظ بمعنى الكافر بالدين بنفس اللفظ بمعنى الكافر بالنعمة.

ولو نحن استخدمنا لفظين مختلفين في الإنجليزية حرمنا القارئ الإنجليزي من ملاحظة اشتراك جحود النعمة مع الكفر بالله في اللفظ.

بفضل الله وجدنا في اللغة الإنجليزية لفظ يتسع المعنيين وهو لفظ Denier أو Deny، One can deny faith أو Deny grace. واحد يمكن أن ينكر الدين أو ينكر النعمة وهكذا.

بشيء من المجهود نجرب الذهاب إلى النص الأصلي فيما يخص كيف تكلم الله، طبعاً القرآن كتاب معجز وليس فقط إعجاز علمي أو بياني أو تشريعي.

بل إعجاز للمترجم أيضاً، مهما كان، هناك مواضع جعلتني أفكر في أن السهل هو تعليم العالم كله اللغة العربية لدرجة الإتقان وليس ترجمة القرآن الكريم .

خاتمة

القرآن الكريم كتاب معجز، من يريد أن يتذوق طعم الجنة وهو ما زال في الدنيا فتدبر القرآن، ومن حرم تدبر القرآن الكريم فقد حرم.

وصل اللهم وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين وجزاكم الله خيراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى