حول العالمقصص وحكايات

مدينة السماء المفقودة – ماتشو بيتشو


مدينة السماء المفقودة

الكثير منا عندما يستكشف مكان جديد يستحضر بذهنه التاريخ الذي شهده هذا المكان بكل تفاصيله، عالمنا مهما استكشفناه يبقى فيه أماكن كثيرة يحيط بها الغموض في كل اتجاه ويدفعنا للتساؤل عن الغرض من نشأته في قديم الزمان،

أماكن كثيرة قد لا نكون مدركين أهميتها وقد تكون متخفية على قمم الجبال أو بين التلال بالخفاء ومجرد ما نوصل لها نحس أنها عالم معزول عم الدنيا كلها بكل الذي يحصل بها، ومن أشهر النماذج على هذه الأماكن هي مدينة ماتشو بيتشو.

هي مدينة شهدت تاريخ واحدة من اعظم امبراطوريات تاريخ البشر وعكست ألوان مختلفة من العلوم والفنون المذهلة،

من حوالي 820 سنة نشأت امبراطورية في النصف الغربي من كوكب الأرض تعتبر واحدة من أعظم امبراطوريات التاريخ على الإطلاق ألا وهي امبراطورية الإنكا، التعداد السكاني للإمبراطورية كان يقدر بعشرة مليون نسمة وكانوا يعيشوا فوق مساحة شاسعة من الارض تقدر ب900 الف كيلومتر مربع،

وأكثر ما يلفت النظر في هذه الامبراطورية هو كمية المراكز الادارية والمعابد والطرق والقنوات التي بنيت عايد شعبها في مساحات وعرة من الارض وغير صالحة للحياة من الاساس،

تخيل امبراطورية اساسها وبنيتها التحتية عبارة عن تضاريس جبلية ومنحدرات وأراضي غير ممهدة للسير، وبالرغم من هذا كله تحولت لمنشأة سكنية عريقة عن طريق استخدام شعبها للأدوات البسيطة،

أما عن قصة نشأة امبراطورية الإنكا فيستلهمها الكثير من الناس من احد الاساطير القديمة التي تقول ان الحكام الاوائل للإمبراطورية كانوا مجموعة مكونة من اربع اشخاص قائدهم واخوهم الاكبر يدعى “أيارمانكو”

وكان يعيش بكهف يدعى كمبكوكو وكان هو صاحب السلطة ودوما يمسك بيده عصا ذهبية واخوته يمشون ورائه يستدلوا بكلامه ويسمعون توجيهاته وكان الاخوة الاربعة في رحلة متواصلة للبحث عن الطرق الخصبة التي سوف يبنوا بها إمبراطورتيهم،

ماتشو بيتشو… مدينة السماء المفقودة

ماتشو بيتشو... مدينة السماء المفقودة
ماتشو بيتشو… مدينة السماء المفقودة

والاسطورة تقول أن أيار كان كلما ما يذهب لمكان يغرس فيه العصا الخاصة به من أجل أن يعرف اذا ستستقر أم لا

وبعد محاولات عديدة باءت بالفشل استقرت العصا أخيرا في وادي يسمى كوسكو، لكن هذا الوادي كان فيه سكان أصليين يعشون فيه فدارت مناوشات عسكرية وصراعات ما بينهم لحد ما تم الاستيلاء على الوادي وأصبح العاصمة وأصبح أيارمانكو هو أول ملك للإمبراطورية الانكا،

أما بالنسبة للسنة التي نشأت بها الامبراطورية فتختلف الروايات ولكن هناك بعض الدلالات الاثرية ترجح أنها بدأت عام 1200 ميلادية وبقيت لحد عام 1434 ميلادية مملكة صغيرة،

وفي هذا الوقت جاءت قبيلة شانكا ودخلت تهاجم المملكة لكن لحسن الحظ كان مازال أحد أبناءه مستقر في المملكة وكان اسمه باتشكوتي وقد استطاع بخبرته العسكرية الدفاع عنها وانتصر على القبيلة الدخيلة وتم تتويجه واصبح الملك التاسع لإمبراطورية الانكا،

وبدأ باتشاكوتي يوسع أطراف المملكة وينشرها على جبال الانكيز وتحولت المملكة الصغيرة لإمبراطورية عظيمة وكي يستطيعوا ادارة امبراطورية بالحجم الكبير هذا من دون ان يكون لديهم لغة مكتوبة يوثقوا بها القوانين كانوا يستخدموا نظام معقد يعتمد على الخيوط يسمى نظام الكويبو،

وكانوا يستخدموا هذا النظام في تدوين الارقام والمعلومات وتم انشاء قنوات للري على ارتفاعات مختلفة لجبال الأنكيز وأصبح من السهل نقل المياه لكل زاوية من زوايا الامبراطورية وأثناء فترة حكم باتشكوتي ظهر اسم دولة ماتشو بيتشو في التاريخ وتم اتخاذها كمقاطعة كاملة داخل الامبراطورية،

تعتبر مدينة ماتشو بيتشو من اجمل واعرق المواقع الاثرية التي ممكن ان تزورها بحياتك بكل ما تحمل الكلمة من معنى، تقع المدينة في الوادي الشمالي الغربي لمدينة كوسكو والذي يبعد مسافة 80 كيلومتر عن مركز المدينة و موجود حاليا في دولة البيرو في القطاع الغربي من قارة اميركا الجنوبية،

وهذه المدينة هي أجد العلامات التي تدل على ذكاء وخبرة حكام امبراطورية الإنكا في مجال الهندسة المعمارية ومن المعتقد ان عدد السكان الذين سكنوا هذه المدينة من 500 الى 1000 شخص وبعد اضمحلال الامبراطورية في القرن الخامس عشر تم تدمير معظم معالمها باستثناء بعض الاجزاء الصغيرة التي هي مدينة ماتشوبيتشو،

تاريخيا أول ظهور للمدينة كان بمنتصف القرن الخامس عشر، وهناك ستجد ما يقارب 200 منشأة تعكس براعة شعب الإنكا في التصميم الهندسي وأهم الابنية الموجودة فيها هي القصور والمعابد والمصاطب بالإضافة للساحات العامة والمراصد الفلكية التي كانوا يتابعون من خلالها مشاهد السماء المختلفة،

أما عن عدد المصاطب المنتشرة على سطح الجبل يبلغ عددهم حوالي 600 مصطبة وهناك أيضا 3000 سيرجمة مصنوعة من الحجارة والتي تساعد في الصعود للجبل، وكانت المصاطب تلعب دور أساسي في توفير مساحة مسطحة تسهل على المزارعين أن يزرعوا المساحات الخضراء بعيدا عن الصقور والانحدار بسبب طبيعة الجبل الوعرة،

وكانوا يقوموا بشق قنوات في قلب الجبل نفسه من أجل أن يوجهوا الماء إلى المساحات الخضراء، وأيضا للمناطق السفلية من الجبل التي لا تصل لها المياه فكانت أشبه بنوافير المياه أو الشلالات الصناعية المتساقطة على الجبل واعتمدوا في بناء هذه المنشآت كلها على الحجارة الصخرية بشكل أشبه بالطوب الأحمر الذي يتم استخدامه في بناء البيوت الحديثة،

ومن السهل ملاحظة أنهم لم يستخدموا الاسمنت بين الحجارة كما نفعل الأن ولن نلاحظ أثار طينية بين الحجارة لتدعمها وتساعدها على الثبات وبالرغم من ذلك لن تجد أي عشوائية في نظام ترتيب الاحجار فوق بعضها،

بل بالعكس شعب الانكا كانوا يقطعوا الحجارة لتكون متناسقة مع بعضها وتظهر في شكل مريح للعين والأن وبعد 500 سنه من انشاء هذه المدينة بالحجارة لو حاولت وضع سكين بنص حاد بين الحجارة لن تستطيع تدخلها ما بينها،

وهذا دليل على اتقان الصنع والحرفية في بناء المباني بالرغم من بدائية الادوات المستخدمة، لحد يومنا هذا مازال الغرض الحقيقي من انشاء مدينة ماتشو بيتشو عبارة عن لغز كبير بالنسبة لعلماء الاثار، النظريات تتحدث أنه تم إنشاءها كموقع خاص بالاحتفالات الدينية واقامة المراسم والشعائر الخاصة بهم،

ونظرية ثانية تقول أنها كانت معقل عسكري للإمبراطورية،

ونظرية ثالثة تقول أنها كانت ملك للنبلاء واصحاب المقامات العلية وكانوا يذهبوا لها عندما يحبوا ان يستقروا في مكان بعيد عن ضوضاء وصخب المعارك الحربية،

حدود المدينة وتضاريس الجبلية التي فيها مميزة بشكل واضح، وتستطيع رؤيتها من بعيد وتلاحظ الجبال المغطاة بالمساحات الخضراء خارجة من منتصف الوادي فبذلك تعرف أن هذه ماتشو بيتشو التي تسمى مدينة السماء نظرا لكونها مستقرة على جبال الأنكيز على ارتفاع شاهق يصل لحوالي 2430 متر فوق سطح البحر،

وكونها مدينة أثرية جعل بعض الناس يعتقد بوجود رابط بينها وبين أحداث فلكية تحصل بالسماء، ولان شعب الانكا لم يكن لديهم لغة مكتوبة لا يوجد تاريخ مسجل عن المدينة ولا الغرض من بنائها للأجيال اللاحقة وهذا غير أن سكان المدينة هجروها مطلع القرن ال16 بعد 100 سنه فقط من انشائها ولذلك لم يتم توريث معلومات عنها من خلال الشعوب التي عاشت بها،

وبالرغم من ان موقع الجغرافي لمدينة ماتشو بيتشو كان معروف بشكل محلي في المناطق المجاورة إلا انه لم يكن هناك معلومات عنها للأماكن البعيدة في العالم الخارجي والاسبان لما عزوا شعب الانكا في القرن السادس عشر لم يشاهدوا المدينة بالرغم انهم سيطروا على الامبراطورية بالكامل وبقيت المدينة مهجورة وغير معلومة بالنسبة للعالم الخارجي لحد بداية القرن العشرين وتحديدا عام 1911،

في هذا الوقت كان هنالك مزارع اسمه “ملكورأرتياكا” وكان مسؤول عن ارشاد برفيسور من جامعة ييل الامريكية اسمه “هيرمبنكهام” وأثناء هذه الفترة كان هناك رحلة للبحث عن العجائب الاثرية التي لم يتم السماع عنها قبل هذا

و ظهر اسم المدينة بعدها للنور وفي عام 1983 قرر اليونسكو ضم المدينة لقائمة التراث العالمي واصبحت وجهة سياحية من الطراز الاول لكثير من الناس الذين يزوروها كل عام.

اقرأ أيضاً… وادي الملوك في مصر (valley of the king)

اقرأ أيضاً… أسرار عن تمثال الحرية لا يعرفها معظم الأمريكيين والعالم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى